IMLebanon

3000 طن نفايات في شوارع العاصمة.. وتصاعد الحركة الاحتجاجية ليلاً

3000 طن نفايات في شوارع العاصمة.. وتصاعد الحركة الاحتجاجية ليلاً

سلام لن يبقى صامتاً.. ومزايدات سياسية تدفع عكار للتملّص من عبء الحلّ

إذا كانت النفايات المتراكمة في شوارع بيروت شكلت احراجاً ضخماً لكل الطبقة السياسية، وأظهرت حجم العجز عن وضع القرارات أو اتخاذ القرارات موضع التنفيذ، خرج زوّار الرئيس تمام سلام بانطباعات غاية في التشاؤم من ان الرجل يقف امام مفترق حقيقي في ما يختص بجلسة الثلاثاء المقبل.

فالمسألة بدأت تمس هيبة الدولة والرصيد الشخصي للرئيس سلام، وفقاً لتعبير وزير الإعلام رمزي جريج، الذي زار السراي لاعلان تضامنه مع رئيس الحكومة. في وقت كان فيه وزير البيئة محمّد المشنوق يجتمع في بيت الكتائب المركزي في الصيفي مع رئيس الحزب النائب سامي الجميل، في حضور رؤساء اتحاد بلديات جبل لبنان، بحثاً عن مخارج لازمة النفايات التي بلغت ما يزيد عن 3000 طن في شوارع العاصمة، التي بدت يتيمة وكئيبة وغاضبة وحانقة على من أطاح بالخطة الوطنية التي اقرت في مجلس الوزراء عام 2010 لمعالجة النفايات الصلبة، فإذا بالعاصمة وحدها بعد خمس سنوات تدفع ثمن السياسات الكيدية والسياسات المرتجلة، والقفز فوق التخطيط والنظرة البعيدة وتنفيذ ما يتفق عليه، وكأن الحكم ليس استمراراً، كما يُؤكّد النظام العام، بل كيدية ولو على حساب حياة النّاس وصحتهم وعافية ابنائهم ومصالحهم الحيوية والاقتصادية.

وبدا من سير المواقف والاجتماعات والاتصالات ان مأزق النفايات فرض نفسه بقوة على الوسط السياسي إلى درجة ان رئيس الكتائب النائب الجميل تساءل ايهما اهم: آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء أم معالجة أزمة النفايات? رافضاً ان يبقى وزير البيئة وحيداً أو مستفرداً.

ويلتقي رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مع موقف الذين يعلنون التضامن والتقدير لأداء الرئيس سلام، لكنه لاحظ، في لقاء جمع عدداً من الإعلاميين في معراب أمس ان «الرجل وصل إلى مكان وجد نفسه فيه مكبلاً»، مشيراً (أي جعجع) إلى ان الرئيس سلام يتمسك بخيار الاستقالة لأنه يرفض العجز، متوقعاً، في المقابل ان تعود الجلسات إلى نصابها، وهي تحتاج إلى بعض الوقت.

واستبعد جعجع تسهيلاً ايرانياً لانتخابات الرئاسة، وإن كان الحراك الدولي جدياً جداً، كاشفاً انه شرح للقيادة السعودية وجهة نظره من الاستحقاق الرئاسي، وكيف ان إيران تضغط على «حزب الله» فهي لا تريد دولة قوية، رافضاً نظرية حلف الأقليات، ومتوقعاً تصعيداً ايرانياً في المنطقة بعد الاتفاق النووي، «من أجل القول لشعبه وجمهوره بأنه لا يزال قوياً»، مؤكداً بأنه لا يمكن الاستهانة بالسعوديين أو الدول الخليجية، وإن كانوا يفضلون عدم استخدام القوة إلاَّ في الدفاع عن النفس، نافياً صحة المعلومات عن إمكانية التواصل مع نظام بشار الأسد، «فالخيار السعودي واضح ولا تراجع عنه، أي دعم الشعب السوري وخياراته»، معتبراً زيارته إلى المملكة بانها «جيدة جداً»، وهي أتت في إطار التعارف عن كثب مع الإدارة السعودية الجديدة.

جلسة الثلاثاء

اما في ما يخص الآلية، فنقلت  وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني موقف وزراء الرئيس ميشال سليمان الثلاثة للرئيس سلام، ومفاده تأييد تصوره في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، ورفض ما يثيره الوزير جبران باسيل في جلسات مجلس الوزراء من ان الوزراء الـ24 يمثلون الرئيس، موضحة بأن هناك فرقاً ما بين الوكالة والشراكة، مشيرة إلى ان الرئيس سلام يُدرك واجباته جيداً وسيتحمل المسؤولية.

ولا تتحدث مصادر وزارية عن حل جاهز لمقاربة العمل الحكومي مطروح للبحث في جلسة الثلاثاء، مؤكدة ان الحكومة لم تلفظ انفاسها الأخيرة بعد، وأن هناك اتصالات جديدة ستقوم قبل حلول موعد الجلسة.

ولفتت المصادر نفسها لـ«اللواء» إلى ان الرئيس سلام افسح في المجال امام استكمال البحث مجدداً بآلية العمل داخل مجلس الوزراء في فرصة أخيرة قبل إعلان أي «احتمال وارد» سلبي أو غيره، مع علمه اليقين ان المواقف قد لا تتبدل، وأن هناك من يعمل لإسقاط الحكومة أو لتعطيل عملها، خلافاً لكل ما يعلن عكس ذلك.

وسألت المصادر: ما هي المصلحة في عدم التفتيش عن حلول؟ وهل هناك مثلاً من يريد تخريب البلد، أو إيصال النظام السياسي إلى مرحلة تفرض اللجوء إلى المؤتمر التأسيسي؟

وأكدت ان المواطنين يريدون ان تعالج امورهم، وليسوا مهتمين بالتالي بتوقيع 19 أو 24 وزيراً المراسيم، معربة عن اعتقادها ان الرئيس سلام لن يترك البلاد تتخبط بأوضاع صعبة، وهو مدرك لمسؤولياته، اما إذا بقي الحائط مسدوداً، فإن أي خيار كخيار الاستقالة قد يكون وارداً جداً.

وأشار وزير الاشغال العامة والنقل غازي زعيتر في تصريح لـ«اللواء» إلى انه ليس من مصلحة أي فريق سياسي تعطيل البلاد في ظل الظروف الراهنة، داعياً الجميع إلى التحلي بالوعي.

وإذ رأى ان مصير جلسة الثلاثاء يعود للرئيس سلام الذي يريد استكمال البحث بمقاربة العمل الحكومي والنفايات، أعلن انه والوزير علي حسن خليل يؤيدان الرئيس سلام والدستور وتفعيل عمل الحكومة، مشيراً إلى ان الاتصالات للوصول إلى مخرج ليست مقفلة.

وسأل: هل ان المطلوب ألاَّ تتخذ الحكومة أي قرار في ظل الشغور الرئاسي؟ مذكراً بما تمّ الاتفاق عليه بالنسبة لآلية العمل الحكومي لجهة تحييد البنود الخلافية، مؤكداً بأن هناك مسائل ملحة وحياتية لا تحتمل عدم بتها.

وفي سياق متصل، أبلغت مصادر نيابية في قوى 14 آذار «اللواء» ان البيان الأخير لكتلة الوفاء للمقاومة أظهر وكأن حزب الله لم يعد يريد بقاء الحكومة، متوقعة ان يستتبع ذلك ردّ من الكتل النيابية، ولا سيما كتلة «المستقبل» في اجتماعها المقبل.

أزمة النفايات

وبالعودة إلى أزمة النفايات، وفيما تتبارى البلديات خارج العاصمة والقوى السياسية التي توفّر الغطاء لها في رفض المساهمة في حمل العبء المتعلق بالنفايات، نجحت المزايدات السياسية والنكايات المناطقية في تحويل 20 كيلومتراً مربعاً، اوهو مساحة بيروت إلى مكب للنفايات: يبعث نهاراً شتى اصناف الروائح الكريهة، ويشهد ليلاً حرائق تُهدّد البنية التحتية للكهرباء والمياه والهاتف.

والواضح ان الأزمة دخلت مرحلة المزايدات العكارية، ففريق مع طمر النفايات وفريق ضد، في ظل تساؤلات عن أسباب هذه الغيرة المفاجئة، فمطمر «سرار» يدخله يومياً 300 طن بشكل عشوائي، وهو يوفّر للبلديات مداخيل مهمة، ولو جرى اعتماد وسائل حديثة لكان في الإمكان استيعاب كميات أكبر وبشروط بيئية أفضل.

اما الفريق المعارض فإنه على حدّ قول مصادر مطلعة، يمارس عملية ابتزاز ضد بلدية بيروت وشركة «سوكلين» لحصد مكاسب شعبية وشخصية تفوح منها روائح الفساد.

والذين يتصلون بوزير البيئة محمّد المشنوق، يلاحظون بأن الرجل تُرك وحيداً في مواجهة مشكلة النفايات، ليس بالنسبة لبيروت وحدها، بل لكل المناطق، وهو يرى ان الوضع لم يعد يحتمل، ويشكو في مجالسه الخاصة من نكث الوعود التي اغدقت عليه، ثم سحبت سواء في ما يتصل بمحرقة صيدا أو عكار، ويعتقد انه لم يعد يمتلك حلولاً، حتى لو كانت سحرية، وإن كان يرى ان الحل الوحيد المتاح حالياً هو العودة إلى فتح مطمر الناعمة، وهذا الأمر في يد النائب وليد جنبلاط، أقله لحين فتح المناقصة الثالثة لبيروت المقرّر موعدها في 7 آب المقبل، ويهمس في اذن أحدهم، حسب ما نقل زواره «لعل ابن عمي في وزارة الداخلية والمسؤول عن البلديات تكون لديه أفكار جديدة.. اما انا فلم تعد لدي حلول».

ويخشى المقرّبون من الوزير المشنوق ان تكون الضغوط التي مورست لمنع الشركات من التقدم للمناقصتين السابقتين من أجل الوصول إلى صفقة تتم بالتراضي.

وفي المعلومات ان المشنوق سيطلب من مجلس الإنماء والاعمار إصدار توضيح في شأن النص الذي وضعه في دفتر الشروط، خلافاً لقرار مجلس الوزراء الذي قرّر انه في حال لم يتمكن المتعهدون من إيجاد مطامر فإن على الدولة ان توجد هذه المطامر.

هل يعني ذلك ان الرجل استسلم لقدره؟

يجيب الزوار، يمكنك ان تقول كذلك، فالرجل لم تعد امامه سوى مناقصة بيروت، لكنه يقول انه في الإمكان استعمال الكسارات القديمة مطامر، لكن هذا الاجراء يحتاج إلى عملية مالية معقدة، لا حل لها إلاَّ عبر قرار من مجلس الوزراء باعتبارها املاكاً خاصة، ولكن هل يستطيع مجلس الوزراء اتخاذ قرار في ظل «الفيتو» الموضوع من حلف «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» بان لا قرار يتخذ في أي بند قبل حل آلية العمل، ولو بلغت اكوام النفايات في بيروت تلالاً في الشوارع، وعادت إلى الضاحية الجنوبية بعد رفض حركة «امل» نقل النفايات إلى «الكوستا برافا».

في هذا الوقت، بات المشهد في بيروت والضواحي الجنوبية والشمالية مأساوياً، حيث اغلقت الكثير من الطرق الفرعية تلقائياً بسبب تمدد النفايات التي غطت مساحتها، فيما استمر مسلسل إحراق المستوعبات ليلاً، وتصاعدت حركة الاحتجاجات في شوارع بيروت، إذ رميت الحاويات في وسط شوارع السوديكو وتقاطع بشارة الخوري – البسطة وكورنيش المزرعة، حيث صودف مرور الفنان عاصي الحلاني.

ودعت مجموعة من الناشطين إلى اعتصام جديد امام السراي الحكومي مقابل تمثال رياض الصلح عند الخامسة من عصر غد السبت احتجاجاً على استمرار أزمة النفايات دون إيجاد حل لها، وعمد مواطنون إلى قطع الطريق في منطقة الرحاب في بئر حسن بالنفايات واضرموا النار فيها لبعض الوقت، وعملت فرق الإطفاء لاخماد النيران وإعادة فتح الطريق.