إندساس سياسي يحوِّل غضب الشارع إلى شغب!
قتيل وعشرات الجرحى ليلاً.. وسلام: لن نغطي المرتكبين.. والمشنوق يستعجل التحقيق
التدافع بين المتظاهرين وعناصر قوى الأمن الداخلي المولجة بحماية السراي الكبير قبل فض الاعتصام في ساحة رياض الصلح
23 آب 2015: لم يقتصر الغضب الشعبي الذي عبّر عن نفسه في ساحة رياض الصلح، منذ مساء السبت، على الشبان والمواطنين الذين لبّوا دعوة حملة «طلعت ريحتكن» للتجمّع والاعتصام وسط العاصمة، بل شملت السراي الكبير، حيث عبّر الرئيس تمام سلام عن بالغ انزعاجه وغضبه عمّا آلت إليه الأوضاع في البلاد، محذراً من «إنهيار عام لن يكون شريكاً فيه»، داعياً القوى السياسية إلى «مراجعة حساباتها بعيداً عن المزيدات»، مشيراً إلى أن «خيار الإستقالة» ما زال إمامه، وكاشفاً أنه كاد يُقدم عليه قبل ثلاثة أسابيع، ومؤكداً أنه «إذا لم تكن جلسة مجلس الوزراء منتجة الخميس، فلا لزوم لمجلس الوزراء بعد ذلك».
وإذا كان الرئيس سلام أكد أن لا حلول سحرية، معتبراً أن التظاهر السلمي حق دستوري، متعهداً حمايته ومواكبته، وأن يكون جزءاً منه وليس في الضفة الأخرى أو خارجه، فإن ما توقعه حصل مساء مع هبوط ساعات الليل الأولى، عندما أشار إلى أن محاسبة القوى الأمنية ربما تخضع بدورها لما أسماه «بالتجاذبات والصراعات السياسية التي تتحكّم بكل كبيرة وصغيرة». (راجع ص 2)
ولاقت مواقف الرئيس سلام التي وجهها للمعتصمين قبالة السراي الكبير في ساحة رياض الصلح والساحات المحيطة بها ارتياحاً في أوساط هؤلاء ما لبث أن دخلت عليه قوى أخرى لا تريد التوصّل إلى تسوية، مع أن الرجل كان واضحاً، سواء في حماية الاعتصام والتظاهر أو التعهد بخطوة كبيرة إذا لم تسفر جلسة مجلس الوزراء وقبلها اجتماع مناقصات ملف النفايات عن نتائج حاسمة لمصلحة المواطنين.
وفي خضم خلافات داخل حملة «طلعت ريحتكن» المتأثرة بالغايات السياسية غير المعلنة للأطراف التي دخلت على خط استثمار التحرّك المشروع، والذي بدأ عفوياً وشعبياً تهاوت سائر الاقتراحات التي قدّمت، ولم يلق موفد الرئيس سلام اللواء محمّد خير أي تجاوب مع المعتصمين لتشكيل وفد والتحاور معه حول أهدافهم واقتراحاتهم، لا سيما بعد أن اعتبر أن الأزمة تتحمّل القوى السياسية مسؤوليتها وليس فريقاً بعينه.
ودلّت التطورات اللاحقة أن التحرّك الذي ارتبط بملف النفايات واندلع على خلفية تأجيل فض العروض الثلاثاء الماضي، لم يكن سوى واجهة، وأن وراء الأكمة ما وراءها، وسط أسئلة سياسية ومتابعات محلية وإقليمية في الغرف المغلقة وتساؤلات شبه رسمية عن الأطراف الحقيقية المحرّكة للشارع والذي رتب أعماله ونشاطاته وهتافاته قبالة السراي مطالباً باستقالة الحكومة، والشروع بانتخاب رئيس للجمهورية، ثم إجراء انتخابات نيابية.
ولعلّ الأجندة السياسية للتحرك، الذي تولّت محطة CNN الأميركية نقل وقائعه على غرار ما فعلت محطات التلفزة اللبنانية، أعادت إلى الذاكرة سيناريوهات 2008 التي قادت إلى اتفاق الدوحة، ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد فراغ رئاسي أعقب انتهاء ولاية الرئيس السابق إميل لحود.
وعلى هذا الصعيد، تحدثت الأوساط الديبلوماسية عن أن سيناريو حملة «طلعت ريحتكن» وسط بيروت والحشد الشعبي إلى الساحة بالمئات، دلّ على أن هناك جهات نافذة تقف وراء التحرّك تنظيماً ومتابعة واستمراراً، لفرض سيناريو رئاسي يمثّل تعديلاً في الخسائر والمتغيّرات الجارية في الدول الملتهبة من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق.
ولم يمض نهار أمس على خير، إذ تمكنت، باعتراف نشطاء حملة «طلعت ريحتكن» قوى أخرى كانت في الساحة، من هزّ الأجواء الصافية وتحويل ساعات المساء إلى ساعات كرّ وفرّ واشتباكات بالقنابل المسيلة للدموع والحجارة وخراطيم المياه، فضلاً عن الرصاص المجهول الذي أدى إلى مقتل أحد المشاركين في الاحتجاجات في مستشفى الجامعة الأميركية، وإصابة 37 آخرين باختناقات ومعالجة 200 ميدانياً، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من إخراج المعتصمين من ساحة رياض الصلح إلى الشوارع المحيطة به، وإعلان نشطاء حركة الاحتجاج على النفايات عن إنهاء التحرّك ليلاً إلى السادسة من مساء اليوم الاثنين.
ومع مطالبات عديدة صدرت بإخراج ما وصف بالمجموعة المندسة من ساحات الاعتصام، إلا أن هذه المجموعة واصلت تحركها بعد ترك منظمي التحرّك رياض الصلح إلى ساحة الشهداء، في محاولة لإثبات أن لا علاقة لهم بالعنف الممارس.
وليلاً، سيّرت القوى المولجة بحماية وسط بيروت، دوريات مشتركة من قوى الأمن الداخلي والجيش للحفاظ على الأمن في الوسط التجاري بعد تعرضه لعمليات شغب وتخريب طالت المدنيين والعسكريين والمحلات التجارية بما في ذلك حرق خيم أهالي العسكريين المخطوفين. وذلك غداة ترؤس وزير الداخلية نهاد المشنوق اجتماعاً أمنياً في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في حضور المدير العام اللواء إبراهيم بصبوص والقادة الأمنيين لضبط الوضع الأمني والمحافظة على ممتلكات المواطنين وأملاكهم مع حق المتظاهرين بالتعبير عن آرائهم تحت سقف القانون.
وكلف المشنوق الذي كان خارج لبنان لدى وقوع المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية السبت، وعاد فجر أمس، المفتش العام لقوى الأمن الداخلي العميد جوزيف كلاس اجراء تحقيق حول ما جرى مساء السبت «بين المتظاهرين وقوى الامن وغيرها من القوى العسكرية» على أن يكون «التحقيق جاهزاً خلال 24 ساعة»، كما كلفه زيارة الجرحى والمصابين من المواطنين والقوى الأمنية والعسكرية والاستماع إلى كل واحد منهم. فيما طلب النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية اجراء تحقيق بشأن ما حصل و«تكليف أطباء شرعيين بالكشف على المصابين تمهيداً لوضع تقارير مفصلة عن هذه الاصابات ولتحديد نوعية القذائف التي اصيب بها المدنيون لمعرفة ما اذا كانت من نوع المطاط أو الرصاص وتحديد من أطلق هذه القذائف ومن أعطى الأمر بإطلاقها والتحقيق معهم».
مجلس الوزراء
ويتزامن التحرّك الجديد لحملة «طلعت ريحتكن» في السادسة من مساء اليوم، مع موعد اجتماع اللجنة الوزارية لفض العروض الخاصة بالنفايات التي تمكن وزير البيئة محمّد المشنوق من تقريب موعد الاجتماع إلى اليوم بدلاً من الغد.
وإذا نجحت اللجنة في فض العروض، فان هناك احتمالاً لتقريب موعد جلسة مجلس الوزراء من الخميس إلى الثلاثاء أو الأربعاء، بحسب مصادر وزارية التي أوضحت ان المجلس سيناقش جدول أعمال من 39 بنداً أبرزها ملف النفايات والرواتب والأجور لموظفي القطاع العام والعسكريين، إضافة إلى القروض والهبات والدعوى المقامة ضد الدولة اللبنانية من قبل إحدى شركات الطيران والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، مع 90 مرسوماً عادياً بحاجة الى تواقيع.