«شبح الفوضى» يُطلِق الدعوات للحوار الأربعاء المقبّل
إنهاء «إحتلال» مبنى البيئة .. والمشنوق لـ«اللــواء»: أخطأوا في العنوان
خطف «احتلال» عشرات الأشخاص من ناشطي حملة «طلعت ريحتكم» التي تضامنت معها حملة «بدنا نحاسب» وحملات أخرى لم تكن معروفة، الرواق المؤدي إلى مكتب وزير البيئة محمّد المشنوق في وزارة البيئة الكائنة في بناية اللعازارية، الاهتمام الحكومي والأمني والدبلوماسي والسياسي، في وقت كان الوسط السياسي يترقّب ما بعد دعوة الرئيس نبيه برّي لعقد طاولة الحوار لقادة الكتل النيابية التي يتكون منها مجلس النواب الأربعاء المقبل في 9 ايلول عند الساعة العاشرة قبل الظهر، والتي ستعقد في إحدى القاعات الكبرى في المجلس النيابي، تزامناً مع دعوة صدرت من تجمع يُطلق على نفسه اسم «تحرك 29 آب» لاعتصام حاشد في بيروت، يعلن عن مكانه وزمانه لاحقاً احتجاجاً على ما أسماه «حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة»، علماً أن موفدين من رئيس المجلس تولوا أمس تسليم الدعوات للقيادات السياسية المعنية، من دون تعميم نص الدعوة، حرصاً على المدعوين والمشاركين.
ولئن كان رئيس المجلس تولى شخصياً الاتصال برئيس أكبر كتلة نيابية، الرئيس سعد الحريري، متمنياً عليه المشاركة في الحوار لاضفاء طابع القوة والانتاجية عليه، كان رئيس الكتلة الثانية عددياً في المجلس النائب ميشال عون يُؤكّد مشاركة تكتله في طاولة الحوار، كاشفاً ان فريقه أجرى دراسات قانونية ووجد المخرج القادر على تثبيت شرعية جديدة من شأنها ان تتولى وضع الحلول المطلوبة لجميع القضايا المطروحة.
على ان الاهم في موقف عون امس، ليس تأكيد دعوته للتظاهر بعد غد الجمعة، بل دعوته للمتظاهرين في الحراك المدني للتنبه إلى ان «الفوضى الخلاقة ليست هي الحل»، معرباً عن «خوفه» من إشارة التلفزيون الأميركي CNN لنا منذ بضعة أيام بأن لبنان أصبح على أبواب الربيع العربي الذي وصفه بـ«الربيع الجهنمي»، لافتاً إلى ان «النفايات سيأتي يوم وسترفع، ولكن الخراب والدمار سترافقهما جراح لا تندمل».
وتلاقى هذا التحذير من مغبة الفوضى مع موقف مماثل أعلنته كتلة «المستقبل» النيابية التي اجتمعت في الوقت نفسه برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، والتي اعتبرت ان «دخول وزارة البيئة أو أي مقار رسمية يخدم من يتوسل الفوضى والخراب للبنان ولا يخدم الحراك السلمي».
وأكدت على وجوب استمرار الحكومة الحالية في أداء عملها بحيث لا تسقط أو تستقيل طالما استمر الشغور الرئاسي، مشددة على رفض الكتلة الضغط لاقالة أي وزير أو مسؤول من منصبه بهذه الطريقة الانقلابية الخطيرة التي حاولها البعض (امس)، في إشارة إلى المعتصمين في وزارة البيئة، مشيرة إلى ان أي عمل موجه ضد الأملاك العامة والخاصة هو عملياً موجه ضد الشعب اللبناني وهو مرفوض ومستنكر، لأنه يفتح الباب امام فوضى واسعة قد تطيح بالمؤسسات، بما يفتح المجال امام كل أنواع المشاغبين.
وهذان الموقفان التقيا أيضاً مع الجهود الحثيثة التي كان يبذلها كل من الرئيس تمام سلام ووزير الداخلية نهاد المشنوق، اللذين تواصلا طوال النهار وحتى ساعات المساء، لنزع اللغم الذي كان زرع في ليل، منذراً بتهيئة الأرض لانفجار واسع أو انفجارات متكررة، من خلال اقتحام مبنى وزارة البيئة ومحاصرة الوزير محمد المشنوق في مكتبه والمطالبة باستقالته.
وأكدت مصادر السراي الكبير لـ«اللواء» أن التعليمات التي أعطيت للقوى الأمنية شددت على إعطاء الأولوية للتفاوض والتهدئة واستنفاد كل الوسائل المتاحة لإخراج المعتصمين من المدخل الذي ضاق بالمحتشدين الذين شعروا بأنهم باتوا هم أنفسهم محاصرين ويحتاجون إلى إسعافات هوائية ومائية، على الرغم من إصرارهم على مطلب بدا غير واقعي، ويتمثل باستقالة الوزير المشنوق الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة داخل مكتبه، رافضاً الخروج منه حتى يخرج المعتصمون.
وشددت المصادر الحكومية أن استقالة المشنوق ليست مسألة بيده، فرئيس الحكومة يرفض هذه الإستقالة، لأن لا آليات لقبولها وجعلها نافذة بغياب رئيس الجمهورية، ولا ضرورة لها، لأن المشكلة ليست لا في وزارة البيئة ولا عند الوزير، معتبرة أن الوزير المشنوق أقدم على خطوة تستجيب لمطالب المعترضين، وتفسح في المجال أمام بلورة إقتراحات عملية يضعها خبراء وفنيون تدرس جميع الاقتراحات بما فيها اقتراحات المسؤولين عن الحملات البيئية، لا سيما وأن الوزير أكرم شهيّب الذي عُهد إليه بالملف الثقيل سيرفع تقريره إلى الرئيس سلام يوم الجمعة المقبل.
وحذرت المصادر من أن تكرّ سبحة الاستقالات إذا سمح لوزير البيئة بالإستقالة في وقت تتمسك فيه كل القوى السياسية بالحكومة التي أصبح ملف إنتاجها وعملها في عهدة طاولة الحوار كبند مستقل بذاته.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«اللواء» أنه في حال إستقالة الوزير المشنوق فهو سيلحق به دون تردّد.
بدوره أشار وزير الإعلام رمزي جريج لـ«اللواء» أن مبادرة برّي من شأنها أن تعيد فتح الباب أمام الحكومة للعودة إلى عقد جلسات منتجة.
وبدا واضحاً أن الوزير المشنوق لم يكن لوحده المستهدف من الإعتصام بقصد الضغط عليه لتقديم استقالته، بما يفتح الباب أمام استقالة الحكومة ككل، وهو الأمر الذي رفضه الرئيس سلام مثلما رفضه أيضاً الوزير المشنوق الذي أكد لـ«اللواء» أنه مستمر بالقيام بواجباته، وهو لن يتخلّى عنها، معتبراً أن المعتصمين أخطأوا بالعنوان، لافتاً النظر إلى الموقف الذي كان أعلنه صباحاً في فندق فينيسيا أثناء إطلاقه مشروع إدارة الملوثات العضوية في قطاع الكهرباء، وهو أن الموقف الذي اتخذه بالإنسحاب من لجنة النفايات هو موقف إحتجاجي ضد كل القوى السياسية التي فشلت في إيجاد مطامر، وتملصت من معالجة ملف النفايات.
بل أن ثمّة هدفاً آخر صوّب عليه المعتصمون وهو وزير الداخلية نهاد المشنوق، بقصد إحراجه لإخراجه أيضاً، لكن الرجل، بالتنسيق مع رئيس الحكومة كان واضحاً منذ بدء الاعتصام قرابة الأولى من بعد الظهر، وهو التعامل مع المعتصمين بهدوء ومن خلال التفاوض بشكل سلمي لكنهم إذا أصرّوا على رفض إخلاء الوزارة فلكل حادث حديث، وبقي على هذا الموقف حتى ساعات المساء الأولى، أي قرابة السادسة مساءً، عندما وجد أنه لا بدّ من اللجوء إلى القوة لإخراج المعتصمين ولكن من دون إفراط في استعمال هذه القوة أو معاملة المعتصمين بخشونة زائدة، وهكذا حصل حيث تمكن عناصر فرقة مكافحة الشغب من إخلاء الوزارة بعد إخلاء المبنى من وسائل الإعلام وقطع البث المباشر، من دون أن تقع إصابات باستثناء ثلاثة نشطاء هم لوسيان بو رجيلي ونعمت بدر الدين وحلا عواد الذين نقلوا إلى مستشفى الجامعة الأميركية لعلاج جروح أصيبوا بها أثناء التدافع مع القوى الأمنية في الرواق الضيّق، في حين أصرّ 14 ناشطاً على البقاء رافضين الخروج إلا وهم مقيّدون، لكن القوى الأمنية، بتعليمات من وزير الداخلية رفضت هذا «المخرج» واستمرت بالتفاوض مع هؤلاء حتى قرابة العاشرة ليلاً، حيث تمّ إخراجهم بالقوة، ومن دون اعتقالات باستثناء ثلاثة شبان أوقفوا بعدما ألقوا على القوى الأمنية خارج مبنى اللعازارية مفرقعات متفجرة.
ومن المقرّر أن يعقد الوزير المشنوق مؤتمراً صحافياً عند الرابعة من بعد ظهر اليوم لعرض نتائج التحقيقات في إحداث السبت في 22 آب الماضي، حيث واجهت قوى الأمن المتظاهرين بعنف مفرط.
طاولة الحوار
في هذا الوقت كشف الرئيس برّي أمام زواره مساء أمس أنه اتصل بالرئيس الحريري وطلب منه المجيء للمشاركة في الحوار، فرد عليه بأنه سيحاول، وفي حال لم يستطع فالرئيس فؤاد السنيورة سيمثل كتلة المستقبل، لافتاً الرئيس برّي إلى ان 17 مسؤولاً عن الكتل النيابية، إضافة إلى رئيس الحكومة سيحضر طاولة الحوار التي ستبدأ أعمالها الأربعاء المقبل، في جلسات ربما تكون صباحية ومسائية.
وكشف برّي انه سبق الدعوة سلسلة اتصالات اجراها مع دول وسفراء وكان هناك تشجيع وترحيب موضحاً ان «القوات اللبنانية» هي الوحدة التي ستعطي رأيها السبت المقبل. وقال ان نسبة تفاؤله بالحوار تتراوح بي الصفر والمائة، مؤكداً ان كل بند من جدول الأعمال سيتفق عليه سيشرع في مجلس النواب.
يُشار إلى أن موفدين من برّي بدأوا أمس بتسيلم الدعوات إلى المدعويين لطاولة الحوار.
وعلمت «اللــواء» في هذا السياق ان عضو كتلة التحرير والتنمية نائب بيروت هاني قبيسي سيزور اليوم «بيت الوسط» لتسليم الدعوة إلى كتلة «المستقبل» حيث سيتسلمها منه النائب سمير الجسر.
وكانت الكتلة رحّبت في اجتماعها أمس بالدعوة على قاعدة التمسك بالشرعية الدستورية والميثاق الوطني وتدعيم السلم الأهلي، وشددت على أن المدخل الحقيقي للتوصل إلى المعالجات المطلوبة يجب ان يكون من خلال التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية لإنهاء الشغور الرئاسي واستعادة المؤسسات الدستورية دورها».