شبح الرعب المزدوج : إنهيار الحوار وتجدُّد الحرب!
الجميّل يقترح كارلوس غصن .. وفرنجية يرفض إنتخاب الرئيس من الشعب وعون يهدِّد بالمقاطعة
المشهد في وسط بيروت، في الحوار والحراك، عكس ما يمكن وصفه بـ«فيلم بوليسي طويل»، لا هو باللبناني المحض ولا بالاميركي المحض، بل هو خليط من اخراجات متقاطعة عند تحريك الوضع في لبنان، على نحو ارهب اللاعبين سواء كانوا متحاورين أو متظاهرين، كما ارعب الجهمور الذي احس وهو في الشوارع أو المنازل أو المكاتب، ربما للمرة الأولى منذ 22 آب الماضي، ان بلده على «كف عفريت» وأن الخوف من الانزلاق إلى الأسوأ، جعل أحد المشاركين في الحراك المدني يعلن صراحة بعفوية: «لا نريد حرباً اهلية»، وذلك قبل ان يوعز الرئيس نبيه برّي إلى عناصر قيل انهم ينتمون إلى حركة «امل» إلى العودة من حيث جاؤوا، بعدما تطايرت الاخبار إلى طاولة الحوار، بأن صدامات تجري امام وزارة البيئة بين شبان تدخلوا لمنع الشتائم التي كان يطلقها متظاهرون، وقبل ان ينتهي المشهد على ما قيل انه مصافحة ومسامحة، وأن الكل يطالب بالماء والكهرباء ورفع النفايات وعلى طريقة «اهلية بمحلية».
وسحب المشهد نفسه على الإجراءات السريعة التي اتخذها القضاء بإطلاق سراح الموقوفين الذين وصل عددهم إلى نحو 40 شاباً وفتاة، بعد يوم عاصف من الكر والفر، تنتقل من ساحة الشهداء إلى رياض الصلح، مروراً باللعازارية وشارع المصارف وتخللته اشتباكات ومصادمات بين المتظاهرين الذين باكروا إلى الوسط لقطع المنافذ إلى الطبقة الثالثة في مجلس النواب حيث طاولة الحوار، ورجال الأمن وفرق مكافحة الشغب التي واجهت بإجراءات جمعت بين الحوار والشدة للحؤول دون قطع المعابر والسماح للنواب بالوصول إلى قاعة الحوار.
لكن الحراك الميداني الذي سجل تطابقاً بين ما حدث على الأرض وبين المعلومات التي سبق ونشرتها «اللواء» في عددها أمس، جرى احتواء تداعياته على خلفية ان الحق بالتعبير لا يجوز ان يتحوّل إلى منعة لانهيار أوسع، فكان الشارع أكثر قدرة على احتواء خلافاته من طاولة الجلسة الثانية التي كادت ان تنفجر لولا غياب النائب ميشال عون والادارة المرنة للرئيس نبيه برّي الذي لم يتردد عن إبلاغ من يعنيهم الأمر انه لن يدير حواراً بممثلين من الصف الثاني إذا قدر أقطاب آخرون الانسحاب وانتداب من يمثلهم في الحوار.
وتروي شخصيات شاركت في الجلسة الثانية، وقائع طريفة ونوادر ومحطات أحياناً للتندر واحياناً لاستجلاب الصبر، وهم يشاهدون رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل يخبط خبط عشواء في حوار بدا انه وحده في ضفة وسائر المشاركين في ضفة أخرى، لدرجة ان النائب سليمان فرنجية رئيس تيّار «المردة» وحليف عون أعلن صراحة رفض انتخاب الرئيس من الشعب.
ومهما يكن من أمر الوضع المتفجر من جبل النفايات في الكرنتينا وعلى مداخل بيروت الشرقية والشمالية والجنوبية، وبين «ابي الهول» اللبناني في ساحة النجمة أخذ موعداً جديداً الثلاثاء في 22 أيلول الحالي، وقبل يوم واحد من عيد الأضحى المبارك، في ظل تكهنات جعلت النائب وليد جنبلاط الذي غادر الجلسة قبل انها لأسباب خاصة تتعلق بعارض صحي تعرض له نجله اصلان، وكلام من فوق السطوح للوزير باسيل من ان طاولة الحوار يمكن ان تكمل جلساتها من دون التيار العوني، في وقت كان فيه الرئيس فؤاد السنيورة يعتبر ان أي اتجاه لرفض اتفاق الطائف يدخل لبنان في مجهول معلوم يتلخص في تجديد حتمي للحرب الأهلية في لبنان، مقترحاً خارطة طريق للخروج من المأزق وفق الترتيب الآتي: انتخاب رئيس، تأليف حكومة، إقرار قانون انتخاب واجراء انتخابات نيابية، الأمر الذي كاد يدخله في سجال يؤدي إلى مأزق ليس مع الوزير باسيل فحسب، بل أيضاً مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد الذي يعتبر ان الأولوية الآن لوضع قانون جديد للانتخابات تجرى على أساسه انتخابات ثم ينتخب رئيس وتشكل حكومة جديدة، داعماً إيصال النائب عون إلى الرئاسة الأولى لتطمين المسيحيين ليس في لبنان بل في عموم منطقة الشرق الأوسط.
وبحسب أحد أقطاب الحوار فإن الجلسة الثانية حققت نوعاً من التقدم في امكنة معينة بالنسبة إلى مواصفات رئيس الجمهورية، لكنه لاحظ ان هذا التقدم كان يصطدم ببعض المواقف والخطوات التي تشدإلى الخلف، من دون ان نتبين ما إذا كانت هذه الانعطافة تكون إلى الامام أم إلى الوراء.
وعبر هذا القطب في استنتاجه لـ«اللواء» عن تفاؤل حذر قائلاً: ثمة أمل بسيط، ولكن يجب ان نأخذ بالاعتبار ان جرس الوفاق الدولي لم يدق بعد».
وكشف بأن أبرز ما تميزت به الجلسة، أمس، هو موقف النائب فرنجية الذي عبّر بوضوح عن رفضه المسّ بالطائف أو القبول بأي تعديل دستوري بما في ذلك إنتخاب الرئيس من الشعب.
محضر الجلسة
وأوضح أحد المتحاورين لـ«اللواء» أن الجلسة كانت مختلفة عن سابقتها التي حدّد فيها أقطاب الحوار مواقفهم، حيث طرحت في هذه الجلسة إقتراحات وأفكار في خصوص مواصفات رئيس الجمهورية، وكانت ثمة «رحرحة» في النقاش، لولا الموقف الذي أعلنه الوزير باسيل الذي ناب عن عون في حضور الجلسة، حيث أعلن أن لبنان قائم على الشراكة بين المسلمين والمسيحيين، إلا أن هذه الشراكة تمّ إنتهاكها، ولذلك نحن نريد أن نرجع إلى الشعب مصدر كل السلطات، ملوحاً بأن تكون مشاركته في الحوار هي الأخيرة.
بعد استهلالية من الرئيس برّي عن أهمية الحوار، وحديث عن مشكلة النفايات، اقترح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الدخول مباشرة في البحث عن مواصفات رئيس الجمهورية، على اعتبار أن هذا الموضوع هو المطروح علينا للحوار.
فردّ باسيل: هذا الأمر غير وارد، فنحن «كتيار وطني حر» الأكثر تمثيلاً على الصعيد المسيحي، لكننا لا نستطيع أن نأتي بالعماد عون رئيساً، وتساءل: كيف يأتي المسلمون بالشخصيات القوية لديهم، ونحن لا.
الجميّل: إسمح لنا في هذا الكلام، فنحن وإياكم نتقاسم التمثيل في كسروان 50 في المائة مناصفة.
مكاري: لديكم نواب قد ما لدينا، تتمسكون بالديموقراطية، وتتغنون بها، فيما «التيار الحر» لا يمارسها، كيف أتيت أنت رئيساً للتيار؟
باسيل: هذا الأمر لا يعنيك.
هنا ردّ الرئيس برّي على باسيل قائلاً: المطالبة بانتخاب رئيس من الشعب إعتداء على المجلس النيابي فضلاً عن أن هذا الأمر يحتاج إلى تعديل الدستور، والتعديل يكون في مجلس النواب، وأنت لا تعترف بالمجلس النيابي.
وردّ بدوره الرئيس السنيورة: أنت يا روحي تخلط بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وهذا أمر غير صحيح، سبق أن أسقطتم رئيس الحكومة الذي كان يمثّل فريقاً سياسياً، وحاولنا أن نأتي به مجدداً فلم نستطع.
وبصراحة، تابع السنيورة، من هو الشخص الذي يمكن أن يكون رئيساً للمجلس النيابي، أنا أقول محمّد رعد باعتباره الأكثر تمثيلاً، وبالنسبة لرئيس الحكومة أنا أقول سعد الحريري، لكن للإثنين إعتبارات وظروفاً سياسية، ونظرية الأكثر تمثيلاً لا تنطبق على الرئاسات وفق منطق التيار.
ردّ النائب رعد: من يملك أكثر يعطي أكثر، وكتلة «المستقبل» تستطيع أن تقوم بمبادرات تاريخية، ونقترح عليكم محاورة العماد عون؟
السنيورة: فاوضناهم، فطلبوا منا أن نوافق على انتخاب عون رئيساً، فقلنا: لا لن ننتخبه.
وهنا طرح النائب فرنجية سؤالاً على المتحاورين وهو: هل يمكن إنتخاب موظف من دون تعديل الدستور؟
فقيل له: لا.
وسأل مجدداً: هل وارد لديكم تعديل الدستور؟
فقيل له أيضاً: كلا.
وردّ الجميّل: الرئيس الراحل سليمان فرنجية لم يكن المرشح الأقوى في العام 1970، لكن المرشحين الأقوياء الثلاثة: كميل شمعون، بيار الجميّل وريمون إده رشحوه فجعلوا منه رئيساً قوياً.
فقال فرنجية: معك حق، أنا بإسمي وبإسم حليفي (وأشار إلى النائب رعد) لسنا في وارد تعديل الدستور، والدستور لا يمكن أن يعدّل إلا بموافقة الأطراف، أما القول بأن لا يكون الرئيس من 8 أو من 14 آذار، بحسب ما اقترح الرئيس السنيورة، فأنا أختلف معه فنحن نستطيع أن نأتي برئيس من 8 آذار توافق عليه 14 آذار، والعكس صحيح.
ردّ الجميّل طارحاً إسم كارلوس غصن للرئاسة.
فقال فرنجية: ما الذي يمنع أن ينتخب المجلس شخصية مقيمة في لبنان؟
وهنا طلب الرئيس برّي رفع الجلسة إلى الثلاثاء المقبل، طالباً أن يأتي إليه المتحاورون بمزيد من المقترحات.