«فضائح الطاقة» تقلب الطاولة .. والموقف ينفجر بين عين التينة والرابية
برّي يتساءل: لوين رايحين.. والحراك البيئي يُفرِج عن خطّة شهيِّب للنفايات
يمكن وصف يوم أمس بيوم المفاجآت، والمواقف التي من شأنها ان تؤسس للانقلاب على أجواء الانفراج، مع تبدل الأولويات، وتزايد أزمة الثقة بين المكونات السياسية، سواء في الحكومة أو في طاولة الحوار.
أولى المفاجآت كانت الموقف التصعيدي للنائب ميشال عون، ليس في ما يتعلق بترقية العميد شامل روكز أو قضية النفايات، بل باستحداث خط تماس مباشر مع الرئيس نبيه برّي وفريقه على خلفية أزمة الكهرباء، إذ المح عون من دون مواربة، انه إذا استمرت الأمور على هذا النحو «فلن اشارك في طاولة الحوار، فلماذا سأذهب، هل من أجل ان يطلقوا وعوداً كاذبة؟»، مطالباً رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان «باستدعاء» وزير المال علي حسن خليل لاستيضاحه أسباب عدم دفع الأموال لمتعهدي وزارة الطاقة، في ما يشبه اتهامه بتعمد عدم الدفع حتى يشعر المتعهدون بأن لا أموال لهم، وبالتالي حتى يتباطؤا في إنجاز الأعمال.
وفي سياق متصل، غمز عون من قناة النائب العام المالي علي إبراهيم، عندما كشف انه، أي إبراهيم، لم يستدع أي شخص لسؤاله عن ملفين ماليين احيلا إليه من قبل «التيار العوني».
على ان الأخطر هو الموقف التصعيدي لعون من قضية ترقية الضباط، حيث رفض اقتراح «المستقبل» بتعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي إلاَّ في مقابل تعيين قائد جديد للجيش، مشيراً إلى اننا لا نفهم بالتسويات ولا بالرشوة الوظيفية أو جوائز الترضية، غامزاً من قناة الحوار بقوله: «يبدو انه يريدون ان يطيروا الحوار»، على خلفية طرح قانون الانتخاب على الطاولة، في إشارة إلى تيّار المستقبل.
وهكذا تكون المفاجأة العونية صدام مباشر مع كل من الرئيس برّي وفريقه، والرئيس سعد الحريري وفريقه، والرئيس ميشال سليمان ووزرائه، فضلاً عن سائر وزراء اللقاء التشاوري الذين تداعوا إلى اجتماع طارئ اليوم لاتخاذ موقف مناهض لمشروع الترقيات.
مفاجأة بري
المفاجأة الثانية، خروج الرئيس برّي، وقبله وزير المال عن سياسة المهادنة، فرئيس المجلس الحريص على الحوار وراعيه، بدا انه اقترب، قبل موعد الجلسة 29 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم، من قبول توقف جلسات الحوار، وإن لم يعلن ذلك صراحة.
فقد ألمح امام زواره ليل أمس، ان لا شيء يعنيه سوى معالجة ملف النفايات، متسائلاً «لوين رايحين»؟
ونقل زواره عنه قوله بحدة: «ما حدا يحكيني بأي موضوع ولا بأي صيغ ولا بأي ترقيات، فالأولوية عندي لمعالجة النفايات، الحكومة أخذت قرارات ولا بدّ من تنفيذها ولو تطلب ذلك الحزم».
وذهب الرئيس برّي أبعد من ذلك، إلى درجة انه فاجأ الذين التقوه مساء أمس، بعد موقف النائب عون بإعلانه: «ان حكومة تصريف الأعمال أفضل من الوضع القائم»، كاشفاً ان «الرئيس تمام سلام له حدود على الصبر»، الأمر الذي استثار فضول السامعين لجهة ما إذا كان الرئيس برّي يملك معلومات عن عزم رئيس الحكومة على تقديم استقالته، إذا ما وجد ان الأمور لا تزال تراوح، وأن لا إمكانية لدعوة مجلس الوزراء، لعقد جلسة يوم الجمعة المقبل أو في يوم في الأسبوع المقبل.
مفاجأة لجنة الطاقة
أما المفاجأة الثالثة فكانت في حجم الرد الذي صدر عن وزير المال علي حسن خليل على النائب عون، والذي وصفه بأنه «تعود على التحديات الخاسرة»، متحدياً اياه ان يعلن ما هي الشبهات التي لم يتكلم عنها عون، ليصل، أي خليل، إلى الاستنتاج بأن ما قاله عون لا يستحق التعليق، وإن أعرب عن استعداده للإجابة عن أي استفسار لنواب التكتل، حتى لا يكون مثل غيره، في إشارة إلى وزراء التكتل.
وتخوّفت مصادر نيابية بتداعيات الردّ من العيار الثقيل من الوزير خليل على عون، وموقف الرئيس برّي، مما يهدّد جدياً طاولة الحوار من الإستمرار.
وكشفت المصادر أن الموقف إنفجر خلال اجتماع لجنة الطاقة والمياه النيابية لبحث موضوع الهدر في الكهرباء، حيث تبادل وزيرا المال والطاقة الإتهامات، حول التأخر في صرف الإعتمادات المالية لمؤسسة الكهرباء من دون الرجوع إلى ديوان المحاسبة، إلى حدّ دفع الوزير خليل إلى القول «لو كانت هناك دولة لكان هناك ناس يجب دخولهم السجن»، في إشارة مباشرة إلى أحد مستشاري وزير الطاقة السابق، وزير الخارجية الحالي جبران باسيل.
وأوضح الوزير خليل، أن الوزارة بناء لقرار مجلس الوزراء بدأت بصرف الاعتمادات، لكن وزارة الطاقة لم تُحل إلى ديوان المحاسبة مشاريع المتعهدين، الأمر الذي عطّل صرف الأموال لهؤلاء.
وتقرر في نهاية النقاش الذي كان عنيفاً جداً، عقد اجتماع آخر للجنة يوم الاثنين.
يُذكر أن الوزير آرتور نظريان حضر إلى الجلسة وإلى جانبه 4 مستشارين، في حين أنه كان تخلّف عن حضور الجلسة السابقة وانتدب مستشاره لتمثيله، إلا أن رئيس اللجنة النائب محمّد قباني رفض الخوض في ملف الكهرباء مع المستشار، مطالباً رئيس المجلس بدعوة الوزير استناداً إلى النظام الداخلي.
مفاجأة الترقيات
والمفاجأة الرابعة، هو الموقف الذي صدر عن كتلة «المستقبل» النيابية، والتي أعلنت أن التمسك بأي توافق سياسي في بعض الشؤون قد يشكّل حزام أمان إضافياً في هذا الظرف بالذات على طريق إعادة الاعتبار للمؤسسات والدستور، مجددة تأييدها للمواقف التي يتخذها الرئيس سعد الحريري، في موقف مبدئي بعيداًَ عن الإنفعال العوني، لا سيما وأن عون رفض تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي ما لم يعيّن قائد جديد للجيش غير العماد جان قهوجي.
لكن مصدراً نيابياً في الكتلة وصف ردّة فعل عون من موضوع التسوية بأنها «غريبة»، موضحاً أن اقتراح «المستقبل» بتعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي ليس شرطاً لكنها فكرة طُرحت بعدما طلب المدير العام الحالي اللواء إبراهيم بصبوص إعفاءه من منصبه.
ولفت المصدر إلى أن التسوية سقطت حتى ولو مشت بها كتلة المستقبل، لأن غيرنا سيرفضها، مذكّراً أن مشروع التسوية ذي البنود الثمانية، كان قد عُرض في الخلوة السداسية التي انعقدت على هامش جلسة الحوار الثانية في ساحة النجمة، فوافق عليها الحضور، في حين أصرّ الرئيس فؤاد السنيورة على أن يكون في مقابل القبول بالمشروع أن يُصار إلى توضيح نهائي لآلية عمل الحكومة، من أجل تحصين هذه التسوية.
وأكدت معلومات مستقاة من مصادر سياسية عليمة أن التسوية التي تمّ التسويق لها في الساعات الماضية قد سقطت، والبحث جارٍ الآن عن مخارج أخرى، مشيرة إلى أن هذا السقوط سببه ورود معلومات للقوى السياسية عن وجود تململ داخل كبار الضباط في الجيش اللبناني، وأن هناك من أبدى استعداده لتقديم الإستقالة والتقدّم بشكوى لدى مجلس شورى الدولة في حال حصول هذه الترقية الثلاثية التي تعني كسر المناصفة داخل الضباط الكبار في الجيش للمرة الأولى في تاريخه.
ورأت أن عون فشل في فرض مشيئته على القيادة العسكرية ومجلس الوزراء وطاولة الحوار، وهو ا ستبق كشف هذا الفشل بإعلان رفضه لما طُرح، لأنه لمس أن التسوية فاشلة.
إلى ذلك علم ان اللقاء التشاوري سيعقد اجتماعاً له في غضون الساعات المقبلة للبحث التطورات المتعلقة بهذا الشأن.
كما علم ان السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري اتصل برئيس حزب الكتائب سامي الجميل وتناول البحث مختلف القضايا الداخلية، حيث كان الجميل قد بحثها أيضاً خلال لقائه بالسفير الأميركي ديفيد هيل، وخلال زيارته قائد الجيش العماد جان قهوجي في مكتبه في اليرزة.
وكشفت مصادر السراي الحكومي لـ«اللواء» ان لا دعوة وجهت من قبل الرئيس تمام سلام لعقد جلسة لمجلس الوزراء ولا جدول اعمال تم اعداده بانتظار عودة سلام من نيويورك والمقررة غدا الخميس ليبنى على الشيء مقتضاه، خصوصا ان الدعوة لمجلس وزراء تحتاج كما هو معلوم الى ٤٨ ساعة لكي يدرس الوزراء جدول اعمال الجلسة، وفي هذا الاطار استبعد مصدر وزاري انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع وذهب المصدر الى ابعد من ذلك عندما اعلن ان الاجواء الايجابية التي كانت بدات تلوح بالافق تبددت بعد الموقف الذي اعلنه عون بعد اجتماع تكتل الاصلاح والتغيير.
واشار المصدر الى ان ما حكي عن سلة متكاملة لحل موضوع الترقيات العسكرية اصبح صعب التنفيذ مع المواقف المعلنة. وهذا قد ينعكس بطبيعة الحال على موقف سلام من دعوته الى جلسة لمجلس الوزراء رغم ان امورا حياتية ومعيشية ملحة تحتاج الى انعقاد مجلس الوزراء.
وقال وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ«اللواء» ان هناك عدداً لا بأس به من الوزراء يرفضون السير بالحل المقترح بالنسبة إلى ملف الترقيات ومن بينهم وزراء الكتائب والرئيس سليمان، إلى جانب الوزير بطرس حرب وميشال فرعون واشرف ريفي، مشدداً على رفض الكتائب للمس بهيكلية الجيش وبتراتبيته وبدلائه ومعنوياته، معلناً ان ما يتم التداول به يُشكّل ضربة للضباط الموارنة ومعنوياتهم.
وسأل: كيف تتم العودة إلى قانون لم يطبق منذ 25 عاماً وهو في حكم الملغى أو تمّ الغاؤه؟
وقال الوزير حكيم: وكأننا بهذا الاقتراح نقول للضباط روحوا والتحقوا بحزب وكونوا رهينة لهذا الزعيم أو ذاك.
وترددت معلومات عن إمكان انضمام وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس للوزراء المعترضين، لكن الوزير درباس أبلغ «اللواء» انه إذا كانت التسوية شاملة فإنه بالتأكيد لن يعارضها.
خطة النفايات
على أن المفاجأة الخامسة ليلاً كانت في تمكن الاجتماع الذي عُقد في مكتب وزير الزراعة أكرم شهيّب في حضوره وحضور وزير الداخلية نهاد المشنوق مع خبراء بيئيين حول الخطة البديلة التي اقترحها الحراك الشعبي لمعالجة أزمة النفايات، حيث حُسم الجانب التقني من النقاش على أن تستكمل اللقاءات مع الحراك اليوم والحملات المعترضة على إعادة فتح المطامر لإنهاء كل الاعتراضات والإنطلاق نحو تحديد ساعة الصفر للتنفيذ في غضون أيام لا تتعدّى نهاية الأسبوع.
ووصف أحد الخبراء البيئيين النقاش في الاجتماع الذي استغرق أكثر من ثلاث ساعات بأنه كان جدياً وإيجابياً، لكنه لفت إلى أن قرار مسألة المطامر يعود إلى النّاس، مشدداً على أن الحراك حريص على إنهاء أزمة النفايات.
وأكد الوزير شهيّب الذي بدا أكثر تفاؤلاً من ذي قبل، أنه تمّ التوصل إلى توافق على معظم نقاط الخطة البديلة، وأن الخيارات الأساسية حُسمت، وأن التفاصيل ستنشر اليوم، مشدداً على أن الحراك كان له الدور الفعّال في الوصول إلى هذه الاجتماعات وإقرار الخطة من قبل مجلس الوزراء، لكنه لاحظ أن المهم هو أن ننطلق خلال الساعات المقبلة إلى خطوات عملية، في إشارة إلى قرار يفترض أن تتخذه قيادة الحراك اليوم في هذا الشأن.