IMLebanon

معركة طرابلس: تضييق الخناق على المسلَّحين ومخاوف من اشتعال جبهات جديدة

معركة طرابلس: تضييق الخناق على المسلَّحين ومخاوف من اشتعال جبهات جديدة

10 شهداء للجيش وأكثر من 100 جريح من المدنيين .. واجتماع طارئ للمجلس الشرعي اليوم

  مع هبوط ساعات الليل الأولى، وبعدما يناهز الـ70 ساعة من المعارك العنيفة بين الجيش والمسلحين المنتشرين في الأسواق القديمة لمدينة طرابلس، ذات الأهمية التاريخية والأثرية السياحية الكبيرة، امتداداً الى باب التبانة وبحنين شمال طرابلس، والمجاورة لبلدة المنية، وفي ظل تغطية سياسية وفرها الرئيس سعد الحريري ونواب ووزراء المدينة وفعالياتها، وأمنت لها حكومة الرئيس تمام سلام كل ما يلزم، دخلت هدنة إخلاء السكان من منطقتي الأسواق والتبانة حيز التنفيذ، وفقاً لما كشفه وزير العدل اللواء أشرف ريفي لـ «اللواء» مساء أمس.

وكشفت المعلومات أن الاتصالات التي ساهم فيها الوزير ريفي ومفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، بالتنسيق مع هيئة العلماء المسلمين أدت الى قبول الجيش اللبناني بهدنة ذات صفة إنسانية، سبق أن كانت موضع مشاورات في ساعات النهار بين الرئيس تمام سلام وقائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي استجاب لطلب رئيس الحكومة لتوفير ممر آمن لخروج المدنيين من مناطق الاشتباكات حفاظاَ على حياتهم، ومنعاً لاستخدامهم من قبل المسلحين دروعاَ بشرية، الأمر الذي يعيق العمل الميداني لوحدات الجيش، ويطيل من أمد المواجهة في ظل مخاوف من تحولها الى حرب استنزاف قد تستغرق وقتاً أكثر مما هو مخطط للعملية التي يؤكد مصدر عسكري أنه من غير الممكن وقفها إلا بإلحاق الهزيمة بالمجموعات المسلحة، أياً تكن النتائج.

وكشفت مصادر المعلومات أن مفاوضات الهدنة تتركز على اقتراحين: الأول أن تسلم المجموعات المسلحة نفسها الى الجيش، مقابل ضمانات بأن تخضع لمحاكمة عادلة، علماَ أن الجيش نجح في إطلاق سراح الجندي المخطوف لدى مجموعة شادي المولوي طنوس نعمة في إحدى عملياته في المنطقة.

والاقتراح الثاني، أن يتم إيجاد طريقة لخروج العناصر المسلحة من المناطق التي التجأوا إليها، من حيث أتت.

ولئن كانت الغلبة للاتجاه الأول ما لم تدخل تطورات تقلب الطاولة رأساً على عقب، في ضوء مخاوف من امتداد الاشتباكات الى عموم منطقة الشمال، وربما الى جوار مخيم عين الحلوة لتخفيف الضغط عن المسلحين المختبئين داخل الأحياء المكتظة بالسكان في طرابلس، فإن المعلومات أكدت لـ «اللواء» أن عدد المسلحين لا يتجاوز بضع عشرات من الذين جاؤوا من جرود عرسال وجبال القلمون للالتجاء الى المدينة هرباً من البرد والصقيع والحصار مع اقتراب فصل الشتاء، وتوزعوا في ثلاث مجموعات، الأولى بقيادة ابن الموقوف أحمد سليم الميقاتي الملقب بأبو هريرة، والثانية بقيادة شادي المولوي وأسامة منصور (أبو عمر) والثالثة بأمرة الشيخ خالد حبلص وهذه المجموعة جعلت من بلدة حنين «قاعدة» لها.

في المقابل، نسب الى مصدر عسكري أن ثمة اتجاهاً لدى القيادة غير قابل للمساومة أو التسوية يقضي بحسم المعركة عسكرياً لعدم تكرار ما حدث في عرسال.

وأشار المصدر الى أن الجيش يتبع تنفيذ خطة قتالية نجح في الشق الأول منها وتقضي بحصر المسلحين داخل منطقة محاصرة بالأبنية والخط الناري، فإذا لم تنجح مفاوضات الهدنة المطروحة، سيلجأ الجيش الى إحكام الحصار والتضييق عليهم تدريجاً لنفاذ الذخيرة والسلاح منهم، نظراً لصعوبة المداهمة داخل شوارع ضيقة جداً، ولعدم تدمير الدهاليز الأثرية القديمة التي تحصنوا فيها.

وبحكم هذه التطورات تعيش مدينة طرابلس التي تقفل فيها اليوم الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية والخاصة، حالة تشبه إعلان حالة طوارئ لمنع أي منفذ لمد أو إسعاف المسلحين المحاصرين.

وأدت التطورات الميدانية، الى انكماش الحركة السياسية، فيما اتخذت قيادة الجيش اجراءات احترازية في كل من المناطق التي تؤدي للوصول الى طرابلس من الشمال كجرود زغرتا والمنية وعكار والكورة، أو حول مخيم عين الحلوة في الجنوب حيث ترددت معلومات عن تحركات لمجموعات مسلحة داخل المخيم، فيما تمكنت وحدات الجيش من رد محاولة تسلل لعناصر مسلحة في وادي حميد في جرود عرسال،

 ورقة العسكريين المخطوفين

 وعلى الرغم من تراجع حدّة الاشتباكات ليلاً، فإن المعارك لم تتوقف تماماً، في حين اتجهت الأنظار مجدداً الى لجوء جبهة النصرة الى استخدام ورقة العسكريين المخطوفين لديها، للضغط على الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لفك الحصار عن المسلحين في التبانة وبحنين والأسواق القديمة.

فقد حذرت «النصرة» في بيان ليل أمس من إعدام الجندي علي البزال عند الخامسة فجر اليم، وهو لم يظهر في الصور التي عممتها وكالة «الأناضول» للجنود اللبنانيين يناشدون قيادة الجيش والدولة اللبنانية وقف ما وصفوه بهجوم الجيش على طرابلس وأهل السنة، كما وضعوا الجندي جورج خوري كورقة ضغط ثانية، الأمر الذي ألهب مشاعر وعواطف أهالي المخطوفين المعتصمين في ساحة رياض الصلح، والذين خضعوا لهزة صباحية مع تحديد موعد العاشرة صباحاً لقتل الجندي البزال، ما لبثت أن هدأت بعد تطمينات هيئة العلماء المسلمين التي تواصلت مع «النصرة».وتمكنت من اقناع قيادتها لتجديد المهلة التي ما لبثت ان تجددت ليل أمس بالتزامن مع مفاوضات الهدنة في طرابلس للضغط على قيادة الجيش والحكومة في موضوع التهدئة تحت طائلة تنفيذ حكم الإعدام ذبحاً أو بالرصاص للعسكريين المحتجزين لديها. (تفاصيل الخبر في مكان آخر).

وليلاً توجه وفد من هيئة العلماء المسلمين الى جرود عرسال لثني قيادة «النصرة» عن تنفيذ حكم الإعدام بالجندي البزال».

وفيما أكد الوزير ريفي وقيادات طرابلس ان ما يجري في المدينة ليس موجهاً ضد أهل السنة، بل يستهدف عناصر ارهابية اعتدت على الجيش، دعي المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الى اجتماع طارئ عند الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم للتباحث في التطورات على الساحة الشمالية، والطرابلسية خاصة، واتخاذ الموقف الداعم للمؤسسة العسكرية بعد الوقوف على وقائع ما يجري.

إفراط القوة

 ولوحظ أن بيانات القيادات السياسية بمن فيها نواب المدينة ووزرائها، حرصت على دعوة قيادة الجيش على عدم الافراط في استعمال القوة، وهي جملة تكررت حتى في بيان هيئة العلماء المسلمين، بسبب خشية هذه القيادات من أن تطول العمليات العسكرية، وبالتالي تعريض المواطنين داخل الأحياء القديمة الى المزيد من الضحايا والخسائر المادية، والخوف بالتالي من تدمير التبانة، التي شهدت أمس أعنف الاشتباكات، خصوصاً وأن المسلحين لجأوا الى استعمال أسلحة ثقيلة مثل الصواريخ والقاذفات.

وفي تقدير مصادر طرابلسية أن طرابلس أجمعت بجميع قياداتها على توفير الغطاء للجيش لإنهاء ظاهرة مسلحي «النصرة» وداعش داخل أسواقها القديمة، مؤكدة رهانها الدائم على الدولة، لكنها في المقابل أرادت أن تفسح في المجال أمام مساعي الحل السلمي لتجنيب المدينة المزيد من الدمار، إلا أنها أبلغت «اللواء» أنها لا تستطيع أن تتوقع شيئاً، على اعتبار أن اقتراح إخلاء المسلحين للمناطق الداخلية، لا توفر الحل المناسب لدى قيادة الجيش، التي تشترط استسلامهم دون قيد أو شرط.

ولم يشأ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس التعليق على ما يجري في طرابلس مكتفياً بالقول لـ «اللواء» أن إرادة الجيش قوية، مشيراً الى أن الحكومة أعطت الجيش كل الصلاحيات لمواجهة المسلحين.

وأعرب وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي لـ «اللواء» عن اعتقاده بأن العمليات العسكرية لن تتوقف الى حين استئصال هذا المرض السرطاني المتمثل بالارهابيين، متوقعاً أن تكون معركة الجيش طويلة، وشدد على أن المطلوب اليوم وحدة الموقف والدعم الكامل للمؤسسة العسكرية، وألا يكون هناك من ملاذ آمن للإرهابيين، لأن من يدافع عنهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة هو عدو الجيش والتاريخ.

وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن تحرك الجيش في الشمال، أتى بناء على معطيات ومعلومات عن توجه عناصر إرهابية من جرود عرسال الى مناطق في الشمال، وتحديداً في طرابلس والمنية والضنية ضمن خطة لهم تقضي بالفرار الفردي بفعل الطبيعة الجغرافية للمنطقة والتوجه الى مناطق لبنانية معينة والتخطيط من هناك لعمليات تخريبية، وهذا ما بدا بالفعل، من عملية عاصون، حيث انقض الجيش على مجموعة الميقاتي، مما اضطر ابنه «أبو هريرة» الموجود داخل الاحياء القديمة في طرابلس الى التحرك

 أما مجموعة شادي المولوي، فإنها تحركت في اليوم الثاني، وبعدما نجح الجيش في محاصرة مجموعة «أبوهريرة»، وتمكنه في دخول الدباغة، وتضييق الخناق عليها وحشرها في سوق النحاسين والتربيعة وجزء من سوق البازركان القريب من الصاغة، قبل أن يدخل الى الأماكن التي عصيت عليه في اليوم الأول ويداهم منزل الميقاتي في الدفتردار ويصادر منه كميات من الأسلحة. وأكدت مصادر مطلعة ان الجيش اللبناني يمسك بزمام الأمور، وانه سيواصل عملياته ضد الجماعات الارهابية، على الرغم من الخسائر البشرية التي تكبدها، والتي بلغت بحسب بيانات القيادة استشهاد عشرة جنود بينهم ضابطان سقط معظمهم في العمليات العسكرية التي دارت رحاها أمس في منطقة بحنين مع مجموعة الشيخ حبلص التي تحصنت بادئ الأمر في مسجد هارون ومدرسة السلام، ثم ما لبثت ان توزع أفرادها في مجموعات هاجمت وحدات الجيش في أكثر من منطقة مستفيدة من البساتين التي اختبأت فيها، لتنفيذ كمائن ضد الجيش.

واستعملت في هذه المواجهات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمدافع الثقيلة، كما دخل سلاح الجو في المعركة للمرة الأولى، وقصفت طوافة مواقع المسلحين بمؤازرة زوارق حربية، لمنع المسلحين من الفرار بحراً.

يذكر ان الجيش صادر من معاقل المسلحين في بحنين ثلاث سيارات مفخخة وخمسين عبوة ناسفة معدة للتفجير وعمل على نقلها الى مكان آمن ليتم تفجيرها.

أما خسائر المدنيين فقد تجاوزت المائة جريج وحوالى ستة قتلى سقطوا برصاص القنص أو نتيجة الاشتباكات التي لا توفر أحداً.