التمديد بـ95 نائباً: حضرت البندورة وغاب عون
إرتياح واسع لتوقيع عقد «الهبة السعودية» والرابية عاتبة على الحارة
لا حاجة لنظريات انيشتاين لمعرفة كيف سيق التصويت برفع ايدي 95 نائباً، رشقات من البندورة والبيض، فحدثت معجزة التمديد بأسرع من البرق وبلمحة بصر لم تستغرق سوى دقائق. وكأن التمديد حدث عادي لا يتعلق ببنية النظام السياسي ولا بالديمقراطية اللبنانية أو بالارادة الشعبية وما شاكل.
ولكن سيحفظ تاريخ المجلس انه في 5 تشرين الثاني من العام 2014، وبعدما ما يقرب من ربع قرن على اتفاق الطائف، وبسبب «ظروف استثنائية»، وبسبب عدم انتخاب رئيس الجمهورية، وبسبب عدم إنتاج قانون جديد للانتخابات، وفذلكة الأسباب الموجبة التي قدمها النائب الدستوري نقولا فتوش، حيث لم يكن بإمكان الطبقة السياسية أن تلعب بتبديل عبارة أو فقرة واحدة مما كتبه نائب زحلة، باستثناء إضافة عبارة تمكن الرئيس نبيه برّي أن يمون بها على اقتراح القانون المعجل للوقوف على خاطر رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب ميشال عون ونواب كتلته الذين راقبوا الموقف من الرابية، وقاطعوا الجلسة حضوراً وتصويتاً، محدثين أزمة مع الحلفاء، ومع كتل داخل التكتل ولا سيما كتلة النائب سليمان فرنجية، عادت نغمة التمديد إلى العمل، وتذكر اللبنانيون فترات التمديد التي امتدت خلال الحرب الأهلية والحروب الصغيرة إلى حين انعقاد مؤتمر الطائف عام 1989.
لقد اعد المسرح باتقان لإنجاز المهمة السهلة، الصعبة، لتطوى صفحة وتفتح صفحات أخرى ليس أقلها المحاولة الجديدة لإنجاز قانون جديد، حيث تلتئم اللجنة السباعية، بناءً لطلب رئيس الملجس الممددة ولايته، في إجتماع في 17 الشهر الحالي.
وعلى قاعدة غداً يوم آخر، فإن الاقتراح الذي أقرّ أمس، سيكون على طاولة الوزراء اليوم لتوقيعه باعتبار الحكومة تقوم مقام رئيس الجمهورية، وعملاً بالفقرتين الأولى والثانية من المادة 56 من الدستور، «يتوجب على الحكومة أن تصدر القانون في غضون خمسة أيام وتطلب نشره في الجريد الرسمية».
ويقول أحد الوزراء المحامين انه إذا لم يوقع على القانون الوزراء الستة الذين يمثلون كتل الكتائب و«التيار الوطني الحر» وحزب الطاشناق، فهم يكونون قد خالفوا الفقرة الاولى من المادة 56.
ويضيف الوزير أن الحكومة ليست مقدورها بصفتها القائمة بمقام رئيس الجمهورية أن ترد القانون او أن توقعه مجتمعة وبالتالي ستؤول المسألة إلى منطوق الفقرة الثانية من المادة نفسها، ويصبح القانون نافذاً حكماً ومعمولاً به، قبل موعد انتهاء ولاية المجلس الممدد لـ20 تشرين الثاني الحالي.
التمديد والرئاسة
هل ثمة صلة بين «طبخة التمديد» التي كانت تتحضر قبل انتهاء ولاية الرئيس في 25 أيار الماضي، والمرحلة التي تليها على صعيد انتخابات الرئاسة؟ ولماذا جازف النائب عون في رفض التمديد بخطوات تصاعدية ستبلغ مداها مع المراجعة امام المجلس الدستوري إذا كان يضمن أن المجلس الممدة ولايته سينتخبه؟
النائب عمار حوري، عضو كتلة «المستقبل» قال لـ«اللواء» أنه لا يرى رابطاً أو علاقة بين التمديد للمجلس وانتخابات الرئاسة، لكن مصادر سياسية واسعة الاطلاع تتفق مع مصادر وزارية مطلعة أيضاً على أن البند الجدي بعد التمديد هو الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية للاعتبارات التالية:
1 – أن فترة الشغور احدثت فرزاً داخل المرشحين الموارنة، فإذا أصرّ كل من النائب عون والدكتور سمير جعجع على ترشيحهما، فان المأزق مرشّح للاستمرار، ليس أشهراً فحسب، بل ربما سنوات، أو حتى يقضي الله امراً كان مفعولا.
2 – أن الانفراجات التي حصلت في لبنان امنياً وسياسياً لا يمكن ضمان ديمومتها ما لم تكتمل دعائم النظام السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية الذي هو الشريك الأساسي في السلطة الاجرائية إلى جانب رئيس الحكومة ومجلس الوزراء.
3 – أن الكتل الإسلامية مع حرصها على عدم أخذ دور المسيحيين في تسمية الرئيس او ترشحه، الا انها ترى أن الإسراع بانتخاب الرئيس من شأنه أن يحدث صدى ايجابياً بعد التمديد الذي أحدث صدى سلبياً في بعض الاوساط المسيحية.
وتُشير المصادر إلى انه يمكن أن تطوى صفحة التمديد في حال صدقت نيات النواب بانتخاب رئيس الجمهورية لاستيعاب الصدمة الشعبية التي احدثها التمديد سلبياً، ولايجاد مبرر لتجنب الوقوع في الفراغ التشريعي. وفي هذه الحالة يعتبر تسريع الانتخابات الرئاسية بمثابة ردّ على مقاطعة عون الذي يبدو انه خسر الفرصة الأخيرة لامكانية وصوله إلى بعبدا بسبب مقاطعته للتمديد، حيث بات من المتعذر أن يحظى بتأييد النواب الذين رفض التمديد لهم.
ولا يستبعد أحد الوزراء غير المحسوبين على حزب أو تيّار، في أن تحدث في لحظة من اللحظات تطورات إيجابية، يمكن أن تدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، مشيراً في هذا السياق إلى خطاب الأمين العام لحزب الله ليلة العاشر من محرم، الذي اعتبر انه يحتاج إلى تدقيق وإلى تبصر، لأن فيه مبادرات، فضلاً عن تراجع ضمني عن مواقف سابقة، داعياً إلى انتظار تطورات جديدة على صعيد الوضع السوري.
وإذ وصف الوزير المشار إليه التمديد، انه بمثابة «اوكسجين» أعطي لمجموعة فرغ الهواء لديها، لكنها لا تزال تحت الماء، لفت النظر إلى ان توقيع العقود لتسليح الجيش اللبناني، من قبل المملكة العربية السعودية، يعني أن هاتين الدولتين الكبريين محضا الثقة مجدداً لهذا البلد بالمال والسلاح، وبالتالي لم يعد لبنان دولة فاشلة في نظر المجتمع الدولي، وهذا الامر من شأنه أن يدفع باللبنانيين إلى التقاط الفرصة السانحة للنهوض ببلدهم باتجاه إعادة بناء مؤسساتهم، وفي مقدمها انتخاب الرئيس.
ومع أن كتلة «المستقبل» لا تزال تدرس مبادرة نصر الله للحوار معها على انتخاب الرئيس، على اعتبار انه (أي الخطاب) كتاب كبير يحتاج إلى وقت لقراءته بهدوء، فإنها تعتقد أن الذي اعاق انتخاب رئيس الجمهورية هو الموضوع الإقليمي، لكنها في الوقت نفسه، ترى أن المطلوب القيام بجهد إضافي وشد الهمة أكثر في الموضوع الداخلي، خاصة بعد كلام النائب القواتي جورج عدوان في الجلسة، والذي دعا فيه الى ضرورة البحث في مرشح تسوية، اي مرشّح ثالث لا يكون لا عون ولا جعجع.
على مَنْ يعتب عون؟
من جهتها لا تخفي الأوساط العونية عتباً على الحلفاء، لا سيما حزب الله، مع العلم أن الحزب على لسان إمينه العام السيد حسن نصر الله قال أنه لن يذهب أو يسمح بدفع البلد الى فراغ المؤسسات.
ولعلّ مردّ العتب ما كشفه النائب ابراهيم كنعان أمين سر التكتل من أن حزب الله لم يتمكن أو لم يسع الى إقناع حليفه الرئيس نبيه بري بتقصير مدة التمديد وحصره بثلاثة أو ستة أشهر، كما حصل في المداولات التي سبقت الجلسة ليلاً، والتي تولاها معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل.
ويكشف كنعان أن تياره الذي اجتمع في الرابية أرجأ اتخاذ القرار حتى اللحظة الأخيرة، آملاً بأن ينجح الاجتماع الذي عقد في مكتب بري الذي كان أول الواصلين الى المجلس والذي حضره الرئيس فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط أن يقتصر التمديد على بضعة أشهر يصار خلالها الى إنجاز قانون للانتخاب أو انتخاب رئيس، ثم تجري الانتخابات.
وتعتبر أوساط تدور في الفلك العوني أن حزب الله بسيره في التمديد مدّد لوضع قائم لا يمكن معه للعماد عون الذي راهن على دعم حزب الله له، أن يصل الى رئاسة الجمهورية، لأنه لو جرت الانتخابات – والكلام للأوساط العونية نفسها – فإن احتمالات كبيرة كانت متوفرة لتغيير خارطة التحالفات في المجلس لمصلحة الجنرال عون.
ويسجل الفريق العوني على حليفه حزب الله عتباً أنه لا يجاريه باعتبار أن الحكومة تملأ الفراغ التشريعي والتنفيذي ريثما ينتخب رئيس جديد، وبالتالي لا شلل ولا فراغ سيصيب البلد.
الداخلية
في السياق، يؤكد وزيرالداخلية نهاد المشنوق، بحسب بيان لمكتبه الإعلامي، أن التمديد لم يتم لأسباب تقنية، بل لوجود معوقات أمنية جدية جداً حالت دون إجراء الانتخابات في موعدها، مشيراً الى أنه كان أول من حذّر من مخاطر إجراء الانتخابات في موعدها، وأنه ما زال عند موقفه هذا مستنداً الى تقارير رسمية من أجهزة معنية لبنانية ودولية حذرت من مخاطر أمنية دعمت وجهة نظره.
ولفت المشنوق في بيانه، والذي جاء رداً على اتهام وزارة الداخلية بتعطيل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، الى أن وزارته قامت بكل الاجراءات القانونية والإدارية اللازمة في وقتها، وأن التأخير في نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لمدة 24 ساعة حدث بسبب خطأ تقني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأنه إذا كان هناك من تقصير فهو عدم قدرة القوى السياسية المشاركة في الحكومة على التفاهم على أسماء هيئة الاشراف على الانتخابات، وبالتالي عدم توقيع مرسوم الهيئة المشار إليها.
ملف العسكريين
الى ذلك، أوضح وزير الاقتصاد آلان حكيم لـ «اللواء» والذي أكد أن وزراء الكتائب لن يوقعوا على مرسوم التمديد للمجلس، مثلما كان أعلن أمس وزير الخارجية جبران باسيل، أن ملف العسكريين المخطوفين سيشكل بنداً رئيسياً في مناقشات مجلس الوزراء، مشيراً الى أن الحكومة ستعمد الى بحث المطالب التي تم نقلها من الجهات الخاطفة بواسطة الوسيط القطري، معلناً رفضه قيام مبادلة مع موقوفين مدانين بتهم قتل.
وكان رئيس الحكومة تمام سلام استبق الجلسة بجمع أعضاء خلية الأزمة، أو مع من تسنى وجودهم في بيروت أمس، حيث غاب عن الاجتماع الوزراء اشرف ريفي (الموجود في الجزائر) وجبران باسيل ووائل ابو فاعور، من أجل تدارس الموقف من مطالب جبهة «النصرة»، تمهيداً لمناقشته في الحكومة اليوم.
وأوضح مصدر رسمي أن عملية التفاوض لا تزال في مراحلها الأولى، لكنها تتسم بالايجابية من دون توفّر ضمانات.
وأشار إلى أن الخيار الثالث الذي اقترحته «النصرة» قد يكون هو الأنسب، بالرغم من صعوبته على اعتبار انه يحتاج الى توسعة مروحة الاتصالات لتشمل الإفراج عن سجينات لدى النظام السوري.
تجدر الإشارة إلى أن وفداً كبيراً من أهالي العسكريين المخطوفين التقى عصراً الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمّد خير بعد اجتماع الخلية، ووضعهم في أجواء المفاوضات المتعلقة بتحرير ابنائهم، لافتاً نظرهم إلى أن هذه المفاوضات لا تزال في اطار المد والجزر.
ولوحظ في هذا السياق، أن المقابلة الصوتية التي بثت مساء الثلاثاء لزعيم جبهة «النصرة» أبو محمّد الجولاني، تجاهلت تماماً مسألة المخطوفين العسكريين، واكتفى الجولاني في المقابلة التي أجرتها معه مؤسسة «المنارة البيضاء» بالتأكيد على ان المعركة في لبنان مع «حزب الله» لم تبدأ بعد، مشيراً إلى أن مسلحي هذا التنظيم المتطرف يحضرون لمفاجآت عند الحدود بين سوريا ولبنان، معتبراً بأن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة يشكل أكبر التحديات على الساحة السورية.