السباق إلى البيت الأبيض في بيروت: عقوبات على حزب الله وليس على الشيعة!
لمّ شمل إسلامي في طرابلس.. و«الثنائية المارونية» تواجه العائلات في أقضية الشمال
يمكن وصف يوم أمس، بأنه «يوم البوصلة الشمالية»، في شمال لبنان، تحسم غداً الخارطة الأخيرة للاحجام والاوزان البلدية، وتكتب صناديق الاقتراع بالحبر السري فصولاً من الديمقراطية اللبنانية، على طريقة الائتلافات والتحالفات، والصوت الواحد بعدة أصوات من الـ9 إلى الـ24 وفقاً لعدد أعضاء المجلس البلدي، حيث لكل مواطن الحق في وضع لائحة تساوي عدد أعضاء البلدية التي ينتمي إليها، ومن الشمال الأميركي، وصل مسؤولان اميركيان، أحدهما معني بملف الاستخبارات المالية بما في ذلك العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية بتشريع من الكونغرس على حزب الله وكياناته المالية والإعلامية والمؤسسات المرتبطة به، وهو نائب وزير الخزانة دانيال غلايزر، والثاني معني بالطاقة الدولية من غاز ونفط بشكل رئيسي، وهو مُنسّق شؤون الطاقة اموس هوكستاين.
ولم تقتصر لقاءات المسؤولين الأميركيين على من يناظرهما من مسؤولين لبنانيين، فزار غلايزر كلاً من الرئيس نبيه برّي وتمام سلام، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم العائد قبل أيام من زيارة إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن اجتماع مطوّل مع جمعية المصارف اللبنانية المعنية بتنفيذ العقوبات على حزب الله، سواء عبر نظام التحويلات أو الودائع أو الحسابات الجاري فتحها أو اقفالها.
وبين الحدث الشمالي اللبناني الذي لم يسقط الاهتمام بمسار عملياته الاقتراعية غداً كمحطة أخيرة من محطات إنتاج مجالس بلدية واختيارية، نظراً لطبيعة التحالفات القائمة في هذه الدورة من الانتخابات من الائتلاف السياسي الواسع في طرابلس لإيصال لائحة «لطرابلس» وترقب المواجهة بين الثنائي الماروني (عون – جعجع) وسائر الزعامات الشمالية الممثلة بعائلات فرنجية – معوض – حرب – ضاهر، حبيش، غصن ومكاوي في الأقضية المسيحية من البترون إلى زغرتا وعكار عبر قضاءي بشري والكورة، وبين طبيعة المهمة التي جاء من أجلها الموفدان الاميركيان في خضم أهداف موضوعة سلفاً للزيارتين بعضها مالي – نقدي تتعلق باحكام الحصار على «حزب الله» وعلى قيادته وفي مقدمها أمينه العام السيّد حسن نصر الله، واقصاء روسيا والاتحاد الأوروبي والدول الصناعية السبع الأخرى عن الثروة النفطية والغازية اللبنانية، لاعتبارات تعرفها الأجندة والدبلوماسية الأميركية، بما وصف بالسباق إلى «البيت الابيض» في تشرين الثاني المقبل.
وما توقفت عنده الاوساط اللبنانية شبه الرسمية هو هذا التزامن بين المعارك المندلعة والمحتدمة في كل من العراق وسوريا طلباً لرأس «داعش» عبر السلطة الشرعية في العراق ومعها الحشد الشعبي وحلفاء الولايات المتحدة من المعارضة السورية، لا سيما وحدات سوريا الديمقراطية الكردية الممولة والمدربة اميركياً، والضغط على حزب الله في لبنان والذي تصنفه الولايات المتحدة بأنه تنظيم إرهابي، فضلاً عن البحث مع المسؤولين اللبنانيين في كيفية التعاطي مع الثروة النفطية والغازية عند الحدود البحرية المشتركة مع قبرص وإسرائيل، وما يمكن ان يكون دار في المفاوضات العلنية والسرية في ما خص دور لبنان في مكافحة الإرهاب، والذي يمكن ان يكون اشراك المدير العام للأمن العام، مؤشراً ملموساً عليه.
ووفقاً لهذه الأوساط، فإن المعلومات الوافدة إلى بيروت من دوائر القرار الأميركي، تتحدث عن خطة تقضي باخراج الأوروبيين والروس من الشرق الأدنى وربط دوله لا سيما العراق وسوريا والأردن ولبنان، فضلاص عن إسرائيل بعجلة المصالح الاميركية قبل الانتخابات الأميركية، بهدف الحؤول دون وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة الأولى.
وكشفت هذه الأوساط إلى ان مقاربة لمهمة غلايزر وما سمعه من كل من الرئيسين برّي وسلام يصب في: ان لبنان ملتزم بالقانون الدولي، وأن التشريعات التي سنها العام الماضي مجلس النواب لمكافحة تبييض الأموال والإرهاب تتلاقى مع التشريعات الدولية على هذا الصعيد، وأن «حزب الله» يمثل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني، وهو ممثّل في الحكومة والبرلمان والمجالس البلدية المنتخبة، وبالتالي فلا يجوز حمل الدولة اللبنانية على الاقتصاص من شريحة من شرائح المجتمع اللبناني.
وأوضح المسؤول الأميركي لمن التقاهم من سياسيين ومصرفيين وامنيين ان قانون العقوبات الأميركي لا يستهدف الشيعة، لكن العقوبات على حزب الله أمر آخر، مؤكداً على رفض أية تحويلات لأي قيادي في حزب الله عبر أي مصرف بالدولار الأميركي.
وفي ما خص الإجراءات اللبنانية، تولت جمعية المصارف، بعد حاكم مصرف لبنان، شرح آليتها لغلايزر، في ضوء تعاميم المصرف المركزي رقم 37 وتعديل التعميم 83 لجهة تحقيق في أية تحويلات حولها شبهات، ولاي شخص كان لاحالتها إلى هيئة تحقيق خاصة في مصرف لبنان ضمن مهلة زمنية، بحيث لا يتم اقفال أي حساب من دون رأي هذه الهيئة، شرط ان يكون هناك أدلة ذات ثقة على أي اجراء.
ولم يخف غلايزر ثقته بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي وصفه «افضل حكام المصارف المركزيين في العالم» (تصريح لتلفزيون L.B.C.I ليل امس).
الا ان مصادر أخرى لم تتقاطع معلوماتها مع الأوساط الرسمية قالت ان غلايزر نقل رسالة للمسؤولين بالغة الحساسية، إذ طلب بما لا يقبل مجالاً للاجتهاد، وعلى مسمع القائم باعمال السفارة في بيروت ريتشارد جونز، من وزارة المال اللبنانية تعاوناً كاملاً في موضوع تنفيذ العقوبات على حزب الله وكياناته.
وذكرت هذه المصادر من دون ان تتوافر لـ«اللواء» تأكيدات لمعلوماتها ان الزائر المالي الأميركي لوح بأن بلاده ستلجأ إلى اجراء من شأنه ان يؤثر سلباً على الاقتصاد اللبناني في حال تخلفت الدولة عن تطبيق قانون الكونغرس الأميركي من خلال إخراج لبنان من منظومة الدول التي تتعامل بالدولار في العالم، الأمر الذي من شأنه ان يُشكّل ضغطاً على الليرة فتتغير قواعد صرف العملة المعمول بها منذالعام 1992.
بلديات الشمال
في الشمال، اكتملت الاستعدادات اللوجستية والإدارية لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية غداً، وانحصرت المنافسة على بلدية طرابلس بين 138 مرشحاً يتوزعون على اللائحة الائتلافية القوية المدعومة من الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي والجماعة الإسلامية والنائب محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي، ولائحة المجتمع المدني المدعومة من الوزير أشرف ريفي، فضلاً عن اللائحة التي يرأسها النائب السابق مصباح الأحدب والتي تحتل المرتبة الثالثة من حيث حظوظها، فيما بلغ عدد المرشحين لبلدية الميناء 96 مرشحاً يتنافسون على 21 مقعداً و43 مرشحاً لبلدية القلمون المؤلفة من 15 عضواً.
وبدا واضحاً من خارطة التحالفات واللوائح، أن الشمال، بما فيها محافظة عكار، سيشهد غداً معارك شديدة الصعوبة، والتعقيد والحساسية، وضعت فيها القوى السياسية ثقلها رغم أنها تخوض معاركها بشعارات إنمائية، في حين أن الكل بات يُدرك أن معارك الشمال هي معارك أحجام وأوزان، ولا سيما الثنائية المارونية في مواجهة تيّار «المردة» الذي يخوض الانتخابات البلدية بالتحالف مع الزعامات التقليدية الشمالية والحزب السوري القومي الاجتماعي والعائلات.
ومع أن معظم الترجيحات تميل إلى أن اللائحة التوافقية في مدينة طرابلس، ستفوز بأغلبية الأصوات وبفارق كبير عن اللائحة الثانية التي يدعمها الوزير ريفي، فإن البعض يعوّل على إمكانية خرق اللائحة الأساسية، ويجهد في سبيل تحقيق هذا الهدف، في حين بدت حظوظ اللائحة الثالثة ضئيلة، بالنظر إلى أن أصوات هذه اللائحة ستكون من نفس الكتلة الشعبية التي يمثلها الوزير ريفي.
عدا عن طرابلس والميناء، فإن معارك الشمال تتركز أساساً في مراكز الأقضية، ولا سيما في عكار حيث تبرز معارك في كل من القبيات وحلبا ورحبة وعندقيت، لكن الأعنف هي في القبيات، حيث تتنافس لائحتان: الأولى يدعمها النائب هادي حبيش (عضو كتلة المستقبل) والنائب السابق مخايل ضاهر، والثانية مدعومة من «القوات اللبنانية» و«التيار العوني».
واتخذت معركة القبيات طابعاً حاداً عندما استقبل الدكتور سمير جعجع اللائحة الثانية في معراب، مخاطباً أعضائها قائلاً بأنه يريد الانتقال بالقبيات من الزبائنية إلى الإنماء، مما استدعى رداً من النائب حبيش الذي اتهم البعض بتحويل المعركة إلى سياسية بدل أن تكون إنمائية، نافياً أن يكون تيّار «المستقبل» يتدخل في انتخابات القبيات.
في الموازاة تبرز معركة بشرّي التي تخوضها لائحتان، الأولى قواتية خالصة والثانية لعائلات المدينة، ولا سيما عائلتي طوق وعيسى الخوري، ومدعومة من النائب السابق جبران طوق.
أما في البترون، فالمعركة الطاحنة ستدور رحاها في تنورين بلدة الوزير بطرس حرب، الذي يخوض الانتخابات في لائحة برئاسة بهاء حرب في مواجهة لائحة ثانية بدعم من الثنائي الماروني، في حين أن «القوات» استنكفت عن معركة البترون المدينة وتركت رئيس البلدية مارسيلينو الحرك المدعوم من الوزير جبران باسيل خوض معركته في مواجهة مرشحين منفردين بما يضمن له الفوز براحة.
في الكورة ثلاث معارك أساسية في أنفه وكفرعقا وكوسبا، ويخوضها تيّار «المردة» بقوة بالتعاون مع نائب رئيس المجلس فريد مكاري والحزب السوري القومي الاجتماعي في مواجهة تحالف جعجع وعون.
وتبدو معركة أنفة مرتاحة بالنسبة لمكاري في حين تبدو صعبة في كوسبا بالنسبة «للمردة» التي تخوض معركة بشخص النائب السابق فايز غصن والعائلات، وعلى «المنخار» في كفرعقا، ومرتاحة للقوميين في أميون.