الحريري في طرابلس: بالإعتدال نواجه التحدِّيات الكبرى
مزايدات طائفية في جلسة «الإنماء والإعمار».. ونصر الله يتعهَّد «بحضور أكبر في حلب»
فيما كانت الحكومة تعقد أولى جلساتها الاستثنائية والمخصصة للملفات الخلافية، حيث فاحت رائحة المناطقية والطائفية من مداخلات الوزراء حول التقرير الذي قدمه مجلس الإنماء والإعمار إلى الجلسة عن الأعمال التي نفذها والتي هي قيد التنفيذ فضلاً عن المناقصات في ما خص مطمري «الكوستابرافا» وبرج حمود، كان لبنان السياسي والاقتصادي والاغترابي بالغ الانهماك بتتبع مجريات الحدث التاريخي البريطاني الذي قضى بخروج «الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» أو بريطانيا العظمى أو انكلترا من الاتحاد الأوروبي في حدث وصف بالزلزال على نحو ما عرفه العالم بعد سقوط جدار برلين نهاية ثمانينات القرن الماضي.
ولعل مرد الاهتمام اللبناني لا يقتصر فقط على بريطانيا في مساعدة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية بما له من تأثير على العلاقات الأوروبية – العربية واللبنانية بما في ذلك الانعكاسات المالية نظراً لموقع لبنان المالي المركزي في الشرق الأوسط.
حتى أن الخطابين المتوقعين لكل من الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله لم يحجبا انعكاس الاهتزاز الأوروبي على اللبنانيين والصدمة التي من شأنها أن تتفاعل في الأشهر المقبلة.
ودعت مصادر دبلوماسية أوروبية اللبنانيين إلى الحفاظ على أجواء الاستقرار الداخلي وعدم الذهاب بعيداً في التجاذبات لا سيما في الملفات الخلافية التي ليس من الممكن إيجاد حلول لها في شرق أوسط مضطرب وعالم يهتز على وقع الحرب على الإرهاب وصعود اليمين في العالم والارتجاجات المالية التي يمكن ان تعصف بالأسواق والبورصات العالمية.
وفي الإطار عينه، علمت «اللواء» أن الجلسة الأخيرة من الحوار بين «تيار المستقبل» وحزب الله لم تكن سلبية، ولم يكن بامكانها احداث خرق خاصة في الملف الرئاسي، الذي لا يزال عالقاً.
وأشار مصدر مطلع إلى أن «حزب الله» سأل وفد «المستقبل» المفاوض: لماذا لا تحاورون النائب ميشال عون؟ فجاء الرد: لماذا لا تحاورون انتم «القوات اللبنانية»، واتفق الجانبان على متابعة الحوار حيث اتفق مبدئياً على أن تعقد الجلسة المقبلة بعد جلسة انتخاب الرئيس المتزامنة مع اجتماع اللجان النيابية في 13 تموز المقبل.
وأشار المصدر إلى أن الاتجاه هو مناقشة مشروعي النسبية والمختلط بين الجانبين في الجلسة المتوقعة منتصف الشهر المقبل.
خطاب الحريري
ورأت مصادر سياسية أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الحريري في طرابلس ولقائه مع الرئيس نجيب ميقاتي وفاعليات المدينة من شأنه أن يُعزّز المصالحات التي سبقت الانتخابات البلدية، وأرست مناخاً من التوافق الإسلامي ترك انعكاسات طيبة على الوضع السياسي في البلاد، والذي شكل رافعة لإجراء الانتخابات البلدية بصرف النظر عن نتائجها لجهة الربح أو الخسارة.
ولاحظت هذه المصادر أن خطاب الحريري الذي افتتح به الليالي الشمالية الثلاث جاء مدروساً ومنسجماً ومثبتاً لروح الاعتدال والاستقرار.
ولم يشأ الرئيس الحريري الا اعتماد منطق المصارحة والمواجهة المباشرة، فهو بعد توجيه تحية تقدير للرئيس الشهيد رشيد كرامي، والذي وصفه بأنه رجل الدولة والعيش المشترك والوحدة الوطنية، نوّه بصمود طرابلس موجهاً تحية لشهدائها ولدورها وهويتها الوطنية والعربية بعدما لفظت عنها غبار الحروب والمعارك.
ودخل الرئيس الحريري مباشرة في موضوع الانتخابات البلدية، فخاطب الحضور «عندما تنتخب طرابلس مجلسها البلدي نحن نتعاون مع هذا المجلس، وجميع أعضاء المجلس اخواني وأحبائي، فمصلحة طرابلس فوق كل اعتبار، وطرابلس التي قدمت لرفيق الحريري لا تخرج من جلدها، نحن لن نتهرب من المسؤولية التي علينا أن نتحملها غامزاً من قناة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي من دون أن يسميه، وقال: «في هذه الأيام هناك موضة وهناك أناس يشرحون ما هي الحريرية الوطنية حتى وصلت المواصيل إلى حدّ دعوة بيت الحريري ليعودوا إلى الحريرية ودعوة سعد ليعود حريري»، مذكّراً بموقف لوالده عندما شبّه لبنان عام 2004 بطائرة مدنية مخطوفة معتبراً أن الأولوية لسلامة الركّاب وأن إنقاد بيروت ولبنان يشكّل عقاباً للخاطفين.
وأكد الحريري «هذا لسان حالنا ولسان اليوم، ما زالت الطائرة مخطوفة وواجباتي إنقاذ الركاب وتأمين سلامتهم»، وقال: «أهم شيء عند رفيق الحريري كان الصدق ثم الصدق والوفاء، أما إذا أتى أحد وقال نكسر شباك الطائرة أو نفجّر عبوة أو نقتل القائد فهو حر برأيه، ولكن أرجوك حلّ عن رفيق الحريري وعن المزايدات والعنتريات على بيت الحريري بإسم رفيق الحريري».
ومن هذا الباب دخل الرئيس الحريري بقوة للدفاع عن الاعتدال، رافضاً أن يكون الاعتدال ضعفاً، وقال: «أنا واحد من مليار ونصف مسلم في العالم مؤمنين أن دينهم دين اعتدال فهذه قوة وليست ضعفاً»، وأكد «بواسطة الاعتدال سمح للجيش اللبناني أن يضرب «فتح الاسلام» وأن يُعيد المجرم ميشال سماحة إلى السجن، وأن يأتي بالمحكمة الدولية، وأن يُخرج السوري من لبنان».
أضاف: «فلا يأتينّ أحد أن يبيعنا أن الاعتدال ضعف ولا يحاولنّ أحد أن يصوركم أهل تطرّف وغوغائية».
وحول الوضع في المنطقة تحدث عن أن الحل السياسي في سوريا والعراق آتٍ وأن سوريا ستتخلص من كابوس بشار الأسد وأن طرابلس يجب أن تلعب دورها التاريخي والمطلوب أن نصمد ونحمي الاستقرار.
وبعد الإفطار زار الرئيس الحريري الرئيس نجيب ميقاتي في دارته في الميناء في حضور مدير مكتبه نادر الحريري والنائب أحمد كرامي والنائب السابق غطاس خوري حيث أكد بعد اللقاء على العلاقة المتينة مع الرئيس ميقاتي وأن التحديات الكبرى تفرض التضامن لا سيّما أن الفراغ الرئاسي يساهم في تآكل كافة المؤسسات.
خطاب نصر الله
في المقلب الثاني كان السيّد حسن نصر الله ألقى خطاباً عند الخامسة من عصر أمس، تقدّم فيه الجانب الإقليمي على ما عداه، وكان اللافت فيه تركيزه على المعركة في محافظة حلب السورية التي وصفها بالمعركة الاستراتيجية الكبرى، متعهداً بزيادة عديد قواته فيها وتأكيده على دور كبير للحزب هناك.
ووصف نصر الله في ذكرى أربعين القيادي بدر الدين بأن القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن سوريا وبقية سوريا والعراق ولبنان والأردن، مشدداً على أن الذين يتحدثون عن أن حزب الله تلقى ضربة يخترعون الكذبة ويسوّقون لها.
واعترف السيّد نصر الله بأن حزب الله منذ 1 حزيران لتاريخه أي 24 منه سقط له 26 شهيداً وفُقد آخر وأسير فيما الجماعات المسلحة سقط لها 617 قتيلاً بينهم عشرات القادة وأكثر من 100 جريح، على حدّ تعبيره، متحدثاً عن صمود وثبات ومتعهداً «بأننا سنحضر بشكل أكبر».
وفيما خصّ القانون الأميركي الذي فرض العقوبات على حزب الله «فنحن نرفضه جملة وتفصيلاً».
وجاهر السيّد نصر الله بأن «تمويل حزب الله ورواتب حزب الله وسلاح حزب الله كل ذلك يأتي من إيران وطالما أن في إيران يوجد أموال فنحن لدينا أموال»، وأضاف: «المال المقرّر لنا يصل إلينا وليس عبر المصارف وكما وصلت لدينا الصواريخ الأموال تصل إلينا ومن يعترض فليشرب من البحر المتوسط».
وأعلن نصر الله رفضه لما وصفه بالضغوط على بيئة حزب الله قائلاً: «هذا اعتداء نرفضه ولن نقبل ولن نسمح به».
ورأت مصادر تابعت الخطاب أن السيّد نصر الله اعترف بمجموعة من الوقائع الميدانية والمالية من شأنها أن تكون مدار متابعة في الأسابيع المقبلة.
مجلس الوزراء
على مدى ثلاث ساعات (من العاشرة حتى الواحدة) ناقش مجلس الوزراء في أولى جلساته الاستثنائية التقرير المفصل الذي قدمه ممثلا مجلس الإنماء والاعمار حول المشاريع التي أعدّها المجلس ونفّذت وتلك التي هي قيد التنفيذ.
واستوضح الوزراء من ممثلي المجلس مسائل تتعلق بالمشاريع وما تضمنته من أرقام وإحصائيات.
وكشفت مصادر وزارية لـ«اللواء» أن الرئيس سلام رفض طرح أي موضوع خارج تقرير مجلس الإنماء والاعمار، منوّهاً بعودة وزير العمل سجعان قزي لحضور جلسات الحكومة الذي أكد، أي قزي، أنه فخور أن ينتمي إلى حكومة يرأسها سلام وتحمّل ما يتحمّل من صعوبات.
ثم طلب الرئيس سلام من رئيس مجلس الإنماء والاعمار نبيل الجسر الانضمام إلى الجلسة لشرح التقرير والردّ على أسئلة الوزراء.
وكشفت هذه المصادر أن الوزير باسيل حمل معه جداول مفصّلة لمشاريع مجلس الإنماء والاعمار، معتبراً أنها بعيدة عن التوازن.
ولاحظت المصادر الوزارية أن النقاش غرق رغم الأجواء الهادئة في متاهات طائفية ومناطقية فيما يشبه السجال الشعبوي والتعبوي البعيد عن الموضوعية والدقة الرقمية والحسابية.
وفي حين قرّر المجلس الطلب من الوزارات تزويد مجلس الإنماء والاعمار خلال 15 يوماً بما لديها ولدى المؤسسات العامة المرتبطة بها من مشاريع تمّ تنفيذها أو هي قيد التنفيذ ووضعيتها القطاعية والمناطقية وذلك اعتباراً من العام 2008 حتى تاريخه.
كما كلّف مجلس الوزراء مجلس الإنماء والاعمار وضع دراسة تحليلية للمشاريع موضوع تقريره ولمشاريع الوزارات والمؤسسات العامة، واقتراح مشروع خطة عامة مبنية على المعطيات كافة التي كانت موضوع هذه الدراسة وذلك خلال مهلة شهر، كشف مصدر في الإنماء والاعمار أن قرار الترسية لمناقصة مطمر الغدير جرت في 27 أيار الماضي بانتظار فتح أسعار مطمر برج حمود الذي حصل في 21 حزيران، وأن المجلس ألغى قرار 27 أيار بعد مناقصة برج حمود الذي جاء لمصلحة الإدارة أكثر من السعر الأدنى في مناقصة الغدير، واتخذ المجلس قراره بالإجماع بعيداً عن أي تأثير لما نشر في وسائل الإعلام.
ووصف الوزير عريجي إيقاع الجلسة بالمضبوط، مشيداً بإدارة الرئيس سلام لها، واصفاً إياها بالموضوعية، متحدثاً عن مشاريع ضئيلة في قضاء زغرتا.
ميدانياً، تطوّر الاشتباك بين جبهة «النصرة» وتنظيم «داعش» في القلمون إلى معارك محتدمة بين التنظيمين، في منطقة يسكنها آلاف السوريين، مما أدى إلى مقتل أبي صهيب اليد اليمنى لأمير «النصرة» الشيخ مالك الشامي، واستمرت الاشتباكات من غروب أمس حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، وانتهت بأسر «النصرة» لثلاثة من مطلقي النار وقتل عدد من التنظيم عرف من بينهم أبو عبدو العسالي.