الإرهاب يضرب القاع.. والنار السورية تهدّد الإستقرار
الأمن يطغى على الجلسة المالية اليوم وسط حداد وطني.. ومنع تجوّل النازحين السوريين ليلاً
بين الرابعة فجراً، والعاشرة والنصف ليلاً، أي قرابة 19 ساعة، عاشتها بلدة القاع عند الحدود الشرقية مع سوريا، وعاشها لبنان الرسمي والسياسي والشعبي، وسط أسئلة بالغة الخطورة حول ما اذا كان لبنان وضع فعلاً على الخارطة الدموية الإرهابية الجارية في جواره، على خلفية الحرب السورية المستعرة التي ارتفع معها منسوب الخوف من استهداف الاستقرار اللبناني، والتوزع الديموغرافي والطائفي.
فقد صحت البلدة البقاعية، ومعها لبنان، على إقدام أربعة انتحاريين على تفجير أنفسهم فجراً، مما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين وجرح 15 بينهم 4 عسكريين في المرحلة الأولى من التفجيرات التي اعقبها انتشار غير مسبوق للجيش اللبناني وموجة تضامن واسعة مع بلدة القاع، حيث اتفقت التعليقات الأولى على ان البلدة افتدت لبنان ببضعة شهداء من أبنائها تمكنوا من إحباط خطة اكبر كانت معدة للداخل اللبناني، وانتهت بمذكرة أصدرها الرئيس تمام سلام بإعلان الحداد وتنكيس الأعلام على جميع الادارات والمؤسسات العامة، والوقوف خمس دقائق خلال تشييع جثامين الشهداء اليوم، تعبيراً عن تضامن لبناني ووطني مع عائلات هؤلاء الشهداء والجرحى، فيما وصف الرئيس سعد الحريري العملية الإرهابية الصباحية «بالجريمة الإرهابية المنظمة في كهوف الضلال، وحلقة في سلسلة جهنمية تخطط لمدّ الحريق السوري الى الدول المجاورة، وتعميم نظام الفوضى والخراب على سائر المجتمعات».
وحالف الصواب الرئيس سلام، عندما اعتبر أن عدد المشاركين في جريمة الصباح وطريقة تنفيذها تظهر طبيعة المخططات الشريرة التي ترسم للبنان، وحجم المخاطر التي تحدق بالبلاد في هذه المرحلة الصعبة داخلياً واقليمياً.
الدفعة الثانية
وصحت الرؤية من أن لبنان بدا هدفاً للنار السورية، إذ أنه عند العاشرة والنصف ليلاً وقعت الدفعة الثانية من الهجمات، عندما فجر أربعة انتحاريين أنفسهم في منطقة تمتد بين كنيسة مار الياس للروم الكاثوليك ومقر المخابرات اللبنانية وطرق امدادات الجيش، حيث أدت وفق رئيس الصليب الأحمر جورج كتانة إلى سقوط ثمانية جرحى توزعوا على مستشفى الهرمل والعاصي وإصاباتهم وفق التقارير خفيفة الى متوسطة، في حين ان الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية ذكرت ان الجرحى هم 13 مواطناً.
وعلى الأثر فرضت وحدات الجيش اللبناني طوقاً أمنياً من اللواء المجوقل الذي اتخذ قرار بإرساله إلى المنطقة بعد الاجتماع الذي عقده قائد الجيش العماد جان قهوجي في مبنى بلدية القاع مع راعي أبرشية بعلبك للروح الكاثوليك المطران الياس سرحال وعدد من نواب المنطقة وفعالياتها، وأكد خلاله أن «القاع خط الدفاع الأول عن لبنان في مواجهة الإرهاب».
وتحوّلت القاع إلى منطقة عسكرية، بعد أن انقطع التيار الكهربائي الذي أُعيد قبيل منتصف الليل، والتزم النّاس منازلهم، في حين أن شباناً مسلحين اتخذوا مواقع بالتنسيق مع الجيش لمواجهة أي تقدّم أو إقتحام للبلدة من المسلحين الإرهابيين.
بيانات الجيش
وأصدرت قيادة الجيش، مديرية التوجيه، حول العملية الإرهابية الثانية في القاع بيانين، وجاء في البيان الأول: «عند الساعة 22،30 من مساء اليوم (أمس)، دوّت عدة تفجيرات إنتحارية في بلدة القاع، ما أدى الى وقوع عدد من الإصابات في صفوف المواطنين».
ودعت قيادة الجيش أهالي البلدة الى عدم التجمع في أي مكان داخلها، والتجاوب التام مع الإجراءات الأمنية التي تنفذها قوى الجيش للحفاظ على سلامتهم.
وجاء في البيان الثاني: «إلحاقاً لبيانها السابق، حول تفاصيل التفجيرات الإرهابية التي حصلت في بلدة القاع، تشير قيادة الجيش الى أنه عند الساعة 22،30 من مساء اليوم (أمس)، أقدم أحد الإنتحاريين الذي كان يستقل دراجة نارية على رمي قنبلة يدوية بإتجاه تجمع للمواطنين أمام كنيسة البلدة، ثم فجر نفسه بحزام ناسف، تلاه إقدام شخص ثانٍ يستقل دراجة على تفجير نفسه في المكان المذكور، ثم أقدم شخصان على محاولة تفجير نفسيهما حيث طاردت وحدة من مخابرات الجيش أحدهما ما اضطره الى تفجير نفسه دون إصابة أحد، فيما حاول الإنتحاري الآخر تفجير نفسه في أحد المراكز العسكرية، إلا أنه استُهدف من قبل العناصر ما اضطره أيضاً إلى تفجير نفسه دون التسبب بإيذاء أحد.
وقد استقدم الجيش تعزيزات إضافية الى البلدة، وباشرت وحدات الجيش تنفيذ عمليات دهم وتفتيش في البلدة ومحيطها بحثاً عن أشخاص مشبوهين».
الأهداف
ومع تغيّر وقائع العمليات الانتحارية التي تمّت على دفعتين، والتي شارك فيها ما لا يقل عن عشرة إنتحاريين، فجّر ثمانية منهم أنفسهم، وألقي القبض على خامس، فيما توارى واحد عن الأنظار، تبدّلت صورة الأهداف المتوقعة أو المحددة من وراء هذه الهجمات التي يُعتقد أن القسم الأكبر من الإنتحاريين هم من المسلحين السوريين، من دون أن يتبيّن بعد من أن يكونوا دخلوا من ما وراء الحدود أو أن يكونوا في عداد النازحين:
1- تبيّن أن المجموعة الأولى كانت تنتظر دوريات الجيش اللبناني أو جنوده لتفجير أنفسهم بهم، وإيقاع العدد الأكبر من الخسائر، في جريمة شبيهة بما حدث على الحدود الأردنية قبل أقل من أسبوع.
2- دلّت معطيات الهجمات ليلاً على أن الكنيسة هناك ربما كانت مستهدفة أيضاً. وفي مطلق الأحوال، فإن تفجير بعض الإنتحاريين أنفسهم بالمدنيين المسالمين، أو الذين تجمعوا في أماكن التفجيرات لألحاق خسائر بأكبر عدد منهم، بغية إرهابهم وترويعهم.
3- حسمت تفجيرات الليل الاحتمالات التي جرى تداولها صباحاً، وأكدت أن بلدة القاع الحدودية المسيحية، والتي تقع بين عرسال ورأس بعلبك والهرمل، على خط الحدود الفاصل بين سوريا ولبنان، كانت هي المستهدفة، لأسباب تتعلق بأحد إحتمالين: إما لترويع أهل البلدة وحملهم على النزوح عنها، أو لإلحاق خسائر في الوحدات العسكرية، تمهيداً لإحداث خرق على الأرض، وفتح جبهة حدودية مع لبنان، على خط النار المشار إليه، بأهداف تتعلق بمجريات المواجهة في حلب وأرياف دمشق والرقة ودير الزور.
4- الضغط على لبنان لتخفيف الضغط عن الداخل السوري، وقطع طرق الإمداد بعد فتح جبهة من نافدة حدودية رخوة، في مربع القرى الحدودية التي تعتبر القاع باعتبارها بلدة مسيحية، «لقمة سائغة» في هذا المخطط الإرهابي المشبوه.
مجلس الوزراء
في مطلق الأحوال، استنفر لبنان من أقصاه إلى أقصاه، ووضعت الخلافات جانباً، وأيقظت التفجيرات الانتحارية وعياً وطنياً بأن اللحظة الراهنة ليست للخلافات والمماحكات وإنما للوقوف صفاً قوياً وراء الجيش اللبناني والقوى الأمنية لحماية القاع وخط الحدود الشرقي اللبناني براً، لإحباط مخطط تعميم الفتنة، أو إضعاف الوحدة الوطنية الداخلية.
وسيفرض هذا الوضع الناشئ نفسه بنداً قوياً على جدول أعمال الجلسة الاستثنائية المخصصة للوضع المالي، وربما ترجئ البحث وتتحول إلى جلسة مخصصة للوضع الأمني، وفقاً لما أكد أحد الوزراء ليلاً لـ«اللواء».
وسيستمع المجلس إلى تقارير أمنية من القيادات المعنية، فضلاً عن التقرير الذي سيرفعه رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمّد خير عن المسح الذي أجراه فريق الهيئة للتفجيرات التي حصلت في القاع.
ووفقاً للوزير المذكور، فإن وضع النازحين السوريين سيكون على الطاولة أيضاً، إنطلاقاً من الإجراء الذي اتخذه محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر من منع التجوّل ليلاً في رأس بعلبك أو القاع وصولاً إلى الهرمل.