«تفجيرات القاع» تعوّم الحكومة وتحرّك الرئاسة
مروحة إتصالات واسعة بين بيت الوسط وعين التينة والرابية.. وتأكيدات أمنية تكذّب الشائعات
ثلاث حقائق وضعتها جريمة التفجيرات الانتحارية في بلدة القاع التي شيّعت شهداءها الخمسة بعد ظهر أمس، في المشهد السياسي اللبناني الجديد:
1 – حاجة اللبنانيين كافة إلى بقاء حكومة الرئيس تمام سلام، والالتفاف حولها، باعتبارها السلطة الاجرائية الوحيدة، التي تعبر عن وحدة الدولة ومؤسساتها، لا سيما المؤسسات العسكرية والأمنية والتي توفّر للبنانيين الحماية، وتمنع مشاريع التجزئة من خلال مقولات الأمن الذاتي التي أطاحت بوحدة الدولة في منتصف سبعينات القرن الماضي.
2 – تقدّم الوحدة الداخلية على ما عداها، وإظهار حجم حاسم من التكاتف والتعاطف مع أبناء القاع بوصفها منطقة لبنانية حدودية، تشكل خط دفاع أوّل عن باقي المناطق اللبنانية، لا سيما العاصمة والضواحي وطرابلس وصيدا والنبطية وسائر المدن اللبنانية، فضلاً عن المرافق الحيوية من المطار إلى المرفأ والكازينو، وسائر شرايين الاتصال مع العالم الخارجي، والتي تشكّل في الوقت نفسه دعائم متينة للاقتصاد اللبناني.
3 – على أن الأهم هو ما علمته «اللواء» عن تشكّل مناخ جديد بعد تفجيرات القاع، قوامه التقاط فرصة التضامن الداخلي محلياً، والانفراج في العلاقات الروسية – التركية إقليمياً ودولياً، الأمر الذي يُساعد، من وجهة نظر مصادر دبلوماسية، في إيجاد مقاربة جديدة لإنهاء الحرب السورية، أو على الأقل ضبط دوّامة العنف الجنوني التي أصابت حلب ومحافظات أخرى بضربات جوية تدميرية ومعارك وصلت إلى حد الإبادة.
وعلى هذا الصعيد، كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«اللواء» أن حركة مكوكية انطلقت عنوانها التفاهم على سلسلة من الخطوات تؤدي إلى الإفراج عن الرئاسة الأولى، انطلاقا من قناعة متشكلة عند مختلف قادة الكتل والأحزاب والطوائف، من أن المدخل لمعالجة الأزمات وتحصين الساحة ومواجهة المخاطر، ولا سيما الخطر الارهابي تكون من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وتتحرك هذه الاتصالات، وفقاً لما كشفته المصادر عينها، بين عين التينة و«بيت الوسط» والمختارة والرابية وحارة حريك.
ولم تشأ المصادر كشف معلومات إضافية، لكنها أكدت أن هذه الاتصالات تسير بوتيرة متسارعة لانتهاز الفرصة المتاحة، في ظل إدراك كل القوى خطورة الوضع والحاجة إلى خطوة إنقاذية، انطلاقاً من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مقاربة أوسع، سواء في ما يتعلق بسلة التسوية، أو بسائر بنودها المتعلقة بقانون الانتخاب او الحكومة الجديدة.
ودعت إلى انتظار نتائج هذه الاتصالات لكنها ربطت بين تقدّم التفاهمات الإقليمية – الدولية حول الوضع في سوريا، وإمكانية إحداث خرق في جدار الرئاسة المسدود.
وفي السياق، قال مصدر عليم لـ«اللواء» أن عدداً من مستشاري الرئيس سعد الحريري يتحركون في هذا الاتجاه، لا سيما مدير مكتبه السيّد نادر الحريري ومستشاره لشؤون العلاقات المسيحية الدكتور غطاس خوري.
وفيما أكد زوّار «بيت الوسط» دعوة الرئيس الحريري للالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية والحكومة المركزية، وإصراره على انتخاب رئيس جديد للجمهورية كمدخل لاستقامة الوضع، نقل زوار الرئيس سلام عنه تخوفه من ان يكون ما حصل في بلدة القاع بداية الأسبوع مشروع فتنة مخططاً له، مبدياً تخوفه الحقيقي من امتداد النار الإقليمية إلى لبنان مع التفجيرات الارهابية في القاع.
يذكر أن السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر جدد التزام بلاده بدعم الجيش والقوى الأمنية والبنك المركزي ووزارة التربية لمواجهة تداعيات الأزمة السورية، مشدداً على أهمية دعم بلاده لحماية التعايش السلمي بين النّاس على مختلف انتماءاتهم لمواجهة الإرهاب.
وفي تطوّر سياسي محلي، زار وزير الاقتصاد المستقيل آلان حكيم السراي، ناقلاً وقوف حزب الكتائب إلى جانب الرئيس سلام في مواجهة الظروف الراهنة، مؤكداً أنه راجع الرئيس سلام في ما خص الأمور العالقة والمتوقفة في وزارة الاقتصاد، حيث أن الوزير بالوكالة لا يوقّع المعاملات.
ورأى مصدر متابع أن هذه أول إشارة كتائبية من نوعها إلى أن تصريف مصالح المواطنين هي التي تتحكم بخلفية استمرار الرئيس سلام بتحمّل المسؤولية، وكأنها تمهّد ربما لخطوة كتائبية تعيد النظر بموقف الحزب.
وفي الوقت الذي كان فيه «حزب الله» ينفي معلومات عن إمكان إلغاء مهرجان يوم القدس العالمي المقرّر غداً في مجمّع سيّد الشهداء، حيث سيلقي أمينه العام السيّد حسن نصر الله خطاباً يضمّنه مواقف من المستجدات، أبرزها التفجيرات في القاع، بقيت المعلومات التي كشفتها «اللواء» في عددها أمس، موضوع اهتمام، لا سيّما لجهة الخطة التي يجري التداول بها في ما خصّ الفصل بين وضعية النازحين السوريين الإنسانية وخطط المجموعات المسلحة و«الإرهابية» لاستغلال وضع هؤلاء والنفاذ من أماكن تجمعهم ومخيماتهم إلى تنفيذ عمليات إنتحارية ضد الآمنين أو ضد مؤسسات أو ضد مناطق وصولاً إلى الجنوب، من صيدا إلى النبطية وصور وحتى الخط الأزرق لقوات «اليونيفل».
وفي هذا الإطار، قال قيادي بارز في محور 8 آذار لـ«اللواء» أن المخاطر الأمنية والاجتماعية التي باتت تُهدّد لبنان بسبب النازحين السوريين تستلزم وضع خطة أمنية معدّة بإتقان بقرار سياسي من الحكومة تغطي انتشار مخيمات النازحين وكيفية الدخول والخروج إليها وإخضاعها لرقابة صارمة، حتى لو اقتضى الأمر فتح قنوات اتصال وتنسيق مع الحكومة السورية.
وجاء مطلب هذا المسؤول في محور 8 آذار، انطلاقاً من دلائل لديه تُشير إلى أن انتحاريي القاع الثمانية لم يأتوا من الحدود اللبنانية وإنما من المخيمات، وأن هدفهم كان أكبر من بلدة القاع، أو مناطق البقاع، مشيراً إلى أنه كلما ازداد الضغط في سوريا كلما ارتفع منسوب الخطر الأمني في لبنان.
مجلس الوزراء
أما حكومياً، فلا تتوقع مصادر وزارية إتخاذ إجراءات جديدة في ما خصّ مسألة النزوح السوري، خلال جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، وإن كانت توقعت أن يبقى الحدث الأمني متصدراً مداولات الجلسة.
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«اللواء» إلى أن هناك التزاماً بسياسة الحكومة المقررة سابقاً تجاه موضوع النزوح السوري، مؤكداً أن كل ما يُطرح في هذا الموضوع هو كلام للاستهلاك فقط، معلناً بأن الإرهاب يضرب أينما كان ولا يميّز بين أحد، داعياً إلى التمييز بين الإرهاب والنزوح السوري المضبوط.
وفي هذا السياق، علمت «اللواء» أن اللجنة المكلفة بملف النازحين السوريين ستضع تقريراً لرفعه إلى مجلس الوزراء قريباً، وقد يتضمن أفكاراً يجري تداولها، ومنها طلب مساعدة الأمم المتحدة لتأمين عودة النازحين إلى مناطق آمنة في سوريا.
ولفتت مصادر وزارية إلى أن هناك تخوفاً من استغلال موضوع النازحين للضغط على الحكومة لفتح قنوات اتصال مع النظام السوري، بحسب ما كشفته مداولات مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي.
وأوضحت المصادر أن هناك أسئلة بدأت تظهر بعد تفجيرات القاع، ومنها لماذا لم تتبنّ أي جهة مسؤولية ما جرى، وأن ما حدث حصل بدون توقيع من أحد، مؤكدة أن الضوء الأخضر ممنوح سياسياً للأجهزة الأمنية والجيش بشأن أي قرار تتخذه أو أي وضع له علاقة بالأمن.
من جهته، لفت وزير الداخلية نهاد المشنوق الى أن «ما حدث بالقاع ليس أمراً عابراً بل جزءاً من مخطط يحضر له في لبنان»، مؤكداً أن «التحقيقات مستمرة فالامر الاساسي الذي حدث هو أن المعتقلين تعرفوا على 7 من 8 انتحاريين وأكدوا أنهم دخلوا من الرقة وليس من المخيمات».
وشدد المشنوق في حديث لـ«الجديد» على أن «الانتحاريين أتوا بهدف العملية ولم يكونوا مقيمين في لبنان أو مشاريع القاع، وأن الأجهزة حصلت على المعلومات من الموقوفين الذين تعرفوا اليهم، هذه قاعدة علمية وليست اكتشاف، تعرفوا عليهم بالاسماء الاولى أو بالاسم الكامل أو من قراهم»، لافتا الى أن «هناك 7 شبكات اعتقلت بالاشهر الاخيرة وتعطلت مخططاتها».
وشدد على أن «لبنان من الدول الاولى التي قامت بعمليات استباقية، للمرة الاولى منذ بداية العمليات التي بدأت بالضاحية، والخلايا الجديدة هي خلايا عنقودية، أفرادها لا يعرفون بعضهم البعض وكل واحد مكلف بمهمة محددة وهذا أسلوب جديد»، وقال: «هناك 10 أهداف محتملة، القوى الامنية أخذت احتياطاتها كاملة، أما الشواطئ والمراكز التجارية في التحقيقات لم يظهر لنا أنها مستهدفة.
نفي أمني
وفي هذا المجال، نفت قوى الأمن وإدارة كازينو لبنان الشائعات التي تحدثت عن وجود مخاطر محدقة بالكازينو، مشيرة إلى أن الوضع طبيعي بالكامل، وأن الإجراءات الأمنية والاحتياطية المتخذة بالتنسيق مع الأجهزة الرسمية فيها كل شروط السلامة للشركة.
أما المديرية العامة لقوى الأمن فدعت المواطنين إلى عدم القلق، نافية أن تكون قد صدرت عنها أية معلومات جرى تداولها عبر مواقع التواصل أم عبر رسائل صوتية يبثها مجهولون عن أعمال إرهابية ستقع في هذه المنطقة أو تلك، كاشفة أن الهدف من هذه الأخبار غير المسؤولة إثارة البلبلة والتأثير سلباً على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
تجدر الإشارة إلى أن بلدة القاع ودّعت شهداءها الخمسة: فيصل عاد، جوزيف ليوس، جورج فارس، بولس الأحمر وماجد وهبي، الذين قضوا في الموجة الأولى من تفجيرات الارهابيين الأربعة، وسط حزن عميق وإجراءات أمنية مشددة، من دون أن تطلق رصاصة واحدة، خشية تسلل «الارهابيين» إلى البلدة مجدداً، وأطلقت خلال مراسم الجنازة التي أقيمت في قاعة كنيسة مار الياس بمشاركة رسمية وشعبية، دعوات لأن تكون منطقة مشاريع القاع منطقة عسكرية، بحسب راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك المطران الياس رحال الذي شدّد أيضاً على ضرورة إغلاق جميع الثغرات التي يتسلل منها الإرهابيون، واصفاً القاع بأنها «الصخرة التي يتكسر عليها الإرهابيون»، وأن «شهداء القاع وقفوا في وجه الإرهابيين وقدّموا حياتهم في سبيل جميع المواطنين اللبنانيين».