تدهور الموقف على جبهة جرود عرسال، بعدما استهدفت العناصر المسلحة من الجهة السورية دورية للجيش اللبناني، قالت قيادة الجيش ان العملية حصلت داخل بلدة عرسال وادت الى استشهاد عسكريين واصابة ثلاثة بجروح، وادى هذا التطور الامني الخطير مع وصول الوسيط القطري السوري الاصل جورج حصواني الى بيروت في اطار المهمة الرامية اصلاً الى اطلاق الاسرى العسكريين لدى الجماعات المسلحة الى اعادة خلط الاورق، لا سيما بعد تسريب هذه الجماعات نبأ اعدام جندي بالرصاص، وهو محمد معروف حمية من طاريا بقضاء بعلبك، لكن معلومات بقاعية اشارت الى ان هذا النبأ غير صحيح، وان ذوي حمية تواصلوا مع الشيخ مصطفى الحجيري الذي نفىعلمه بهذا الامر.
إلا ان جبهة «النصرة» اعلنت عبر حسابها على موقع «تويتر» ان الجندي حمية هو «اول ضحية من ضحايا الجيش اللبناني»، وجاء في اعلانها: «بشرى الى حكومة لبنان وحزب ايران، هذا اول ضحاياكم، فلتدفعوا الثمن والقادم أدهى وأمرّ».
وفي تغريدة ثانية عبر حساب «ابو الطيب الشامي»: «الجندي اللبناني محمد حمية تم تسفيره».
وليلاً، نقلت وكالة رويترز عن مصادر امنية لبنانية تأكيدها ما جاء على حساب «تويتر» من ان جبهة النصرة السورية اعدمت جندياً لبنانياً اسيراً.
وفور شيوع النبأ، نزل مواطنون متعاطفون مع آل حمية الى الشوارع وقطعوا طرقات في البقاع وصولاً الى قطع طريق المطار بالاطارات المشتعلة، واعتقال عشرات السوريين المقيمين في منطقة الرحاب في الضاحية الجنوبية، وقيل انه عددهم بلغ 50 شخصاً.
ولاحقاً، امل والد الجندي المخطوف محمد معروف حمية من كافة المتضامنين مع العائلة، توخي الدقة والحذر في ما يشاع من اخبار غير مؤكدة عن استشهاد محمد والتي يمكن ان تكون بهدف نشر الفوضى وزرع الفتنة بين ابناء البيت الواحد.
واوضح معروف حمية ان «اتصالات عدة قد جرت مع فاعليات متابعة للقضية ومن بينها فاعليات في بلدة عرسال، اكدت جميعها عدم صحة ما يشاع وان ابننا محمد في صحة جيدة، من هنا اطالب اهلنا في كافة القرى اللبنانية ولا سيما منطقة البقاع التزام التهدئة والتروي وعدم اللجوء الى اي ردات فعل قد تسيء الى معتقداتنا».
في هذا الوقت، بدأ الجيش بتنفيذ مداهمات واسعة في أماكن يشتبه بلجوء العناصر الإرهابية التي قامت بتفجير الآلية العسكرية في عرسال، ثم امتدت الى مناطق أخرى في إطار الاجراءات الوقائية، وتمكّن من توقيف عدد كبير من الاشخاص.
وكشف مصدر عسكري أن استهداف الآلية العسكرية ناجم عن عبوة ناسفة موجهة لاسكلياً زنتها عشرة كيلوغرامات من المواد المتفجرة.
وآعقب الاعتداء على دورية الجيش، اشتباكات مع مواقع المسلحين في الجرود، أدت الى مقتل سوري وإصابة مطلوب هو جمال عبد الله الحجيري الذي نقل الى مستشفى دار الأمل، وهو ملاحق بتهم إرهابية.
وتوسعت دائرة الاشتباكات الى البلدات المجاورة، وأفيد عن سقوط صاروخين في بلدة اللبوة، أحدهما قرب مكتب حركة «أمل» والثاني على الطريق الدولية من دون وقوع إصابات.
إجتماع السراي
واستدعى هذا الاعتداء الخطير وتداعياته اجتماعاً أمنياً في السراي حضره الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، تم خلاله مناقشة الاجراءات التي اتخذتها القيادة العسكرية وإحكام الحصار على المسلحين المنتشرين في الجرود، والحفاظ على الأمن في منطقة البقاع، فضلاً عن تقديم ما يلزم للجيش للقيام بدوره، حيث يواجه اعتداءات شرسة من العناصر المسلحة والمتطرفة.
وترددت معلومات أن وزراء حزب الكتائب طالبوا الرئيس سلام بعقد جلسة عاجلة لمجلس الوزراء لمواكبة التطورات العسكرية، في أعقاب زيارة قام بها الرئيس أمين الجميّل لقائد الجيش في اليرزة، متضامناً مع المؤسسة العسكرية.
وأوضح وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ «اللواء» أن وزراء الحزب سبق أن طالبوا الرئيس سلام في الجلسة الماضية أمس الأول، بعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لمواكبة الوضع في عرسال ودعم الجيش، ولكن في ضوء التطورات التي حصلت أمس، استبدل الرئيس سلام الجلسة بعقد اجتماع لمجلس الأمن المركزي اليوم السبت.
إلا أن مصدراً حكومياً نفى علمه بهذا الاجتماع من دون أن يستبعده كلياً، نظراً لوجود وزير الداخلية نهاد المشنوق في موسكو.
الحريري
ومن جانبه، شدد الرئيس سعد الحريري في اتصال أجراه بالعماد جان قهوجي على إدانة الاعتداء على الجيش والذي يرمي الى توريط عرسال وأهلها والالتفاف على الجهود الجارية لإطلاق المخطوفين لدى المجموعات الارهابية.
وإذ جدد الرئيس الحريري وقوفه مع الجيش اللبناني وقيادته في المهمات الموكلة إليه في حماية الحدود من تسلل الارهابيين، وأية مجموعات تعمل على إثارة الفتن، توجه بالتحية إلى أرواح الشهداء الأبطال الذين يتقدمون خطوط الدفاع عن لبنان وسيادته والعيش المشترك بين أبنائه.
وقال أن بلدة عرسال بما عرف عنها من التزام وطني وقومي وما تمثله من تضحيات في سبيل قيام الدولة القادرة والعادلة، مدعوة إلى التعبير عن التضامن الكامل مع الجيش ونبذ كل الأصوات التي تريد خلاف ذلك، وتسيء إلى عرسال وأهلها وتاريخها بمثل ما تُسيء إلى الدولة ودورها وجيشها.
وختم بأن الكمين الذي نصب للجيش والذي يحمل بصمات إرهابية واضحة لن يتمكن من اضعاف ثقتنا بالمؤسسة العسكرية الوطنية، وهو سبب جوهري يضاف للأسباب القائمة بدعوة الجيش إلى مكافحة الإرهاب وأدواته بكل الإمكانات المتاحة.
علامات استفهام؟
إلى ذلك، لاحظت مصادر أمنية أن استهداف الآلية العسكرية للجيش حصل داخل بلدة عرسال حيث يحكم الجيش سيطرته، وليس في المناطق الجردية الوعرة، بما يرسم علامات استفهام حول مدى التحكم الأمني بواقع البلدة، ويطرح تساؤلات عن الضمانات بعدم تكرار سيناريو «عرسال – 1»، ما دامت الجهات الارهابية تملك أدوات التفجير في الداخل. وعزز هذا التوجه كلام الوزير المشنوق الذي أوضح من موسكو أن عرسال مدينة محتلة وتحريرها لا يكون إلا بمخيم خارجها، وأن اي صدام بين الجيش والمجرمين التكفيريين ستدفع عرسال ثمنه بسبب وجود اللاجئين فيها.
ولعل اللافت للانتباه أن التفجير الذي استهدف الجيش جاء في أعقاب إنجاز نوعي حققته المؤسسة العسكرية بتوقيف ثلاثة سوريين على احد حواجز بعلبك، تبين انهم ينتمون الى تنظيم «داعش»، اعترف احدهم ويدعى دحام عبد العزيز رمضان بضلوعه في عملية ذبح الجندي الشهيد عباس مدلج. واشارت المعلومات الى ان افراد المجموعة على علم بمكان احتجاز «داعش» العسكريين المخطوفين ودفن الشهيد مدلج على مسافة كيلومتر من مكان ذبحه في وادي الرهوة في جرود عرسال.
واشار مصدر امني الى احتمال ان تكون هوية رمضان مزورة لكون ملامحه تدل الى انه اكبر سنا مما ورد في الهوية (17 عاما) وان الموقوفين الثلاثة يعملون في مجموعة احمد جمعة.
وتحسباً لأي رد فعل من جانب اهالي العسكريين الذين قطعوا الطريق عند مدخل بعلبك – دورس فور شيوع الخبر، لا سيما عائلة مدلج مطالبة بالاقتصاص من رمضان واعدامه، تم نقل الموقوفين ليلا الى بيروت حيث تتواصل التحقيقات معهم وتقوم شعبة المعلومات بعملية مقارنة بين الصور والفيديو والتسجيلات الموجودة على اجهزة الموقوفين الخلوية وبين فيديو ذبح الشهيدين مدلج وعلي السيد.
(راجع التفاصيل ص3)
تزامناً، لاحظت مصادر نيابية بقاعية أن الحكومة تواجه ارباكاً من جرّاء ملف العسكريين المخطوفين، على اعتبار أن أي تأخير في معالجة هذا الملف سينعكس سلباً على وضع هؤلاء العسكريين، مبدية خشيتها من أن تسلك التطورات في البقاع منحى دراماتيكياً في حال نفذت جبهة «النصرة» تهديدها بقتل احد العسكريين من هذه المنطقة، على الرغم من الاتصالات التي تجري للحؤول دون القيام بذلك.
وكشف عضو كتلة «المستقبل» النائب عاصم عراجي لـ «اللواء» عن محاولة جرت مع نواب زملاء له لزيارة عرسال، لكنهم لم يتمكنوا بسبب اقفال الطريق، وأكد انه لا يملك أي معلومات عن مهمة الموفد القطري المفاوض، لكنه سأل: ماذا لو طلبت الجماعات المسلحة منه نقل مطلبهم بالمقايضة، فهل هناك استعداد لتسليم الموقوفين الاسلاميين او الإفراج عنهم، معرباً عن اعتقاده بأن الخوف من انفراط عقد الحكومة هو ما دفع مجلس الوزراء إلى رفض هذه المقايضة، داعياً الرئيس سلام إلى مصارحة أهالي العسكريين بما يجري، إذ لا يجوز أن يتحمل لوحده المسؤولية في هذا الملف الشائك والمعقد.
وبحسب عراجي نفسه، فان الفريق الرافض للمقايضة يجب أن يتحمل المسؤولية، مشيراً إلى أن «حزب الله» فاوض اسرائيل عبر الوسيط الالماني، وكذلك فعلت حركة «حماس»، سائلاً: لماذا إذاً رفض إتمام هذه المقايضة بهدف استعادة العسكريين؟