تقرير خليل يلامس قطع الحسابات ويفجّر أزمة مع السنيورة
ربط تراجع النمو بوضع المنطقة وعدم إقرار الموازنة.. و«المستقبل» تستنكر إتهام السعودية
وزير المال علي حسن خليل ووزير الإعلام رمزي جريج يتلوان مقررات مجلس الوزراء
على مدى ثلاث ساعات، استمع الوزراء إلى عرض تفصيلي معزز بالأرقام والوقائع المالية، والاحصاءات المستمدة من دائرة الاحصاء المركزي ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، قدمه وزير المال علي حسن خليل، وكشف فيه عن خلل بنيوي في المالية العامة ايرادات ونفقات، مقترحاً إصلاحات بعضها مالي – دستوري وإقرار الموازنة في موعدها، وبعضها يتعلق بتحريك العجلة الاقتصادية من خلال إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والاهم من كل ذلك اعتبار الاستقرار السياسي، المتمثل بانتخاب الرئيس وتفعيل المؤسسات الدستورية، بمثابة شرط مسبق وضروري لتحسين الأوضاع المالية للدولة.
وداخل الجلسة، سعى الوزراء إلى استيضاح الوزير خليل والاستفسار عن أرقام بعينها، وبعد ان كشف ان لديه ملحقاً يتعلق بالحسابات وقطع الحسابات العالقة منذ العام 1997 حتى العام 2010، كاشفاً انه لم يتم إنجاز سائر الحسابات وعددها عشرة، حيث بقي أربعة منها، تمهيداً لما وصفه «بالمحاسبة والمساءلة».
وقبل أقل من أسبوع من العودة لمناقشة التقرير يوم الاثنين المقبل، تحول تقرير الوزير خليل إلى مادة تجاذب سياسي، مما حفز بعض الوزراء للانصراف إلى اعداد أوراق مالية للرد على ما تضمنه التقرير، وربما حدوث منازلة حول الملحق الذي سيقدمه وزير المال في جلسة الاثنين، على وقع انفجار الأزمة الكامنة بين الرئيس فؤاد السنيورة الذي شغل منصب وزير المالية في الفترة التي يتحدث عنها محلق وزير المال والوزير خليل، انطلاقاً من أزمة 11 مليار دولار التي لم يتم احتسابها بعد أو كيفية انفاقها.
وعلمت «اللواء» ان وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج سيعد مطالعة يناقش فيها أرقام خليل ورؤيته للأزمة البنيوية، وكذلك الحال بالنسبة لوزراء آخرين.
وتساءلت مصادر سياسية عن سبب إندلاع الاشتباك الذي يمكن ان يتحوّل إلى أزمة بين كتلة المستقبل التي يرأسها الرئيس السنيورة وكتلة التنمية والتحرير التي ينتمي إليها وزير المال، واستطراداً مع الرئيس نبيه برّي.
وفيما تحفظت هذه المصادر عن تفسير لهذا السجال المفاجئ الذي يؤثر سلباً على التسوية السياسية التي نصح وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت اللبنانيين بالتفاهم عليها، في إطار الحوار الداخلي للبحث عن حلول، رأى مصدر نيابي، رفض الكشف عن هويته، ان الاتفاق النفطي بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» قد يكون هو سبب هذا السجال، أو إشارة وزير المال في بيانه إلى ما وصفه بـ«قطوعات الحسابات» عن الأعوام 93 حتى 2010، حتى نواكب أي احتياج لإقرار إجراءات بالمرحلة المقبلة تتعلق بالمحاسبة والمساءلة.
وهذه العبارة قد تكون هي التي استفزت الرئيس السنيورة الذي ضمن بيان كتلة «المستقبل» أمس، بنداً يتعلق بالموضوع المالي للدولة اللبنانية، حيث تحدث البيان عن ان «وزارة المال تقاعست عن تدبير وتأمين ما امكن من المصادر المالية الصحيحة والمجدية لتعزيز واردات الخزينة»، مشيراً إلى «تصاعد الشكوى والمظاهر التي لم تعد تخفى على أحد حول الانفلات المالي في إدارة المال العام وتفشي الفساد والرشوة والهدر المالي المتفلت من أية ضوابط حقيقية»، داعياً الوزارة إلى «اعتماد سياسة الانضباط المالي في اعداد الموازنات العامة في المواعيد الدستورية والحرص على اقرارها في هذه المواعيد»، منتقداً عدم اقدام وزارة المال على مصارحة المواطنين بحقيقة الأوضاع المالية بطريقة موضوعية وواقعية وهادئة، والاسهام الحقيقي بإجراءات عملية لضبط الانفاق».
وهذا الموقف، رأى فيه الوزير خليل حملة من الرئيس السنيورة عليه بسبب تقريره المالي، مشيراً إلى ان وزارة المال ليست بحاجة إلى شهادة «ممن هو في موقع الاتهام محاسبياً وإدارياً وقانونياً»، وأن «الرأي العام لم ينس الـ11 مليار دولار».
وفي ما خصّ إعداد الموازنة، قال خليل أنه من المرات النادرة التي أعدّت فيها الموازنات في أوقاتها الدستورية منذ الاستقلال، مطالباً بإصدارها بمرسوم إذا اقتضى الأمر وفقاً للدستور.
ودعا خليل الرئيس السنيورة إلى المواجهة «لنتحداه أمام الأجهزة القضائية وملاحقته بتهمة الفساد والرشوة والهدر المالي».
مجلس الوزراء
مهما كان من أمر، فإن الجلسة التي غاب عنها الأمين العام السابق لمجلس الوزراء الدكتور سهيل بوجي لأسباب صحية، كانت هادئة، باعتبار أنها كانت مخصصة فقط لعرض وزير المال والذي أرفقه بمقترحات عملية للعودة بالوضع المالي للدولة إلى مساره الطبيعي، من دون أن تحصل مناقشات للتقرير، لكن سجّل بعض الاستيضاحات لبعض الوزراء، على أن يستكمل النقاش في جلسة الاثنين المقبل.
وأجمع الوزراء الذين اتصلت بهم «اللواء» على أن الوضع المالي لم يصل إلى مرحلة الخطر، وإن كان دقيقاً ويحتاج إلى معالجة سريعة.
وقال وزير الثقافة روني عريجي أن العرض بيّن مكامن الضعف، وأن الأمل ليس مقطوعاً وفي الإمكان معالجته، لكن المطلوب مقاربة جريئة وغير تقليدية، وعلينا جميعاً كحكومة وقوى سياسية تحمّل المسؤولية والإنكباب لإيجاد الحلول.
ورأى الوزير دو فريج أن الوقت الراهن لا يسمح بالجدال، وأن الوضعين الاقتصادي والمالي يجب أن يحولا دون الدخول في سجالات سياسية، رافضاً استخدام المال لأغراض سياسية، معتبراً أن هناك ضرورة قصوى لفعل المستحيل بهدف المحافظة على الاستقرار النقدي، وإذا كان المدخل لذلك هو الاستقرار السياسي، فلا بدّ من الإقلاع عن الدخول في هذه السجالات.
وكشف دو فريج أن لديه اقتراحات سيتقدّم بها في جلسة الاثنين، حول ما أثير في جلسة الحكومة وما تركته من سجالات.
تقرير خليل
وفي معلومات «اللواء» أن الوزير خليل فاجأ الوزراء لدى بداية شرح تقريره المكتوب، والذي يقع في 41 صفحة فولسكاب، بقوله: «لا يوجد عندنا دولة ولا توجد مؤسسات تعمل»، لافتاً إلى أن أبرز مظاهر هذا المشهد هو غياب الموازنة أكثر من عشر سنوات، كانت الدولة تعتمد فقط خلالها على الصرف من الاحتياطي.
وإذ ربط تراجع النمو في لبنان بالوضع في المنطقة، آملاً أن يبقى في هذه السنة ما بين 1 و1.3 في المائة، أشار إلى أن كل القطاعات تراجعت من السياحة والنقل، حتى تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية التي كانت بنسبة 47 في المائة عمّا كانت عليه قبل ست سنوات، فيما ارتفعت البطالة في ظل التنافس على فرص العمل من قبل السوريين والفلسطينيين، حيث ا نتقل السوريون من شغيلة – بحسب تعبيره – إلى مشغّلين.
ولفت خليل إلى أن العجز العام بلغ 5958 مليار ليرة سنة 2015، أي أنه بالدولار هو بحدود 4 مليار دولار، أي بانخفاض 1 في المائة منذ سنة 2012، وبلغ الناتج المحلي 78 ألف مليار ليرة، أي 52 مليار دولار، وأن الواردات انخفضت بنسبة 21 في المائة من سنة 2012، في حين أنها انخفضت 18 في المائة في العام 2015، إلا أنه سجّل تقلّصاً في النفقات من 29 في المائة إلى 26 في المائة بين سنوات 2010 و2015، فيما التضخّم زاد 1 في المائة.
وبالنسبة لودائع المصارف قال أنها بلغت 111 ألف مليار ليرة بينها 182 ألف مليار ودائع الزبائن، مشيراً إلى نمو التسليفات تراجع من 10 في المائة سنة 2012 إلى 6 في المائة عام 2015، وأن احتياط المصرف المركزي بلغ 30 مليار دولار، بالإضافة إلى 11 مليار دولار من موجودات الذهب، فيما انخفضت إيرادات الجمارك من 790 مليار ليرة سنة 2012 إلى 713 مليار سنة 2015.
وأشار إلى أن الدين العام كان في العام 2015 بحدود 105 آلاف مليار ليرة، فيما خدمة الدين بلغت نحو 5000 مليار أي نحو 5 مليارات دولار، وأن تحويلات الكهرباء بلغت من سنة 2006 إلى 2015 نحو 123 ألف مليار ليرة، أي 1550 مليار دولار.
وخلص خليل في تقريره إلى إيراد مجموعة مقترحات، أبرزها التشديد على وجوب درس توظيفات جديدة في إطار ضرورة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، مشدداً على أن كل شيء لتحسين وضع الخزينة يبدأ بالاستقرار السياسي، أي ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية واستئناف جلسات التشريع في مجلس النواب والحصول على هبات وليس قروضاً، وضرورة إقرار الموازنة وإقرار القوانين والمراسم العالقة، مثل مراسيم النفط والصفقات المالية والمعاملات الالكترونية، والبحث عن إيرادات جديدة، من دون استبعاد فرض ضرائب جديدة، عازياً خسائر مالية بنحو 30 في المائة من الناتج المحلي بسبب النازحين أي بحدود 15 مليار دولار، مشيراً إلى أن لبنان بحاجة كل سنة إلى 3 مليارات دولار لمواجهة تداعيات النزوح السوري، في حين أن كل المساعدات التي وصلت لا تتعدّى المليار دولار.
بين الرئيس وقانون الانتخاب
وعلى وقع هذه الأزمة المستجدة يرتفع عدد جلسات انتخاب الرئيس إلى 42 مع موعد جديد سيكون مؤكداً بعد جلسات الحوار في 2 و3 و4 آب المقبل، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار بالنصائح الدولية لالتقاط الفرصة لإنهاء الشغور الرئاسي.
وفي ما خص جلسة اللجان المشتركة لانتاج قانون انتخاب، وعلى الرغم من بيان الهادنة الذي أصدره «تكتل الإصلاح والتغيير» أمس، فإن الهوة ما تزال قائمة بين المطالبين بالنسبية والمطالبين بالقانون المختلط بين النسبي والاكثري، وسط مخاوف من ان تبقى المناقشات تدور في الحلقة المفرغة.
وكشفت مصادر مطلعة على نتائج الاجتماع الذي عقده أمس الأوّل بين الوزير ايرولت ووفد «حزب الله» الذي ضم النائب علي فياض ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب عمار الموسوي ان وفد الحزب أبلغ الوزير الفرنسي انه يؤيد انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، وانتخابه يضمن الاستقرار في لبنان.
وكشفت هذه المصادر أيضاً ان وفد الحزب اعرب بوضوح عن مخاوفه من الانعكاسات السلبية للنزوح السوري الذي بات يشكل عبئاً كبيراً يلقي بثقله على لبنان.
وفي إطار متصل كانت كتلة «المستقبل» ردّت على الموقف الأخير لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم واستنكرت تهجمه على المملكة العربية السعودية، واتهمت الشيخ قاسم وحزبه و«التيار الوطني الحر» بتعطيل الانتخابات الرئاسية، محملة الحزب أيضاً منع افتتاح مستشفى الشيخ خليفة بن زايد في شبعا.
انتقاد إسرائيلي
تجدر الإشارة إلى ان لقاء ايرولت بوفد من نواب «حزب الله» على هامش مأدبة العشاء التي اقامتها السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، قوبل بانتقاد حاد من قبل إسرائيل التي اعتبرت بلسان المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ايمانويل نخشون لوكالة «فرانس برس» انه ليس هناك أي سبب يدعو فرنسا لأن تتصرف بشكل مغاير للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية التي لا تفرق بين ذراع عسكري وذراع سياسي لحزب الله الذي تعتبره منظمة إرهابية.
وكان الوزير الفرنسي اختتم مساء أمس زيارته للبنان، باجتماع عقده مع نظيره اللبناني جبران باسيل اعقبه مؤتمر صحفي مشترك، جاء في أعقاب لقاءات أجراها ايرولت مع كل من الرئيس برّي والرئيس تمام سلام وزيارة لافتة للبطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي.
وأكّد الوزير الفرنسي خلال هذه اللقاءات ان لبنان كان وسيبقى أولوية الأولويات بالنسبة إلى فرنسا، والتي لن تألو جهداً في محاولة إيجاد حل لمساعدة لبنان، داعياً كل الأطراف إلى ان يتحملوا مسؤولياتهم، مشدداً على ان الحل السياسي لن يتحقق الا في إطار الحوار بين اللبنانيين، وأن لبنان رسالة للعيش المشترك.
ولفت ايرولت، بالنسبة لازمة الشغور الرئاسي إلى ان دعم المؤسسات الديمقراطية يُشكّل ركناً اساسياً للعمل في لبنان، في ذلك دعم فرنسا لرئاسة الجمهورية، ونحن نحاول إيجاد الظروف الملائمة للخروج من هذه الأزمة من خلال علاقات مع شركائنا.