التيار العوني يركب رأسه ويكرِّر حماقة التسعينات!
برّي يُعاجل باسيل بتعليق الحوار.. وفرنجية يسأله عن «الميثاقية» في هزائمه الإنتخابية
هل قلب التيار الوطني الحر الطاولة؟ وعلى مَنْ قلبها؟ وماذا عن مسار العلاقات بين الأطراف اللبنانية؟ سواء بين المتحالفين، أو المتخاصمين، أو خلاف ذلك؟
قبل الأجوبة، على هذه الأسئلة المهلكة، انقسمت انطباعات اللبنانين، بين موغل في التشاؤم، لا يرى امامه سوى التصعيد في ضوء خارطة الطريق العونية المعدّة باتقان، ضمن تصعيد تدريجي، خطوة خطوة، تمهيداً للوصول إلى الشارع. فأحد الوزراء المقربين قال لـ«اللواء» ليلاً: «الاوضاع فارطة»، متسائلاً إلى أين نحن سائرون..؟ أو بين متفائل حذر، يراهن على دور لحزب الله، في عدم ذهاب الوضع إلى ما هو أبعد من أزمة مشاركة في الحوار أو مجلس الوزراء، فالموقف الآن، وفقاً لأوساط الحزب، تخفيف التأزم، وتبريد الأجواء، ومن ثم العودة إلى المقاربة الممكنة للملفات الخلافية..
أصحاب التفاؤل هؤلاء يسألون: ما البديل عن الحوار، وما البديل عن العودة إلى طاولة الحوار؟ فلا لعبة الشارع متاحة، ولا ظروف المنطقة، تجعل من البلد المشلول والمحاصر بالازمات بنداً على جدول الأعمال الإقليمي أو الدولي.
موضوعياً، وضع التيار الوطني الحر نفسه في «شباك المأزق» الخطير، فغالبية الذين شاركوا في الجلسة الـ21 لطاولة الحوار، اثارتهم مداخلة رئيس التيار جبران باسيل، حتى ان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي قال للرئيس نبيه بري: انزعجت من عبارة باسيل «بدكّن إيانا أو ما بدّكن».
وموضوعياً وضع باسيل تياره ولبنان في مؤسساته امام وضعية التعطيل، أو «الابتزاز الميثاقي»، معرضاً الاستقرار النسبي الذي ينعم به البلد للإهتزاز..
استفزت مداخلة باسيل أركان الطاولة، بمن فيهم مدير الحوار الوطني، الذي لم يتأخر في الردّ على باسيل بخطاب استعد له الرئيس برّي: «مش أنت اللي بيمرك عليي بتعليق الحوار انا بعلقوا»، وأعلن عن تعليق الحوار من دون تحديد موعد جديد…
ليست المرة الأولى التي يعلق فيها الحوار فقد عُلّق في العام 2007، وعلق بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. ووفقاً لمتابعين فإن الحوار الذي بدأ في آذار من العام 2006، بعد دعوة وجهها الرئيس نبيه برّي إلى 14 و8 آذار، شكل رافعة للحياة السياسية، وصمام أمان، فتح الباب على مصراعيه امام الحوار الثنائي بين «تيار المستقبل» و«حزب الله».
وأطلق الرئيس سليمان في عهده المبادرة الحوارية في 9 أيلول حيث احتلت الاستراتيجية الدفاعية، كبند رئيسي بعدما ذهبت المحكمة الدولية في مبادرة برّي الأولى.
ومن المؤكد ان تاريخ 5 أيلول 2016 لن يكون خاتمة المطاف الحواري، وهي ليست المرة الأولى التي يتحوّل فيها الوزير باسيل والنائب فرنجية إلى نجمي سجال واشتباك، على مرأى المتحاورين وعلى خلفية الشغور الرئاسي، حيث يتنافس القطبان المارونيان ميشال عون وسليمان فرنجية في الجدوى من السباق إليه.
مصدر شارك في الجلسة قال لـ«اللواء»: ان طاولة الحوار كانت ولا تزال حاجة لتبريد الاحتقان، والتقاء رؤساء الكتل والأحزاب وممثلي الطوائف للتباحث في الملفات الخلافية.
وتساءل هذا المصدر ما العمل الآن؟ لا سيما وأن «التيار الوطني الحر» الذي علّق مشاركته في جلسة مجلس الوزراء فرض على رئيس المجلس تعليق طاولة الحوار، وحول جلسة انتخاب الرئيس الـ44 يوم غد الأربعاء، إلى مناسبة بلا جدوى، وطرح أسئلة حول مصير جلسة مجلس الوزراء بعد غد الخميس.
وتخوف هذا المصدر، من ارتدادات سلبية على الاستقرار الأمني نفسه.
وأعربت مصادر السراي الحكومي عن استيائها الكبير مما حصل داعية انتظار الساعات المقبلة، التي من شأنها توضيح الكثير من الأمور.
اما الرئيس برّي فأوضحت مصادر مقربة منه انه ليس على عجلة من امره وأن موقفه يرتبط بمصلحة الاستقرار العام في البلاد.
تعلقت ولم تنفجر!
والاهم في مجرى نقاشات الجلسة انها توترت في الداخل ولم تنفجر. والجلسة كانت حقل من الألغام نجح الرئيس برّي في منع انفجارها، ووفق الخلاصة التي وصل إليها وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، الذي قال بعد خروجه المبكر من جلسة الحوار: «ان جلسة مجلس الوزراء بعد غدٍ الخميس ما تزال قائمة».
وكانت جلسة الحوار، التي انعقدت بغياب النائب وليد جنبلاط الذي مثله الوزير غازي العريضي ابتعدت عن جدول الأعمال حيث كان من المتوقع ان يسلم رؤساء الكتل والأحزاب أسماء ممثليهم في لجنتي مجلس الشيوخ وقانون الانتخاب حيث تمكن الوزير باسيل من أخذ زمام المبادرة، من خلال دعوته المتحاورين إلى تبني مفهومه «للميثاقية».
ووفقاً لأحد المشاركين، فإن المسرح كان مُعداً لتخريجة تعليق الجلسات، حيث اقتصرت الجلسة على انفجار الموقف بواسطة «القنبلة الميثاقية العونية» بين رئيس التيار الوزير باسيل ورئيس المردة النائب سليمان فرنجية، على خلفية الخلاف بين الفريقين على انتخابات الرئاسة الأولى.
وعندما تساءل باسيل كيف تُعقد جلسات لمجلس الوزراء في غياب الممثلين الحقيقيين للمسيحيين، والاكتفاء بما يمثل 6٪ فقط، استشاط النائب فرنجية غيظاً، مقاطعاً باسيل: «حضرتك أي انتخابات ربحت، إنت لا تمثّل شيئاً لأنك رسبت في الانتخابات فأنت مدير عيّنك عمك لتدير «التيار الوطني الحر» مكانه، أما بشأن الـ6٪ فإني أسألك من أعطاك هذا الرقم، إنه من إختراعك وفذلكتك ولا قيمة له».
وخاطب باسيل قائلاً: «أنتم تتاجرون بحقوق المسيحيين، ونحن من العام 1992 لليوم، نعمل لإرجاع جزء من الحقوق التي أضاعها عمّك (ميشال عون) على المسيحيين».
واعتبر الوزير حرب ما قاله باسيل عن الـ6٪ بدعة لا تنطبق على الواقع ومشكلة المسيحيين مع الذين يدّعون الحرص عليهم.
ورأى الرئيس ميقاتي أن باسيل يخلط ما بين الميثاق والدستور، وقال: «لا يجوز أن يتحوّل العيش المشترك لتوزيع مغانم بين الطوائف أو المذاهب لأنه أمر مقدس وهذا الأمر لا علاقة له بالدستور»، ودعا لتطبيق تفصيلات الدستور وترك موضوع الميثاق جانباً لأنه خارج أي بحث.
ومع احتدام هذا الوضع، امتنع عدد من المشاركين على الطاولة وفي مقدمهم الرئيس فؤاد السنيورة عن الإدلاء بأي موقف، مع العلم أن بعض الأركان كانوا يرغبون ومن بينهم الرئيس السنيورة والنائب الجميّل للتأكيد على أن الميثاقية تبدأ بانتخاب رئيس، ثم كيف يمكن أن يُحكى عن الميثاقية في حكومة 1988 التي ترأسها العماد عون وانسحب منها الوزراء المسلمون.
وقالت مصادر المجتمعين أن النائب محمّد رعد دعا إلى أخد وجهة نظر التيار الوطني بعين الاعتبار مبتعداً عن الدخول في سجالات.
وكشفت هذه المصادر أن النائب رعد وفي نهاية الجلسة التي استمرت قرابة الثلاث ساعات، تحدث بصوت خافت مع كل من الرئيسين تمام سلام والسنيورة، لكن لم يُعرف ما قال لهما.
إجتماع التكتل اليوم
ومجمل هذه الأجواء ستكون أمام الاجتماع الأسبوعي «لتكتل الإصلاح والتغيير» في الرابية بعد ظهر اليوم، حيث قالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن كلام الوزير باسيل في جلسة الحوار قد يكون مؤشراً على الاستعداد لنوع من التحرّك.
وذكرت هذه المصادر أن التكتل سيبحث مشاركة وزيريه في جلسة مجلس الوزراء الخميس، وإذا قرّر المقاطعة وعقدت الجلسة فإن التيار يستعد لحركة على الأرض.
وكشف وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب أن التكتل سيبتّ اليوم موضوع مشاركة وزيريه في الحكومة، مطالباً بعدم التطرق إلى موضوع تعيين رئيس للجامعة اللبنانية في الجلسة بصفته الوزير المختص.
وعشية اجتماع التكتل غرّد باسيل عبر «تويتر»: «عندما يصبح الظلم قانوناً تصبح المقاومة واجباً».
وبالنسبة لمصير الحكومة قال أحد الوزراء لـ«اللواء» أن لرئيسها وحده الحق في أن يُقرّر مستقبلها، في ظل السعي المستمر لإفشالها وشلّها وتعطيلها، مطالباً «حزب الله» بحسم الأمور، لأن «التيار الوطني الحر» لا يستطيع أن يفتح معركة بهذا الحجم من دونه، ووصف مطالب التيار الوطني بالتعجيزية، ومشيداً بموقف رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية.
ولم يستبعد المصدر في ضوء قرار تكتل الإصلاح والتغيير اليوم، إذا ما تمسك بالمقاطعة، أن يطالب «حزب الله» بإرجاء جلسات انعقاد مجلس الوزراء لاستيعاب الموقف.
وفي السياق نفسه أبلغ وزير السياحة ميشال فرعون تمسكه بموقفه بضرورة تعليق جلسات مجلس الوزراء أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لتنفيس الأجواء السياسية المتأزمة وذلك حرصاً منه على المحافظة على الحكومة، خصوصاً أن هناك سوابق بتعليق الجلسات بسبب ملف النفايات، كذلك علقت الجلسات الحكومية في آب من العام الماضي شهراً بسبب موضوع التعيينات العسكرية.
ولفت فرعون إلى أن موقفه لا يعني أنه يرى عدم ميثاقية بغياب الوزراء الذين هم يغيبون أنفسهم بل من باب الحرص على عمل الحكومة وإبقاء هامش لعملها خصوصاً أن وضعها صعب، ولا يجوز إتخاذها لقرارات غير موقّعة من عدد كبيرمن أعضاء الحكومة.
النفايات
ولم تحجب هذه التطورات الدراماتيكية السياسية، الاجتماعات والاتصالات الجارية لحل أزمة النفايات حيث تتجه الأنظار إلى الاجتماع الذي يعقد اليوم في وزارة الداخلية والذي سبق ودعا إليه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والذي يحضره وزير الزراعة أكرم شهيّب ورؤساء البلديات المعنية في المتن وكسروان.
وكان عقد اجتماع بين الوزير شهيّب وكل من رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان والوزير بو صعب لرفع النفايات من الشوارع، وتعديل الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء لاختصار الفترة الانتقالية ومعالجة جبل النفايات في برج حمود وتجهيز البلديات لتصبح قادرة على استقبال النفايات الخاصة بها، وإنشاء معامل الفرز، على أن تكون الأفكار التي طرحت في الاجتماع الذي يعقد في وزارة الداخلية اليوم.