لقاء العشرة: مصافحات بين الخصوم وإسقاط مجلس الشيوخ من «الوثيقة»
«سحور سياسي» بين الحريري وجعجع في معراب.. والخلاف يتجدّد بين برّي وباسيل حول «المرحلة الإنتقالية»
بعد خطاب القسم، والبيان الوزاري، وُلدت امس، عشية عيد الفطر السعيد «وثيقة بعبدا 2017»، وقوامها ما يقل قليلاً عن صفحات أربع، وزّعت على عناوين ثلاثة: ميثاقية، واقتصادية واصلاحية، تضمنتها الورقة التي أعدّها الرئيس ميشال عون، ودعا 10 من رؤساء الأحزاب والكتل المكوّنة «لحكومة استعادة الثقة» لمناقشتها واقرارها، وهذا ما حصل فعلاً.
ولئن الوثيقة معروفة العناوين والأهداف فإنها حققت نقلة نوعية في العلاقات التي تحكم مكونات الحكومة، او فريق السلطة اذا صحّت التسمية.
وتمثلت هذه النقلة بالمصالحات السياسية التي جرت قبل اللقاء، وعلى هامشه، فضلاً عن بروز تشكيلات في العلاقة بين الأهداف:
1 – فبعد انهاء القطيعة بين الرئيس عون والنائب سليمان فرنجية، من زاوية ان «الرئيس يأمر ونحن نلبي» جرت مصالحة ومصافحة بين رئيس المردة ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لم يكن عنوانها سياسياً، بقدر مكان انمائياً، بعد ضم قضائي زغرتا وبشري في دائرة انتخابية واحدة.
2 – مصافحة ومصالحة بين النائب مروان حمادة وحزب الله، ممثلا برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد.
3 – مصافحة بين النائب رعد ود. جعجع، اللذين جلسا جنباً الى جنب، وان حرص الثاني على إبعاد كرسيه قليلاً عن كرسي رعد.
على ان الملاحظ ان المجتمعين العشرة لم يتحولوا الى فريق واحد، يدعم توجهات الحكم والحكومة من زاوية المصلحة العليا، في بلد متعدد.
ومع ان الشق السياسي، الذي غالباً ما يباعد بين الاطراف، حتى ولو كانوا في حكومة واحدة، نحيّ جانبا، فإن آثار معارك قانون الانتخابات لم تتوقف فصولاً، فهي ظهرت في النقاشات، فالوزير باسيل، بدا وكأنه ينتظر الرئيس بري على الكوع، فوقف له بالمرصاد، بعد مداخلة طالب فيها بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب مجلس نواب على اساس غير طائفي.
سحور معراب
على ان الحدث، الذي استأثر باهتمام الأوساط السياسية، زيارة الرئيس سعد الحريري الى معراب منتصف الليلة الماضية، حيث سبق وصوله معلومات عن مؤتمر صحفي لرئيس حزب «القوات اللبنانية» د. سمير جعجع.
وكشف الرئيس الحريري انه كان يجب ان يكون في معراب عند الساعة العاشرة ليلاً، لكن زيارة الى القلمون في الشمال، حيث أدّى الصلاة هناك، اخرت مجيئه.
وتحولت الزيارة الى سحور، استمر بعيد الساعة الواحدة فجراً، حيث خرج الرئيس الحريري ود. جعجع وعقدا مؤتمراً صحافيا، ردّا خلاله على اسئلة الصحافيين.
واعلن الرئيس الحريري اننا اتينا الى عند الحكيم لتنسيق المواقف، بعد مررنا بمرحلة صعبة كان هناك قانون الانتخاب الذي انجزته الحكومة، ووصف العلاقة بين «تيار المستقبل» و«القوات» بأنها واضحة وتحكمها نقاط واضحة جداً.
ورداً على سؤال حول سبب اللقاء، اشار الحريري الى اننا كنا متفقين منذ فترة على هذا اللقاء، واصفاً اللقاءات التشاورية بأنها للتنسيق.
وسئل الدكتور جعجع عن اذا كانت القوات ستكون على لوائح واحدة مع «المستقبل» فرد مبتسماً «اذا بيقعد عاقل»، مرحباً بـ«الشيخ سعد» كصديق قبل ان يكون رئيساً للحكومة.. وكشف ان هناك اتفاقا مع «تيار المستقبل» الاستراتيجية كالموقف من السلام وعلاقات لبنان العربية والدولة، وقال: «قد ما افترقنا حول بعض الامور الداخلية رح نضل ملتقين».
وحين سئل الحريري هل الكهرباء تجمعكم مع الدكتور جعجع، اجاب: تجمعنا ولا تفرقنا. وهذا الملف يجب ان ينجز بأقرب وقت، والحل الاساسي ان يكون لدى المواطن كهرباء 24/24 وان يتخلص من المولدات التي تمتلأ البلد وحتى ولو كان هناك تغيير بالتعرفة، مكررا ان كلفة الكهرباء منذ 24 سنة تراوحت بين 33 و40 مليار دولار.
وسئل جعجع عن العلاقة مع تيار المردة فأكد انها طبيعية، ونسعى ان تكون اكثر من طبيعية وسنتابع الخطوات رغم وجود فروقات اساسية.
واعتبر الحريري دعوة رئيس الجمهورية الى لقاء بعبدا امراً طبيعياً وليس الهدف ابعاد المعارضة، فالحكومة مسؤولة عن الانتخابات وانجزت المراسيم التطبيقية للغاز وقانون الضريبة ويبشّر بإنجاز الصندوق السيادي في الاسابيع القادمة، مؤكداً ان الانتخابات ستجري في وقتها، وان العمل جارٍ على البطاقة الممغنطة ليلاً نهاراً، مشدداً على ان العلاقة مع الرئيس عون ممتازة جداً، وهناك من يخترع التلفيقات التي لا اساس لها.
ورفض الحريري الاجابة عن سؤال حول العلاقة مع «حزب الكتائب».
محضر اللقاء
فماذا دار في لقاء الساعات الثلاث؟
بحسب مصادر مطلعة، فان الرئيس عون نجح في جمع القادة العشرة حوله، بهدف آيجاد صيغة «تحصين سياسي» لقانون الانتخاب، لم يتمكن تياره من تأمينها خلال مفاوضات اعداد الصيغة النهائية للقانون، ولو غاب عن اللقاء قادة سياسيون آخرون، على اعتبار ان هذه «الجمعة» حكومية – نيابية بطابع سياسي، إلا انه لم ينجح في تمرير بند في الورقة التي طرحها، يتعلق بإنشاء مجلس الشيوخ، بعد التباين في المواقف بين الرئيس نبيه برّي ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل حوله، فتم سحبه من النقاش، خصوصاً وانه كان لكل منهما تفسيره في عملية إنشاء هذا المجلس، وكل ما يتعلق برئاسته، فيما اعتبر كل من الوزيرين مروان حمادة وطلال أرسلان، ان الوقت ليس مناسباً لطرح هذا الموضوع الآن.
وفي المعلومات، أن نقاشاً دار بين الرئيس برّي والوزير باسيل حول نقطتين، وردتا في ورقة عون، الأولى تتعلق باستحداث مجلس الشيوخ، حيث اعترض برّي على ذلك، معتبراً انه سبق له وطرح إنشاء مجلس الشيوخ بالتزامن مع قانون انتخاب لا طائفي، وعلى أساس 6 دوائر، الا أن القانون الذي تم اقراره لم يأت كذلك.
اما النفطة الثانية، فهي حول المادة 95 التي تتحدث عن تشكيل هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية، ولا سيما حول عبارة المرحلة الانتقالية، ذلك أن باسيل اعتبر أن المرحلة الانتقالية التي اشارت إليها المادة 95 لم تكتمل بعد ليصار الى اعتماد التوظيف من دون قاعدة التمثيل الطائفي في وظائف الدولة، باستثناء الفئة الأولى، في حين اعتبر بري ان المرحلة الانتقالية انقضت وبات من المفروض عدم الالتزام بقاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف ما عدا وظائف الفئة الأولى، كما نصت عليه المادة 95.
وسبق هذا النقاش، إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع تحفظه على تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، مؤكداً رفضه المس بقاعدة العمل القائمة حالياً على التعددية الطائفية، واقترح تأجيل البحث بالشق السياسي او الميثاقي من الورقة، لأنه يثير ترددات سلبية والأجواء غير مهيأة، وطلب التركيز على الشق الاصلاحي وما يحقق النمو الاقتصادي ومكافحة الفساد، ومشيراً إلى ان النّاس ملت من السياسة والقرارات السياسية، وتريد انماء وطرقات وكهرباء ومياه.
ورد الرئيس برّي مؤيداً ما طرحه جعجع، معلناً انه ليس مع الشق السياسي ولا اؤيد التطرق اليه، مميزاً بين الطائفية وحقوق الطوائف، معلناً موافقته على الشق الاقتصادي كلّه ومواضيع المياه وتنظيف الليطاني وإزالة التلوث، كم أشار إلى أن قوانين عدّة صدرت ولم تنفذ، وعدد أبرزها، بعد ان سلم الرئيسين عون والحريري نسخة من هذه القوانين، كما لفت إلى ان هناك قوانين بحاجة الى مراسيم تطبيقية.
وقدم الرئيس برّي في الشق الميثاقي مجموعة أفكار حول الهيئة التي تتولى إلغاء الطائفية السياسية معدداً التجارب الثلاث التي اقترحها في مراحل سابقة، ولم تر النور. وتناول أيضاً تطبيق القوانين النافذة وموضوع اللامركزية الإدارية وتفعيل هيئات الرقابة.
وكان الرئيس عون افتتح الجلسة مرحباً بالحاضرين، وقال انه ارتأى بعد إقرار قانون الانتخاب والتمديد التقني للمجلس وضع ورقة عمل لتكمل الحكومة عملها، وهناك مواضيع ميثاقية من وثيقة الوفاق الوطني وأخرى إنمائية مبرمجة تحتاج إلى عمل وخطة اقتصادية، و«هي أن أضع هذا التصور أمامكم من أجل ان نبحثه».
ثم طلب من المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير تلاوة الورقة، التي تقع في خمس صفحات فولسكاب ركزت على استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني وبالأخص ايلاء العناية اللازمة لتثبيت اللبنانيين في أرضهم ومنع التوطين وإقرار اللامركزية الإدارية وإطلاق ورشة اقتصادية شاملة تتضمن أيضاً تأمين البنى التحتية وتحسينها من كهرباء ومياه، إضافة إلى المحافظة على الثروة البترولية البحرية وتعزيز قطاع الاتصالات والمواصلات، وضرورة اجراء اصلاحات في السياسة والمؤسسات والقضاء والإعلام والتربية.
وعلى الأثر باشر القادة العشرة مناقشة الورقة، واتسم النقاش بالهدوء إلى درجة كبيرة، من دون ان يسجل أي تشنج، باستثناء ما جرى بين بري وباسيل، وأجمع الحاضرون على أن الورقة التي اصطلح على تسميتها «وثيقة بعبدا 2017» هي عبارة عن خارطة طريق صالحة لكل الأزمنة، واطار عمل للسلطتين التشريعية والتنفيذية لمرحلة ما بعد اقرار قانون الانتخاب، وتم تبنيها بالإجماع، من دون ان تلقى رفضاً او معارضة من الحاضرين، وإن كان الشق الميثاقي في الورقة استحوذ على نقاش موسّع شارك فيه الجميع، إلا أن موضوع الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله لم يأت على لسان أحد.
وركز الرئيس الحريري في مداخلته على أهمية التوافق وعلى مواجهة الفساد، داعياً إلى التعمق في الأمور الميثاقية، لا سيما الغاء الطائفية السياسية ومجلس الشيوخ، مشدداً على أن الحكومة جاهزة لمتابعة البرامج الاقتصادية والاصلاحية.
ثم عرض أرسلان لأمور تتعلق بحقوق الطوائف وخصوصاً الطائفة الدرزية، وطالب باضافة بند بإغلاق ملف المهجرين، وتم الأخذ برأيه خلال التعديلات الطفيفة التي أضيفت إلى الورقة.
اما حمادة، فركز على أهمية ما جاء في الورقة، معتبراً أن هذا الأمر يطمئن اللبنانيين، لكنه اعتبر أن الشق الميثاقي دقيق ويجب مقاربته بتأن، خصوصاً وان موضوع مجلس الشيوخ يحتاج إلى بحث، معلناً تأييده لموضوع اللامركزية الإدارية.
واقترح النائب فرنجية، والذي لم يسجل أي لقاء أو خلوة بينه وبين الرئيس عون، باستثناء مصافحة على الواقف، لدى الدخول إلى «قاعة السفراء»، جعل الورقة ورقتين، واحدة سياسية والثانية اقتصادية، على انيبحث لاحقاً بالسياسة والتركيز على القضايا الحياتية واطلاق ورشة لدرس كيفية زيادة النمو.
وركز الوزير علي قانصو على أهمية الدولة المدنية واستبدال الاقتصاد الريعي باقتصاد الإنتاج، وطالب باتصال مع الحكومة السورية للبحث في عودة النازحين، لكن الرئيس الحريري أبدى ممانعة حيال هذا الأمر، فيما عارضه جعجع متسائلاً عمّا إذا كانت توجد حكومة في سوريا.
اما رئيس حزب الطاشناق اغوب بقرادونيان، فقد اثار حقوق الأرمن في الوظائف، مؤكداً أن لا خلاف على مضمون الوثيقة الرئاسية.
واعتبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمّد رعد أن الورقة الرئاسية تعكس تصوراً وطنياً والشق الاصلاحي منها مهم، لأنه يُحدّد أهدافاً واولويات، ولا بدّ من وضع آليات لطريقة مقاربتها.
ثم رفع الاجتماع من دون أن يُحدّد أي موعد لاجتماع آخر، والأرجح أن لا يتم ذلك، لكن مصدراً في الرئاسة أوضح انه في حال فرضت الظروف انعقاد جلسة أخرى، فلن يتردد أحد من الحاضرين.
الوثيقة
وتقع الوثيقة التي يخشى أن تلحق بزميلها «اعلان بعبدا» إذا لم تنفذ، في خمس صفحات فولسكاب، وتتضمن ثلاثة عناوين: ميثاقي واقتصادي وإصلاحي.
ونص العنوان الأوّل على استكمال تطبيق اتفاق الطائف، خصوصاً لجهة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ورفض التوطين المعلن والمقنع ومكافحة الهجرة الخارجية، وضرورة إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت ممكن، بهدف تثبيت اللبناني في مواطنه الأصلية وبناء الدولة العصرية العادلة القوية.
ودعا العنوان الثاني إلى إطلاق ورشة اقتصادية وطنية من خلال وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة، تنبثق منها الخطط القطاعية، واقرار الموازنة تأميناً للانتظام المالي للدولة، وتحقيق الإنماء المتوازن والاقتصاد المنتج وتوفير الاسواق الخارجية، ومنع الاحتكارات والاستثمار في القطاعات الاقتصادية العصرية، واعتماد سياسة تسليفية تشجيعية للقطاعات المنتجة يكون المصرف المركزي عمادها. ودعوة الحكومة الى وضع هذه الخطة وتنفيذها ومواكبتها عبر لجنة اقتصادية وزارية دائمة من خلال برنامج زمني مموّل، يلحظ تأمين الكهرباء والمياه واستثمار الثروة البترولية البحرية، وتأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وأرخص الأسعار، وكذلك المواصلات، وتأمين الاعتمادات اللازمة لانهاء ملف المهجرين.
أما الشق الاصلاحي، وهو العنوان الثالث، فدعا إلى وضع إصلاح في السياسة والمؤسسات والقضاء والإعلام والتربية، يرتكز على الشفافية وتفعيل الإدارة وتحصين القضاء وتفعيل عمل الهيئات الرقابية وجهاز أمن الدولة بتحفيزهم على العمل المكافح للفساد، والإفادة من موارد الدولة ومقدراتها ومرافقها وثرواتها للمصلحة العامة.
وختمت بان هذه النقاط تشكّل مجموعة أهداف وطنية جامعة لكل اللبنانيين ونجاحها نجاح للوطن وليس لأي مسؤول او فريق فيه.