معركة التمويل والضرائب الـ19 تنغِّض فرحة إقرار السلسلة
الحريري: عملية للجيش في جرود عرسال ولا تنسيق مع السوريين.. ومجلس الأمن يناقش الوضع غداً
بعد 19 عاماً على إقرار سلسلة الرتب والرواتب في عهد حكومة الرئيس رفيق الحريري بموجب القانون 707، أقر مجلس النواب سلسلة جديدة للرتب والرواتب في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري مع إدخال تعديلات على دوام الموظفين وبنود إصلاحية أخرى، على ان تستأنف الجلسات التشريعية عند العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم بحثاً عن الموارد المالية لتغطية النفقات الإضافية، نظراً إلى ان نفقات من دون تحصيل أموال عبر الضرائب، وفي مقدمها الضرائب على المصارف والشركات المالية والعقارية، والاملاك البحرية، على ان لا تمول السلسلة من «جيوب الطبقات الفقيرة» وفقاً لما كشفه وزير المال علي حسن خليل بعد إقرار السلسلة.
وبحسب مصادر في حزب الله انه لن يقبل بإقرار ضرائب تطال الطبقات ذات الدخل الحدود.
وبقدر ما فتح إقرار السلسلة الباب على تسريع إقرار الموازنة العامة، نظراً للتلازم بين الموازنة والسلسلة لا سيما وأن جزءاً من التمويل يدفع من المادة 20 من الموازنة. بدأت الحسابات المالية انطلاقاً من المبالغ التي ستتراكم في السنوات المقبلة، في ضوء تزايد اعداد المتقاعدين، حيث سيبلغ في السنوات الخمس المقبلة عدد المتقاعدين المستفيدين الـ100 ألف موظف مدني وعسكري، بحيث تشكّل الرواتب للموظفين والمتقاعدين ثلثي الموازنة العامة، يتوزع الباقي بين تغطية عجز الكهرباء وخدمة الدين العام، مما جعل وزير المال يعلن صراحة الاتجاه إلى وضع نظام جديد للتقاعد.
ومهما يكن من أمر التقديرات للاجراءات الضريبية بدءاً من رفع 1٪ على القيمة المضافة إلى رفع الضرائب على فوائد وعائدات الحسابات المصرفية لغاية 7٪ وتحديد رسم على عقود البيع العقارية الممسوحة بنسبة 2٪ يحتسب على أساس ثمن البيع، إضافة إلى رسوم ضريبة أخرى واردة في مشروع تمويل سلسلة الرتب والرواتب، فإن صدمة إقرار السلسلة ستخيّم على جلسة التمويل اليوم في ظل امتعاض الهيئات الاقتصادية ومخاوف الحركات النقابية من رسوم تكون بأخذ باليد اليمنى من اعطي من زيادات باليد اليسرى.
السلسلة
وهكذا راحت «سكرة» إقرار السلسلة مثلما كان مرسوماً لها، عبر التفاهم السياسي الذي عمل على اخراجها بسقف لم يتجاوز الـ1336 مليار ليرة، أي بزيادة 100 مليار فقط، بما فيها الزيادات التي ستعطى للمتقاعدين بعد تجزئتها على ثلاث سنوات، ويفترض ان تجيء اليوم فكرة البحث في الإيرادات، أي البحث في مصادر التمويل، وهي النقطة الأكثر إثارة للتوتر في الشارع، الذي شهد مساء مجموعة تحركات احتجاجية للمنظمات الشبابية والطلابية ومجموعات الحراك المدني رفضاً للضرائب التي يشملها مشروع السلسلة، وتقع في 19 بنداً وابرزها: رفع الضريبة على القيمة المضافة بمعدل 1 في المائة لتصبح 11 في المائة. وفرض رسوم على المغادرين براً وجواً، ومعالجة الاشغال غير القانوني للاملاك العامة البحرية (البند 13)، بالإضافة إلى تعديلات على قانون ضريبة الدخل لاخضاع أرباح شركات الأموال لضريبة نسبية قدرها 17 في المائة، و7 في المائة على فوائد وعائدات وايرادات الحسابات الدائنة المفتوحة لدى المصارف وفوائد وعائدات الودائع وسائر إلتزامات المصارف بأي عملة كانت، وحسابات الائتمان وإدارة الأموال وشهادات الايداع وسندات الخزينة.
ويفترض ان يناقش هذا الجزء من مشروع السلسلة بعد حزف البنود التي كانت أقرّت في جلسة 16 آذار من العام الماضي، والتي رفعت قبل إقرار المشروع كاملاً، بفعل تسريب بيان عن ضرائب ورسوم تبين انها لم تكن موجودة في حينه.
وهكذا تكون الحكومة، ومعها قطاعات واسعة من الموظفين والاساتذة والمتقاعدين قد ارتاحت من ضغوط المطالب الشعبية، بعد خمس سنوات من الأخذ والرد والتجاذبات والتحركات في الشارع، الا ان الوضع المالي سيبقى تحت دائرة الرصد قبل معرفة تداعيات السلسلة على الوضع المعيشي، وما إذا كان سيحدث غلاء في الأسعار ونمط العيش، ولا سيما على صعيد أقساط المدارس الخاصة، وأسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية.
وإذا جاء إقرار السلسلة تكريساً لاتفاق الكتل الكبرى على الصيغة النهائية، ولا سيما في ما يتعلق بقضيتي المتقاعدين ودرجات التعليم الثانوي، فإن إدارة الرئيس نبيه برّي للجلسة، ساهمت في دفع النقاش في اتجاه إقرار السلسلة رغم التجاذبات التي ظهرت، والممانعة التي ابداها الرئيس الحريري لضرورة ربطها بالاصلاحات، وتأمين الموارد المالية لها، بالإضافة إلى المحاولات التي جرت لربط السلسلة بالموازنة، وهي المحاولة التي اقفل عليها الباب وزير المال علي حسن خليل باضافة نص إلى المادة 20 تقول «بأن اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال اقرارها خلال شهر، وإذا لم تقر الموازنة قانون السلسلة ناجزاً من تاريخ نشر القانون حتى لو لم تقر الموازنة».
ووسط نقاش مستفيض لم يخل من الحدية في بعض جوانبه، تمّ إقرار مواد السلسلة الـ38 مادة مادة، بما في ذلك إعطاء المتقاعدين حقوقهم بعد تجزئتها على ثلاث سنوات، بمعدل 25 في المائة فوراً، ونفس المعدل في العام المقبل، والباقي من نسبة 85 في المائة في العام 2019، وكذلك إعطاء الأساتذة الثانويين ثلاث درجات إضافية لتصبح ست درجات (بحسب وعد الرئيس برّي لهم)، وبعد ان تمت مساواتهم بمعلمي القطاع الخاص بعد نقاش مستفيض.
وبلغت قيمة السلسلة الاجمالية 1300 مليار ليرة أي بزيادة عن السقف الموضوع في الموازنة مائة مليار للسنتين القادمتين، على ان تصبح في العام 2019 مع احتساب الزيادة للمتقاعدين ما يزيد عن الـ1700 مليار.
ولم تخل المناقشات من السجالات التي كان اعنفها ما حصل بين الوزير خليل والنائب إبراهيم كنعان حيث استخدمت بعض العبارات النابية التي طلب الرئيس برّي شطبها من المحضر بعد ان تدخل بشكل قوي على خط فض هذا الاشتباك على خلفية كلام نسبه الوزير خليل للنائب كنعان يتعلق بالوفر في الموازنة فاق المئة مليار ليرة، وهو ما وصفه وزير المال «بالمزحة» والذي لم يرق لكنعان، وقد دخل على خط التوفيق بين الجانبين نواب في «حزب الله» والنائب جورج عدوان الذين نجحوا باتمام المصالحة قبل الجلسة المسائية بمباركة من رئيس المجلس.
وكان للرئيس فؤاد السنيورة مداخلات في كل شاردة وواردة وفي كل تفصيل وهو أكّد ان جوهر الاستقرار النقدي يكون في تأمين التوازن بين المصاريف والايرادات، مشدداً على انه ليس في الابتسامات تحل المشكلات.
ونفى الرئيس برّي صفة الشعبوية على إصرار البعض على إقرار السلسلة «الموجودة منذ خمس سنوات ولم يكن آنذاك يوجد انتخابات».
وإذا كان الشق المتعلق بتجزئة الزيادة للمتقاعدين قد أخذ الحيز الأكبر من النقاش والانشطار في المواقف النيابية حيال هذا الموضوع، فإن الشق المتعلق بالاصلاحات نال حيزاً من النقاش أيضاً لا سيما ما يتعلق منه بوقف التوظيف ودوام العمل الرسمي الذي انتهى النقاش فيه باقتراح من الرئيس برّي إلى تحديد دوام العمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثالثة والنصف بعد الظهر يتخلله ساعة غداء من الاثنين حتى الخميس، وكذلك يوم الجمعة أيضاً على ان يتخلله ساعتان تعطى للمسلمين ويكون يومي السبت والاحد عطلة رسمية، كما أخذ البند المتعلق بتقييم أداء الموظفين نقاشاً واسعاً انتهى إلى إسقاط بعض التعديلات عليه، وبذلك يكون قد بقي موضوع الإيرادات التي ستبحث اليوم لكي يعلن عن إقرار السلسلة بصورة رسمية ومتكاملة، وقد أكدت مصادر وزارية ان هذا الشق ربما لا يأخذ وقتاً في النقاش حيث ان هناك تفاهماً بأن لا يطال ذوي الدخل المحدود من الضرائب والرسوم التي ستحصل لتأمين هذه الواردات.
ومن المقرّر ان تدرس الهيئة العامة للمجلس اليوم بالإضافة إلى الشق المتعلق بايرادات السلسلة 29 مشروع واقتراح قانون بقيت على جدول الأعمال من بينها اقتراح القانون الرامي إلى افادة المتعاقدين في الإدارات العامة من نظام التقاعد وتقديمات تعاونية موظفي الدولة، حيث ينتظر ان يأخذ هذا الاقتراح نقاشاً واسعاً من غير المعروف ما إذا كان سينتهي إلى اقراره، في إطار توظيف ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة.
مجلس الوزراء
الى ذلك، وزع أمس جدول أعمال مجلس الوزراء الذي يعقد جلسة له غدا الخميس في قصر بعبدا. ويضم الجدول 36 بندا أبرزها البند الرقم 36 وهو التعيينات الديبلوماسية. ولوحظ أن الجدول خال من بند التعيينات المتعلقة بتلفزيون لبنان وآلية التعيينات من دون معرفة ما إذا كان هناك من ملحق سيوزع لاحقا عن الموضوع.
أما أبرز البنود فهي طلب وزارة الأشغال العامة والنقل تلزيم أشغال تأهيل طريق الطفيل عن طريق استدراج عروض في إدارة المناقصات وطلب تأمين اعتمادات بقيمة 26 مليار و500 مليون لمعالجة الأضرار الحاصلة في كاسر الموج في المدرج الغربي البحري لمطار رفيق الحريري الدولي بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وتعويض الاستشاري، فضلا عن بند باعتماد بقيمة 7 مليارات 250 مليون لتلزيم أشغال تأهيل طريق قب الياس كفريا بواسطة استدراج عروض.
ويتضمن الجدول بندا عن نقل اعتماد للصندوق المركزي للمهجرين لتغطية نفقات مستحقة لمتعهدين واستشاريين قاموا بتنفيذ مشاريع بنى تحتية لصالح الصندوق من 13/6/2011 لغاية 10/12/2013 وعرض وزارة الزراعة الوضع الوظيفي للمدير العام للتعاونيات غلوريا أبو زيد وتعيين مدير عام التعاونيات ومرسوم يرمي إلى تعيين رئيس اللجنة الإدارية لمكتب تنفيذ المشروع الأخضر والعضو فيها وطلب وزارة الخارجية تمديد ولاية «اليونيفيل» في الجنوب لمدة سنة تنتهي في 31/8/2018.
معركة الجرود
وخارج موضوع السلسلة وما انتهت إليه الجلسة النيابية، وما دار فيها صباحاً ضمن فقرة الأوراق الواردة، كان أبرز ما لفت انتباه المراقبين، الضوء الأخضر الذي كشف عنه الرئيس الحريري بالنسبة لمعركة جرود عرسال، والتي يتوقع أن تبدأ قبل نهاية الأسبوع، اذ أكّد ان «الجيش اللبناني يقوم بكل ما يلزم لحماية اللبنانيين والنازحين، كما ان الحكومة مسؤولة عن سيادة اراضيها».
وأعلن الرئيس الحريري أن الجيش سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال والحكومة تعطيه الحرية لمعالجة هذا الأمر، لافتاً إلى أن الجيش يقوم بتحقيق حول وفاة السوريين في عرسال من خلال 3 أطباء شرعيين مدنيين وسنطلع الرأي العام على التقرير فور صدوره.
وشدّد الرئيس الحريري في رده على مداخلات النواب خلال انعقاد الجلسة التشريعية على أن الجيش هو المسؤول عن كل الحدود ولا وجود لأي غرفة مشتركة بين الجيشين اللبناني والسوري ومجموعات أخرى.
.. وأزمة النازحين
في هذا الوقت، دخل الرئيس ميشال عون على خط أزمة النازحين السوريين، محاولاً امتصاص الاحتقان الذي انفجرت وقائعه، بين بعض اللبنانيين وبعض السوريين، بعد عملية «قض المضاجع» التي قام بها الجيش في مخيمات عرسال، وما رافقها من سجال حاد على مواقع التواصل الاجتماعي اتخذ طابع التحدي والنزول إلى الشارع، مع تصرفات وممارسات في بعض المناطق ضد السوريين، ما دفع الرئيس عون إلى توجيه مجموعة نصائح وتنبيهات من «الانجرار إلى لعبة بث الحقد، لأن نتيجتها لن تكون ايجابية على لبنان ولا على السوريين»، معتبراً ان حل أزمة النازحين والحد من اعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين.
وأشار إلى أن ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام من تحريض متبادل أخذ طابعاً غير مقبول، لا سيما وأن ما ينشر ويتم تداوله لا يعكس حقيقة لبنان كبلد للتعايش والتسامح، ولا طباع اللبنانيين واخلاقهم، فاذا كان هناك من بين النازحين السوريين من اساء، فهذا لا يعني أن جميع النازحين السوريين مسيئون، وبالتالي يفترض التمييز بين هذين الأمرين.
وقال: لبنان نجح في ضبط الوضع في الداخل على رغم الأحداث الخطيرة التي حصلت في المنطقة، فهل المطلوب اليوم ادخاله في أتون الحرب والمشاكل الداخلية في وقت تكاد الحروب من حولنا تنتهي؟
وتأتي تطورات الوضع في جرود عرسال عشية التقرير الذي سترفعه المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ إلى مجلس الأمن الدولي حول القرار 1701 غداً الخميس، وهي غادرت بيروت لهذا الغرض، وسيكون الوضع في جرود عرسال بكل تفاصيله امام مجلس الأمن.