طلائع معركة الجرود على وقع دعوات أميركية ودولية لنزع سلاح حزب الله
6 سفيرات في العواصم الكبرى والفاعلة.. وانتفاضة القضاء ضد السلسلة تتصاعد
خطفت المعلومات التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي عن بدء العملية العسكرية في جرود عرسال الأنظار ليلاً، على وقع تحذيرات أميركية جاءت على لسان السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي من ان حزب الله يُعزّز ترسانته من الأسلحة، مطالبة بعد لقاء مبعوثة الأمم المتحدة إلى لبنان سيغريد كاغ، عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي لمناقشة إحاطة حول القرار 1701 وبعثة حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية (اليونيفل) العاملة في جنوب لبنان، بأن يولى المجتمع الدولي سلاح الحرب الاهتمام، والضغط عليه لنزع هذا السلاح، لمنع التصعيد في التوترات الإقليمية، والكف عن السلوك المزعزع للاستقرار وبخاصة تجاه إسرائيل.
وفي الإطار نفسه، شدّد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس على «ضرورة نزع سلاح «حزب الله» في لبنان، والعمل على الحفاظ على الزخم السياسي الإيجابي الذي تحقق مؤخراً لتعزيز قدرة البلد على مواجهة التحديات.
التعيينات الدبلوماسية
سياسياً، مثلما كان متوقعاً، أنجز مجلس الوزراء «صفقة» التعيينات الدبلوماسية، مستنداً إلى توافق القوى السياسية على الأسماء التي شملتها، وتم بموجبها ملء المراكز الشاغرة في 74 سفارة، لا سيما في عواصم القرار الدولي والامانة العامة للخارجية التي اسندت للسفير هاني إبراهيم شميطلي، لكن الصفقة لم تمر من دون اعتراض من وزراء «القوات» و«المردة» رغم ان «حصتهم» كانت ملحوظة في التعيينات أو المناقلات، غير ان الاعتراض كان على الشكل وليس على الأسماء، لأنهم لم يطلعوا عليها مسبقاً، بحسب النظام الداخلي لمجلس الوزراء، ولا سيما بالنسبة للسفراء الذين عينوا من خارج الملاك.
وأوضحت مصادر وزارية، ان الجلسة بشكل عام كانت هادئة، باستثناء تسجيل نوع من التلاسن بين وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الاشغال يوسف فنيانوس الذي اعترض على قراءة الأسماء في الصحف قبل الاطلاع عليها في مجلس الوزراء، وكذلك بين باسيل والوزير «القواتي» بيار بو عاصي الذي شدّد على ضرورة العودة لآلية التعيينات المعتمدة في كل شيء، فرد عليه باسيل معاتباً: «منيح أنو طالعلكن حدن»، في إشارة إلى معرفته بأحد الأسماء المرشحة للتعيين.
ونصت التشكيلات الدبلوماسية على تعيين السفراء هاني شميطلي أميناً عاماً لوزارة الخارجية وغدي خوري مديراً للشؤون السياسية وكنج الحجل مديراً للشؤون الإدارية والمالية، كما شملت تعيين 7 سفراء من خارج الملاك، وهم: ترايسي داني شمعون في الأردن، فوزي كبارة في المملكة العربية السعودية، سحر بعاصيري في الأونيسكو، رامي عدوان في باريس، غابي عيسى في واشنطن، محمّد محمود حسن في الجزائر وفؤاد دندن في الإمارات.
وعلم ان «تخريجة» تعيين عدوان الذي كان يعمل مديراً لمكتب باسيل جرت بعد ان كان الأخير قدم استقالته من ملاك السلك الدبلوماسي قبل أيام لعدم إمكانية ترفيعه من الفئة الثالثة إلى الفئة الأولى، فعين من خارج الملاك.
كما شملت التشكيلات مناقلات بين 58 سفيراً في الخارج، فيما عاد 12 سفيراً من الخارج إلى الداخل، بينهم 8 إلى الإدارة المركزية، واحيل السفير نواف سلام الذي يرأس بعثة لبنان في الأمم المتحدة إلى التقاعد وحلت مكانه السفيرة امال مدللي التي اعتبرت من حصة تيّار «المستقبل» إلى جانب بعاصيري وفوزي كبارة، وبقي السفير شوقي بو نصار في موسكو من حصة النائب وليد جنبلاط، في حين تمثلت حصة الرئيس برّي بنقل ابنته فرح من دمشق إلى الإدارة المركزية، مع انعام عسيران وحسن سعد ونقل رامي مرتضى إلى لندن.
ولاحظ أحد الوزراء ان حصة السيدات كانت واضحة، من ضمن «الكوتا» متفق عليها وهي شملت السفيرات: شمعون وبعاصيري وآمال مدللي، وميرا ضاهر وهالة كيروز وعبير طه.
إلى جانب موضوع التعيينات الدبلوماسية، علم ان مجلس الوزراء عين العميد الياس خوري مديراً عاماً للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، بناء لاقتراح الوزير نهاد المشنوق، خلفاً للسيدة سوزان الخوري حنا التي وضعت بتصرف رئيس الحكومة.
أزمة النازحين
وكانت الجلسة استهلت بمداخلة من الرئيس عون الذي اطلع الوزراء على كتاب ورده من المنسق المقيم والإنساني للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني، أشار فيه إلى وجود مؤشرات على انخفاض مساهمات الدول في خطة مساعدة النازحين، وأن مساهمات العام 2017 هي أقل من مساهمات العام 2016، مع غياب الرؤية الواضحة للعام 2018.
وفتح تلاوة هذا الكتاب الباب امام نقاش بين الوزراء، طاولت في بعض جوانبها حملات التحريض ضد النازحين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الحملات التي يتعرّض لها الجيش.
فدعا الرئيس الحريري إلى التنبه من هذه الحملات، مؤكداً انها تنعكس سلباً على الاستقرار العام في البلاد، مشيراً إلى ان موضوع مساعدة النازحين سيكون من ضمن المواضيع التي سيبحثها مع المسؤولين الأميركيين خلال زيارته إلى واشنطن التي تبدأ اليوم، وذلك بهدف معرفة ما سيؤول إليه الوضع في سوريا، والذي نأمل ان ينتهي بأسرع وقت ممكن، لا سيما وأن النازحين يريدون العودة إلى بلادهم اليوم قبل الغد، ونتمنى ان يتحقق لهم ذلك وتسمح لهم الأمم المتحدة بالعودة الآمنة إلى أراضيهم.
وأعلن وزير الإعلام ملحم رياشي في المقررات الرسمية ان المجلس دعا إلى وقف كل حملات التحريض ضد النازحين السوريين، مشدداً على ضرورة التمييز بين الذين يرتكبون اعمالاً مخلة بالأمن وهؤلاء تتولى الأجهزة الأمنية ملاحقتهم، والنازحين الآمنين الذين ينتظرون عودة الهدوء إلى وطنهم للعودة إليه.
تداعيات الجلسة
في هذا الوقت، بقيت تداعيات إقرار سلسلة الرتب والرواتب مع الضرائب التي تمّ فرضها لإيجاد مصادر تمويلها، في صدارة الاهتمام الرسمي والهموم الشعبية، لا سيما بعد ان ظهرت أولى تداعياتها بارتفاع أسعار السلع المعيشية، والتلويح بزيادات في أقساط المدارس، وتضامن القضاة الشرعيين مع القضاة العاديين في إعلان التوقف عن العمل، حتى يتم تصحيح أوضاعهم.
وفيما التزم القطاع المصرفي بالصمت، واصل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل حملته على السلسلة ومعارضته للضرائب الجائرة على الطبقات الشعبية، طالباً من الرئيس عون رد قانون الضرائب الى المجلس النيابي لاعادة درسه، وتلويحه بتقديم طعن بالقانون امام المجلس الدستوري، معترفاً بأنه من الصعوبة ايجاد خمسة نواب آخرين للانضمام الى نواب الكتائب الخمسة لتأمين المخرج القانوني لتقديم الطعن، مع ان النائب خالد الضاهر اعلن استعداده للانضمام الى النواب الراغبين بالطعن في القانون.
واشار الجميل الى ان كل الضرائب التي اقرت بحسب دراسات الجامعة اللبنانية تفيد بأن القدرة الشرائية للمواطن ستنخفض بين 10 و20 في المائة، وان مائة الف لبناني سينزلون تحت خط الفقر بسبب الضرائب وT,VA,، معرباً عن خوفه من ان يكون هدف الضرائب تعبئة الخزينة من اجل الحملة الانتخابية للسلطة، وقال اذا كان ارئيس عون مقتنعاً بما قاله في الاعلام من انه كان يفضل اقرار الموازنة قبل السلطة، فيجب رد القانون.
في المقابل، انبرى الرئيس بري الدفاع عن السلسلة، معتبرا انها «الانجاز الاهم الذي يشهده لبنان منذ سنوات طويلة»، مؤكدا انها «لا تطال الفئات الشعبية خلافاً لما تروجه بعض «الحيتان» التي تحركت للتشويش على هذا الانجاز».
وابلغ الرئيس بري زواره امس، انه «لن يتأثر بما يقال، لان المهم ان السلطة انجزت»، لكنه دعا الحكومة الى القيام بمهمتها الكبرى، وهي منع مسارب الهدر ووقف الفساد، مشيرا الى اننا «بحاجة الى ما يشبه حالة طوارئ للانقاذ المالي والاقتصادي».
وكان بري اكد في بيان وزعته مكتبه صباحا ان «حيتان المال تتحرك في بحر لبنان الهادي»، وقال: «فتش عن الذين يريدون الغنم ولا يقبلونه حتى بالمساهمة في الغرم، كي لا يكون دولة بين الاغنياء، السلسلة ربح ليس فقط للناس بل لخزينة الدولة».
ولم يغب موضوع السلسلة عن اجتماع مجلس الوزراء، ولا عن اجتماعات الكتل النيابية، لا سيما كتلتي المستقبل والوفاء للمقاومة، ولا ايضا عن الوزراء، وفيما اشار الرئيس عون الى انه كان يتمنى لو كانت الموازنة اقرت قبل السلسلة لتحديد ايرادات الدولة وابواب الانفاق، داعيا الى تحسين الايرادات المالية للدولة حتى لا تزداد الديون وتضعف امكاناتها المادية، اعتبر الرئيس الحريري ان اقرار السلسلة «انجاز» للعهد وللحكومة ولمجلس النواب، معربا عن امله في ان ينتهي درس الموازنة في لجنة المال والموازنة النيابية خلال الاسبوعين المقبلين، بحيث يعمد المجلس الى درسها واقرارها خلال الاسابيع القليلة المقبلة.
تصعيد قضائي
في التحركات ، لبى الجسم القضائي دعوة مجلس القضاء الاعلى القضاة العدليين للاعتكاف الى حين اجراء المعالجة التشريعية في خصوص ما ورد في قانون سلسلة الرتب والرواتب.
واعلن مجلس القضاء الشرعي الاعلى تضامنه واعتكاف قضاته في المحاكم الشرعية السنية والجعفرية في مكاتبهم تضامناً مع زملائهم، وكذلك فعل قضاة الموحدين الدروز.
وعلم ان مجلس القضاء، طلب مواعيد من الرؤساء الثلاثة لشرح الموقف ومطالبتهم بالتدخل لاصلاح الخلل.
بدوره، لفت مجلس الجامعة اللبنانية الى انه «بعد الاطلاع على بعض البنود الواردة في مشروع سلسلة الرتب والرواتب المقر في الجلسة التشريعية في 19/7/2017، والذي ينال من الحقوق المكتسبة للهيئة التعليمية الخاصة بالامن الصحي والتقديمات الاجتماعية للاساتذة، ونعني بها وبشكل خاص وضع نظام موحد لهذه التقديمات نؤكد ان كل ما يناله الاستاذ الجامعي من ضمانات وتقديمات اجتماعية حقوق مكتسبة لا يمكن او يسمح المساس بها»، ونبه المجلس الى ان «التعرض للاستقرار الاجتماعي للاستاذ الجامعي سينعكس، بلا ريب، على دوره وعلى دور الجامعة الأكاديمي والوطني»، مؤكدا «موقف رابطة الاساتذة المتفرغين ودعم الخطوات التي قررتها وستقررها باعتبارها الهيئة النقابية الوحيدة الناطقة باسم الاساتذة».
معركة الجرود
في هذا الوقت، ووسط تأكيد من المكتب السياسي لتيار «المستقبل» لتوفير مظلة امان حول عرسال، وبأنها في حمى الدولة ومؤسساتها الشرعية، استنادا الى مواقف الرئيس الحريري وقائد الجيش وردت مساء امس، معلومات عن بدء حزب الله لمعركة الجرود في عملية اطلق عليها «عملية الحاج علاء البوسنة» (الحاج حسن حمادة) الذي شيعه الحزب قبل أيام. وتم التداول على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً بالصوت للامين العام للحزب السيد حسن نصر الله يقول فيه: «بنداء يا صاحب الزمان تبدأ عملية تحرير عرسال وجرودها من الجماعات التكفيرية الارهابية».
لكن الاعلام الحربي نفى في وقت لاحق صحة هذا النداء الذي أرفق بورود معلومات عن ان مقاتلي حزب الله يشتبكون مع عناصر من جبهة النصرة في منطقة تل البركان على الحدود اللبنانية السورية، من جهة القلمون الغربي، تزامنت مع غارات شنها الطيران السوري على مواقع للمسلحين في جرود عرسال، في وقت استهدفت مدفعية الحزب هذه المواقع بقصف مركز، ثم اعلن ليلا عن تحرير وادي الحاج محسن وكوع السبع لفات في جرود الجراحير والسيطرة كذلك على ستة مواقع كما افيد عن قصف مراكز المسلحين في وادي الخيل المقر الرئيسي لزعيم جبهة النصرة في القلمون ابو مالك التلي، بما يؤشر الى توقف المفاوضات التي كانت تجري معه للاستسلام او مغادرة المكان.
ونقلت قناة «الميادين» عن مصدر امني رفيع قوله ان الجيش اللبناني في اعلى درجات الجهوزية والاستعداد للدفاع عن الحدود وعن عرسال، كما ذكرت قناة «الجديد» ان حزب الله سيطر على جبل الشليل (او الضليل) في جرود الجبهة السورية.
وأورد موقع الضاحية الجنوبية الالكتروني منتصف الليل، ان حزب الله سيطر على تلة البرج وتلة العلم في جرود فليطا في القلمون الغربي، بعد انسحاب جبهة «النصرة» من دون اي مواجهة.
في نيويورك، شدد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس في تقرير وجهه إلى مجلس الأمن الدولي على «ضرورة نزع سلاح حزب الله والعمل على الحفاظ على الزخم السياسي الإيجابي الذي تحقق مؤخرا لتعزيز قدرة لبنان على مواجهة التحديات التي تنتظره».
وأكد غوتيريس أن «استقرار لبنان هو منفعة عامة إقليمية»، متعهداً بـ»أن تواصل الأمم المتحدة جهودها في إعطاء الأولوية للوقاية في لبنان بما في ذلك تنفيذ الإطار الاستراتيجي للأمم المتحدة الخاص بلبنان للفترة من 2017-2020».
ورحب بـ»الاتفاق على إطار انتخابي جديد» معرباً عن أمله في «أن يمهد هذا الإنجاز الطريق لمزيد من الانتعاش السياسي والاقتصادي والاستقرار العام في لبنان.
كما شدد على «أهمية استمرار كل من لبنان وإسرائيل بالتزاماتهم بقرار مجلس الأمن 1701» .
وأعرب عن «قلق الأمم المتحدة إزاء استمرار وجود أسلحة غير مأذون بها في المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والخط الأزرق» معتبرا أن «هذا الوضع بمثابة خرق للقرار 1701 مبدياً عن قلقه من الجولات الإعلامية التي نظمها «حزب الله» في المنطقة ».
وناشد غوتيريس رئيس الجمهورية ميشال عون إلى «العمل على استئناف الحوار الوطني في لبنان بهدف التوصل إلى استراتيجية للدفاع الوطني»، معتبراً أنه «سيسهم في معالجة مسألة الأسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة اللبنانية».