ردّ حزب الله: بين إستقرار لبنان وردع إسرائيل
إجماع وطني على إدانة العدوان وضبط النفس.. وجلسة رابعة من حوار عين التينة الإثنين
يشيع حزب الله اليوم القيادي الشهيد محمّد أحمد عيسى (أبو عيسى) في بلدته عربصاليم، كما سيتم تشييع الشهداء الأربعة الآخرين في الخيام والغازية وعين قانا، بعدما كان شيع أمس جهاد عماد مغنية في روضة الشهيدين في الضاحية الجنوبية لبيروت، على وقع هتافات الحزب المعتادة «الموت لاسرائيل» و«الموت لاميركا»، وسط مشاهد حزن غير مسبوقة وذرف الدموع على الشهداء، وارتفاع نبرة التحدي والدعوة إلى الثأر من إسرائيل.
وفيما تركزت الأنظار على ما يمكن ان يكون عليه ردّ «حزب الله» إزاء الاعتداء غير المسبوق بتوقيته وحجمه، والذي وصف بأنه موجه الىايران وحزب الله، نسبت وكالة «فرانس برس» إلى ما وصفته بمعلومات موثوق بها ان ستة عسكريين ايرانيين قتلوا في الهجوم الصاروخي، وبينهم أحد أبرز مساعدي «لواء القدس» في الحرس الثوري الإيراني العميد محمّد علي الله دادي.
وأوضح مصدر ميداني سوري للوكالة عينها، ان عناصر الحزب والحرس الذين قضوا في القصف الصاروخي من المروحية، كانوا في موكب من ثلاث سيّارات عندما تعرضوا للغارة الإسرائيلية في «مزرعة الامل» الواقعة على بعد 6 كيلومترات من الخط الفاصل بين الجزء السوري المحتل من الجولان والمحرر.
وفي اليوم الأوّل بعد العدوان، وفيما انشغل الحزب بوضع الترتيبات اللازمة لدفن شهدائه وفتح سجل للتعازي اليوم وغداً في مجمع الامام المجتبي في الضاحية، شهد الخط الأزرق بين لبنان وإسرائيل يوماً هادئاً، في ظل دوريات مؤللة «لليونيفل» وتواري جنود الاحتلال خلف الدشم المحصنة على الجانب الآخر من الحدود، وتركزت تحليلات الإسرائيليين حول مدى حدوث ردّ الحزب، انطلاقاً من ثابتة ان الحزب سيرد، فيما لم يسجل في دائرة الاتصالات المعلنة ما يشير إلى تدخلات دولية لضبط النفس، أو استنكار الاعتداء على مجموعتي «حزب الله» و«الحرس الثوري الايراني».
وإذا كان لبنان الرسمي اكتفى بادانة الاعتداء واجراء ما يلزم من اتصالات للنأي بلبنان عن أية مضاعفات عسكرية على أراضيه، توقع رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي ان انتقام مجاهدي حزب الله من العدوان الجوي الصهيوني في القنيطرة سيكون قاسياً. وفي السياق نفسه كانت رسالة رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله الذي اعتبر أن «الجريمة تظهر مرّة أخرى التواطؤ بين المجموعات الإرهابية والكيان المحتل للقدس في الهجوم على محور المقاومة الإسلامية في مختلف الميادين».
اما عضو المكتب السياسي للحزب محمود قماطي فقال للصحافيين الذين شاركوا في تشييع الشهيد مغنية: «لن نصمت طويلاً، وأن الرد على هذا العدوان الكبير والنوعي سيكون في الوقت والزمان والكيفية المناسبة»، مشيراً إلى أن «العدو الإسرائيلي عاجز عن القيام بأي حرب عسكرية واسعة على لبنان».
ما هي الاحتمالات؟
خبراء استراتيجيون يحللون، وفقاً لمعلومات قليلة، أن لا إسرائيل ولا «حزب الله» في وارد دفع المنطقة إلى انفجار كبير، فالحزب لا يريد حرباً مفتوحة الآن.
ويعتقد المسؤول السابق في الجيش الإسرائيلي يورام شوتير، أن هناك خيارات عدّة للحزب للرد، من دون الحاجة إلى المواجهة الواسعة في الوقت الحالي، لكن العارفين بالتحوّل الذي احدثه اعتداء القنيطرة في التفكير الاستراتيجية لقيادة «حزب الله» يستبعدون تماماً أن يكون الرد شبيهاً بعبوة توضع في جنود الاحتلال في مزارع شبعا، على غرار الرد على عملية عدلون، لكن الرد أيضاً يحاذر أن يقع في فخ ينصبه رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لجر الحزب الى حرب شبيهة بحرب العام 2006 لأغراض انتخابية، كما انه سيحاذر أن يكون من الأراضي اللبنانية، على اعتبار ان الوضع اللبناني لا يحتمل رداً عسكرياً، سيكون أوّل ضحاياه أهل الجنوب.
واستناداً إلى هذا التحليل، فان ردّ الحزب والذي قالت مصادره انه سيكون سريعاً، أكبر من ضربة موجعة، وأقل من حرب، وفي إطار عملية عسكرية محدودة لا بدّ انها ستحتاج إلى وقت لتجميع معلومات استخباراتية، شبيهة بالخرق الاستخباري الذي احتاجت إليه إسرائيل لتنفيذ عمليتها في القنيطرة.
ومهما كان من أمر، فان الحركة السياسية التي غابت تماماً، ظلت في وضع الترقب لما سيكون عليه ردّ الحزب على رغم الإجماع الوطني اللبناني على إدانة الاعتداء، وتركزت الاتصالات، في هذا السياق، على ان تكون الحكومة حاضرة لمواجهة كل الاحتمالات، وأن ت تسعى في الوقت عينه لتفادي انعكاس هذا الرد على اللبنانيين وعلى السيادة اللبنانية، على حدّ تعبير وزير الاتصالات بطرس حرب، الذي أعلن بعد زيارته للرئيس تمام سلام أنه «ليس من مصلحة أحد أن تفتح جبهة وأن يدخل لبنان في حرب، في وقت تمر فيه المنطقة بظروف دقيقة»، آملاً من كل الأطراف أن يكون الجو تعاونياً لتفادي الوقوع في مشكلة.
وزاد حرب، بعد زيارته لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في معراب: «إن من واجبنا كحكومة أن نحاول التوافق على موقف محايد لتفادي انزلاق لبنان نحو مواجهة غير محمودة العواقب، وبالتالي الحفاظ على الأمن القومي اللبناني قدر الإمكان».
ولم تستبعد مصادر سياسية أن يكون موضوع الغارة الاسرائيلية على القنيطرة، موضع نقاش في جلسة مجلس الوزراء بعد غد الخميس، في حال أثار أحد الوزراء ما جرى، من زاوية الخشية من تداعياتها على لبنان، واصفة المسألة بالدقيقة في حال توسع النقاش، ما قد يستجلب ردات فعل غير محبذة، تنعكس سلباً على التضامن الوزاري، الأمر الذي يسعى الرئيس سلام إلى تجنبه.
ولفتت المصادر إلى أن أي اتصالات من شأنها تجنّب إثارة الموضوع في جلسة الحكومة، قد تكون واردة، أما إذا كانت هناك رغبة في طرحه داخل الجلسة، فإن ذلك سيتوقف على مدى الاستجابة لها أو التأييد لذلك، مع العلم أن هناك من الوزراء من تحدث صراحة عن أهمية أن تكون الحكومة حاضرة لمواجهة انعكاسات ما جرى، وأن تسعى لتفادي هذه التداعيات، في إشارة إلى تصريحات حرب.
وعوّلت المصادر على حسن إدارة الرئيس سلام لمعظم جلسات الحكومة، ومساهمته بعدم تفلّت الأمور، ومن الطبيعي أن تنسحب على هذا الموضوع الحساس أيضاً
الحوار
وإلى ذلك، انشغل المراقبون في رصد تداعيات اعتداء القنيطرة على الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» والذي تقرر أن يعاود جلساته في جلسة رابعة الاثنين في 26 كانون الثاني الحالي، الا أن المعلومات المستقاة من مصادر مستقلة أكدت انه ماض، بغض النظر عن التطورات الأخيرة، والتي تندرج اصلاً في خانة الملفات الثلاثة المربوط فيها النزاع مع الحزب، وهي السلاح والتدخل في سوريا والمحكمة الدولية.
وأكد عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري لـ «اللواء» أن الحوار مستمر ولا علاقة له بما جرى في القنيطرة، على اعتبار أن هذا الأمر من الأمور المختلف عليها، والتي تبقى خارج إطار الحوار، لكنه قال: «نحن في مرحلة ترقب لما تؤول إليه الامور».
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر مطلعة، أن الحوار بين الطرفين ما زال على ضفة النقاش في الأمور الأساسية، وهو يدور في ما يمكن وصفه بـ «اعلان نوايا».
اما بالنسبة للحوار بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» فأكد النائب إبراهيم كنعان أن الطرفين اقتربا من إنهاء ورقة العمل في ظل مصارحة مشتركة على ملفات عدّة، مشيراً إلى انه بعد الانتهاء من هذه الورقة سيتم الاتفاق على موعد اللقاء بين العماد ميشال عون والدكتور جعجع.
ملف النفط
وعلى صعيد آخر، ترأس الرئيس سلام عصراً في السراي اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة درس ملف النفط، حيث تابعت درس مرسومي البلوكات النفطية العشرة، ودفتر الشروط النموذجية لاتفاقية الاستكشاف والانتاج، من دون التوصل الى الانتهاء من درس الملف بشكل كامل، لا سيما وأن مرسوم البلوكات يحتاج أيضاً الى اعداد مشروع قانون إدارة الضرائب البترولية، والتي يفترض ان تحيله الحكومة إلى مجلس النواب، والقيام بحملة علاقات عامة ترويجية بهدف جذب الشركات التي حولت وجهتها وانتقلت من لبنان إلى موقع نفطي آخر، مع التأكيد في المحافل الدولية على الحقوق النفطية والتمسك بها كاملة.
لكن مصادر نيابية لفتت إلى أن الجو أصبح الآن أفضل وأكثر تفاؤلاً، بأن إقرار المراسيم في مجلس الوزراء من شأنه أن يعطي إشارة جيدة بانطلاق الملف النفطي.