الرواتب الجديدة تتبخر.. والمجالس تتبادل المسؤوليات.. والنفايات إلى الشارع
بـ«5 كلمات فقط» أبطل المجلس الدستوري القانون رقم 45 برمته، هذا القانون المعروف بقانون الضرائب، بغية تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
ومع هذه النتيجة، بدت البلاد وكأنها عادت إلى فترة ما قبل 21/8/2017 تاريخ إقرار سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام من مدنيين وعسكريين، في الملاك الدائم أو التقاعد، فضلاً عن المتقاعدين في الاسلاك على اختلافها.
وإن كانت الحكومة ومجلس النواب وسائر السلطات أعلنت احترامها لقرار أعلى سلطة دستورية في لبنان، وسط ترحيب متفاوت، وامتعاض متفاوت أيضاً، فإن الحدث الدستوري فرض نفسه بنداً قوياً في المجالس الرئاسية، التي راحت تتبادل المسؤوليات وربما الاتهامات، فيما دعي مجلس الوزراء إلى جلسة استثنائية الاثنين، بناء على طلب وزير المال علي حسن خليل، الذي التقاه الرئيس نبيه برّي ليلاً، وذلك لاتخاذ القرار المناسب في ما يتعلق بمعاشات ورواتب الموظفين التي اعدت وفق السلاسل الجديدة عن شهر أيلول، بناءً لتعليمات وزارة المال، وهي تتعرض لأن تصرف وفقاً للجداول القديمة، بعدما تبخّر قسم منها بزيادة الأسعار، وقسم آخر برفع اسقاط المدارس الخاصة.
وفي المعلومات ان الحكومة بصدد مشروع قانون يحال على وجه السرعة إلى مجلس النواب، ويقضي بوقف العمل بالسلسلة، ريثما تقر الموازنة أو يُصار إلى توفير مصادر مالية أخرى، وردت في القانون المبطل أو ستفرض على سلع أخرى..
وفي المجالس، تحميل للمسؤوليات.. فالمقربون من بعبدا، يعتبرون ان الرئيس ميشال عون عندما نبّه إلى ضرورة ان تقر الموازنة، وأن تكون سلسلة الرتب والرواتب جزءاً منها.. اما بالنسبة لتبعات المجلس الدستوري بابطال السلسلة، فليسأل رئيس المجلس بموضوع طريقة التصويت، التي كانت أحد الأسباب التي نصت عليها المادة 36 من الدستور، ولم تراعَ عند التصويت..
وفي السياق، تحرك الوزير جبران باسيل، فاعتبر ان إقرار الموازنة وشمولها موارد السلسلة وقطع الحساب، يتوجّب ان يعمل من أجله مجلس النواب منعاً لأي انهيار مالي.
وفي عين التينة، عبر الرئيس برّي عن «احترامه لما صدر عن المجلس الدستوري، ولو انه أتى لمصلحة المصارف وعلينا الآن معالجة المشكو منه».
وكشفت أوساط عين التينة ان الرئيس سعد الحريري أوفد مدير مكتبه للقاء وزير المال الذي أجرى اتصالات بالرؤساء الثلاثة نظراً للتداعيات على مالية الدولة بعد ابطال قانون الضرائب، وحرمان السلسلة من موارد تمويلها..
اما في السراي الكبير وبيت الوسط، فالموقف، بدا على النحو التالي:
الحكومة تحترم قرار المجلس الدستوري، وهي ملتزمة بالسلسلة، وبالقدر نفسه ملتزمة بالحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي..
وذكرت مصادر الرئيس الحريري انه ألغى كل مواعيده ابتداءً من ظهر أمس، وعقد سلسلة اجتماعات مفتوحة لهذه الغاية، أدت إلى التوافق على جلسة لمجلس الوزراء تعقد الاثنين في السراي الكبير.
طعن الدستوري
وهكذا أعاد قرار المجلس الدستوري الذي ابطل بإجماع أعضائه العشرة، كامل قانون الضرائب المتعلق بالموارد المالية لقانون سلسلة الرتب والرواتب، وأن لم يفاجئ الأوساط الدستورية والقانونية، الأمور إلى نقطة الصفر، ووضع الحكومة والمجلس النيابي في وضع بالغ الحرج، بعد ان فتح الباب امام مرحلة جديدة تستوجب من الحكومة ومن المجلس طريقة جديدة في مقاربة قانون ضرائب جديدة يأخذ بعين الاعتبار مصالح الطبقات الفقيرة التي انصفها القرار، بحيث بات ينبغي البحث عن موارد أخرى عبر وقف الهدر والقضاء على مكامن الفساد وتعزيز أجهزة الرقابة والمحاسبة.
وعكس بيان المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري، حجم الإرباك الذي واجهته الحكومة ومعها الكتل النيابية الكبيرة، من تداعيات قرار المجلس حيث أعلن ان الرئيس الحريري ألغى كل مواعيده ابتداء من ظهر أمس كما سبقت الإشارة.
ومن بين الاجتماعات التي الغاها الرئيس الحريري اجتماع للجنة الوزارية لبحث كيفية معالجة ملف النفايات، وتزامن ذلك مع حركة مشاورات طارئة بين الرؤساء الثلاثة والوزير خليل للبناء على القرار بما يقتضي تأمينه من موارد مالية لتغطية نفقات السلسلة، في ظل تخوف من انعكاس القرار على قانون السلسلة، رغم ان هذا القانون لا يلغيه الا قانون آخر، وعلى الائتمان المالي للبنان، بعد ان كان البنك الدولي أشاد بخطوة إقرار قانون السلسلة.
واعتبرت مصادر نيابية وقانونية ان العمل أصبح في عهدة المجلس النيابي أيضاً، الذي عليه ان يُعيد دراسة القانون المطعون به من خلال اقتراحات معجلة وادراج التمويل ضمن مشروع الموازنة، أو إرسال مشروع معجل من الحكومة لتصويب الثغرات التي جاء على أساسها الطعن، على ان تقوم الحكومة بتأمين بدائل التمويل وتضمينها في الموازنة العامة والتي لم تقر بعد في المجلس، بالإضافة إلى إيجاد حل لقطع الحساب.
وفي تقدير هذه المصادر، ان امام الحكومة ثلاثة خيارات ما تزال قيد الدرس، ويفترض ان تكون عناوين بحث الجلسة الطارئة لمجلس الوزراء الاثنين وهي:
– تأجيل دفع الرواتب الجديدة للموظفين الاداريين واسلاك الأساتذة والعسكريين على أساس السلسلة، والتي كانت يفترض ان تدفع آخر الشهر الحالي، وهذا الأمر يقتضي من وزارة المال اعداد جداول جديدة تحتاج إلى ما لا يقل عن 15 يوماً، وهذا يعني ان الموظفين لا يستطيعوا قبض رواتبهم آخر الشهر، بما يعنيه ذلك من أزمة اجتماعية ومعيشية كبيرة مع بدء العام الدراسي.
وضع مشروع قانون جديد معجل لتعليق العمل بالسلسلة وهو ايضا دونه تداعيات ومضاعفات شعبية واجتماعية، مع التأكيد هنا على ان السلسلة باتت حقاً مكتسباً ومن الصعب الرجوع عنها.
– أو وضع مشروع قانون جديد لتأمين موارد مالية جديدة للسلسلة.
وفي حين جاء الرد الأوّل من الرئيس نبيه برّي الذي قال ان «ما صدر عن قضاء يحترم ولو انه اتى لمصلحة المصارف، فإن علينا الآن معالجة المشكو منه، اعتبر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، الذي كان وراء تقديم الطعن مع 9 نواب، تمّ تأمينهم بجهد جهيد، ما حصل بأنه «ثورة دستورية على منطق الصفقات والغرف المغلقة»، مشيرا إلى انه بعد قرار الدستوري أصبح التصويت على القوانين بالمناداة، والا سيكون القرار قابلا للطعن، وإلى ان المسؤولين سيضطرون الآن إلى إقرار الموازنة إذ، بحسب الدستور، لا يجوز الانفاق من خارج الموازنة.
ودعا الجميل، في مؤتمر صحفي طارئ، كل الموظفين إلى الاطمئنان لناحية السلسلة، مؤكدا ان لا أحد بإمكانه التهويل عليهم بميزانية الدولة، لأن أرباح المصارف التي تحققت بسبب الهندسة المالية كافية لتمويل السلسلة هذه السنة، كما ان الأموال متوافرة العام المقبل بسبب وفر الموازنة.
وسأل أفرقاء السلطة: لماذا لم تكترثوا عندما امنتم أموال البواخر فيما توقفون السلسلة إذا لم تحصلوا على الأموال من جيوب المواطنين؟ وإذا كنتم تصرون على الضرائب فصوتوا عليها مجددا عبر إصلاح النقاط المخالفة للدستور، وقال: «خياركم ما رح تقطع عاحدا».
وكان المجلس الدستوري استند في قراره على أكثر من 130 حيثية لتقليل أسباب الطعن بالقانون، من بينها عدم مراعاة التصويت على القانون بحسب الأصول الدستورية المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور، وأن القانون صدر في غياب الموازنة وخارجها، وخالف مبدأ الشمول الذي نصت عليه المادة 83 من الدستور، وكان ينبغي ان يأتي في إطار الموازنة العامة، وأن ما ورد في المادة 17 (الفقرة الأخيرة)، يعتبر خرقاً لمبدأ المساواة امام التكاليف العامة والضرائب ومتعارضة مع الفقرة (ج) من مقدمة الدستور، ومع المادة 7 من الدستور (النص الحرفي للقرار على الموقع الالكتروني لـ(اللواء).
هيئة التنسيق
نقابياً، ردة الفعل الأولى جاءت من هيئة التنسيق النقابية، التي عقدت اجتماعاً طارئاً لمناقشة الموقف، وانتهت بعد المناقشة الى: 1 – دعوة وزير المال إلى «اصدار قرار صرف الرواتب ومعاشات التقاعد على رأس جداول القانون 90/2016 دون تأخير» وهو قانون السلسلة.
2 – عقد جمعيات عمومية في 25 و26 أي الاثنين والثلاثاء، تمهيدا للسير بالإضراب في 2 ت1 المقبل.
وقال مصدر نقابي لـ «اللواء» انه في ضوء قرار مجلس الوزراء تتقرر الخطوة التالية، بشل العام الدراسي.
عون في باريس الاثنين
ومع عودة الرئيس عون إلى بيروت مرتاحاً لنتائج اللقاءات التي أجراها في الأمم المتحدة، والكلام المشجع الذي سمعه، خصوصا من الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس بالنسبة لطلبه بأن يكون لبنان مركزا دائماً للحوار بين الحضارات والديانات، بعد ان قدم إليه طلباً رسميا بذلك، وسيكون هناك خطة تحرك ديبلوماسية لمتابعة تنفيذ هذا الطلب، انهمكت دوائر القصر الجمهوري في اعداد برنامج زيارة رئيس الجمهورية إلى فرنسا يوم الاثنين المقبل، في أوّل زيارة دولة يقوم بها رئيس دولة إلى فرنسا، بحسب ما ارادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
وسيرافق الرئيس عون في زيارته الفرنسية والتي تستغرق ثلاثة أيام وزراء الخارجية جبران باسيل والداخلية نهاد المشنوق، وشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول ومستشاره للشؤون الدولية الياس بوصعب والسفير اللبناني الجديد في باريس رامي عدوان.
وأوضحت مصادر قصر بعبدا، انه عدا عن المحادثات التي سيعقدها الرئيس عون مع الرئيس ماكرون في قصر الاليزيه. ستكون له محادثات مع رئيس الحكومة الفرنسية أدوار فيليب في قصر ماتينيون، بالإضافة إلى زيارات لكل من الجمعية الوطنية الفرنسية وبلدية باريس ومعهد العالم العربي ولقاءات مع الجالية اللبنانية في فرنسا.
وستكون المحادثات متشعبة، وتتناول العلاقات الثنائية والدولية والحرب على الإرهاب ومشكلة النازحين والقضية الفلسطينية، ولن يكون هناك توقيع اتفاقيات جديدة، وإنما ايضاحات للاتفاقيات الموقّعة والتي لم تدخل بعد في إطار التنفيذ.
اما بالنسبة لزيارة نيويورك، فقد حرصت مصادر بعبدا، على وصف عدم حضور الرئيس عون حفل الاستقبال التقليدي الذي أقامه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرؤساء الوفود المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنه «مقاطعة» وأن الرئيس عون ارتأى عدم المشاركة لاعتبارات لم تشأ ان توضحها المصادر المعنية، والتي لفتت ايضا إلى ان عدم لقاء عون للرئيسين الأميركي والفرنسي، سببه ان الأخيرين لم يطلبا ذلك، وأن الرئيس اللبناني التقى كل الرؤساء والشخصيات التي طلبت اللقاء به، وكان عددها كثيرا.
وكشفت ان الرئيس عون بقي يدرس خطابه امام الأمم المتحدة حتى اللحظات الأخيرة لوضع اللمسات النهائية عليه، وأن موقفه من التوطين كان موجودا في الخطاب، لكنه زاد عليه فقرة بأن «القرار في عدم السماح بالتوطين لا للاجئ ولا للنازح مهما كان الثمن، يعود لنا وليس لغيرنا»، بعد الكلام الأخير للرئيس الأميركي في شأن توطين اللاجئين السوريين.
وجاءت هذه الفقرة في سياق تطرقه إلى القضية الفلسطينية، في خطابه، إذ أكّد ان «جريمة طرد الفلسطينيين من أرضهم وتهجيرهم لا يمكن ان تصحح بجريمة أخرى ترتكب بحق اللبنانيين عبر فرض التوطين عليهم، كما بحق الفلسطينيين عبر إنكار حق العودة عليهم، وليس تعطيل دور مؤسسة «الاونروا» الا خطوة على هذه الطريق تهدف إلى نزع صفة اللاجئ تمهيدا للتوطين، وهو ما لم نسمح به».. الخ.
وكان الرئيس عون شدّد في خطابه على ان لبنان الذي تمكن من مواجهة الإرهاب الذي اشغل نيرانه في العديد من الدول، استطاع ان يتجنب السقوط، والانفجار من خلال حفاظه على وحدته الوطنية رغم كل الانقسام السياسي الحاد الذي كان قائماً، لافتا إلى ان الجيش أنهى الوجود العسكري لتنظيم «داعش» و«النصرة»، وإلى ان الحجة باتت ملحة لتنظيم عودة النازحين السوريين بعد استقرار الوضع في معظم أماكن سكنهم الأولى، مشددا بأن لبنان مع العودة اللافتة، مميزا بينها وبين العودة الطوعية، وداعياً الأمم المتحدة إلى مساعدة هؤلاء على العودة إلى وطنهم بدلا من مساعدتهم على البقاء في مخيمات لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. (نص الخطاب ص 2).