Site icon IMLebanon

تضامن وطني مع برّي وإدانة إساءة باسيل

تضامن وطني مع برّي وإدانة إساءة باسيل
إحتواء التحرُّكات في الشوارع.. واهتزاز تفاهم عون – نصر الله
في ساعات ما بعد الظهر، ومع هبوط الليل الداكن، على العاصمة الحزينة، التي تتطلع ببعض من «نور» حول معجزات تُعيد تحريك الأوضاع الاقتصادية المتهاوية، كادت الشوارع تلتهب، وكاد الفيديو المسرَّب عن لسان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يشعل عود الثقاب، لكن التضامن الوطني العارم مع الرئيس برّي وعدم التردد بإدانة إساءة باسيل له، جعلت الموقف قابلاً للاحتواء في الشوارع.
المسألة، أبعد من انتخابات انها مسألة من يحكم البلد: شراكة الطائف أو إعادة التموضع والالتفاف على إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية في خريف عام 1989.
منذ منتصف ليل الأحد – الاثنين، سرى التسجيل التالي عن لسان باسيل، بحق الرئيس بري: «كل هذه البرعطة لنبيه برّي لأنه فهم انه لم يعد يستفيد منا في الدولة، ولا في الاغتراب… تخيلوا ان هناك واحد يضع يده على السلطة التشريعية مثل ما يريد»، وقال رداً على سؤال «حلتها مع برّي نحنا نكسرلو راسو ومش هوي يكسرلنا راسنا».
مثل هذا الكلام تفاعل بقوة ولم تفلح الاتصالات لا الرسمية ولا الحزبية في تدارك الوضع، ولم يكن من السهل على أحد ان يبلع كلام باسيل، الذي قيل في لقاء حزبي انتخابي، فبعد سلسلة المواقف الوطنية التضامنية مع الرئيس برّي، والاستنكار الذي لا لبس فيه لإساءة باسيل «الموصوفة» والتي تقتضي تحرّك القضاء لمساءلته، في ضوء ما آلت إليه «إساءته الثابتة» في فيديو.
وبعد زيارة صباحية إلى قصر بعبدا حيث التقى الرئيس ميشال عون، أوفد رئيس الحكومة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى عين التينة، مناشداً الوزير باسيل الاعتذار برسالة موجهة مباشرة إلى اللبنانيين، وهو الأمر الذي طالبه به وزير المردة بعد زيارة عين التينة يوسف فنيانوس.
وعبرت حركة الشارع من مار الياس إلى الطيونة إلى ميرنا شالوحي، تنذر بتصعيد لطالما لم يظهر في ساحات المدينة ومربعاتها منذ ربع قرن، وسط أسئلة غاية في التعقيد والحراجة حول التداعيات التي كان في أوّلها اطاحة اجتماع مجلس الدفاع الأعلى، الذي يتعين ان يحضره أيضاً وزير المال علي حسن خليل فضلاً عن احتمال تأجيل جلسة مجلس الوزراء.
وسياسياً، يشهد تفاهم معراب الذي وقعه الرئيس عون والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في شباط 2006 أوّل اهتزاز من هذا العيار، حيث قال الحزب في بيان: نرفض رفضاً قاطعاً الكلام الذي تعرض بالإساءة إلى الرئيس برّي شكلاً ومضموناً، ونرفض الإساءة له من أي طرف كان.
وانتقد بيان الحزب ما وصفه «باللغة التي لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح بل تخلق مزيداً من الأزمات وتأخذ البلد إلى مخاطر هو بغنى عنها».
ودعا الحزب إلى المسارعة «بمعالجة هذا الوضع بأعلى درجة من الحكمة، والمسؤولية».
وبصرف النظر عن تحريك وزير العدل سليم جريصاتي النيابة العامة العسكرية لملاحقة مطلقي النار في ميرنا شالوحي، مع نفي حركة «أمل» ان يكون عناصرها قد أطلقوا النار باتجاه مركز التيار في المنطقة، فإن مصدراً سياسياً قريباً من برّي قال ان العلاقات بين بعبدا وعين التينة مفتوحة على كل الاحتمالات إلى حدّ شل البلد.. مستبعداً أي خطر على السلم الأهلي، فلن نسمح بإعادة الفوضى، قال المصدر المقرب.
وقرابة التاسعة، وصل الوزير باسيل إلى مقر التيار في ميرنا شالوحي في سن الفيل، وسط هتافات، تستعيد «بالدم بالروح» ولكن في الجهة المقابلة من بيروت (شرق العاصمة) بعدما نسي اللبنانيون هذه التسميات.
ولم يدلِ باسيل بأي تصريح، لكن بياناً صدر عن تياره دعا من جديد إلى عدم القيام بأي ردّات فعل وترك معالجة الأمر للقوى الأمنية.
لا اخبار طيبة
ومع ان اخبار المساء حملت انباء طيبة، مفادها حصول لقاء رباعي جمع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله والوزير جبران باسيل في حضور مسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا والمعاون السياسي للأمين العام الحاج حسين خليل، الا ان نفي مصدر قيادي في الحزب لاخبار هذا اللقاء، بدّد الآمال التي علقت على احتمال دخول الحزب على خط الوساطة بين عين التينة و«التيار الوطني الحر»، رغم ان الحزب أعلن في بيان رفضه القاطع للكلام الذي تعرض بالإساءة إلى الرئيس نبيه برّي شكلاً ومضموناً، ورفضه الإساءة له من أي طرف كان، مؤكداً تقديره العالي واحترامه الكبير لشخص ومقام الرئيس برّي، معتبراً أن اللغة التي استخدمها وزير الخارجية في الفيديو المسرب لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح، بل تخلق المزيد من الأزمات، داعياً إلى المسارعة بمعالجة هذا الوضع القائم بأعلى درجة من الحكمة والمسؤولية.
وكانت معلومات ترددت ان الحزب أجرى اتصالات من أجل تطويق ردود الفعل التي انفجرت في الشارع، الا ان مصدراً قيادياً مسؤولاً في الحزب اكد انه لم يقم بأي اتصالات نظراً لصعوبة التوصّل إلى حل في ظل التوتر والتصعيد الحاصل، علماً ان الحزب يعتبر برّي من الخطوط الحمر الممنوع على أي جهة تجاوزها أو المس بها، ومن المعيب في مفهومه ان يتم التخاطب السياسي والتعبير عن الرأي بهذه اللغة المسيئة وغير المقبولة.
ومهما كان من أمر، فإن الاشتباك السياسي بين بعبدا وعين التينة اتخذ أمس منحى خطيراً، بعد تسريب مقطع فيديو لرئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية باسيل هاجم فيه الرئيس برّي ووصفه «بالبلطجي» بعد أقل من بضع ساعات من إعلان رئيس المجلس التزامه بالتهدئة الإعلامية ووقف النار الإعلامي، وزاد باسيل على هذا الوصف المسيء بإطلاق كلام جديد وفي فيديو اخر يقول به ان «رأس الرئيس برّي لازم ينكسر مش راسنا»، الأمر الذي أدى إلى انفجار الصراع بين الرئاستين في الشارع، وعمد مناصرو حركة «أمل» إلى قطع الطرقات بإحراق الدواليب المشتعلة في عدد من شوارع العاصمة والضاحية والمناطق اللبنانية، وترددت معلومات عن إحراق مكاتب «التيار الوطني الحر» في مار الياس، فيما «هاجم» آخرون مركز التيار في «الميرنا شالوحي» في سن الفيل، وقطعوا الطريق امامه، وحصل إطلاق نار قبل ان يتدخل الجيش لفض الاشكال وفتح الطريق.
ونفى المكتب الإعلامي المركزي لحركة «امل» خبر إطلاق النار على مركز ميرنا الشالوحي، مؤكدا ان القوى الأمنية والجيش يعرفون من أطلق النار، وان الحركة ترفض التعرّض لأي مقر حزبي، في حين اتهم «التيار» عناصر «امل» بالهجوم على مقر عام التيار ورشقه بالحجارة وإطلاق النار، مما اضطر عناصر حماية المقر للدفاع عن أنفسهم، ودعا مناصريه إلى عدم القيام بأي ردّات فعل في أي مكان وترك معالجة الأمر للقوى الأمنية فقط.
عين التنية
اما عين التينة، فقد استقطبت أمس، لقاءات واتصالات مكثفة تمحورت في مجملها على التضامن مع الرئيس برّي واستنكار ما تفوه به الوزير باسيل بحق رئيس المجلس.
وكان لافتا في السياق زيارة لوزير الاشغال يوسف فنيانوس موفدا من رئيس المردة النائب سليمان فرنجية معلنا وقوفه إلى جانب برّي الذي استقبل بعد ذلك وزير الداخلية نهاد المشنوق مناشدا ما وصفه «بالهدوء الوطني للرئيس برّي ومسؤوليته الوطنية عن كل اللبنانيين والترفع فوق الصغائر وعدم السماح لكلمات خاطئة بأن تتسبب بأي توتر في البلد».
ورأى ان الكلام الذي صدر يجب ان يتم الرد عليه باعتذار للبنانيين، والوزير باسيل يجب ان لا تنقصه الشجاعة لقول هذا الكلام.
وتلقى الرئيس برّي اتصالا هاتفيا من الرئيس نجيب ميقاتي وآخر من الرئيس تمام سلام وثالثاً من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي شدّد في تصريح له على ان الكلام المسرب من باسيل مستنكر وغير لائق ولا يتماشى مع طبيعة العلاقات السياسية الداخلية حتى لو كان من موقع الخلاف في وجهات النظر.
… وفي حين رفضت مصادر باسيل التعليق لـ«اللواء» على تطورات الازمة المستجدة والمطلوب لمعالجتها، قالت مصادر قيادية في حركة «امل» لـ«اللواء» عن المطلوب لمعالجة الازمة: «لسنا نحن من اوقع جبران باسيل في هذا الموقف والوضع، هو أوقع نفسه به وهو المسؤول عن ايجاد مخرج لنفسه منه، نحن قلنا ما عندنا، والناس قالت كلمتها سواء في الشارع او في عين التينة، ولسنا نحن المسؤولين عن عدم فوز باسيل في انتخابات البترون مرتين. هو لم يترك للتيار ولنفسه صاحب واستعدى الجميع، ويورط العهد ايضا، هل هكذا وجه الدبلوماسية في لبنان؟».
واكدت مصادر «امل» انها ليست من طلب من الناس قطع الطرقات، وان قيادات الحركة في كل المناطق تلقت عشرات الاتصالات والبيانات التي تستنكر ما قاله باسيل، وقالت:نحن عملنا على تهدئة الناس حتى لا تتطور الامور اكثر في الشارع.
وفي ردود الفعل، أكد وزير المال ​علي حسن خليل​ في تصريح لقناة «NBN» أنه «اذا كان الهدف من وراء ما حصل هو تعطيل ​الانتخابات​ فنطمئنكم أنها حاصلة بموعدها»، وقال:اننا لسنا من يطالب رئيس «التيار الوطني الحر» ​جبران باسيل​ بالاعتذار، ولكن اذا أراد ذلك فليكن امام اللبنانيين وكل العالم.
واضاف: أن شد العصب الانتخابي لا يكون بالتحريض فالناس أوعى من التصديق.
وإعتبرت هيئة الرئاسة في حركة «أمل» أن «ما جرى تداوله من كلام صادر عن رئيس «التيار الوطني الحر​» يحمل ابعادا خطيرة تهدد وحدة البلد واستقراره وامنه»، مشيرةً إلى أن «كلام باسيل دعوة مفتوحة لفتنة ستأخذ في طريقها كل ما أنجز على مستوى البلد وتذكرنا بحرب التحرير والإلغاء».
وأكدت مصادر في الثنائي الشيعي لـ «اللواء» بأن مطالبة زوّار الرئيس برّي باعتذار علني وموثق لباسيل هو اجتهاد شخصي منهم، وان الرئيس برّي وفقا لمصادر عين التينة لم يطلب ذلك، فالاعتذار غير كاف ويجب محاكمته بتهمة الإساءة لرئيس المجلس والتحضير لفتنة.
الحريري
وازاء انفجار الصراع شارعياً بين الرئاستين الأولى والثانية، سارع الرئيس سعد الحريري للتحرك في اتجاه قصر بعبدا للقاء الرئيس ميشال عون رغم انه كان أعلن ارجاء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، مؤكدا انه ستكون له مبادرة لتهدئة الاجواء، معتبرا ان البلد ليس بحاجة لا إلى تصعيد ولا إلى تأزيم.
ثم أصدر الحريري لاحقا بياناً، بعد التطورات التي حصلت امام مركز ميرنا الشالوحي، مناشدا كافة المعنيين العمل على تجاوز تلك العاصفة التي هبت على البلد وتدارك تداعياتها، خصوصا وان التحديات التي تواجهنا هي أخطر بما لا يقاس من العنف اللفظي الذي نشهده.
وأكّد ان كرامة رئيس الجمهورية، وكرامة رئيس المجلس هي من كرامة جميع اللبنانيين افراداً ومجموعات وطوائف وان الإساءة لأي منهما بأي عبارة أو خطاب أو تصريح هي إساءة لنا ولمؤسساتنا وطوائفنا وسلوك مشين ومرفوض يجب ان يتوقف.
بعبدا
في هذا الوقت، حرصت مصادر قصر بعبدا على استخدام عبارة «الصمت المطبق» ازاء الوضع الناشيء من تسريب فيديو باسيل، وكان لافتا التحرّك الرئاسي السريع لاحتواء أي توقع في انفجار الوضع بين وزيري الخارجية جبران باسيل والمال علي حسن خليل على خلفية ذلك، وهما من عداد أعضاء المجلس الأعلى للدفاع الذي كان سينعقد قبل ظهر أمس، غير ان المصادر قالت ان تأجيل الاجتماع مرده إلى ان تحضيرات زيارة الرئيس الالماني فرانك شتانماير لم تكن منجزة بعد.
وكانت تصريحات الوزير باسيل بالصوت والصورة وما نتج عنها من ردّات فعل قد استدعت لقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الذي تحدث عن مساعٍ لمعالجة الوضع داعيا إلى التهدئة.
وبعيدا عن الإعلام، كان لقاء الرئيس عون مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
ومن الصدف، ان ما جرى تزامن مع زيارة الرئيس الالماني إلى بيروت وهو الذي أبدى اعجاباً بالتعددية الطائفية في لبنان، واصفاً إياها بالميزة. والوزير باسيل الذي كان من ضمن عداد الوفد الرسمي في لقاء الرئيس الالماني لم يشأ التعليق على ما جرى وعلى الرغم من انه كان محط الصحافيين، الا انه ظل يستمع إلى الأسئلة من دون جواب حتىانه كان يتلقى عبر «ساعته الذكية» اخبار الساعة.
وقالت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان الأمور ستكون قابلة لحلحلة وان مجلس الوزراء المرتقب إنعقاده الخميس في قصر بعبدا لا يزال قائماً.
وعن محادثات الرئيس الالماني في بقصر بعبدا أوضحت المصادر أن شتانماير الذي استغرب عدم مجيء أي رئيس الماني من قبل إلى لبنان وانه أول رئيس لها يزور بيروت منذ 12 سنة، أشاد بالجهد الذي بذله الرئيس عون في معالجة أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وقال انه سيرفع قبعته للحكمة التي تحلى بها الرئيس عون لمعالجة هذه الأزمة والتصرف حيالها.
ولفتت المصادر إلى ان رئيس الجمهورية أبدى تقديره لوقوف المانيا إلى جانب لبنان وتأكيدها على المحافظة على سيادته، كما في اهتمامها باللبنانيين الموجودين في المانيا على رغم الظروف التي يعيشها بعضهم.