بيروت تجتاز ليلاً «قطوع» الضغوطات على الحكومة الجديدة
آليات الجيش تحاصر الإشكالات.. ودعوة أممية «للتصرُّف بمسؤولية لحماية الإستقرار»
السؤال المريب والمثير، في آن معاً، ما الصلة بين إعلان نتائج الانتخابات النيابية على لسان الرئيس سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، قبل ان تعلن رسمياً من قبل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي ارجأ الإعلان عن نتائج دائرة عكار، بانتظار الانتهاء من فرز بعض الصناديق، وقبل ان تنجز الطعون النيابية من عدد من اللوائح الفائزة والخاسرة والتوترات والاشكالات التي بدأت في عائشة بكار بين شبان على دراجات نارية وشبان من أبناء المحلة، كادت تشعل بيروت، لولا الاتصالات السياسية على ارفع المستويات والتدخل الميداني الكثيف للجيش اللبناني في الشوارع؟
ما صدر من دعوات من قبل الرئيسين نبيه برّي والحريري لقمع الإشكالات المتنقلة، واعتقال لمطلقي النار ورافعي الشعارات التحريضية، يندرج في محاولات جدية لاحتواء التوتر الذي تسببت به مجموعات من الشبان يحملون رايات واعلام حزبية ويرددون شعارات مرفوضة في شوارع العاصمة، لا سيما على اوتوستراد قريطم.
تزامن إعلان النتائج مع جولة جديدة من التوتر، وصفه الوزير المشنوق بالمعيب، الذي «لا علاقة له بالانتصار والفرحة بل بالثأر والانتقام»، فيما استنكر الرئيس برّي الممارسات المسيئة التي قامت بها بعض المواكب السيّارة في شوارع بيروت.. وحذر الرئيس الحريري من خروج الأمور عن السيطرة، داعياً الجيش وقوى الأمن لاتخاذ التدابير اللازمة باقصى سرعة ممكنة.
وحذرت قيادة الجيش المواطنين من القيام بأي عمل مخل بالأمن، وإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً، وتؤكد انها ستعمل على ملاحقة المخالفين ومطلقي النار وتوقيفهم واحالتهم على القضاء المختص، مشيرة إلى ان تسيير مواكب وإطلاق نار في الهواء، أدى إلى حصول إشكالات فعمد الجيش إلى تسيير دوريات وإقامة حواجز ظرفية حفاظاً على الأمن ومنعاً لتمددها.
وقالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان الإشكالات مرتبطة بأجندات ما ذات صلة بالضغوطات السياسية، على خلفية رئاسة الحكومة الجديدة، ورئاسة المجلس النيابي، وتوزيع الوزارات والبيان الوزاري للحكومة العتيدة.
الا ان مصادر أخرى، رأت فيها محاولة مكشوفة للتستر على ما انتاب العملية الانتخابية من ثغرات وإدخال صناديق غير ممهورة وتأخير إعلان نتائج بعض الدوائر، في بيروت الثانية وعكار.
وبصرف النظر عن التقييم الدولي للربح والخسارة، وما تصنفه وكالة «فرانس برس» بأنها انتصار كبير لحزب الله لتكريس نفوذه مع حلفائه في المعادلة السياسية، وخسارة الرئيس الحريري ثلث المقاعد التي كان يشغلها في المجلس الذي تنتهي ولايته في 20 الجاري، فإن الأمم المتحدة دعت السياسيين اللبنانيين إلى «التصرف بمسؤولية لحماية استقرار» بلدهم بعد الانتخابات التي شهدت تحقيق حلفاء حزب الله اللبناني المدعوم من إيران مكاسب واسعة.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجريك، «نأمل في أن تواصل جميع الأطراف السياسية التصرف بمسؤولية في الأيام التي تلي الانتخابات لحماية استقرار لبنان بما في ذلك التشكيل السريع للحكومة».
مرحلة جديدة
ومع انتخاب مجلس نيابي جديد، أقل من نصفه تقريباً من الوجوه الجديدة والشابة، تكون البلاد قد دخلت عملياً في مرحلة سياسية جديدة، يفترض ان تستكمل باعادة انتخاب الرئيس برّي لولاية جديدة تستمر أربع سنوات، وتأليف حكومة جديدة، يبدو الرئيس الحريري أبرز المرشحين لرئاستها، رغم ما يمكن ان يحوط بهذا الاستحقاق من ملابسات وظروف، وربما أيضاً من بروز مرشحين جدد أو قدامى لها، تبعاً لما أفرزته الانتخابات من فوز «طامحين» من نفس الطائفة، ومن معطيات وقوى سياسية باتت قادرة على التحكم نوعاً ما بشخص رئيس الحكومة وبتشكيلها، وحتى بفرض أجندة جديدة لها.
ولوحظ على هذا الصعيد، ان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، الذي بات يملك في المجلس كتلة نيابية وازنة يصل حجمها إلى ثلث المجلس، أظهر استعجالاً على وجوب البدء بالنقاش حول تشكيل الحكومة المقبلة، للاستفادة من الوقت، لأن الوضع لا يحتمل الانتظار، وهو ما لاقاه الرئيس برّي حين شدّد على وجوب ان تكون حقيبة وزارة المال من حصة الطائفة الشيعية، معتبراً بأن هذا الموضوع سبق ان اتفق عليه في الطائف ونفذ، لكن الرئيس الحريري، رأى في ما يشبه الرد على برّي، انه لا يجوز لأحد ان يضع اعرافاً جديدة لأن البلد في غنى عنها، معتبراً بأن العرف الوحيد هو رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس، وهذا هو العرف الوحيد الذي نتوافق حوله، لكنه استدرك بأنه لا مانع من ان يكون هناك وزراء من طوائف معينة، لكن المهم ان لا نفرض على انفسنا وعلى بعضنا اموراً لم ترد في الطائف ولا في اي مكان آخر».
وحين سئل عن تصوره للحكومة المقبلة، خاصة وان بعض القوى السياسية بدأت تقول منذ الآن بأن لديها مطالب مقابل تسميتك، اجاب: «في الأساس إذا قمت بتشكيل الحكومة فلن اقبل بأن يفرض علي أحد أية شروط، فالشروط يجب ان تكون لمصلحة البلد، وإذا تمت تسميتي ولم يعجبني أمر ما، أمشي، لا مشكل لدي»، معتبراً بأن تأليف حكومة من الأكثرية أمر خاضع للنقاش، الا انه بدا انه يميل إلى حكومة تمثل الجميع للنهوض بالبلد.
أما الرئيس نجيب ميقاتي، الذي باتت له كتلة نيابية من 4 نواب يُمكن ان تتوسع وتكبر في حال أرسى تفاهمات مع كتل أخرى فقد أكد من جهته انه مرشح لرئاسة الحكومة، لكنه لاحظ أن الموضوع يحتاج إلى تشاور، وإذا كانت هناك حظوط للوصول فحتماً أنا مستعد لهذه المهمة.
ثغرات وشوائب وطعن
على ان ما شاب الانتخابات من عيوب وشوائب وثغرات وتقصير وتباطؤ في فرز أقلام الاقتراع وإعلان النتائج الرسمية، ظل في صدارة الاهتمامات، خصوصاً وانه رافق كل هذه العيوب اتهامات للسلطة بالتزوير، الأمر الذي دفع عدد كبير من المرشحين إلى درس إمكانية تقديم طعون أمام المجلس الدستوري بنزاهتها ونتائجها، ومنهم لائحة «بيروت الوطن» التي يرأسها الزميل صلاح سلام،ورئيس لائحة «بيروت الاولى» الوزير ميشال فرعون، اضافة الى ما اعلنته المرشحة على لائحة «كلنا وطني» في بيروت الاولى جمانة حداد من تلاعب حصل بالصناديق، بعدما نامت رابحة مع زميلتها بولا يعقوبيان وصحت امس خاسرة. وهي ستقدم طعنا ايضا بالنتائج، إضافة إلى الوزير السابق وئام وهّاب الذي أعلن مساء عبر تلفزيون «الجديد» عن تقديمه طعناً بالنتائج، لأنه كان فائزاً على النائب مروان حمادة في دائرة الشوف عاليه بـ270 صوتاً زيادة، لكن حصل تزوير لاسقاطه بالتواطؤ مع «حزب الله» الذي ردّ عليه داعياً اياه الى الهدوء والتروي والتأمل.
كما أعلن الوزير طلال أرسلان انه يدرس النتائج لتقديم طعن، رغم فوزه في الانتخابات.
واشارت معلومات لائحة «بيروت الوطن» الى ان التزوير طال ارقام اللائحة التي كادت تقترب من الحاصل الاول، بعد فقدان ستة صناديق اقتراع عاد منها بعد فترة اربعة وبقي صندوقان مختفيين، واكدت انها ستقدم طعنا امام المجلس الدستوري.
اما الوزير فرعون فأعلن امس انه بات مستقيلا من الحكومة ولن يحضر الجلسات المتبقية من عمر الحكومة قبل تحولها الى حكومة تصريف اعمال، وقال: ان عنوان المعركة كان من جهة، تحجيم فرعون، ومن جهة أخرى تطويق «القوات اللبنانية»، وقد خضنا المعركة بكل فخر، ولم ألجأ إلى استخدام الإغراءات المالية للناخب على الرغم من النصائح الكثيرة.
وتجمع بعد الظهر أمام وزارة الداخلية عدد من مناصري المرشحة جومانا حداد تحت عنوان «لن نسمح بتزوير النتائج واسقاط جومانا».
وألقت حداد كلمة قالت فيها: لن نكتفي بهذا الاعتصام وبهذه الوقفة الاحتجاجية بل سنضع بالتنسيق مع المجتمع المدني برنامجا تصعيديا للتحرك المدني الديموقراطي الضاغط وسيباشر محامونا باستكمال الوثائق والمعطيات لتقديم دعوى طعن بنتيجة هذه العملية الانتخابية.
وفي معلومات «اللواء» ان المرشحة على لائحة «لبنان حرزان» زينة منذر، تمكنت بدورها من احداث خرق بحصولها على الحاصل الانتخابي مع رئيس اللائحة فؤاد مخزومي، واتصل بها النائب وائل أبو فاعور مهنئاً، ثم تبين في اليوم التالي انها لم تنجح على غرار ما حصل مع المرشحة حداد من مفاجأة في الصناديق.
الى ذلك، سألت «اللواء» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط رأيه وانطباعاته عن سير الانتخابات ونتائجها بعد الازعاج العلني الذي ابداه، فاعتذر عن الاجابة، وقال: ان تيمورجنبلاط سيصدر غدا على الارجح بيانا يتضمن موقف الحزب التقدمي الاشتراكي من الانتخابات النيابية التي جرت الاحد الماضي ورؤيته للمرحلة المقبلة.
تكتلات كبيرة
وكانت الانتخابات، قد أسفرت عن تشكيل تكتلات كبرى جديدة، منها تكتل ثنائي «امل وحزب الله» بنحو 26نائبا شيعيا من اصل 27 في مجلس النواب، و»تكتل لبنان القوي» الذي اعلن عنه امس رئيس «التيار الوطني الحر» الوزيرجبران باسيل ويضم نواب التيار وحلفاءه بعدد نواب قديبلغ 30 نائبا. اضافة الى تكتل «القوات اللبنانية» الذي بات يضم 15نائبا.
اما تيار «المستقبل» فيضم نحو21 نائبا كما اعلن الرئيس الحريري امس حيث قال: إن النتائج حتى الآن تعطي تيار المستقبل كتلة كبيرة من 21 نائبا في البرلمان وصحيح اننا كنا نراهن على نتيجة أفضل ولكن الكلّ يعرف أن المستقبل كان يواجه باللحم الحيّ مشروع اقصائه عن العملية السياسية.
وأضاف: ما زالت حليفا للرئيس ميشال عون لأن هذا يأتي بالاستقرار للبلد، إنما الانجازات تحتاج الى كل المكونات، وما يهمني أن ننقل البلد من مكان الى آخر.
ورأى أن «لبنان لا يحكم إلاّ بجميع مكوناته السياسية والذي يقول غير ذلك يضحك على نفسه». وقال: انا غير قابل للكسر ونقطة على السطر.
وقال في موضوع رئاسة المجلس النيابي: انه سأجيب كما أجاب الرئيس بري أنا أعلم من سأنتخب.
والى جانب الكتل الكبيرة، ولدت كتل صغيرة ككتل «المردة» والحزب القومي (3 نواب) و«تيار العزم» برئاسة الرئيس ميقاتي (4 نواب)، و«تيار الكرامة» برئاسة فيصل كرامي، وكتلة النائب والوزير الاسبق عبد الرحيم مراد وكتلة حزب «الكتائب» (3 نواب)، وهي كتل تترك تأثيرها الكبير في المجلس حسب التحالفات التي ستنسجها مع القوى الكبرى، او المواقف التي ستتخدذها حيال عمل مجلس النواب ومجلس الوزراء.
لكن النتائج الرسمية حملت مفاجآت عدة منها: خسارة اقطاب في المجلس ونوابامشرعين وحقوقيين، مثل النائب بطرس حرب النائب من العام1972، والناب الدكتور نقولافتوش، اضافة الى النائب والوزير ميشال فرعون، مقابل تمكن النائب ميشال المرمن كسر الطوق الذي فرضته عليه الاحزاب في المتن والفوزبأحد المقعدين الارثوذوكسيين.
ولفت المراقبون غياباً شبه كامل لرجال القانون عن السلطة التشريعية، لمصلحة عدد لا بأس به من رجال الاعمال والمال، وهذه مسألة هامة وحساسة بإعتبار ان دور المجلس النيابي هو سن القوانين خاصة في هذا الوقت بالذات هو التشريع وسن القوانين الحديثة وتحديث القوانين القديمة.
نتائج رسمية ما عدا عكار
واعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق قرابة الثامنة مساء، نتائج 14دائرة انتخابية ما عدا دائرة عكار التي تحتاج نتائجها الى اعادة عد الأوراق والفرز يدويا.
وأوضح انه فور صدور النتائج النهائية سيتم ارسالها الى رئاسة المجلس النيابي وتنشر على الموقع الرسمي لوزارة الداخلية.واقر المشنوق بفقدان عدد من صناديق الاقتراع ما ادى الى تأخير اعلان النتائج.
توترات وإشكالات أمنية
ومع السيطرة على الإشكالات في بيروت كان التوتر ينتقل ليلا إلى تلعبايا وبر الياس في البقاع الأوسط، حيث سجل إطلاق نار وإشكالات بين مناصرين لحركة «امل» وحزب الله من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية، شبيهة بالاشكالات التي حصلت في بيروت، ولا سيما في عائشة بكار، قبل ان تباشر وحدات من الجيش بتسيير دوريات في شوارع واحياء العاصمة لوقف حالة الفلتان في هذه الاحياء، والتي بدأت على اثر صدور نتائج الانتخابات وإعلان فوز مرشحي «امل» وحزب الله في بيروت الثانية، كما دهمت قوى الجيش احياء في عائشة بكار للقبض على الشبان الذي كانوا جالوا على دراجات نارية، واطلقوا هتافات استفزازية واعتدوا على عدد من السيّارات في المحلة المذكورة.
وبحسب معلومات الوكالة الوطنية للاعلام، فان مسلحين على دراجات نارية اقدموا مساء أمس على رفع اعلام حزبية على تمثال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في منطقة السان جورج وفوق الشعلة التي ترمز إلى لحظة اغتياله، ثم انتقل هؤلاء إلى منطقة عائشة بكار، وتحديدا قرب مسجد القصار وعمدوا إلى إطلاق وهتافات فيما اعتدى بعضهم على عدد من السيّارات المتوقفة في المكان، وسجل إطلاق نار، من دون اصابات، وتدخل الجيش للعمل على تهدئة الوضع.
وأصدرت قيادة الجيش ليلا بيانا حذّرت فيه المواطنين من القيام بأي عمل مخل بالأمن وإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً، وأكدت انها ستعمل على ملاحقة المخالفين ومطلقي النار وتوقيفهم.
ولفت البيان، انه في أعقاب صدور نتائج الانتخابات بادر بعض المواطنين في بيروت وعدد من المناطق إلى إقامة احتفالات وتسيير مواكب وإطلاق النار في الهواء ما أدى إلى حصول بعض الإشكالات، فعمد الجيش إلى تسيير دوريات وإقامة حواجز ظرفية حفاظا على الأمن ومنعا لتمددها.
وكان الرئيس الحريري اتصل مساء بكل من قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، طالبا تدخل الجيش والقوى الأمنية لمعالجة الفلتان واتخاذ التدابير اللازمة قبل ان تخرج الأمور من السيطرة.
وأصدر وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قرارا بمنع سير الدراجات النارية في نطاق بيروت الإدارية لمدة 72 ساعة، بناء على مقتضيات المصلحة العامة والحفاظ على السلم الأهلي، على اثر الإشكالات الأمنية التي شهدتها العاصمة في الساعات الماضية وبغية ضبط الوضع الأمني.
واستثنت من قرار المنع الدراجات العائدة للأجهزة الأمنية والإدارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة والمطاعم والصيدليات ووكالات الأنباء والإعلام والصحافيين والمصورين وشركات توزيع الصحف والمجلات».
وبغية تطويق الإشكالات الحاصلة، أصدر الرئيس برّي بيانا استنكر فيه ما وصفه لممارسات المسيئة التي قامت بها بعض المواكب السيّارة في بيروت وطاولت رموزا ومقرات ومقامات نحترم ونجل. كما أصدر تيّار المستقبل بيانا دعا فيه مناصريه إلى التزام ضبط النفس والامتناع عن تنظيم أية مسيرات مضادة والتعاون مع الجيش وقوى الأمن لضبط الوضع وقطع الطريق امام المصطاين بالمياه العكرة».