صدمة جيرو: إنسداد أفق الرئاسة بسبب إصرار «حزب الله» على عون
سلام متفائل بتسليح الجيش بعد توقيع الهبة السعودية .. والحجيري يرحّب بمطالبة الحريري فك الحصار عن عرس
حمل الرئيس تمام سلام إلى باريس تداعيات الأزمة السورية على الوضع اللبناني، وثقل هذه التداعيات على الوضع الهش، في ظل أزمة الشغور الرئاسي، وعدم الاتفاق على رئيس جديد، بالإضافة إلى تعثر التفاهم على قانون انتخاب.
وعبر الرئيس سلام عن مخاوفه من خطورة الوضع الذي يمر به لبنان الآن، وقال في كلمة امام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) ان اللاجئين السوريين يشكلون عبئاً ثقيلاً ويؤثرون سلباً على لبنان، وبانتظار عودتهم نحتاج إلى دعم إقليمي ودولي، مشدداً على ان الأزمة السورية اثرت على «الوضع الأمني الداخلي في لبنان، وخصوصاً في شرق البلاد»، موضحاً ان البلد يعيش على وتيرة أزمة رهائن وابتزاز دنيء، فالخاطفون يوجهون إلينا كل أسبوع انذارات، لقد قطعوا رأسي رهينتين حتى الآن، وقتلوا اثنين آخرين بدم بارد، ويواصلون التلاعب بشكل فظيع باهالي المحتجزين الخمسة والعشرين الباقين.
ورداً على سؤال من أحد النواب حول النزاع في سوريا، قال سلام ان الهجمات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد لا تقضي على تنظيم «الدولة الاسلامية» أو جبهة «النصرة»، لكن يتعين القيام بامر ما على الأرض، وينبغي اجراء مشاورات بين التحالف وكل دول المنطقة لوضع حدّ لهذا العنف.
ووصف مصدر في الوفد اللبناني سلسلة المواقف التي اعلنها الرئيس سلام، بأنها «اطار عمل لمحادثاته التي تعقد غداً مع نظيره الفرنسي ايمانويل فاليس، والتي ستتوج قبل ذلك بلقاء مع الرئيس فرنسوا هولاند في قصر الاليزيه، ثم يستقبل الرئيس سلام في حضور وزير الدفاع سمير مقبل وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان، وذلك قبل التوقيع النهائي على المعاملات بين فرنسا والمملكة العربية السعودية بعد غد السبت في 13 الحالي، الأمر الذي يعني إطلاق عملية تسليح الجيش اللبناني ليتمكن من القيام بواجبه في وجه الاعتداءات التي يواجهها ومواجهة المخاطر التي تحدق بلبنان.
ودعا سلام فرنسا إلى التعجيل في تسليم لبنان الأسلحة التي تمّ الاتفاق عليها في اطار هبة الثلاثة مليارات دولار المقدمة من المملكة، مشدداً على الحاجة إلى سلاح وإلى مساعدة عسكرية، وخصوصاً المروحيات والصواريخ لمواجهة هؤلاء المتطرفين.
ولم تغب أزمة فراغ الرئاسة الأولى عن مواقف الرئيس سلام، إذ كرّر من الجمعية الوطنية الفرنسية دعوته القوى السياسية إلى تحمل مسؤولياتها وانتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، مؤكداً ان انتخاب الرئيس يعتبر عملاً جوهرياً لتعزيز الدولة في مواجهة التطرف بكل اشكاله وتداعياته.
تقرير جيرو
على ان المفاجأة ما توفّر للوفد اللبناني المرافق للرئيس سلام من معلومات عن نتائج زيارة الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو إلى بيروت، والمحادثات التي أجراها مع القيادات والكتل والتيارات المعنية بانتخابات رئاسة الجمهورية.
وكشف مصدر في الوفد اللبناني لـ«اللواء» ان جيرو قدم تقريره الى قصر الاليزيه، عبر الخارجية الفرنسية، وضمّنه نظرة تشاؤمية إزاء الملف الرئاسي اللبناني.
ووفقاً للمعلومات اللبنانية الرسمية، فقد جاء في تقرير جيرو انه في ضوء محادثاته مع القيادات ورؤساء الأحزاب اللبنانية ان أفق انتخابات الرئاسة مسدود بسبب التباعد بين مواقف الأطراف وإصرار حزب الله اللبناني على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حيث لا يحظى هذا الاصرار بتوافق أو تفاهم بين اللبنانيين وتضمن التقرير توقعات متشائمة بأن يطول أمد الفراغ إلى أمد زمني من الصعب توقعه، كل ذلك بسبب التعقيدات المحيطة بهذه الانتخابات والمرتبطة بتعقيدات المنطقة.
وإذا كان جيرو قد غادر عائداً إلى باريس، قبل انعقاد الجلسة النيابية المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، ذات الرقم التسلسلي 16، والتي تزامنت مع مرور 200 يوم على دخول البلاد في الفراغ الرئاسي، والتي ارجأها الرئيس نبيه بري إلى جلسة الـ17 بتاريخ 7 كانون الثاني، مع «استفتاحة» العام الجديد 2015، فان اي جديد من غير المتوقع أن يحصل على صعيد ملء الشغور الرئاسي، بانتظار ان ينتج الحوار الموعود، سواء على صعيد تيّار «المستقبل» و«حزب الله» أو على الصعيد المسيحي – المسيحي ثماره المرجوة، وهو حوار لا يبدو حتى الان متاحاً، أقله حتى نهاية العام الحالي.
ولا يُبدي عضو بارز في كتلة نواب «القوات اللبنانية» أي تفاؤل في إمكانية الوصول إلى توافق مسيحي – مسيحي، ضمن الحراك الذي بدأته بكركي بعيداً من الأضواء، لجمع الأقطاب الموارنة الأربعة، لأن النائب عون ما زال متمسكاً بموقفه من دون أن تصدر عنه أي رغبة بامكان التراجع عن هذا الموقف.
وكشف النائب المذكور أن هذا الأمر اثبتته حركة الموفدين الفرنسيين والروس والأوروبيين، حيث اسمعهم عون ردود فعل غير مشجعة، بالنسبة لاجراء انتخابات رئاسية، من خلال تشديده على ان المسيحيين يريدون رئيساً قوياً للخروج من التهميش الذي يعيشونه.
وفي تقديره أن اقصي ما يمكن الوصول إليه، هو الآن إمكانية الجمع بين عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، إذا تبين انه في الإمكان الخروج من هذا اللقاء باقتراح جدي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهو الشرط الذي وضعه جعجع لزيارة الرابية، مجدداً عدم تمسكه بترشيحه، معتبراً انه من غير المقبول الا يكون امامنا سوى خيار وحيد.
ولاحظ جعجع في مؤتمر صحفي عقده في معراب عقب تأجيل الجلسة النيابية السادسة عشرة، ان امامنا خيارين: إما أن نذهب إلى الجلسة المقبلة ونقبل بالنتيجة، وإما أن نجلس مع «التيار الوطني الحر» لكي نتفاهم على حل، من دون أن نلزم بعضنا بعضاً بطرح وحيد فقط.
عرسال: حصار أو لا حصار
وسط الانهماك الحاصل بموضوع العسكريين المحتجزين، في ظل استمرار الهدنة القائمة حالياً، والتي تقضي باجراء الترتيبات اللازمة لوقف قتل العسكريين وإعادة التفاوض إلى السكة، استأثرت دعوة الرئيس سعد الحريري إلى رفع الحصار عن عرسال باهتمام سياسي ورسمي وأمني، على أساس أن إشاعة مناخات الحوار لا تتناسب وتسيب الوضع بين القرى والبلدات البقاعية.
وإذ وصف الحريري اعدام العريف الدركي علي البزال بالجريمة، اعتبر حصار عرسال «خدمة تقدّم للخاطفين» داعياً الحكومة إلى إنهاء الحصار وتكليف الجيش إعادة الاعتبار للدولة.
ولاقت مطالبة الحريري بفك الحصار صدى إيجابياً، إذ أيدها وزير العدل اللواء أشرف ريفي، ورحب بها رئيس بلدية عرسال علي الحجيري الذي اعتبر أن حصار120 ألف نسمة من شأنه أن يحدث أزمة إذا استمر، كاشفاً عن قرار اتخذه أهالي البلدة بعدم التصعيد، وتفهم ما أقدم عليه أهل البزالية المفجوعين من قطع للطرقات، لأن الشهيد علي البزال قتل مظلوماً، ولذلك أعطيت بضعة أيام لانتهاء العزاء.
وبرّأ الحجيري في اتصال مع «اللواء» الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» من التهم التي تلصق به ووصفه بالرجل الصادق، وهو ليس مسؤولاً عن قتل العسكريين الذين حماهم في منزله وعمل المستحيل من أجل إنقاذهم، عازياً قتل عدد من الجنود الأسرى الى التعقيدات الموجودة في السلطة، فلو حصلت المقايضة لكان العسكريون الأسرى مع أهلهم الآن في منازلهم وما كنا خسرنا أربعة من الشباب وهم أخوتنا وأبناؤنا.
وخاطب الحجيري أهل البزالية قائلاً: «إننا أخوة وجيران ولا نرغب بالتصعيد، فالقضية ليست عندنا وكما يوجد عندنا مهجرون سوريون يوجد في القرى الأخرى»، معرباً عن أمله بأن تفتح الطرقات الى عرسال بالمحبة والتفاهم.
الى ذلك، أبلغت مصادر سياسية مطلعة «اللواء» أن الحكومة أمام اختبار جديد في ملف العسكريين المخطوفين، وأن الاجتماع المرتقب لخلية الأزمة، والذي قد يسبق انعقاد جلسة مجلس الوزراء سيتناول مبادرة هيئة العلماء المسلمين على أن يتخذ القرار النهائي بشأنها داخل جلسة الحكومة، معربة عن اعتقادها بأنه أمام المشهد المأزوم وغياب الحل الفعلي لهذا الملف الشائك والصعب قد تجد الحكومة نفسها مضطرة الى حسم أمرها ووضع ربما استراتيجية جديدة للتفاوض وإبلاغ ذلك الى المعنيين، داعية الى انتظار ما ستفضي إليه نتائج هذه الجلسة، وقبلها اجتماع خلية الأزمة حيث الآراء داخلها تصل الى حد التناقض، وهي نتائج يفترض أن ترضي أهالي العسكريين المفجوعين، إذ أن لا مجال بعد الآن لأي تأخير في موضوع المفاوضات.
وفي هذا السياق، لفت رئيس الهيئة الشيخ سالم الرافعي في تصريحات جديدة أدلى بها أمس، أنه لمس من المسؤولين الذين التقاهم أمس الأول، تجاوباً كبيراً مع مبادرة الهيئة للدخول على مسار التفاوض في قضية العسكريين، موضحاً أن الأمر بحاجة الى تفويض حكومي علني شفهي أو مكتوب، لكنه لفت الى تعقيدات وعقبات قد تحول دون ذلك داخل الحكومة، مشيراً الى أن هذه العقبات على علاقة بمبدأ المقايضة الذي هو ليس موضوع إجماع داخل الحكومة، مضيفاً بأن من التقينا بهم لم يظهروا أن العقبة من حزب الله، وإنما سموا بعض الأطراف المسيحية.
وقال أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم كان ايجابياً وأبدى حماسة لتدخل الهيئة، مشدداً على أن هدفنا أن نعيد المفاوضات إلى ما كانت عليه، وليس أن نعود نحن إلى المفاوضات، كاشفاً عن اتصال تلقاه من زوج علا العقيلي أبو علي الشيشاني شاكراً، وانه رد عليه بقوله «ان تمام الشكر ان تأتونا بتعهد من ابي مالك التلي (مسؤول النصرة في القلمون) بأن لا يقتلوا أحداً بعد اليوم»، واصفاً مذكرة التوقيف التي صدرت في حق سجى الدليمي (مطلقة ابي بكر البغدادي) بأنها اضافت مزيداً من التعقيدات في ملف العسكريين.
وأكّد الرافعي أن هيئة العلماء بتفويض أو من دونه ستبقى إلى جانب أهالي المخطوفين.