على رغم الأخطار المحدِقة بالبَلد نتيجة الحرائق المتنقّلة في المنطقة، والجهد السياسي والأمني المستمر لمَنع وصولِها إلى لبنان، ومع إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله أنّ «الحرب السعودية ـ الأميركية على اليمن ستشَكّل عاملاً قويّاً جدّاً في رسم الصورة المستقبلية للمنطقة»، لم يتبدّل المشهد الرئاسي المأزوم ولا المشهد التعطيليّ الحكومي، في وقتٍ هدّدَ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بالانتقال مِن الاعتراض السياسي إلى الاعتراض الشعبي، فيما يبحث «التكتّل» في اجتماعه الأسبوعي غداً في سُبلِ مواكبة المرحلة الجديدة. أمّا رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط فتحرّكَ في اتّجاه عين التينة مُعلِناً أنّه سيحاول مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي تذليلَ بعض العقبات السياسية بغيةَ تثبيتِ الاستقرار، والتوَصّل إلى «تشريع الضرورة».
علمَت «الجمهورية» أنّ هناك قراراً حاسماً بعدم انضمام الحكومة إلى مؤسسات الدولة المعطلة وتعليق جلسات مجلس الوزراء. إذ سيَحرص رئيس الحكومة تمام سلام على مشاركة كلّ مكوّنات الحكومة في الجلسات وعلى الحفاظ على حكومته الائتلافية. وعليه فإنّ الكرة هي في ملعبه، وهو لن يدعوَ إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع إفساحاً في المجال أمام الاتصالات السياسية للخروج من هذه الأزمة.
وكشفَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أن لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، لكنّ هذا لا يعني أنّ الجلسات عُلّقت، وعزَت عدمَ الدعوة إلى هذه الجلسة، أوّلاً إلى أنّ مصيرها معروف سَلفاً، وسلام تجنّبَ أن يتحوّل مجلس الوزراء منبراً لاحتدام سياسي وتفجير خلافات ومواقف مسبَقة، وثانياً لإجراء مزيد من الاتصالات السياسية لتبريد الأجواء.
وكان سلام قال في دردشةٍ مع الصحافيين في دارتِه في المصيطبة إنّه «في ظلّ مطالبة الدولة بأن تتحمّل مسؤولياتها والقيام بواجباتها على الصُعد الإدارية والمالية والاقتصادية والأمنية والوطنية، هناك تهويل بالتعطيل وإيقاف عمل الحكومة، على غرار الشَلل الذي يصيب عمل المجلس النيابي. إنّها ليست المرّة الأولى التي يتعثّر فيها الوضع في ظلّ شغورٍ رئاسيّ مضى عليه أكثر من عام وفي ظلّ سَلبيات متراكمة، يضاعفُها الوضع الخطير الذي تَشهده المنطقة.
لكنّ فاتورة التعطيل باتَت اليوم أكبر من أن يتحمّلها لبنان». وأضاف: «لقد حاوَلنا تخَطّي هذا الوضع بطرُق مختلفة لكن لا نتيجة. مازلنا نبحث عن مقاربة الحال بترَيّث لنخفّف وطأة هذا الأمر. وآملُ من جميع القوى السياسية أن تدركَ خطورة الوضع ولا تتمادى في شَلّ العمل الحكومي».
وقال سلام «إنّ الموضوع ليس عَقدَ جلسة لمجلس الوزراء أم لا، بل هو إنتاجُ السلطة التنفيذية وتفعيلُها أم لا. عندما يصبح المناخ تجاذباتٍ حادّة فإنّه يؤثّر على الأداء وعلى الاستحقاقات الملِحّة، مثل إقرار بعض القوانين الضرورية والاتفاقات مع منظّمات دولية تضغط علينا لإقرارها لئلّا تضيعَ علينا، ودفع مستحقات الدولة والرواتب للموظّفين والإنفاق العام على المشاريع والتنمية وسوى ذلك. وإذا تأخّرَ إقرار كلّ هذا سيَقع ضرَرٌ كبير علينا جميعا».
وأملَ سلام في «أن لا يُقصّرَ أحدٌ من القوى السياسية في استدراك الوضع وتفادي الذهاب إلى مزيد مِن التشنّج، خصوصاً أنّ الاعتراضات التي يُبديها بعض القوى ليست بالحجم الذي يَستأهل مواجهةً سياسية أو وطنية كبرى.
ولذلك إذا كان هناك مِن شيء مطلوب الآن، فهو التضامن الوطني والوحدة الوطنية والنيّات الصادقة لتحصين البَلد في مواجهةِ الأخطار والاستحقاقات الكبرى». وشَدّدَ على أنّ «الشللَ في السلطتين التشريعية والتنفيذية لن يحقّق شيئاً لا لهذا الفريق ولا لتلك الطائفة، فالضَرر سيقع على كلّ الطوائف والقوى السياسية، ولا يَستطيع أحد أن يدّعي أنّ الضرَر واقعٌ عليه وحدَه».
وتمنّى سلام «أن لا يطولَ هذا الوضع وأن يُعطى كلّ ما يستحقّه مِن متابعة واهتمام»، وقال: «مِن جهتي لن أقَصّرَ في أيّ دَور أو موقف يساعد على الحلّ، عِلماً أنّني لن أتخلّى عن الأمانة حتى لا نقعَ في مزيد من الفراغ والشَلل».
عون
في غضون ذلك، قال عون لحشودٍ شعبيّة أمَّت دارتَه في الرابية: «ستَسمعون كثيراً من الدعايات التي قد تؤثّر على مختلف فئات الشعب اللبناني. إذ سيَتكلّمون عن أموالٍ يريدون صرفَها للمزارعين أو الصناعيّين أو غيرهم، لمساعدتهم في مشاريعهم، إلّا أنّهم لا يقولون هذا الكلام إلّا لحَضّكم على الاعتقاد بأنّنا نُعرقل القرارات التي تُسَيّرُ أمورَ الشعب اللبناني. نحن اليوم معترضون سياسياً، وقد نَصل إلى مرحلة الاعتراض شعبياً، ولذلك قد نُضطرّ إلى استدعائكم في تلك اللحظات الحاسمة لتكونوا موجودين إلى جانبنا».
المشنوق
إلى ذلك، رفض وزير الداخلية نهاد المشنوق الحديث عن وجود الحكومة خارج الخدمة بَدءاً من الأسبوع الطالع. وأوضَح في حديث تلفزيوني، أنّ عدمَ دعوة سلام إلى جلسةٍ هذا الأسبوع مرَدُّه إلى «أنّه يريد تَركَ الباب مفتوحاً أمام معالجات سياسية، ولكن عملياً لا يمكنه أن يستمرّ في عدم الدعوة لمجلس الوزراء، وبناءً عليه يُحَدّد كلّ طرف سياسي موقفَه بالحضور أو عدمِه».
وأكّد أنَّ سلام «غيرُ راغب في أزمة مباشرة وسريعة، وفضَّلَ أن يترُكَ الاتصالات سياسية بينَه وبين جميع الأطراف وبين مساعٍ يمكن أن يقوم بها الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط تَفتح المجال أمام معالجات من نوع مختلف»، موضحاً أنّه «لا يحقّ دستورياً لأيّ مِن الوزراء تحديد جدوَل الأعمال أو حصر المناقشات ببندٍ دون غيره».
وأوضَح أنَّ «النقاشَ الدائر حاليّاً يتعلق بتعيين قائد للجيش ولا يتعلق بحقوق المسيحيين أو اضطهادهم أو وجودهم»، وقال: «كلام الوزير باسيل، أنّ وجودنا يتعرّض، هو كلام خارج السياق السياسي والعَقلاني والحكمة والوعي»، سائلاً: «هل وجود المسيحيين في لبنان معلّق على تعيين قائد جيش يوافق عليه «التيار الوطني الحر»؟». وشَدّد على «أنّهم لا يمثّلون إلّا ما يمثّلون، لا يمكن أحَد إلغاء الآخر، فهم ليسوا نصفَ البَلد ولا ثلاثة أرباع الدولة.
وهم يمثّلون جزءاً كبيراً جدّاً من التمثيل المسيحي، لكنّ هذا ليس مسألةً وجودية». وسأل: «أليس العماد قهوجي مسيحيّاً ويمثّل المسيحيين؟ أو أنّ المسيحي حصريّ بالمنتمين إلى «التيار الوطني الحر»؟ وفي المناسبة العميد شامل روكز ليس منهم، أنا لا أعتبره حزبياً، لكن هذا تعريض وإهانة لقيادة الجيش لا نوافق عليه».
وأكّدَ «أنّنا لا نوافق على البحث في تعيين قائد جيش تحت أيّ ظرف من الظروف قبل انتهاء التمديد في أيلول». وجزمَ بـ»أن لا حقّ حصريّاً للمسيحيين، والعماد قهوجي كغيره مسيحيّ، «إذا ما أكتر من غَيرو»، والتيّار الوطني الحر والجنرال يمثّلون نسبةً عالية من المسحيين، إلّا أنّ هذا «الخطر الوجودي» كلام كبير جدّاً لا يُعبّر لا عن الواقع ولا عن الأزمة في المنطقة. وهو لا يحقّ له طرح تعيين قائد الجيش، لأنّ قائدَ الجيش موجود».
قزّي
وفي المواقف، أوضَح وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «أنّ الوزراء لم يتبَلّغوا أن لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، وعدمُ انعقادها يستلزم تشاوراً بين رئيس الحكومة والوزراء، لأنّهم ليسوا تلاميذ مدارس، بل هم قِوى سياسية يَعملون على أساس انتظام العمل الحكومي، ونحن كفريق سياسي نتمنّى أن ينعقد المجلس هذا الأسبوع، ليعرفَ الرأي العام مَن يريد لهذه الدولة أن تقف على رجليها ومَن يريد أن يُرَكّعَها».
وعن إعادة طرح آليّة العمل الحكومي، قال قزي: «نحن مع استمرار العمل في الآليّة الأساسية، والتساهل الذي برزَ في الأشهر الأخيرة أثبَت عدمَ جَدواه، وتبيّنَ أنّ التعطيل لا يتعلق بنوعيّة الآلية الحكومية وإنّما بالقرار السياسي».
وأشار إلى أنّ وفداً من «اللقاء الوزاري التشاوري» سيَزور سلام في الساعات الـ 24 المقبلة «ونحن على تواصُل دائم معه وندعَم موقفَه الصامد أمام شتّى التحدّيات، ونتمنى عليه أن يدعو إلى جلسة قبل الخميس ليضعَ الجميع أمام مسؤوليّاتهم».
وردّاً على سؤال، قال قزّي «إنّ على القوى السياسية أن لا تتعاطى مع شؤون الناس من منظار 8 و14 آذار ولا مِن منظار الانتخابات الرئاسية والتعيينات العسكرية والأمنية، ولا من منظار النزاع السنّي ـ الشيعي أو النزاع العربي ـ الإيراني، بل من منظار حقّ الناس في الطبابة والمأكل والمشرَب».وتساءَل: «كيف لقوى سياسية انتخبَها الشعب أن تنتقمَ منه بعدم إقرار البنود التي تُسَيّر حياتَه اليومية؟».
درباس
من جهته، لاحظَ وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وجودَ ميلٍ لدى رئيس الحكومة للترَيّث في دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ سياسة رئيس الحكومة معروفة، وهي سياسة الاستيعاب وليس سياسة ردّة الفعل، فهو ليس مَن يعطّل، بل فئة معيّنة تحاوِل التعطيلَ لمعرفة إلى أين سيوصِل هذا التعطيل، فإذا كان ما تَطلبه ليس في متناوَل اليد، فماذا نفعل؟ هل نعطّل البَلد؟».
وشَدّد درباس على «أنّ محاولة البعض الضغطَ على الحكومة مضِرّ للبَلد وغيرُ مُجدٍ ولا يُفضي إلى أيّ نتيجة، بدليل أنّ الوزراء الثمانية الذين اجتمعوا في منزل الوزير بطرس حرب ربَطوا تعيينَ قائد الجيش بانتخاب رئيس الجمهورية، فهؤلاء بمفردِهم عطّلوا نصابَ التعيين».
جنبلاط عند برّي
وكان جنبلاط زار مساء أمس عين التينة يرافقُه الوزير وائل أبو فاعور والنائب غازي العريضي. وقال بعد لقائه برّي: «يتأسّف المرء لأنّ بعض الخلافات الداخلية التي آملُ أن تَتذلّل، تُعطّل على لبنان فرَصاً تاريخية ومنها تمويل البنك الدولي لمشاريع ضخمة ولمشروع حيويّ ألَا وهو سَد بسري».
وأضاف: «يدرك الرئيس برّي أهمّية هذه المشاريع، وسنحاول معاً كما كنّا في الماضي وسنَستمر، أن نُذلّلَ بعض العقبات السياسية بغيةَ تَثبيت الاستقرار، وهذا هو الهَمّ الأكبر للرئيس برّي، ومحاولة أن نَصلَ معاً إلى ما يسمّى تشريع الضرورة.
ولكي يمرّ السدّ وهذه المشاريع ومشاريع أخرى تتعلّق بكافة المناطق اللبنانية لا بدّ من تشريع الضرورة، أي أن يعقدَ مجلس النواب، هذا كان الموضوع العام. وسنَبذل معاً كلّ جهد للحفاظ على لبنان، لبنان الذي نَستطيع أن نحافظ عليه على رغم من أنّ النار تحرقُ كلّ شيء في المحيط، لكن معاً سنحافظ عليه».
تحَرّك فرنسي ـ أممي
ومِن جهةٍ ثانية، وفي ظلّ التأزّم السياسي الحاصل وانسداد الأفُق أمام إنجاز الاستحقاق الرئاسي تنشَط فرنسا والأمم المتحدة مجدّداً لتذليل العقد أمام انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وفي هذا السياق، علمَت «الجمهورية» أنّ الديبلوماسية الفرنسية ستُجري مزيداً من الاتصالات هذا الأسبوع مع كلّ مِن الرياض وطهران قبل عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو إلى بيروت مجدّداً نهاية الشهر الجاري، عِلماً أنّه كان غادرَها الجمعة الماضي بعدما التقى كلّاً مِن برّي وسلام ووزير الخارجية جبران باسيل.
ويتناغَم الحراك الفرنسي مع حراك آخر للأمم المتحدة، حيث أجرَت المنسّقة الأممية في لبنان سيغريد كاغ محادثات مع عدد من المسؤولين في كلّ مِن الرياض وطهران تناوَلت التطوّرات العامّة وسُبلَ الدفع قدُماً في اتّجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
هيل وباولي
على صعيد آخر، علمَت «الجمهورية» أنّ السفير الأميركي ديفيد هيل سيغادر لبنان لمدّة أسبوعين تحضيراً لالتحاقه بمركزه الجديد في باكستان في الأشهر القليلة المقبلة. وفي الموازاة، عُلِم أنّ السفير الفرنسي باتريس باولي سيَبقى في لبنان حتى أواخر آب، على أن يحلّ مكانَه السفير الجديد ايمانويل بون مطلعَ أيلول المقبل.
مصدر عسكري رفيع
أمنياً، تواصَلت المواجهات العسكرية في جرود عرسال بين «حزب الله» والمسلحين المتطرّفين. وفيما تحدّثَت معلومات عن وصول مسلّحين فارّين إلى مخيّمات النازحين في عرسال للاختباء فيها، نَفى مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أن «يكون عددٌ منهم قد فرَّ من الجرود وخَرقَ الطوقَ الأمني الذي يفصل به الجيش عرسال عن جردها، ودخل البلدةَ أو مخيّمات النازحين»، لافتاً إلى «وجود مخيّمات في الجرود لا تقع تحت السيطرة الأمنية اللبنانية». وأوضَح أنّ «الدوريات التي نفّذَها الجيش في بلدة عرسال تأتي في سياق المهمّة التي يقوم بها، قبل قرار الحكومة الأخير وبعدَه، وهي مستمرّة بغيةَ فرضِ الأمن في البلدة وحمايتها».
من جهة ثانية، أكّد المصدر «أنّ مشاركة قائد الجيش العماد جان قهوجي في اجتماع دوَل التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في قطر، تأتي في سياق أنّ لبنان من الدوَل التي تحارب «داعش» والإرهاب، على رغم أنّه لم يشارك عسكرياً في هذا التحالف»، موضحاً «أنّ الجيش اللبناني كانت له استراتيجية خاصة في منعِ تمَدّد الإرهاب ويُعتبر لبنان البلد الوحيد في المنطقة الذي هزَم «داعش».
الراعي في دمشق
إلى ذلك، يواصِل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارتَه الرعوية والكنَسية إلى دمشق، وهو استهَلّها أمس بقدّاس إلهي ترَأسَه في كاتدرائية مار أنطونيوس في المطرانية المارونية في باب توما في دمشق.
وطالبَ باسمِ بطاركة أنطاكيا الخمسة، بـ»رفعِ الظلم عن شعوبنا، وبالسلام، وبإيقاف الحرب بالحلول السياسية، وبعودةِ النازحين مكرَّمين إلى بيوتهم وديارهم»، منَدّداً بـ»الظلم، وبموت الضمير العالمي، وبجميع الذين يمدّون بالسلاح والمال من أجل التخريب والتدمير والقتل والتهجير».