لا يكاد ضوء، ولو كان خافِتاً، يظهر في النفق الانتخابي ويُشعر اللبنانيين بأنّ البلد بدأ المشي في اتجاه توافق ما على قانون جديد، إلّا وينطفىء مجدداً، وتعود الامور الى نقطة العتمة، والدوران مجدداً في متاهة التناقضات والصيغ الانتخابية المتضاربة، لتنقل البلد من جديد الى مدار التشاؤم وانعدام ايّ بارقة أمل في تجاوز هذا النفق. وكأنه لا يكفي المواطن اللبناني هذا الاشتباك الانتخابي المفتوح، لتنبت على حافته أزمة كهربائية معقدة ومفتوحة على شتى الاحتمالات، خصوصاً بعدما صعق ملف الكهرباء العلاقات السياسية، ووصلت شراراته الى الحكومة مع تغطية رئيسها سعد الحريري موقف وزارة الطاقة، ووصوله الى حد القول في مجلس الوزراء: «أنا ما فيي كمّل هيك» واذا كنّا غير قادرين على حل مسألة الكهرباء فما فائدة هذه الحكومة؟
إنتخابياً، على رغم ايجابية النقاش الانتخابي في اللجنة الوزارية برئاسة الحريري في السراي الحكومي، الا انه لم يتمكن من فتح خطوط التفاهم بين القوى السياسية والتوفيق بين الصيغ المتضاربة، بل انّ هذه الايجابية النظرية نفسها سرعان ما تبخرت جرّاء أجواء التشنج، وإن كانت غير معلنة، المتفاقمة ما بين بعبدا وعين التينة، وخصوصاً على الملف الانتخابي.
وكان لافتاً للانتباه في هذا السياق موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الصادر أمس، غداة موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تبنّى فيه المشروع التأهيلي، حيث قال بري: «ليس المطلوب الانتقال من سجن سيئ الى سجن أسوأ. من قانونِ الستين الى قانون طائفي، فاللعب بالطائفية لا يعني انّ الطوائف لعبة والوطن ملعب».
وفي وقت استمرت المشاورات الثنائية بين القوى السياسية، وخصوصاً على خطّي عين التينة ـ بيت الوسط، وكذلك بين «التيار» و«القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، لم تلغ مصادر مواكبة للاتصالات الانتخابية احتمال عودة اللجنة الوزارية الى الانعقاد مجدداً في الايام المقبلة، في وقت أكدت مصادر رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» انّ الثابت الاساس الذي يتحرك من خلاله الرئيس الحريري هو تأكيد التوافق الذي لا سبيل غيره للخروج من الازمة الراهنة، وهو ما عادت وشدّدت عليه كتلة تيار «المستقبل» في اجتماعها أمس.
وفيما نقل عن وزير الخارجية جبران باسيل أمس تأكيده التمسّك بالخيار التأهيلي كخيار ثابت، أي ان يكون ملازماً لأيّ صيغة للقانون النسبي ايّاً كان شكل الدوائر، وسطى او موسّعة، كان مدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري يؤكد من جهته انّ «التأهيلي صار بحكم المنتهي بعد اعتراض قوى وازنة في البلد عليه لا يمكن تخطّيها».
واذ أشار الحريري الى انّ الامور غير مُقفلة، كشف انّ طرحَ الرئيس بري مُتقدم، لكن تبقى نِقاط كمجلس الشيوخ تحتاج الى درس ووقت، لافتاً الى انّ الجميع موافق على ان يكون الصوت التفضيلي في القضاء وفق صيغة رئيس المجلس. الّا انّ الحريري اشار الى انّ الوزير باسيل ما زال معترضاً على هذا الطرح ويرفض النقاش فيه حتى من حيث المبدأ.
على انّ اللافت ما أشارت اليه الـ«أو تي في» الى «انّ التيار الوطني الحر لا يزال متمسّكاً بالتأهيلي، الّا انه لا يعارض مبدئياً طرحَ بري، اذا تمّ حَسم النقاش في مسألتي الدوائر ومجلس الشيوخ. وقالت انّ التيار يعمل في الوقت نفسه على طرحٍ يقوم على النسبية في 15 دائرة، مع إبقاء الصوت التفضيلي في القضاء، إضافة الى شروط في طريقة احتساب الفائزين.
«التيار»
وفيما بدا انّ موقف بري أمس، جاء رداً على طرح رئيس الجمهورية حول التأهيل والضوابط، حرص فريق رئيس الجمهورية على الّا يعتبر نفسه معنياً بكلام بري، بل هو معنيّ بما اكد عليه الرئيس عون لناحية وجوب وضع الضوابط ومنها التأهيل لوصول الأكفّاء الذين يمثلون طوائفهم، مع الانفتاح على أي طرح يحقق هذا الهدف».
وقالت مصادر بارزة في «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» إنها لا تشعر بأنّ كلام بري «موجّه الينا، لأننا لسنا معنيين بالطائفية»، مؤكدة انه «ليس هناك قانون طائفي بل هناك ممارسة طائفية، و«التيار» لا يمارس طائفياً بل وطنياً، لكنّ المطلوب من الجميع هو أن يمارسوا وطنياً ايضاً».
واستغربت المصادر «الاتهامات التي تُرمى جزافاً على «التيار» بأنه يعرقل جرّاء تمسّكه بالقانون التأهيلي»، وقالت: «هذه اتهامات خاطئة، لم نقل يوما اننا نتمسّك بطرح انتخابي، بل نتمسّك بالميثاقية والشراكة وبتصحيح الخلل على المستوى المسيحي الوطني وهذا لا يُسيء لأحد».
ومن جهة ثانية، حرصت المصادر على التأكيد «انّ التفاهم مع «حزب الله» هو تفاهم وطني يتخطى الخلاف على بعض الملفات»، وانّ العلاقة مع «القوات اللبنانية» استراتيجية، فما توصّلنا اليه معها يتخطى الاختلاف على ملفات وعلى جزئيات لها علاقة بموضوع معين، نحن متفقون على تعزيز الشراكة الوطنية في النظام وعلى تصحيح التمثيل، وعلى الدولة التي يجب ان يكون لها حضور قوي وعلى أدائها الذي ينتظم تحت سقف القوانين، واي اختلاف يحصل بيننا يحلّ بالوسائل الديموقراطية، لكن مع ضرورة الانتباه من ان يتحوّل اي خلاف الى مادة للتشهير وللاستغلال السياسي او الحملات ضد «التيار» او «القوات» يستفيد منها خصوم الطرفين وتساهم باستهداف الوحدة المسيحية».
أزمة البواخر
من جهة ثانية، وفيما غاب الملف الانتخابي عن مداولات مجلس الوزراء في جلسته في السراي الحكومي، أمس، الّا انّ ملف الكهرباء كان الحاضر الابرز، الى جانب ملف الكسّارات الذي فجّر اشتباكاً كلامياً بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير البيئة طارق الخطيب.
ولوحظ في هذا المجال مجاراة الحريري لمنطق وزير البيئة. وايضاً ملف الاتصالات الذي يبدو أنه مرشّح للدخول في أزمة، خصوصاً بعد تساؤلات أثارها وزراء «القوات اللبنانية» حول مناقصة يجري إعدادها في هذا القطاع.
وقالت مصادر وزارية انّ باسيل أثار ملف الكهرباء، متسائلاً أين أخطأ وزير الطاقة؟.
وقالت أيضاً انّ بعض الوزراء أثاروا موضوع عدم العودة في دفتر الشروط الى مجلس الوزراء، فقال الوزير باسيل انّ وزير الطاقة ينفّذ قراراً للحكومة السابقة، فيما أشار وزراء آخرون الى انه في الجلسة التي أقرّت فيها الخطة طالب الوزراء بإضافة بند على دفتر الشروط الذي وضع في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فأضيف البند لكن لم يطلب أحد العودة في موضوع دفتر الشروط الى مجلس الوزراء. امّا البند الذي أضيف فهو زيادة إمكانية التمويل على دفتر الشروط الموجود أليس معناه الموافقة على دفتر الشروط الموجود عندما يطلب اليه زيادة إمكانية التمويل؟
الحريري
ولفتت بعد ذلك المرافعة التي قدمها الحريري حول توجّه وزارة الطاقة، مُتبنياً المنحى الذي تسلكه في هذا الإطار. وبلغ الحريري في كلامه حدّ الجزم بوجوب معالجة الملف الكهربائي في السياق الذي تسلكه وزارة الطاقة حالياً، وخاطب الوزراء صراحة منتقداً طريقة التعاطي مع هذا الملف خارج مجلس الوزراء، وقال: «هنا مجلس الوزراء، وعلى هذه الطاولة تُدار كل المواضيع، ومن لديه اعتراض فليقدّمه هنا».
وبحسب المصادر، فإنّ الحريري أكد انّ التضامن الوزاري هو المطلوب، ومن غير المقبول إطلاق الاتهامات والاعتراضات خارج مجلس الوزراء فـ«هذه مش طريقة، وهذا مش شغل وأنا ما فيي كمّل هيك… بَلّغوا مرجعياتكم السياسية وعودوا إليّ بالجواب… وإننا كحكومة إن لم نستطع ان نعالج هذا الملف، فما الفائدة من هذه الحكومة؟ وانا لا اريد حكومة كيفما كان». حتى انه ذهب الى القول إنني أستغني عن رئاسة مجلس الوزراء اذا استمر الاعتراض على ملف الكهرباء.
مصادر «الطاقة»
وأوضحت مصادر وزارة الطاقة لـ«الجمهورية» انّ الوزير سيزار ابي خليل سيرفع التقرير الذي سيصدر عن فَضّ العروض الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، علماً انه لم تستبعد ايّ شركة من المناقصة. وقالت المصادر: «إننا نريد الكهرباء بسرعة وبكلفة متدنية على الدولة والمواطن، وهذا ما نعمل له، خصوصاً انّ ما يطرح في المؤتمرات الصحافية هو من باب المزايدات السياسية».
يشار في هذا السياق الى انّ الجلسة عقدت في وقت يشهد الملف الكهربائي تورّماً ملحوظاً جرّاء الانقسام في الموقف حيال المنحى الذي تسلكه وزارة الطاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة وفريقيهما من جهة وبين «القوات اللبنانية» من جهة أخرى، وكذلك رئيس مجلس النواب الذي ذهب الى حَد وصف «أيّ صفقة لا تمرّ بدائرة المناقصات بالصفقة المشبوهة»، وايضاً «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط.