Site icon IMLebanon

مانشيت:«توتّر دستوري» على حلبة الصلاحيات والقانون رهن «الفرصة الأخيرة»

المشهد الداخلي مشحون سياسياً ودستورياً، والمناخ الإيجابي الذي ظهر على السطح في الفترة الأخيرة يبدو أنّه تَوارى خلف تصادمِ الصلاحيات وتفسيرات دستورية متناقضة حول فتحِ الدورة الاستثنائية ومن هو صاحب الصلاحية في هذا الفتح. وأمّا القانون النسبي المطروح كمخرج بدوائره الـ 15، فجامد في مكانه من دون أيّ تقدّم يُذكر على صعيد الاتصالات التي يقال إنّها جارية، فيما هي غير مرئية، بينما العقدة الأساس ما زالت كامنة في الخلاف المستحكم على نقلِ المقاعد من منطقة إلى أخرى، والذي قد يشكّل رصاصة الرحمة في رأس هذا القانون.

البارز في الساعات الماضية كان الحديث المتجدد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن إمكان ولادة القانون الانتخابي الجديد قبل نهاية ولاية المجلس في 20 حزيران المقبل.

وهو الامر نفسه الذي اكّد عليه رئيس الحكومة سعد الحريري مساء امس بقوله: «عندما اقول انّنا سنصل الى قانون للانتخابات يعني انّنا سنصل الى قانون للانتخابات، وقد اصبحنا قاب قوسين من التوصّل الى ذلك».

الدورة الاستثنائية

اللافت انّ رئيس الجمهورية لم يتطرق امام زوّاره الى الدورة الاستثنائية إنْ حول سببِ التأخّر في فتحها او حول ما إذا كان سيصدر مرسوم فتحِها، او موعد إصدار هذا المرسوم، فيما لوحِظ انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري رَفع من سقف خطابِه ضد ما سمّاه الهجوم المستغرب الذي تعرّضَ له من «التيار الوطني الحر» على خلفية تحديدِه موعد الجلسة التشريعية في 5 حزيران المقبل، مستغرباً تصويرَ خطوتِه هذه وكأنّها افتئات على صلاحيات رئيس الجمهورية.

فيما رأيُ رئاسة الجمهورية مناقض لموقف بري، إذ تحيل الجميع إلى المواد 31 و32 و33 من الدستور والتي هي شديدة الوضوح حول كيفية فتحِ الدورة، ومن هو صاحب الصلاحية بذلك، وبالتالي لا اجتهاد امام النص.

قريبون من بعبدا

وفي هذا السياق، اكّد قريبون من قصر بعبدا لـ»الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «اعلن من اللحظة الاولى انه اذا انقضى العقد العادي لمجلس النواب من دون اقرار قانون انتخاب فهو جاهز لتوقيع مرسوم دورة استثنائية حتى 20 حزيران لإقرار قانون الانتخابات حصراً، وبالتالي هذا أمر محسوم ومعروف، لكن ذلك يجب ان يتم وفق الدستور والاصول. والدستور واضح في المواد 31 و32 و33 حيث يحدّد كيفية فتح الدورة، وبدايتها ونهايتها وجدول اعمالها».

ولذلك، اضاف القريبون من بعبدا، «فإنّ أيّ تحديد لأي جلسة من خارج هذه الاصول يُعدّ باطلاً ومخالفاً للقانون والدستور، بحسب نصّ المادة 31. والمرسوم يصدِره رئيس الجمهورية بعد الاتفاق مع رئيس الحكومة، وجدول اعمال العقد الاستثنائي يحدّده مرسوم فتح الدورة وليس أحد آخر. ورئيس الجمهورية مؤتمن على الدستور وأقسَم بالحفاظ عليه وسيطبّق هذه المواد ولا يمكن ان يخرج عنها او يسمح بالخروج عنها».

وهل دخَلنا في كباش واجتهادات دستورية؟ أجاب هؤلاء:» لا كباش ولا اجتهادات، الدستور واضح ويجب تطبيقه، والنص واضح، وبالتالي لا اجتهاد في موضع النص. لذلك وجبَت قراءة المواد 31 و32 و33 الواضحة وضوح الشمس ولا تحتاج لا الى تفسير او الى اجتهاد، ورئيس الجمهورية سيطبّق هذه المواد حرفياً».

وتعليقاً على المؤتمر الصحافي للرئيس بري، اوضَح القريبون من بعبدا «انّ المهم هو ما ختم به المؤتمر، إذ اكّد انه يمكن انّ هناك محاولات للإيقاع بينه وبين رئيس الجمهورية، وأنّ ما قبل الانتخابات ليس كما بعدها والباقي خاضع للدستور. وأمّا في السياسة فإنّ للكلام هوامش كبيرة، وأمّا الدستور فليس له هوامش بل هو نصّ واضح وصريح».

ولاحَظ القريبون من بعبدا «انّ الغريب في هذا التطور الذي حصل هو انّه أتى فوراً بعد كلام رئيس الجمهورية بأنّ الاتصالات متقدّمة لكي يبصر قانون الانتخاب النور قبل 20 حزيران المقبل».

وحول نقلِ المقاعد النيابية، لفتَ القريبون من بعبدا الانتباه الى «أنّ رئاسة الجمهورية لم تتعاطَ بهذا الموضوع، بل هو متروك للقوى السياسية. وإن كان البعض يتفهّم بعض القوى بالعودة الى اساس الطائف وتخفيف الطائف من اعباء زمن الوصاية».

توتّر دستوري

الواضح انّ هذه الاجواء التي استجدّت بالامس، تنفّس المناخ التفاؤلي الذي ساد في الساعات الاخيرة، وتضعِف احتمال بروز ايجابيات جدّية تؤسس لولادة سريعة للقانون النسبي، ذلك انّ البلد عاد ليتأثّر بـ»التوتر الدستوري» الذي اشتعل فجأةً بين بعبدا وعين التينة، الذي يبدو انّه مفتوح على محطات اشتباكية اخرى، ما يعني زيادة منسوب التوتر، الامر الذي يجعل من الايام الـ 20 المتبقية من عمر الولاية المجلسية اياماً شاقة سياسياً ستقود الى واحد من اتجاهين: إمّا نحو حلّ نهائي عبر قانون انتخابي يرسّخ الاستقرار السياسي، وإمّا نحو الأسوأ بعد 20 حزيران.

إلّا أنّ مصادر عاملة على خط الاتصالات لم تقطع شعرةَ الامل في تجاوزِ هذه الأزمة، بل إنّ المعركة الجانبية التي فُتحت على هامش القانون، لم تلغِ مناخ التفاؤل بالكامل، بل إنّ الامل ما يزال موجوداً، والرهان يبقى على الحركة التي يمكن ان يقوم بها النائب جورج عدوان مع القوى السياسية، خصوصاً اتصالاته مع «التيار الوطني الحر»، وكذلك مع بري وسائر القوى الحليفة له، وتحديداً «حزب الله»، الذي يبدو جليّاً أنه يتبنّى موقف بري في هذه الفترة.

إلّا انّ المصادر تعترف بأنّ مهمة عدوان قد تكون شاقة جداً، وإمكانية تحقيق خرقٍ صعبة جداً تبعاً للمواقف المتصلبة للقوى السياسية كلها. فـ»التيار الوطني الحر» ومعه «القوات اللبنانية» يصرّان على وضعِ الضوابط للقانون وكذلك تضمينه الإصلاحات التي تؤمّن تحقيقَ سلامة التمثيل وصحته للمسيحيين، ويأتي نقلُ المقاعد من امكنةِِ فرَضتها الوصاية السورية الى امكنتِها الطبيعية. فيما يقابل هذا الإصرار بإصرار مقابل من بري وحلفائه على رفض خطوة نقلِ المقاعد حتى ولو ادّى ذلك الى تطيير القانون.

وفيما تخلو روزنامة القوى السياسية من مواعيد محدّدة لاستئناف الاتصالات، لم تستبعد مصادر مواكبة لحركة عدوان ان يبادر الى استئناف اتصالاته على الخطوط كلها، وبالتالي التحرّك مجدداً نحو عين التينة والسراي الحكومي وبعبدا و»التيار الوطني» الذي قالت اوساطه إنّ موقفاً مهمّاً سيصدر عنه اليوم ربطاً بالتطورات الاخيرة.

ووصَفت المصادر هذه الاتصالات بالفرصة الاخيرة التي لا بدّ لها ان تُنتج تفاهماً ولو في اللحظة الاخيرة، وهذا يفترض بالدرجة الاولى ألّا تصطدم بطروحات من هنا وهناك، تنطوي على شيء من التعجيز، الامر الذي يعزّز احتمالات الفشل، وتجنّبُ هذا الاصطدام يوجب بداية سلوكِ الاطراف جميعها طريقَ التنازلات المتبادلة، لتؤدّي الى قانون جديد لا تنحصر فائدته بتعزيز سلامة التمثيل وصحته، بل بتعزيز الاستقرار السياسي الذي يعاني من هشاشة كبيرة في هذه الايام.

«القوات اللبنانية»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ التقدّم الذي حصل انتخابياً غيرُ مسبوق لجهة إنجاز التوافق السياسي على النسبية الكاملة وحجم الدوائر والصوت التفضيلي، فيما انتقل النقاش لبحثِ الأمور التقنية المتصلة باحتساب الأصوات، واستمرار البحث في مسألة نقل المقاعد بإخراجها من اللغط الحاصل أو التشويه المتعمّد، حيث إنّ «القوات» أحرصُ ما يكون على المسيحيين في الأطراف، والدليل انّ فكرة الاقتراح المختلط تستند إلى قاعدة أساسية، وهي تمكين الصوت المسيحي في الدوائر المختلطة، وتحديداً في الأطراف، من ان يكون مؤثّراً لا هامشياً ولزوم ما لا يلزم على غرار ما هو قائم وأدّى إلى تيئيس المسيحيين من سياسة المحادل والبوسطات وتغييبهم عن اختيار نوّابهم».

وتمنّت المصادر «عدم حرفِ النقاش عن التطور الأساس الذي نجَحت المقاربة القواتية في تحقيقه، والمتّصل بتجاوزِ الخلافات من أجل الوصول إلى مساحة مشتركة فعلية وللمرّة الأولى»، وحذّرت «من العودة إلى النقطة الصفر لأنّ المسافة الزمنية الفاصلة عن نهاية ولاية مجلس النواب لم تعد تسمح بتضييع الوقت وتمييع النقاش، خصوصاً أنّ الاتفاق السياسي الذي أنجِز على النسبية الكاملة وتفاصيلها بنسبة 90% يستحيل استنساخه على اقتراح آخر، ما قد يضع لبنان أمام احتمالات أسوأ من بعضها البعض».

ودعَت «القوات» إلى «عدم تضييع الفرصة التاريخية التي بَرزت مع التوافق الأخير، بل يجب التقاطها سريعاً وترجمتها بقانون تُجرى على أساسه الانتخابات، بما يصحّح التمثيل الوطني ويحقّق المساواة ويطبّق الطائف بشقّه الميثاقي ويقدّم جرعة إصلاحية ويحصّن الاستقرار ويعطي العهد زخماً استثنائياً وانطلاقة متجدّدة».