طويَت صفحة سلسلة الرتب والرواتب، وصارت على أهبة الدخول إلى حيّز التنفيذ بكلّ ما انطوَت عليه من أرقام وأعباء، وما شابها من مزايدات سياسية وانتخابية ومحاولات تجميل للضرائب التي حملتها، وعلى وجه الخصوص على الفئات الشعبية. وعاد المشهد الداخلي لينضبط تحت العناوين السياسية، وثقلِ الملفّات الضاغطة والقابعة في آخِر سلّمِ اهتمامات السلطة، في وقتٍ يبقى هاجس الحدود حاضراً في دائرة الرصد لِما قد يَطرأ من تطوّرات ميدانية ضد المجموعات الإرهابية في جرود عرسال التي لوحِظ أمس تكثيفُ الغارات السورية عليها.
لفتت الزيارة التفقّدية التي قام بها قائد الجيش العماد جوزف عون للقوى العسكرية المنتشرة في منطقة الطفيل وجرود بعلبك، سواء من حيث التوقيت الذي يتزامن مع الحديث المتزايد عن تطورات امنية وشيكة ضد الارهابيين في الجرود، او من حيث التوجيهات التي قدّمها للعسكريين لاتخاذ” كافة التدابير الميدانية لحماية البلدات والقرى الحدودية، وتأمين سلامة أهلها من أي خرق إرهابي”.
وأكدت مصادر امنية لـ”الجمهورية” انّ الزيارة الى الطفيل لا صلة لها بعرسال وما يُحكى عن تطورات محتملة، بل كانت لتفقّدِ فوجِ الحدود البري الرابع المنتشر في المنطقة، ولشَدّ عزيمة العسكر في حربهم الدائمة على الارهاب والحفاظ على لبنان ومنعِ المساس بأمنه واستقراره، ولتوجيه رسالة مباشرة الى أهالي تلك المنطقة “بأنّكم في حماية الجيش، وهو على جهوزية لردّ ايّ امرٍ عنكم”.
وبالتالي الجيش ليس معنياً بأيّ طرف يمكن ان يفتح معركة في الجرود، ومهمتُه الاساس كانت وستبقى المحافظة على ارض لبنان وسلامة اللبنانيين، وعلى اهالي عرسال في حال حصَل ايّ تطوّر امني، وسيَعمل على حماية عرسال وأهلِها ومنع تسلّل الارهابيين من المخيمات الى داخلها”.
وعكسَت المصادر ارتياح قائد الجيش لموقف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي عبّر عنه في الجلسة التشريعية، ووُصِف بأنه استكمال لموقفه السابق الذي اعلنَه خلال استقباله قائد الجيش اخيراً وتأكيدٌ على الغطاء الكامل للمؤسسة العسكرية في تنفيذ مهامِّها في محاربة الارهاب، مع تأكيد القيادة بأنّ الحرب على الارهاب ليست ضد ايّ مواطن وأي ّمدني أكانَ لبنانياً أو سورياً، بل هي استهداف ايّ ارهابي يحاول مسَّ الداخل وزعزعة الامنِ والاستقرار. هنا الجيش سيكون دائماً بالمرصاد لهؤلاء وسيواجههم ويمنعهم من تحقيق اهدافهم ومخططاتهم مهما كلّفه ذلك من تضحيات.
«السلسلة»… سلّة ضرائب
إذاً، صارت سلسلة الرتب وراءَنا بعد إقرارها، وإذا كانت قدّمت للموظفين ما يعتبرونه حقاً لهم من زيادات مقرونة بما سمّيت “إصلاحات”، فإنّها قدمت في المقابل سلّة ضريبية واسعة شملت ما اتُّفِق عليه في آذار الماضي، مع اضافة بنود اخرى تَسحب ما في جيوب المواطنين.
وشَملت السلّة الضرائبية قطاعات متنوّعة. فإضافةً الى زيادة الـ”TVA” من 10 إلى 11%، طاولت الضرائب الجديدة القطاع السياحي (زيادة على اسعار بطاقات السفر)، والعقاري، (رسم على عقود البيع، رسم على إنتاج الإسمنت)، والصناعي، (رسوم مقطوعة على المستوعبات)، والمصرفي والمالي، (رفع الضريبة على ارباح فوائد الودائع
من 5 إلى 7 %)، والمطعمي والفندقي (زيادات كبيرة على اسعار المشروبات الروحية)، وزيادات على قطاعات أخرى متنوّعة.
وفي المحصّلة، هناك إجماع من خبراء الاقتصاد على انّ هذه الضرائب ستنعكس على كلّ مفاصل الاقتصاد، وستؤدي الى ارتفاع الأسعار وتراجع قدرة المواطن الشرائية. ويرى هؤلاء أنّ هذه الخطوة ستساعد الشركات غير الشرعية التي تتهرّب من دفع الضرائب ولا تملك رقماً مالياً، حيث ستزدهر اعمالها على حساب المؤسسات الشرعية.
كذلك سيسهم رفع “TVA” في زيادة عدد الشركات الإسمية التي تؤسسها الشركات التجارية بهدف تحقيق رقم أعمال لا يفوق الـ 100 الف دولار والتهرّب من دفع الضريبة.
ويؤكّد الخبراء انّ الضريبة على ارباح الودائع المصرفية لا تستهدف فقط الطبقة الغنية واصحابَ رؤوس الاموال، بل ستُطاول كافة شرائح المجتمع والحسابات المصرفية للمواطنين، خصوصاً الذين قبضوا تعويضات وأودعوها في المصارف ويعتاشون من فوائد تلك الحسابات.
والأخطر من ذلك فإنّ رفعَ الضريبة على الودائع المصرفية سيؤثّر على التدفّقات المالية الى لبنان، والتي تُستخدم لتمويل الدين العام، حيث إنّ أيّ تراجُع أو غياب للتدفّقات المالية سيترجَم ارتفاعاً في اسعار الفوائد على سندات الخزينة.
الجلسة
وانتهت مجريات اليوم الثاني من الجلسة التشريعية إلى إقرار السلسلة مع سلّة الضرائب والرسوم التي أعطيَت عنوان مداخيل لتمويل كلفة السلسلة التي زادت عن 1200 مليار ليرة. ورُفِعت الجلسة الى موعد يتحدّد بعد عودة الحريري من زيارته الاميركية، لاستكمال درس وإقرار سائر بنود جدول الاعمال.
وساد الجلسة نقاشٌ مستفيض حول الضرائب بين معارض ومؤيّد لها. وأُقِرّت باعتراض نواب حزب الكتائب وتحفّظ “اللقاء الديموقراطي”.
وأدار رئيس مجلس النواب نبيه بري النقاش انطلاقاً ممّا وصفه حِرصين: حِرص على مالية الدولة وحِرص على إعطاء الحق المزمن للمستفيدين عبر إقرار السلسلة، موضحاً “أنّنا لا نفرض ضرائب على الطبقات الوسطى والفقيرة، وما لُحظ من ضرائب على قطاعات اخرى سيَدخل الى خزينة الدولة لتنفيذ مشاريع”.
خليل
وقال وزير المال علي حسن خليل لـ”الجمهورية”: “السلسلة راعت مختلفَ مطالب المستحقّين في القطاعات العسكرية والادارية والاساتذة، وعالجَت خللاً متراكماً منذ سنوات، وأجابت عن اسئلة وهواجس اثيرَت خلال النقاش حولها منذ 5 سنوات، وأرسَت قاعدةً لمعالجة الرواتب مستقبلاً، من خلال زيادات وفقَ غلاء المعيشة بشكل سنوي. وكان هناك حِرص على تأمين توازن بالواردات يَحمي الاستقرار المالي والنقدي.
وللمرّة الأولى منذ عقود تُدخل ضرائب على الشركات الكبرى، والتحسين العقاري، وأرباح المصارف، وفرض الغرامات على المخالفات على الاملاك البحرية، وهذه خطوات لم تستطع كلّ المحاولات الماضية تحقيقَها.
وتضمَّنت إعادةَ تصويب للنظام الضريبي، وتحمّل القادرين اعباءً للتخفيف عن الطبقات الفقيرة. ما أُقِرّ إنجاز متكامل يؤكّد القدرة على إنجازات تَحفظ مصالح المواطنين والدولة على حدّ سواء”.
الجميل
وقال رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل لـ”الجمهورية”: “إقرار الضرائب صفقة جديدة من صفقات اهلِ السلطة الذين تجاوزوا فيها الدستورَ وآليات العمل المؤسساتي”. واعتبَر أنّ الضرائب التي اقِرّت “مخالفة للدستور شكلاً ومضمونا، وهي لم تُقرّ لتمويل السلسلة وإنّما لتمويل الخزينة بما يسمح للوزراء بصرف المداخيل الجديدة لتمويل الانتخابات المقبلة”.
وأوضَح مصدر كتائبي مسؤول أنّ الجميّل “سجّل اعتراضَه في الجلسة وأعلنَ عن قرار الحزب الطعنَ بقانون الضرائب امام المجلس الدستوري”. وكشفَ المصدر “انّ فريقاً من حقوقيّي الحزب باشَر دراسة مضمون الطعن الذي يَستند الى مخالفة التصويت للمادة ٣٦ من الدستور وللنظام الداخلي لمجلس النواب اللذين ينصّان على التصويت العلني بتلاوةِ الأسماء وهو ما لم يحصل، بالإضافة الى عدد كبير من العيوب والمخالفات الدستورية”.
وأكّد انّه “فور انتهاء المعنيين من وضعِ الطعن سيُعرَض على النواب الآخرين لجمع 5 تواقيع إضافية عن تواقيع كتلة نواب الكتائب، على اعتبار انّ الطعن امام المجلس الدستوري يحتاج لـ 10 نواب”.
شهيّب لـ“الجمهورية“
وقال النائب اكرم شهيّب لـ”الجمهورية”:” أنا خائف على البلد. إعتمدنا في مقارباتنا للسلة وأكلافها موضوعية وشفافية، بعيداً من الخطاب الشعبوي والمزايدات، فالسلسلة بسقف 1200 مليار، وأكدنا تمسّكَنا بهذا السقف. في الاساس نحن نَستدين لنصرف، وسنستدين اكثر لنصرفَ اكثر بعد السلسلة”.
واضاف: “اليونان لديها أب اسمُه الاتحاد الاوروبي، ورغم هذه الأبوّة الضخمة سياسياً والغنية اقتصادياً وقَعت في عجز وما زالت فيه. أمّا لبنان فليس عنده أبٌ ولا أمّ ولا مصادر تمويل، فيا إخوان لا تستعجلوا، أيّ زيادة على الـ 1200 مليار يعني أنّنا ذاهبون الى مشكلة اقتصادية ومالية اكبر، ستنعكس سلباً على الوضع الاجتماعي الذي بدوره سينعكس سلباً على الوضع العام. من هنا تحفّظنا على الزيادات على الـ 1200 مليار وكنّا مع الرأي القائل أن تقَرّ الموازنة قبل السلسلة، موازنة واضحة المعالم”.
عون
وبدا جلياً أنّ أداء نواب تكتل “الإصلاح والتغيير” في الجلسة جاء منسجماً مع ما أكّده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون امس بأنه كان من الافضل إقرار الموازنة ومن بعدها السلسلة.
وقال النائب ألان عون لـ”الجمهورية” إنّ “التكتل” انطلقَ في النقاشات “من خلفية إقرار السلسلة بشكل أكيد، لكن مع إجراء كلّ التحسينات الممكنة كإعادة إنصاف المتقاعدين وكمحاولة ربطها بالموازنة من أجل استبدال بعض الضرائب بوفرٍ قد يتحقّق في الموازنة”.
أضاف: “حقّقنا الشقّ الذي يعود الى المتقاعدين ولو مع تقسيط، وأدخَلنا السلسلة في صلب الموازنة شرط أن لا يتخطّى إقرار الأخيرة مدة الشهر. خلاصة الموضوع، إقرار السلسلة ظلَّ هو الاولوية على الاعتبارات الأخرى ولذلك تخطّينا بعض التحفظّات لكي نتجنّبَ إشكالات تهدّد مسارَ الجلسة وإقرارَ السلسلة”.
عدوان لـ“الجمهورية“
وقال عضو كتلة “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان لـ”الجمهورية”: “نحن في الاساس نقود معركة إقرار السلسلة لأننا نعتبرها حقاً ونَعتبر أنّ الدولة مقصّرة، إذ كان على الحكومة ان تضع معدّلات غلاء المعيشة وضبط كلّ الامور، ولو تمَّ ذلك سابقاً لكان وفَّر علينا الكثير. كلّ هذا التأخير خصوصاً في موضوع غلاء المعيشة يدفع ثمنَه الاقتصاد ومالية الدولة.
المهم أنّ هناك حقاً أُعطيَ لأصحابه، لكن لا يعني ذلك نهاية الأمور، بل علينا الآن العمل جدّياً على مالية الدولة ليبقى ما أُعطيَ اليوم على قيمته وأكثر، لا أن يذوب بعد سنة وسنتين، لا سمح الله، أذا ما حصَل تعثُّرٌ ما.
إنطلقنا من حرصٍ على الناس وعلى الخزينة، والحقّ أعطيَ، لكن الأهمّ أن تكون عندنا موازنة مدروسة جدّياً، ونصرف من خلالها بالتوازي مع ترشيد الإنفاق ووقفِ الهدر ومنعِ الفساد، فبذلك تستوي ماليّة الدولة واقتصادها، والأهم نقدر أن نستثمر لنحفّز النموّ.
وهذا يتطلب أن تكون عندنا سياسة مالية، والأهمّ ان تكون موازنة العام 2018 موازنة مع رؤية لأننا في موازنة الـ2017 نقدّم موازنة محاسبية وليس موازنة مع رؤية”.
“المستقبل” والحزب
وسُجّل في الجلسة أنّ كتلة “المستقبل” لم تخرج عن موقف الحريري بالتأكيد على الوصول الى أزمات كبرى، مع التشديد على اهمّية تأمين المداخيل الضرورية التي تَحول دون ايّ عجز او مسّ بالخزينة. وكان اللافت انّ المداخلات، وخصوصاً من الحريري، بدت هادئةً ومنفتحة على كلّ الاقتراحات من دون تشنّجات مع ايّ فريق متحفّظ أو معارض أو مقدّم لاقتراحات التعديل.
أمّا نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” فركّزوا في مداخلاتهم على تنقية جدول الضرائب والرسوم من ايّ ضرائب تطال شريحة المواطنين والطبقات الفقيرة، وأسهموا في إلغاء بعض البنود الضريبية وتعديل بعضها.
وقال أحد أعضائها لـ”الجمهورية”: “تمكَّنا من تصويب مسار الكثير من الأمور، سواء ما خصَّ الأملاك البحرية أو الطابع المالي وإعادة التخمين باستثناء ما بدا أنّه متّفَق عليه سابقاً والمتعلق تحديداً برفع الضريبة على”TVA”.