مع دخول البلاد مدارَ الانتخابات النيابية، والتحضيرات والاستعدادات لخوض غمارها في السادس من أيار المقبل، دخل مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994 مرحلةً جديدة، بعدما اعتبَرت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أنّ وزير المال لا يشترك في التوقيع على المرسوم مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وأنّ الوزير المختص بالتوقيع هو وزير الدفاع، مؤيّدةً بذلك موقفَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تلقّى جرعة دعمٍ إضافية من بكركي، فقال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبَيل سفره إلى القاهرة: «إذا كنّا نريد الاحتكام إلى القانون، فاليوم (أمس) بالذات نشِر رأيُ هيئة الاستشارات، والأمر واضح، فإذا كانت النيّات سليمة ولا خلفيات وراءَها فالدستور والمادة 54 واضحان. إنّ موضوع الأقدمية شيء وموضوع الترقيات شيء آخر، فالأوّل يوقّع على مرسومه وزير الدفاع، أمّا الثاني فحتماً يوقّع عليه وزيرُ المالية، لذلك الخلاف يجب أن ينتهي لأن لا سبب له».
لم يُنهِ رأيُ هيئة التشريع والاستشارات في قضية مرسوم الأقدمية أبوابَ الأزمة السياسية، بل كشَف عقمَها وعمقَها، خصوصاً بعد ردِّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، معطوفاً على ردِّ وزير المال علي حسن خليل.
وفيما لم يَصدر عن رئيس الحكومة سعد الحريري أيّ تعليق على رأي الهيئة، اكتفَت كتلة «المستقبل» بعد اجتماع عقدَته برئاسته، بتثمينِ الجهود التي يقوم بها «لاحتواءِ تداعيات أزمة مرسوم الأقدمية لضبّاط دورة 1994، وتفادِي انعكاسها سلباً على الأداء الحكومي وعلى مصالح المواطنين».
وفي الوقت الذي اعتبَرت أوساط معنية أنّ «اقتراح بري دمجَ مرسومَي الأقدمية والترقيات بمرسوم واحد يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء المختصون، يشكّل مخرجاً قانونياً ودستورياً لخطأ ارتُكِب بإصدار مرسوم الأقدمية من دون توقيع وزير المال»، قالت أوساط أخرى لـ«الجمهورية»: «إنّ الكرة الآن في ملعب رئيس الحكومة، إذ يُفترَض به مع صدور قرار هيئة التشريع والاستشارات أن ينشرَ المرسوم في الجريدة الرسمية لكي يصبح نافذاً عملياً»، وأضافت: «ربّما هذا هو الهدف من الاستشارة، أي إيجاد مخرج، ليس لرئيس مجلس النواب لكي يقبلَ بالمرسوم، وإنّما مدخل لرئيس الحكومة لكي ينشرَه». وبين هذين الموقفين، لاحظ البعض أنّ المعترضين على مرسوم الأقدمية لم يلجأوا إلى القضاء لنَيلِ حكمٍ اعتراضي، فيما الذين وقّعوه، هم الذين لجأوا إليه.
برّي
وكان رئيس مجلس النواب قد اكتفى بالقول من طهران تعليقاً على ما نُسِب إلى هيئة القضايا والاستشارات: «هي استشارةٌ بناءً للطلب مع الأسف»، في حين غرّد وزير المال على «تويتر» قائلاً: «البحث عن حججٍ لتغطية تجاوزِ الدستور لا تنفَع، وتزيد إرباكَ أصحابِها وتخلق إشكالات جديدة».
وأضاف: «لسنا بحاجة إلى رأيٍ غبّ الطلب ويتعلّق بموضوع غير مطروح أصلاً.» و«توضيحاً لِما نشِر في فتوى بناءً للطلب، فإنّ مجلس القضايا في مجلس الشورى أصدر بتاريخ 19/11/1992 قراراً حملَ الرقم 4/92-93 وقال حرفياً: إنّ وزير المالية يجب أن يوقّع على كلّ المراسيم التي يترتّب عليها بصورة مباشرة، وحتى بصورة غير مباشرة نتائجَ مالية أو أعباء على الخزينة.»
وأضاف: «لنعُد للمرجع المستشار يوم قال إنّ المرسوم لا يترتّب عليه أعباء مباشرة بل غير مباشرة، وبالتالي ليس بحاجة إلى توقيع وزير المالية.
«التكتل»
وعلّق تكتّل «التغيير والإصلاح» على قرار الهيئة معتبراً أنّ القرار صَدر عن أعلى مرجعية قضائية، وعلى الجميع الالتزام به. وسألَ وزير العدل «عن أيّ غبّ طلب يتكلمون والقرارُ الصادر عن الهيئة في العام 1990 اعتبَر أنّ وزير المال ليس قيّماً على سائر الوزارات»؟
واعتبَر أنّ النقاش الدستوري والقانوني بمرسوم الأقدمية قد انتهى، «واستقرّ الرأي مشفوعاً بقرار مبرَم صادر عن أعلى قضاء إداري»، وإنّ «كلّ انحراف كلامي وكلّ تهوّرٍ في الكلام وكلَّ سقفٍ عالٍ في الكلام، لم يعُد يَعنينا، وهو يدلّ، إنْ دلَّ على شيء، فعلى عجزِِ عن استيعاب أو عن قبول سلطة الدستور والقانون. نحن احتكمنا وصَدر الحكم، وعليه بالامتثال، كما علينا الامتثال، عندما تصدر الأحكام».
خليل
وسارَع وزير المال إلى الرد على وزير العدل، فقال: «آخر الإبداعات أن أسمعَ مِن وزير معنيّ أنّ مَن استشارَها هي أعلى سلطة قضائية، ونتحدّث بالقانون. لا أحد فوق الدستور، ونحن نتحمّل مسؤولية كلّ كلمة نقولها ونعرف معناها جيّداً، ولا يهوّلنّ أحد علينا. الافضل لمعاليه أن يقول إنّه لم يعد يريد الحديثَ بالدستور، ولا يعتقد أنّ بإمكانه منعَ الآراءِ المخالفة لفتاويه».
حمادة
وفي المواقف، أكّد رئيس الجمهورية أنّ الحكومة التي ضمَّت كلَّ الأطراف السياسية الرئيسية، ساهمت في إرساء الاستقرار السياسي «وحتى لو علَت داخلها الأصوات المختلفة أحياناً، إلّا أنّها تبقى تحت سقفِ الاختلاف السياسي الذي يُغني الحياة الديمقراطية».
من جهته، قال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «تستمرّ الحكومة في العمل نظرياً، ولكنْ في جوّ من عدمِ التوازن السياسي والتوتّر المكتوم أو العلني بين المكوّنات التي عملت على تسوية انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة «استعادة الثقة».
في هذه الحال من عدم التوازن، قد تبدو الأمور معلّقة حتى الانتخابات النيابية. فالموازنة تنتظر بحثاً في مجلس الوزراء، وشؤون التربية تنتظر الاجتماعَ الموعود للحكومة، والمجلس النيابي خارج الدورة العادية ولم يصدر مرسوم فتحِ دورة استثنائية. باختصارٍ كلّي، كأنّنا معلّقون بحبال الهواء حتى الاستحقاق الانتخابي».
موازنة 2018
وفي ما يخصّ جلسات الموازنة العامة لعام 2018، أوضَحت مصادر وزارة المال لـ«الجمهورية»: «أنّ الوزارة سلّمت منذ شهر تقريباً موازنة الـ2018 إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهي أصلاً كانت قد سلّمتها النسخة الأساسية من شهر آب الماضي لكنّها أجرَت بعضَ التعديلات وفقاً لجداول وأرقام معدّلة وتوصيات لمجلس النواب في خلال مناقشة موازنة سنة 2017، بانتظار أن يدعو رئيس الحكومة سعد الحريري إلى تحديد جلسات لدراستها».
زيادة الأقساط
وفي إطار محاولةِ إنقاذ السنة الدراسية والبحثِ عن مخارج لأزمة زيادة الأقساط والرواتب، زارت اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية برئاسة المطران حنّا رحمة السراي الحكومي أمس ونَقلت إلى الحريري ما تُواجهه المؤسسات التربوية الخاصة من تحدّيات نتيجة إقرارِ سلسلة الرتب والرواتب ومفاعيلها.
وفي هذا الإطار، قال رحمة لـ«الجمهورية»: «أوضَحنا للحريري صعوبة المشكلة التربوية وأنّ الأهالي ليس في وسعهم تكبُّد أيّ زيادة، فمجموع الأقساط غير المحصّلة من العام الماضي نحو 40 مليار ليرة». وأضاف: «في حال طُبِّقت السلسلة بكامل مفاعيلها ودرجاتها ستبلغ الزيادة على القسط للتلميذ الواحد نحو مليون و400 ألف ليرة لبنانية. لذلك، المشكلة جدّية وعلى الدولة أن تتعاون معنا».
وأعربَ رحمة عن تفاؤله بانفراج قبلَ نهاية الشهر، قائلاً: «لدينا أملٌ في أن يتحوّلَ التعليم أولويةً وطنية، ضِمن جلسةٍ حكومية وَعدَنا الرئيس الحريري بعقدها قبل نهاية الشهر الجاري وانقضاءِ مهلة تقديم إدارات المدارس موازناتها لوزارة التربية»، وأكّد أنّ الحريري «أظهر لنا كاملَ تفهّمِه لعمقِ الأزمة وللواقع الاقتصادي المرير، وسيضعُ المعضلة التربوية على طاولة البحث الحكومي لأخذِ قرارات واضحة في هذا الشأن».
مجلس وزراء
وفي هذه الأجواء، ينعقد مجلس الوزراء عند الحادية عشرة والنصف قبل ظهر غدٍ الخميس في السراي الحكومي وعلى جدول أعماله 71 بنداً مختلفاً، ومن بينها مجموعة من الملفّات الجارية معالجتُها.
وما هو لافتٌ بالإضافة إلى عقدِها في السراي الحكومي بدلاً مِن قصر بعبدا، أنّ الجلسة ستناقش في بندِها رقم 24 مشروع قانون معجّل يَرمي إلى تعديل بعض المهلِ الملحوظة في قانون الانتخابات النيابية الرقم 44.
وقد أثارَ هذا البند علامات استفهام عدة. وعلم أن المشروع المقدم من الوزير جبران باسيل يلحظ التمديد لإقتراع المغتربين، فهل يكون هذا المشروع «مشكل» جديد يضاف إلى أزمة المرسوم؟، أم هل يكتفي المجلس بتعديل مهَل إدارية تقنية مرتبطة بهيئة الإشراف على الانتخابات وبتاريخ دعوة الهيئات الناخبة، والسؤال لماذا يُدرج اليوم على جدول الأعمال بعدما رَفع الرئيس بري لأكثر من مرّة البطاقة الحمراء في وجه محاولة تعديل قانون الانتخاب؟
وستناقش الجلسة طلب وزارةِ الداخلية تأمينَ موظفين في هيئة الإشراف على الانتخابات لمساعدتها في عملها في وزارة الداخلية، وطلبَ وزيرِ الخارجية إنشاءَ عددٍ مِن القنصليات في عواصم ومدنٍ مختلفة، وطلبَ وزارةِ الدفاع لجنة خاصة مهمتُها التحضير لمؤتمر «روما 2» الخاص.
كذلك سيناقش المجلس تنفيذ ما تقرَّر على مستوى توسيعِ مكبَّي النفايات في الكوستابرافا وبرج حمّود وإقامة معمل للتسبيغ في العمروسية بناءً لاقتراح مجلس الإنماء والإعمار، وعرض مجلس الإنماء لإجراء مصالحةٍ مع شركة سوكلين للتعويض على كلفةِ أعمال رفعِ النفايات من بلدياتٍ في جبل لبنان وبيروت الكبرى.
ولوحِظ أنّ جدول الأعمال سيعالج مطالبَ وزير الزراعة غازي زعيتر دفعةً واحدة بعدما انسحبَ مِن جلسة الأسبوع الماضي اعتراضاً على عدم إدراج بنودٍ لوزارته على جدول الأعمال، ومنها ما يتصل بصرف مجموعة مليارات وتعيينات.
قائد الجيش
أمنياً، اعتبَر قائد الجيش العماد جوزف عون أنّ «خطر الإرهاب يبقى قائماً»، و«مواجهته جذرياً تتطلّب معالجةً حقيقية للقضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الشائكة».
وقال أمام وفد رابطة الملحقين العسكريين العرب والأجانب المعتمدين في لبنان وممثّلي هيئة مراقبة الهدنة ومساعديهم: «غير أنّ ذلك وعلى أهميته، لا يقلّل في أيّ شكلٍ مِن الأشكال من ضرورة استمرار المواجهة الأمنية المباشرة لهذا الخطر، لأنّ النجاح في كسرِ شوكته من شأنه أن يزرع الإحباط واليأسَ في نفوس الإرهابيين، ويَجعلهم في نهاية المطاف مقتنعين بأنّ مشاريعهم العبثية لا جدوى منها وغيرُ قابلة للحياة».
وأكّد أنّ الجيش «ماضٍ في مسيرة الدفاع عن لبنان والحفاظ على أمنه واستقراره مهما كلّفه ذلك من أثمان وتضحيات، فنحن ملتزمون الحفاظ على استقرار الحدود الجنوبية بالتعاون مع القوات الدولية في إطار القرار 1701، وفي الوقت عينه، نحن مستعدّون لمواجهة أيّ عدوان إسرائيلي ضدّ لبنان، كذلك نحن ملتزمون ضبط كاملِ الحدود البرّية والبحرية لمنعِ أعمال التسلّل والتهريب».