وجه مشرق جديد يغيب عن لبنان. بعد وديع الصافي جاء دور صباح. رحلت ولم ترحل. رحلت بالجسد، شأنها شأن الفنانين الكبار الذين تبقى ذكراهم خالدة من خلال أعمالهم وإنتاجاتهم وإبداعاتهم. ورحيل هؤلاء الكبار يذكِّر اللبنانيين، في هذا الوقت بالذات، بوجه لبنان الجميل. لبنان ما قبل الحرب. لبنان النهضة السياحية والثقافية والفنية والعمرانية. لبنان السلام والعيش المشترك والمحبة. هذا اللبنان الذي مع كل إشراقة شمس، وعلى صوت الصبّوحة، يجدّد شعبه الوعد والعهد من أجل إعادته منارة الشرق وقبلة الغرب. وعلى رغم الخسارة الوطنية الكبرى برحيل أيقونة لبنانية جديدة، إلا أنّ أهمية هذه الأيقونات، في حياتها كما في مماتها، أنها تشكل تلك المساحة المشتركة بين اللبنانيين، هذه المساحة بالذات التي يجب توسيعها لتشمل كل نواحي الحياة من أجل أن يتمكن لبنان من النهوض مجدداً. وفي هذا السياق انشغل السياسيون على كافة تلاوينهم، في رثاء الاسطورة صباح التي مع رحيلها سقط أحد اعمدة بعلبك، على أن يلتقوا خلال توديعها في مأتم رسمي وشعبي حاشد يقام ظهر الأحد المقبل في كاتدرائية مار جرجس المارونية وسط بيروت.
موضوعان سياسيان استجدّا واستأثرا بالمتابعة والقراءة السياسيتين نظراً لخلفيتهما وأبعادهما: الموضوع الأول اللقاء الذي جمع وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى أركان قوى 8 آذار الذين حضروا بنصاب كامل وتمثيل رفيع في رسالة سياسية واضحة المعالم أرادها النظام السوري في هذا التوقيت بالذات للقول إنّ نفوذه في لبنان لم يتبدل ولم يتأثر على رغم الأزمة السورية التي حوّلت سوريا، بدلاً عن لبنان، إلى حلبة مواجهة بين القوى الإقليمية والدولية.
وفي هذا السياق صرّح قيادي في قوى 14 آذار لـ«الجمهورية» بأنّ لقاء المعلم وقوى 8 آذار يأتي في سياق عرض القوة تزامناً مع انتقال المحكمة الدولية إلى مرحلة الشهادات السياسية، وتزامناً مع المبادرة الروسية التي تعمل على جمع طرفي المواجهة في سوريا، وتزامناً مع تمديد المفاوضات النووية إلى نهاية حزيران المقبل، وكل ذلك لإعطاء إشارة إلى الداخل السوري والخارج بأنّ النظام استردّ عافيته، والدليل تفرّغه لمتابعة شؤون أوراقه الإقليمية ومنها لبنان.
النظام فقد شرعيته
ورأى القيادي أنّ الرسالة السورية شكلية من دون مضمون سياسي، لأن الجميع يدرك الوضع الذي آل إليه النظام على كل المستويات، فهو فقد شرعيته في الداخل، كما شرعيته العربية وأخيراً الدولية. وبالتالي، لن يتمكن من استعادة نفوذه في سوريا فكيف الحري في لبنان؟ ولذلك، لا يخرج اللقاء عن سياق العراضة السياسية والخطوة التعويضية عن وضع مُتداع.
وأسف القيادي لهذا التحدي المقصود من قبل 8 آذار لإرادة معظم اللبنانيين بإعطاء شرعية لنظام يشكل نقطة خلافية في سوريا ولبنان، كما أسف لهذا التحدي عشيّة حوار يفترض أن ينطلق بين «حزب الله» وتيار «المستقبل».
وفيما توقع ألا يؤثّر هذا اللقاء على التوجّه الحواري العام، إلا أنه لفت بأنّ هذه الرسالة سلبية وتؤشر بوضوح أن لا نية لدى هذا الطرف بالوصول من خلال الحوار إلى نتائج فعلية، حيث أنه لا يريد أكثر من الصورة ليواصل مواجهاته العسكرية والسياسية.
المقايضة تتفاعل
الموضوع الثاني المقايضة التي أجراها «حزب الله» مع المعارضة السورية والتي قادت إلى إطلاق سراح أحد مقاتليه مقابل إطلاق أسيرين لهذه المعارضة.
وقد أثارت هذه الخطوة نقاشاً واسعاً عن الأسباب التي دفعت الحزب إلى التفرّد بخطوة من هذا النوع، وفتح قناة تفاوض موازية للقناة القطرية برعاية الدولة اللبنانية، علماً أنّ الحزب يشكل جزءاً لا يتجزأ من الحكومة وخلية الأزمة الوزارية المولجة متابعة ملف العسكريين المخطوفين.
كما أثارت خطوة «حزب الله» تساؤلات من قبيل: لماذا لم يوحّد الحزب جهوده مع جهود الحكومة؟ ولماذا لم يشجع هذه الحكومة على المقايضة؟ وهل تقصّد إعطاء إشارة عن سابق تصور وتصميم بأنّ الدولة ضعيفة وعاجزة، فيما هو القوي والقادر؟ وما الغاية من هذه الصورة التي كان سبقها صورة من الطبيعة نفسها بأنه لولا الحزب لكانت القوى التكفيرية في جونية وبيروت وصيدا؟
خلية الأزمة الوزارية
وقد تفاعلت المقايضة التي قام بها «حزب الله» مع «الجيش السوري الحر» في القلمون لتحرير الأسير عماد عياد، وتباينت ردات الفعل على خطوته هذه، بين مُطالِب بإدخاله على خط التفاوض مع «جبهة النصرة» و»داعش» لإطلاق المخطوفين العسكريين، وبين من اعتبرها انتقاصاً من سلطة الدولة.
وقد حضر ملف العسكريين المخطوفين في لقاء الاربعاء النيابي، أمس، واكّد بري انّ لبنان يملك اوراق قوة عدة لإطلاقها، وشدد على اعتماد السرية في المفاوضات الجارية لهذه الغاية.
من جهتها، تابعت خلية الأزمة الوزارية تطورات هذا الملف وآخر المعلومات المتوافرة حوله، في اجتماع عقدته في السراي الكبير برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام الذي أعطى توجيهاته للمتابعة وفق المعطيات الجديدة مع ما يتطلبه الأمر من تحفّظ على الإعلان عن الخطوات والإجراءات المُتّبعة بما يضمن الوصول الى النتائج المرجوّة.
وقالت مصادر المجتمعين لـ»الجمهورية» انّ تفاهماً جرى خلال اللقاء على استمرار الصمت تجاه ما طرح في الإجتماع وما يمكن ان يكون قد تناوله البحث من طروحات جديدة. فأعضاء الخلية ومعهم الحكومة في وضع لا يُحسد عليه بعدما أتمّ «حزب الله» عملية التبادل والمقايضة بين مسلحين من «الجيش السوري الحر» وأحد مخطوفيه، الأمر الذي سجّل حجراً كبيراً في مرمى الحكومة التي ما زالت تفاوض في مبدأ المقايضة.
وحول ما تردد عن قبول لبنان مبدأ المقايضة بخمسة موقوفين من سجن رومية و50 من السجون السورية، قال أحد الوزراء: لا يمكن القول اننا وافقنا على هذا الطرح أو رفضناه، ففي هذا الكلام تأكيد على مضمون الخيار الثالث الذي طرحته النصرة في سلّة اقتراحاتها السابقة وبانتظار ان تتسلّم الحكومة الأسماء واللوائح التي يريدها المسلحون يصبح الكلام عن الموافقة او الرفض أوضح وأكثر صراحة، لكنّ ذلك لم يحصل بعد.
تصعيد الأهالي
وكان اهالي العسكريين المخطوفين هددوا بتنفيذ خطوات تصعيدية ابتداء من غد وتوعّدوا بإقفال كل مداخل العاصمة بيروت معلنين انّ الطريق التي ستقطع لن يُعاد فتحها، وأنّ الخيَم ستُنصب في وسطها. وطالبوا خلية الأزمة بأن تحلّ قضية أبنائهم سريعاً، لأن «حزب الله» ليس أقوى من الدولة اللبنانية لكي يقايض ويُخلي سبيل أسير له، وقالوا انّ «الحزب يفاوض والمسؤولين «يلعبون تحت الطاولة». وسألوا: «هل المخطوفون ابناء الدولة ام لا؟ وناشدوا الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله ان يعيد لهم أبناءهم.
أمانة «14 آذار»
في هذا الوقت، اعتبرت الأمانة العامة لقوى 14 آذار انّ المقايضة التي قام بها الحزب «صفقة تبيّن وجهاً إضافياً للانتقاص من سلطة الدولة التي يختارها الحزب ليتغطّى بها حين يعجز عن تحقيق هدف، ويتخطاها وينفرد حين يتمكن، فيطلق من يسمّيهم تكفيريين وإرهابيين ويقايض عليهم». وقالت انه «على رغم أنه شريك في الحكومة، يتجاوز خلية الأزمة المعنية في صدد عنصره المعتقل ويمنع الدولة عن أي مقايضة ممكنة».
الحوار المرتقب
وفي هذه الأجواء تترقب الاوساط السياسية المواقف التي سيعلنها رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري مساء اليوم، وهل ستسكب اجواء دافئة على الحوار المرتقب مع «حزب الله» في ضوء اتّساع دائرة الترحيب الدولي والاقليمي به خصوصاً وبين اللبنانيين عموماً وانعكاساته المرتقبة على الموضوع الرئاسي.
عسيري
وفي هذا الإطار، كرّر السفير السعودي علي عواض عسيري تأييد بلاده لأيّ حوار يجمع اللبنانيين. وأوضح انه لمس اصراراً لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري لينجح الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وإرادة سياسية تصبّ في صالح لبنان».
وأمِل في أن «تستجيب كل القوى السياسية لمبادرة بري لكي تسلك المسار الطيب لتقريب وجهات النظر وتبديد الخلافات»، لافتاً الى انّ «الخلافات بين اللبنانيين كبيرة ولكن هناك اولويات في لبنان هي ملء الفراغ الدستوري الذي نعيشه اليوم، وهو الفراغ بموقع رئاسة الجمهورية».
ودعا عسيري الافرقاء اللبنانيين الى «عدم استحضار الازمات الخارجية الى الداخل»، مؤكداً انّ «الوقت حان، بعد التطورات والتغيرات اقليمياً ودولياً، لأن ينتبهوا الى بلد اسمه لبنان». وعشية إطلالة الحريري، قال أحد الذين التقوا به غير مرة أمس وأمس الاول في باريس، لـ»الجمهورية»،
إنه يستعد لهذه الإطلالة ليكون لها «هدف وطني مهم»، فهو أجرى التحضيرات اللازمة ليفتح من خلالها خريطة الطريق الى الحوار في لبنان.
أضاف: «كان الرئيس الحريري واضحاً، فقد اتخذ قراره وسيعلن مساء اليوم أنه «مستعد للحوار مع «حزب الله»، وسيطلق الدعوة صريحة مقرونة بسؤال سيتوجّه به الى القيادات اللبنانية كافة ومفاده «تعالوا لنرى كيف يمكن ان نخدم البلد فهو لم يعد يتحمّل المزيد من العبث»؟
أوساط «المستقبل»
وكانت اوساط عليمة في تيار «المستقبل» أكدت لـ«الجمهورية» أنّ الحريري تجاوز الجدل الذي حصل في الأيام القليلة الماضية وسيعلن قبوله الحوار من دون شروط مسبقة، لأنّ مجرد الدعوة الى الحوار يجب الا تحمل أي شروط، فكلّ ما هو قائم في البلد يجب ان يكون مطروحاً على طاولة الحوار. وإلا ماذا يمكن ان نسمّي حواراً لا يتناول استمرار وجود الحزب في سوريا ومصير سلاحه في لبنان؟
أليس هو الذي استدرج أجواء التوتر التي عاشتها أكثر من منطقة في لبنان؟ وهل يمكن ان تكون الضاحية الجنوبية قد شهددت ما شهدته من عمليات تفجير ودخول الانتحاريين اليها لو لم يكن للحزب دور في ما شهدته مناطق عدة من سوريا وهو الذي استدرج هذه الحرب الوسخة الى لبنان ودفع ثمنها الأبرياء؟.
تحذير اميركي
وفي غمرة هذه التطورات، حذّرت وزارة الخارجية الاميركية رعاياها مرة جديدة من السفر إلى لبنان بسبب الوضع الأمني غير المستقر في هذا البلد.
وفي بيان صادر أمس، جددت الخارجية الاميركية تحذيراتها بشأن الأمن وعمليات الخطف وتصاعد وتيرة العنف في لبنان والمنطقة.
واعتبر البيان انّ هناك عدداً من الجماعات المتطرفة الناشطة في لبنان، ومنها «حزب الله» و«داعش» وفصائل عبد الله عزام و»جبهة النصرة» التي وصفتها الخارجية الاميركية جميعها بالمنظمات الإرهابية.
المالكي في لبنان
الى ذلك، من المقرر ان يزور لبنان، وفق ما ذكرت قناة «المنار»، نائب الرئيس العراقي الحالي نوري المالكي بعد غد للقاء عدد من الشخصيات الرسمية والحزبية اللبنانية، للتباحث في التطورات الجارية في المنطقة.
قانون الانتخاب
وعلى خط قانون الانتخاب، أبدى رئيس مجلس النواب عدم ارتياحه الى سير المناقشات داخل لجنة قانون الإنتخاب، وشدد على الانطلاق والتركيز على ما جرى التأكيد عليه في الهيئة العامة لجهة درس اقتراح القانون المختلط المقدّم من النائب علي بزي.
سلامة الغذاء
في مجال آخر، واصل وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، أمس، حملته في ملف سلامة الغذاء، وأعلن عن إقفال مسالخ غير مطابقة للمواصفات الصحية ريثما تصحّح أوضاعها، ووجّه إنذارات الى مسالخ أخرى. كذلك أعلن عن أسماء المؤسسات التي أبدَت لدى وزارة الصحة رغبة في تصحيح الثغرات التي انعكست على سلامة الغذاء، وطلبت إعادة الكشف على منتجاتها.
وشملت اللائحة الجديدة عشرات المؤسسات في المناطق كافة، والتي تبيّن انها تقدّم الى الزبائن مواد غذائية غير مطابقة للمواصفات.
وتوقف أبو فاعور، خلال مؤتمر صحافي عقده، أمام احتمال لجوء البعض إلى انتهازية غير مشروعة لزيادة أسعار اللحوم وامتصاص عرق المواطن، على وَقع إقفال عدد من المسالخ غير المطابقة للمواصفات. ونقل عن وزير الإقتصاد آلان حكيم أنّ الوزارة ستتشدّد في تطبيق خطة وضعتها لمراقبة أسعار اللحوم وأسعار المياه.