لبنان الغارق في حزنه على الأسطورة صباح، والذي ودّعها أمس في عرس وطنيّ لافت ومميّز، ويستعدّ غداً لتوديع الشاعر الكبير سعيد عقل، لم يجد بَعد موعداً أو يتلمّس بارقةَ أمَلٍ لتوديع شغوره الرئاسي، نتيجة عدمِ توافر فرَص الاتفاق على مرشّح توافقي، لكنّه يحاول تنظيمَ الخلاف السياسي واحتواءَ التوتّر المذهبي للَجمِ الأخطار المحدِقة من خلال الحوار المنتظَر بين «حزب الله» وتيار»المستقبل»، والذي يعمل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بدَأبٍ لتوفير أرضيته.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ الجلسة الاولى من الحوار ستنعقد في عين التينة خلال النصف الاوّل من الشهر الجاري، ورجّحت المعلومات ان يشارك فيه عن «حزب الله» المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل وأحد أعضاء كتلة «الوفاء للمقاومة»، يُرجّح أن يكون النائب حسن فضل الله، وعن تيار «المستقبل»، نادر الحريري والنائب جمال الجرّاح.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره ليل امس إنّ وتيرة الاتصالات ستنشط هذا الاسبوع مع عودة نادر الحريري وآخرين من لقاءات مع الرئيس سعد الحريري، وذلك من أجل بلوَرة جدول اعمال الحوار بين الحزب و«التيار».
ونوَّه برّي بالمواقف التي عبّر عنها الحريري إزاء هذا الحوار ومجمَل الاوضاع، ما يساعد الحوار على النجاح في المهمة التي سيضطلع بها.
وردّاً على سؤال حول قول الحريري إنّ مشروعه لقانون الانتخاب هو ذاك الذي اتّفقَ عليه مع «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي (68 ـ 60) وما إذا كان سيؤثّر على عمل اللجنة الفرعية التي تدرس القانون المختلط (64 ـ 64) أجاب برّي: «إنّ هذا مشروعهم، لقد كنّا سابقاً في مرحلة صفر نسبية والآن قُبِلت النسبية، وإنّ اللجنة ستواصل مهمتها ضمن المهلة المحدّدة لها».
وأشار الى انّ جنبلاط كان أبلغَ اليه تأييدَه قانون الـ(64ـ 64). وكان بري التقى امس الاوّل عضو لجنة قانون الانتخاب النائب مروان حمادة العائد من باريس، والذي سيلتحق بعملِه في اللجنة.
دعمُ دار الفتوى
وفي انتظار انطلاق الحوار الذي أكّد النائب احمد فتفت انّ جدول اعماله لم يوضَع حتى الساعة، حظيَ هذا الحوار بـ»بركة» دار الفتوى، إذ تمنّى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على الجميع ان يتلاقوا مع الحريري في طريق الحوار لإنقاذ لبنان، وقال: «هناك استحقاقات كبيرة جداً علينا ان ننجزَها ونغَلّبَ مصلحة الوطن العليا على غيرها من المصالح بالتفاهم على كثير من الامور العالقة التي تحتاج الى حلّ، قد نصل سريعاً بإذن الله الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي ليكون لوطننا لبنان رئيسٌ للجمهورية، وبغير التفاهم لا يمكن لهذا الامر ان ينجَز، ولدينا استحقاق نيابيّ عبر إنجاز قانون انتخابيّ عصري يتوافق عليه اللبنانيون ليختاروا من خلاله مَن يمثّلهم في المجلس النيابي، ولا حلّ في لبنان إلّا بالتفاهم والتوازنات، لأنّ لبنان بلد التفاهم والتوازنات».
وشدّدَ على انّ المبادرة التي أطلقَها الحريري «تحمي لبنان ومؤسساته وأمنَه ممّا يُراد له من مؤامرات قد تؤدّي الى فِتن لا تُحمَد عقباها، مذهبيةٍ وطائفية. ونُدرك تماماً وأنتم تدركون انّ هذه المبادرة الحوارية الصادقة، بالاستجابة لها يمكن أن يُحَلّ كثيرٌ من الأمور».
أوغاسابيان
وفي المواقف من الحوار، أكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب جان اوغاسابيان لـ»الجمهورية» أنّ الحريري «يبدي كلّ استعداد لإيجاد مناخات من جهة، وفي الوقت نفسه نقاط التقاء بين مختلف الاطراف اللبنانية لإنقاذ الوضع في لبنان والخروج من مستنقع الخلافات والتباينات ين مختلف الأطراف من جهة ثانية».
علوش
وبدورِه قال القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق الدكتور مصطفى علوش لـ»الجمهورية»: «إذا أردنا النظر الى تجربتنا على مدى عشر سنوات من الحوار نجد انّ المواضيع الأساسية لا يمكن الاتفاق عليها، فإذا كان الحوار على تفاصيل بسيطة على مستوى الشارع، لا نكون قد حلّينا المشكلة عملياً، فالحوار حول أمور تفصيلية لا يغيّر في واقع الأمر شيئاً، لأنّ المسألة الاساسية هي مسألة السلاح خارج الدولة اللبنانية وتداعياته، فإذا لم نستطع الوصول في أيّ حوار الى نتيجة في هذا الموضوع فمعنى ذلك انّ المشكلة تبقى قائمةً ونكون قد عالجنا العوارض فقط.
فأنا طبيب وأعرف انّ هناك عوارضَ وهناك مرضاً، المرض اسمُه السلاح غير الشرعي، أمّا البقية فهي عوارض هذا المرَض التي نداويها لكنّ المرَض لا يزول».
وأكّد علوش أنّه لا يجد سبباً حتى الآن لكي يتفاءل، حتى إنّ الرئيس الحريري من خلال ما قاله تبيّنَ أنّه حذِرٌ جداً في هذا الحوار. فطالما إنّ المسائل الخلافية الكبرى لا مجال للتحاور عليها فمعنى ذلك عملياً أنّنا بقينا على المشكلة نفسها».
ولدى سؤاله: على أيّ أساس سيُقدِم الحريري على هذه الخطوة ويُعيد إحياءَ تجربة التحاور مع الحزب، وألَا يكون بذلك يخسر من رصيده؟ أجاب علوش: «في الحقيقة إذا رصدنا آمال الناس نجد أنّ إعلان الاستعداد للتحاور تركَ أملاً ولو كذباً، فالشاعر نزار قباني يقول: «قُلْ لي ولو كذباً كلاماً ناعماً…»، الناس يحتاجون الى ان يروا تفاؤلاً، لأنّ معظمهم لا يدخل الى عمق القضية، فهَمُّهم الاساس الآن هو الاقتصاد، لكن لا أحد يملك وقتاً للتفتيش عن سبب التدهور الاقتصادي، ألَا وهو سلاح «حزب الله»، كذلك التوتّر المذهبي، لا يفتّشون عن السبب الحقيقي له، ألا وهو سلاح الحزب، كذلك في موضوع التطرّف الحاصل، عملياً يضع الناس هذا السلاح وراءَ ظهورهم على اساس ان لا حلّ له، فيفتشون على أمور أخرى ربّما لها حلّ».
«حزب الله»
أمّا «حزب الله»، فدعا بلِسان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله إلى اغتنام الفرصة التي تلوح في أفق لبنان عبر تنفيس الاحتقان السياسي وتخفيف لهجة الخطاب الإعلامي، وذلك بتلاقي القوى في ما بينها والبحث في القضايا الأساسية والتوافق عليها. وقال: «جميع القوى المعنية في الداخل اللبناني بحاجةٍ إلى خريطة طريق واضحة لتحصين بلدِنا في مواجهة الأزمات التي تعصف بالمنطقة وبالدوَل المجاورة».
ملفّ العسكريين
في غضون ذلك، لا يزال ملف العسكريين المخطوفين في صدارة الإهتمام والمتابعة. وفي هذه السياق، عقدَت خلية الأزمة الوزارية مساء أمس اجتماعاً طارئاً في دارة رئيس الحكومة تمام سلام في المصيطبة، وناقشَت التطورات التي برزَت في الساعات الماضية نتيجة تعدُّد الوساطات ودخول الوسيط اللبناني الجديد الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب «ابو طاقية» على خط المفاوضات مجدّداً ما بين الخاطفين من جهة والدولة اللبنانية من جهة أخرى. وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» إنّ أعضاء اللجنة اتفقوا على الصمت والتكتّم على ما دار في اللقاء من مناقشات وعروض جديدة لتحريك الملف عبر المفاوضات والبحث عن مخرج لإطلاق المخطوفين.
واستمعَ المجتمعون الى تقرير مفصّل قدّمَه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم عن نتائج الإتصالات التي أجراها منذ الخميس الماضي وتوّجَها الجمعة بإتصال مع الوسيط القطري الذي وعدَه بالعودة الى بيروت سريعاً.
وأكّد أحد أعضاء اللجنة لـ«الجمهورية» أنّ المفاوضات تحتاج في هذه المرحلة الى كثير من السرّية والعمل بعيداً من الأضواء، فما هو مطروح في الساعات الأخيرة ربّما قد يغيّر واقعَ الأمور ويفتح الطريق الى آليّة أكثر إنتاجية ممّا سبق من تجارب، على الرغم من حجم المصاعب المرتقَبة وصعوبة تحديد مواعيد.
زوّار سلام
ونَقل زوّار سلام أمس عنه قوله «إنّ الحكومة تتابع هذا الملف بكثير من الجدّية، وهي تتهيّب الموقفَ وتعرف خطورة المرحلة ودقّتَها، وما يمكن ان يؤدّي اليه أيّ خطأ يمكن ان يُرتكب، ولذلك فهي لم ولن توفّر أيّ وسيلة لتأمين الإفراج عنهم سالمين». وأكّد أنّ الحكومة لم تكلّف أحداً بهذا الملف سوى اللواء ابراهيم، وهو يبذل جهوداً جبّارة.
جنبلاط مغرّداً
وفي تغريدةٍ له على موقع «تويتر»، قال جنبلاط: «كفى أهالي العسكريين المخطوفين حرقَ أعصاب». وأضاف: «أميركا فاوضَت طالبان من أجل أسير مقابل أسرى في غوانتانامو». وأكّد أنّه مستعدّ للذهاب إلى عرسال للتفاوض، قائلاً: «أذهبُ شخصياً إلى عرسال وأتفاوَض».
وكان عددٌ كبير من الوزراء تبادَلوا الإتصالات خلال عطلة نهاية الأسبوع بحثاً في جدّية مضمون بيان وزير الصحة وائل ابو فاعور الذي لفتَ فيه الى انّ الحكومة قرّرت اللجوء الى وسائل اتّصال ووسطاء جدُد ومنهم الشيخ مصطفى الحجيري، فنفوا أن تكون الحكومة قد اتّخذَت مثل هذا القرار. وأشار أحد الوزراء الى انّ هذا الموضوع سيكون مدارَ بحثٍ في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل.
الموفد القطري
على صعيدٍ آخر، تردَّدَت معلومات بلغَت «الجمهورية» عن وصول الوسيط القطري السوري الجنسية أحمد الخطيب أمس الأحد الى بيروت. لكن أيّاً من المراجع الأمنية لم يؤكّد هذا الأمر ولم ينفِه.
وكان الحجيري قال امس إنّ إعدامَ العسكري المخطوف لدى «جبهة النصرة» علي البزّال لم يعُد مرتبطاً بإطلاق جمانة حميد، بل بتطبيق شروط التبادل ويشمل موقوفين في السجون اللبنانية والسورية.
سلام إلى بروكسل
من جهة ثانية يغادر سلام السادسة صباح اليوم الى مقر الإتحاد الأوروبي في بروكسل على رأس وفد وزاريّ مصغَّر يضمّ كلّاً من وزير الإقتصاد آلان حكيم ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج ، على أن ينضمّ إليهما هناك وزير الخارجية جبران باسيل الذي سيوافيهم من السنغال حيث شاركَ في أعمال القمّة الفرنكوفونية.
وفد عسكري إلى موسكو
وفي غضون ذلك علمَت «الجمهورية» أنّ وفداً من ضبّاط الجيش الكبار برئاسة رئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان سيتوجّه إلى موسكو اليوم لاستكمال البحث في الأسلحة والذخائر الروسية التي سيشتريها لبنان من موسكو، بما تضمّه من دبّابات ومروحيات عسكرية وذخائر مختلفة.
وكانت روايات مختلفة قد تحدّثت عن تعَثّر المفاوضات سابقاً بين موسكو وبيروت في شأن هذه الأسلحة والذخائر، علماً أنّ موسكو قد قرّرت تقديمَ معونات عسكرية للجيش اللبناني ولم تتراجع عن وعدها.