Site icon IMLebanon

 السياسة في إجازة والأمن حاضر ومشهد ضهر البيدر على حاله والأهالي إلى تصعيد

التحوّل الأبرز في المشهد الخارجي تمَثّلَ في التطوّر التركي الذي سيشكّل بدوره تحوّلاً في مسار الأزمة السورية، حيث إنّ مجرد إرسال قوات عسكرية تركية إلى سوريا يعني إقامة منطقة عازلة، وبالتالي دخول الأزمة السورية في منعطف جديد، وهذا ما يفسّر ردّ الفعل الفوري الإيراني والسوري، فضلاً عن أنّ الدخول التركي أمَّنَ للتحالف الدولي العنصرَ الذي كان يفتقده، ويتمَثّل بالتدخّل البرّي لمواكبة القصف الجوّي. وفي وقت تبنّى تنظيم «داعش»، في شريط فيديو، إعدام الرهينة البريطاني ألان هينينغ، أعلن المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي أنّ «قدرات تنظيم «الدولة الإسلامية» على إنتاج النفط في سوريا تقلّصَت بفعل الضربات الجوّية»، ما يعني مواصلة التضييق المادي والعسكري، منعاً لتمدّد هذا التنظيم في سياق المرحلة الأولى من المواجهة معه. أمّا التطوّر الأبرز داخلياً فتمَثّلَ بالمداهمات الاستباقية التي نفّذها وينفّذها الجيش اللبناني في كلّ المناطق اللبنانية من أجل القضاء على كلّ الخلايا النائمة وقطعِ الطريق على أيّ محاولة لهَزّ الاستقرار أو إلهاء الجيش في الداخل تهيئةً لمعركة جديدة في عرسال، الأمر الذي استدعى جهوزية تامة في الداخل وعلى الحدود لإحباط أيّ مخطط من هذا النوع. وقد أرخَت التدابير التي اتّخذها الجيش ارتياحاً في نفوس المواطنين، خصوصاً أنّ الأجهزة الأمنية نجحَت منذ تأليف الحكومة إلى اليوم في تطويق وكشفِ كلّ الأعمال الإرهابية والقضاء عليها. وأمّا السياسة فدخلت في إجازة العيد، حيث يُتوقّع أن يشهد الأسبوع الطالع استكمالاً للملفات المطروحة، من قضية المخطوفين الذين قرّر أهاليهم الإبقاءَ على طريق ضهر البيدر مقطوعة، إلى التمديد والانتخابات الرئاسية.

في غمرة ضجيج المعركة، ظلت التهديدات الأمنية للبنان تتصدّر المشهد السياسي، خصوصاً من بوّابة عرسال وجرودها، بعدما فكّك الجيش اللبناني عبوة ناسفة مُعَدّة للتفجير عن بُعد زنتُها نحو 50 كلغ من المواد المتفجّرة، في منطقة رأس السرج بعد ساعات على توقّع قائد الجيش العماد جان قهوجي تجدّد المعركة العسكرية مع المسلحين. كذلك نفّذ الجيش سلسلة مداهمات في مناطق الشمال والجنوب وكسروان والمتن وضواحي العاصمة.

المخاطر الأمنية

وتوقّفت مراجع أمنية وعسكرية أمام حجم عمليات الدهم التي تقوم بها القوى العسكرية في مناطق لبنانية عدّة، ولفتت الى أنّ المخاطر الأمنية متوقّعة في أيّ منطقة وفي أيّ لحظة، وأنّ مواجهتها بالخطوات الاستباقية لها أهميتها وقد أثبتت نجاحَها في أكثر من منطقة من لبنان.

وقالت هذه المراجع لـ«الجمهورية» إنّ «الظرف يُحتّم على القوى العسكرية عدم إهمال أيّ رواية أو معلومة أمنية مهما كان حجمها، فالإرهاب العابر للقارات والدول الكبرى يدفعنا إلى اتّخاذ العِبر والتعاطي معه بحجم قدرته على تجاوز الحدود والأجهزة الإستخبارية الدولية في أكثر من منطقة في العالم».

وأضافت «أنّ أهمية المداهمات الجارية لا يمكن النظر اليها من منظار كلّ حادثة بحدّ ذاتها، وإنّ أهمّيتها تبرز في أنّها عملية مترابطة ومتكاملة، وهي واحدة في التوجّه والهدف على مستوى لبنان بأكمله.

ولفتت هذه المراجع الى أنّ مداهمات البقاع قادت الى مثيلات لها في الجنوب والشمال وجبل لبنان، «فالشبكات مشتّتة بطريقة تمتدّ على مساحة الوطن ككُل، وهو أمر كشفَته عملية التنسيق القائمة بين الأجهزة كافة».

مصدر أمني لـ«الجمهورية»

وفي السياق نفسه أيضاً أكّد مصدر أمني رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «حملة المداهمات التي قام بها الجيش في المناطق اللبنانية كافة، تأتي قبل العيد، وفي إطار التدابير الاحترازيّة»، لافتاً إلى أنّ «الجيش رفعَ من مستوّى جهوزيته، واتّخذ تدابير استثنائية لحماية دُور العبادة والمؤسسات الدينية كافة ومن مختلف الطوائف، لكي لا يكون للإرهاب متنفّساً، أو يستغلّ فترة الأعياد، وقد أسفرَت المداهمات عن توقيف عدد كبير من المشتبَه بهم، ويتمّ التحقيق معهم».

وأكّد المصدر أنّ «خلية باب التبانة باتت معروفة ومراقبة بشدّة، وقائد الجيش العماد جان قهوجي أراد توجيه رسالة واضحة من أنّ تحرّكاتها تحت رصد مخابرات الجيش، حيث نراقب عناصرَها، خصوصاً في فترة الأعياد، لكنّنا ننتظر الوقت المناسب للانقضاض عليها، حيث إنّ الجيش لا يهوى هدرَ الدماء أو تعريضَ كلّ منطقة التبانة للأذى».

وأشار إلى أنّ «متفجّرة عرسال اليوم مركَّبة من مواد متفجّرة مختلفة، ووُضعَت بقرب أحد مراكز الجيش، وتأتي ضمن سلسلة الاعتداءات على الجيش، لكنّ جهوزيتنا أفشلت مخطط تفجيرها».

قائد الجيش والسفير الإيراني

ومن جهة ثانية أوضحَ المصدر أنّ «قائد الجيش بحثَ والسفيرَ الإيراني محمد فتحعلي في الإطار العام للهبة الإيرانية، ولم يدخلا في التفاصيل، كما لم يسلّم الملحَق العسكري للسفارة الإيرانية أيّ لائحة مطالب أسلحة، لأنّ الهبة ستسلك الأطرَ القانونية للتنفيذ عبر الحكومة التي ستناقشها مع طهران».

البلد ممسوك

في الموازاة، عبَّر مصدر وزاري لـ»الجمهورية» عن ثقته بأنّ المخاطر الأمنية التي تهدّد بعض المناطق اللبنانية ما زالت موضعية»، وقال: «لن يكون لأيّ حادث، مهما كان حجمه أيّ انعكاس على أمن البلد ككُل، بمعنى أنّه لن يكون لأيّ اعتداء على أمن اللبنانيين تردّدات في مناطق أخرى.

فالمراجع السياسية والأمنية تستظلّ الحماية الدولية، وهي مقتنعة ومستعدّة للقيام بما يلزم لمنع حصول ما يدلّ إلى أيّ شكل من أشكال المواجهة المذهبية بين اللبنانيين، بالإضافة الى الجهوزية التي تتمتّع بها القوى العسكرية لحسم أيّ اعتداء، أياً كان حجمه في الداخل أو على الحدود».

وقال المصدر «إنّ المخاوف التي عبّر عنها البعض مبرّرة، لأنّها تقع في الإطار السياسي ومن ضمن رؤيته للأمور من زاوية محدّدة، لكنّ ذلك يجب أن يكون دافعاً لإمرار الاستحقاقات الكبرى، ولا سيّما انتخاب رئيس جمهورية جديد بدل التلهّي بما يمكن اعتباره استغلالاً للأحداث التي تعيشها المنطقة، فإمكانية الاستفادة منها في الداخل اللبناني ضربٌ من الجنون، وما هو مقدَّر للداخل محتوم وفقَ المعادلات القائمة ولن تُبدّله تطوّرات الخارج أياً كان حجمها، ومَن يحلم بالسيطرة على البلد من خلال الخارج، مشروعه فاشل.

فالتوازنات الداخلية والديموغرافية والطائفية دقيقة، وهي تدعو الجميع الى المواجهة الشاملة مع الإرهاب وسدّ الثغرات في الجسم الداخلي السياسي والإداري والأمني للبلد وعلى مستوى المؤسسات الدستورية».

إنكفاء الحركة السياسية

سياسياً، تنكفئ الحركة نسبياً بفعل دخول البلاد في عطلة عيد الأضحى التي تمتدّ حتى منتصف الأسبوع المقبل، لتبقى قضية العسكريين المخطوفين في دائرة الضوء، مع قرار أهاليهم الإبقاءَ على طريق ضهر البيدر مقطوعة، متوعّدين بتصعيد أكبر، بعدما نقلَ إليهم وزير الصحة وائل ابو فاعور حصيلة مداولات مجلس الوزراء.

وتحدّث أبو فاعور عن «إجماع حكومي على ضرورة تحرير العسكريين بكلّ الوسائل المتاحة»، مشيراً إلى «أنّ هذه القضية تتقدّم الأولويات، ولا أحد في الحكومة يستخفّ بهذه المحنة».

وأكّد أنّ «النقاش كان إيجابياً، لكن لم يتمّ البتّ بقضية المقايضة»، موضحاً أنّه «تمّ منح الثقة الكاملة لرئيس الحكومة تمّام سلام والمدير العام للأمن العام عباس ابراهيم لاستكمال المفاوضات، وحتى اللحظة ما زلنا في

بداية «حُسن النية» ونأمل في الوصول إلى خاتمة سعيدة». وقال: «الوزراء أجمعوا على أنّ هذه القضية وطنية، ولم يتمّ البتّ بموضوع المقايضة». وأضاف: «الأهالي يعرفون أنّ مسألة قطع الطريق باتت عبئاً كبيراً عليهم وعلى اللبنانيين، وهم يقرّرون ما هو مناسب». وأعلن أبو فاعور أنّ «الحركة القطرية إيجابية، شاكراً للدوحة جهودَها، لافتاً إلى «أنّ الأمور لا تزال على إيجابيتها في المرحلة التمهيدية».

سلام

وكان سلام اتّصلَ بأبو فاعور في أثناء زيارته إلى الأهالي المعتصمين، وأعربَ لهم، وفق ما جاء في بيان مكتبه الإعلامي، «عن حرصه الدائم ومنذ بداية أحداث عرسال على التواصل مع كلّ عائلات العسكريين الأبطال، في إطار السعي إلى اتّخاذ الإجراءات والخطوات اللازمة للحفاظ على حياتهم، بما فيها التفاوض مع الجهة الخاطفة لتأمين إطلاق سراحهم، علماً أنّ الأمر ليس بالسهولة والسرعة التي نتمنّاها لاعتبارات عديدة».

وذكرَ البيان أنّ سلام «منذ البداية لم يلتزم بوعود غير قادر على ضمانها، وأنّه حرصَ على اعتماد الشفافية في مواجهة هذا الملف المعقّد والشائك والخطير، وأنّه تمنّى على الجميع ضبطَ النفس والاعتناءَ بالمواقف والتصريحات رأفةًَ بحياة العسكريين وحرصاً على التقدّم في المفاوضات التي تتطلب درجة عالية من التكتّم والسرّية لإفساح المجال للتوصّل إلى حلّ».

كذلك أعربَ سلام «عن تفهّمه الكامل للمواقف التي يتّخذها أهالي العسكريين، وأوصاهم منذ البداية، أن يبقوا على أصواتهم مرتفعة، ويستمرّوا في المطالبة بالإفراج عن أبنائهم، متضامنين مع الدولة حكومةً وجيشاً ومؤسسات أمنية في مواجهة أعداء الوطن في جبهة داخلية متراصّة موحّدة»، وحيّا سلام جهود أبو فاعور في التواصل مع الاهالي، مشيداً «بحكمته ومتابعتِه الحثيثة لهذا الملف الدقيق». وكان سلام قد عرضَ في السراي الحكومي مع سفير الولايات المتحدة الأميركية في لبنان ديفيد هيل تطورات الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة.

الحريري

في هذا الوقت، دعا الرئيس سعد الحريري إلى إنهاء محنة أهالي العسكريين المخطوفين والإسراع في ابتكار المخارج التي تضمن إعادتهم سالمين، واعتبر أنّ هذه المسؤولية تستحقّ الإجماع والمبادرة لاتّخاذ القرار الحاسم مهما غلا الثمن.

وأكّد الحريري أنّ لبنان يحتاج «إلى قرار بإعلاء المصلحة الوطنية على مصالحنا الطائفية والسياسية، وهذا أمر لن يتحقّق إلّا من خلال إعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها، والالتفاف حول الجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية، بصفتِها القوى المسؤولة حصراً عن التصدّي للإرهاب وكلّ أشكال التعدّي على السيادة الوطنية».

«حزب الله»

من جهته، أملَ رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك أن «تكون الإشارات الإيجابية التي تلوح في الأفق، مقدّمة للإفراج عن جميع المخطوفين من العسكريين وأن يعودوا إلى اهاليهم سالمين مُصانين»، وطالبَ الحكومة ورئيسَها «الذي نحترم ونقدّر» بتفعيل هذا الملف بكل جهد. وتوجّه الى أهالي العسكريين المخطوفين بالقول «إننا معكم، ألمُكم ألمُنا وسهرُكم سهرنا، وأبناؤكم هم أبناؤنا، ونعمل مع المعنيين ونبذل كلّ جهد لتحقيق النهاية السعيدة وعودة الأحبّة بخير وسلام».

توقّعان

وبعيداً من الهَمّ الأمني، يسود الأوساط السياسية توقّعان: الأوّل متفائل بإمكان حصول صفقة التمديد النيابي وانتخاب رئيس جمهورية جديد في آن معاً، والثاني متفائل بحصول التمديد ويستبعد انتخاب الرئيس العتيد قبل تبدّد غبار المعركة ضد «داعش» في سوريا والعراق.

لكنّ مصادر واسعة الاطّلاع تؤكّد انّ الموضوع الرئاسي ما زال يحتاج الى مزيد من البحث والتشاور داخلياً وخارجيا، خصوصاً بعدما بات مؤكّداً أنّ إمكانية التفاهم الداخلي مستبعَدة من دون الإيحاءات الخارجية، وهذا ما يدفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى تكرار القول امام زوّاره إنّ اللبنانيين ضيّعوا فرصة الاتفاق في ما بينهم على رئيس جديد، وإنّه بات من المستحيل أن يحصل هذا التوافق من دون تدخّل خارجي.

لكن ثمّة مَن يتوقّع حصول تطوّر ما قد يساعد على انتخاب الرئيس العتيد في موعد أقصاه 20 تشرين الثاني المقبل، حيث تنتهي ولاية المجلس التي ستُمَدّد مجدداً بالمقدار الذي حدّده اقتراح النائب نقولا فتوش، وهو استكمال الولاية، أي حتى حزيران 2017.

وفي هذا الإطار، تتّجه الأنظار الى الحركة الداخلية التي يقوم بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، وهي حركة منسّقة مع برّي، وتركّز، على رغم التعتيم عليها، على إيجاد مناخات سياسية تتيح الاتّفاق على شخص الرئيس العتيد.

وفي الوقت الذي ترَدّد أنّ جنبلاط سيلتقي الحريري في باريس، أوضحَ الحزب التقدّمي الاشتراكي في بيان طبيعةَ زيارة رئيسِه، فأكّد «أنّه يتوجّه إلى باريس في زيارة خاصة وليس على جدول أعماله أيّ لقاءات سياسية»، مبدياً أسفَه «أن يكون الواقع صادماً لبعض المخيّلات الخصبة من ذوي الاهداف الخاصة ممّن يقفون خلف بعض الإعلام الذي يدّعي الرصانة».