لا يمكن الحديث عن تجاوز قطوع حكومي على أثر السجال بين وزير العدل أشرف ريفي ووزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش، بقدر الكلام عن طيّ الصفحة السجالية التي بدأت مع الذكرى العاشرة لانطلاق 14 آذار والحملة التي شنّها «حزب الله» على الرئيس فؤاد السنيورة، وانحسرَت مع جلسة الحوار الثامنة، وطوِيَت مع جلسة الحكومة أمس. وفيما من المتوقّع أن يتكرّر هذا النوع من السجالات في مناسبات أخرى تبعاً للتطورات والمواقف السياسية، إلّا أنّ الأمور ستبقى تحت السيطرة في ظلّ رغبة الطرفين بمواصلة الحوار وتطويره لتجنيب لبنان الكوارث الحاصلة على امتداد المنطقة. ولكنّ الجديد الحكومي أمس كان قبول مجلس الوزراء ترشيحَ سفراء على أن يقدّموا أوراق اعتمادهم عند انتخاب رئيس جمهورية، وذلك في سياق التطبيع مع الفراغ في ظلّ الحاجة إلى تسيير شؤون الدولة. ومع انطلاق عجَلة التشريع مجدّداً عاد التركيز على القضايا الحياتية والاجتماعية، وقفزَ ملفّ موازنة العام 2015 إلى الواجهة، بعدما قرّرت الحكومة عَقد جلسة في 16 نيسان المقبل لمناقشة مشروع الموازنة وإحالته إلى المجلس النيابي للمناقشة والإقرار.
إرتفعَ منسوب التفاؤل في اليوم الخامس من محادثات لوزان بعد الحديث الاميركي ـ الايراني عن تقدّم طفيف في المفاوضات النووية في لوزان، على رغم وجود صعوبات وإمكان التوصل إلى صيغة توافقية تمهّد لتوقيع اتّفاق سياسي في 31 آذار قبل الانتقال الى مرحلة إعداد اتفاق نهائي وكامل من المقرّر أن يتمّ التوصّل إليه بنهاية حزيران، في وقتٍ نفى مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الاميركية الخميس وجود مسوّدة اتفاق حتى الساعة مطروحة في المفاوضات.
وفي خِضمّ الانشغال بمسار التفاوض النووي، أطلّ تنظيم «داعش» في تسجيل صوتيّ متبنّياً الهجوم على متحف باردو في تونس، والذي لاقى مزيداً من ردّات الفعل الدولية المستنكرة، ودخل لبنان على خط الاستنكار فأبرَق مسؤولوه الى الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي معزّين بالضحايا، وأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري تضامنَه مع القيادة والشعب التونسيين في وجه الجماعات الارهابية التكفيرية، ووصفَ رئيس الحكومة تمّام سلام الهجوم بأنّه عمل همَجي، وأبدى الرئيس سعد الحريري ثقته بأنّ «الشعب التونسي سيواجه هذا العصف الإرهابي بمزيد من الوحدة والتماسك، فيما دعا «حزب الله» الجميع الى الوقوف صفّاً واحداً والعمل على المستويات كافّة في مواجهة الإرهاب والتكفير.
الاستحقاق
لبنان الذي ينتظر مسار الأحداث الدولية والإقليمية عموماً ونتائج التفاوض النووي خصوصاً، يبقى ملفّه الرئاسي عالقاً. وجدَّد مجلس الأمن دعوته الاطراف السياسية في لبنان الى انتخاب رئيس للجمهورية سريعاً، وإلى «النأي بأنفسهم عن أيّ تدخّل في الأزمة السوريّة».
ونقلَ زوّار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه أنّ الموضوع الرئاسي هاجس وطنيّ، بل إنّه بمثابة همّه اليومي. وما دعواته المتكرّرة للانتخاب، إلّا من قَبيل وضع الجميع أمام مسؤولياتهم الدستورية والوطنية، إذ لا يمكن تجاهل هذا الاستحقاق لأنّه يأتي في صلب الواجبات الوطنية.
من جهته، جَدّد رئيس الحكومة تمام سلام المطالبة بضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد بعدما طالت فترة الشغور، وانعكسَ ذلك سلباً على عمل المؤسسات الدستورية كافّة، في اعتبار أنّ لرئيس الجمهورية دوراً أساسياً في انتظام عمل هذه المؤسسات لأنّه رأس الدولة وحامي الدستور ورمز وحدة الوطن.
جعجع
بدوره، ردّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على المنسّقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغرد كاغ، بالقول عبر «تويتر»: «سيّدة كاغ أرجو أن تضَعي إصبعَك على الجرح، واذهبي مباشرةً إلى إيران، فهي التي تعرقِل الانتخابات الرئاسية لا السعودية، مع دعوتي بالتوفيق».
إيران
وفي هذه الأجواء، قالت المتحدّثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، ورَدّاً على سؤال حول ما أشِيعَ أخيراً عن حذفِ اسم إيران و»حزب الله» من قائمة التهديدات الأمنية في أميركا: «إنّ التقارير الواردة بهذا الشأن غير مهمّة، لأننا لم ولن نكوِّن أبداً أيّ تهديد لأية دولة في العالم، بل الجمهورية الإسلامية الايرانية تُعَدّ من الدول الرائدة في مكافحة الإرهاب، وهي تعارض إزدواجية المعايير في التعريف السياسي للإرهاب».
وأضافَت: «أمّا حزب الله فهو مقاومة شعبية مشروعة في لبنان ضدّ المعتدين والكيان الصهيوني، ونحن لا نقبَل وصفَه بالإرهابي، فهو منظّمة شعبية جاءت من المقاومة المشروعة للشعب اللبناني».
عودة هيل
وفي هذه الأجواء، كشفَت مصادر ديبلوماسية أنّ الأسبوع المقبل سيشهَد عدداً من التحرّكات الديبلوماسية التي يمكن أن تضيء كثيراً ممّا هو خافٍ حتى اليوم، خصوصاً على مستوى النتائج المترتّبة على مفاوضات لوزان.
وقالت إنّ بوادر استعادة الحركة الديبلوماسية وحجم انعكاساتها على الساحة اللبنانية ستتجَلّى بعودة السفير الأميركي إلى بيروت دايفيد هيل منتصَف الأسبوع المقبل بعد أن يكون أمضى أسبوعاً في بلاده حيث التقى كبارَ المسؤولين في الإدارة الأميركية.
وأوضحَت أنّ عودة هيل لا تعني أنّه سيعود إلى لبنان نهائياً، فهو لم يتبَلّغ بعد قرارَ نقلِه الى العاصمة الباكستانية رسمياً، لكنّ التعيين يحتاج بعض الإجراءات الروتينية، ومنها موافقة الكونغرس على هذه المهمّة وموافقة البلد الذي سيقصده، وهي إجراءات قد تدوم نحو الشهر تقريباً، يمكنه خلالها القيام بجولة وداعية على المسؤولين اللبنانيين.
… والسفير السعودي
وكشفَت المصادر كذلك أنّ السفير السعودي علي عواض عسيري سيعود الى بيروت في الساعات المقبلة، بعدما أمضى عشرة أيام في الرياض والتقى كبارَ المسؤولين في القيادة الجديدة للمملكة وناقشَ معهم التطورات الجارية وتلك المرتقبة على ساحة المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
وسيَجول عسيري فورعودتِه على عدد من المسؤولين الرسميين والقيادات السياسية والحزبية ويتشاور معهم في مستجدّات الوضع في لبنان والمنطقة.
إنتكاسة حكومية
في هذا الوقت، انتكسَت الحكومة في ثالث جلسات تقليعتِها الجديدة إلى السراي الحكومي. فعلى رغم دوزَنة «عين التينة» للمواقف الفاقعة وإعادة نِصاب الأمور إلى سكّة الحوار، بقيَت تصريحات وزير العدل اللواء أشرف ريفي لصحيفة «الوطن» السعودية خارجَ القطار، وهو، وإنْ استبَق الجلسة بتوجيه ضربة على الحافر من خلال التحيّة لرئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة والمجلس الوطني لـ 14 آذار، وضربة على المسمار من خلال التحيّة للرئيس سعد الحريري وللحوار، إلّا أنّه جُوبِه داخل الجلسة بعتابٍ قاسٍ من وزير «حزب الله» محمد فنيش، لم يكن على قدر المحبّة.
فنَيش
فقد بادرَه فنَيش بلهجة حادّة، مستفسِراً مواقفَه التي اتّهمَ فيها من السعودية «الحزبَ بتبييض الأموال وتهريب البضائع والتهرّب من الضرائب.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ فنيش قال لريفي: «ما معنى هذا الكلام ونحن في حكومة وحدة وطنية؟ إنّها اتّهامات سياسية لا أدلّة عليها، فإذا كنتَ تملك الأدلّة ولا تُبرِزها فهذا تواطؤ، وإذا كنتَ لا تملكها فهذا كذِب وافتراء».
ردّ ريفي
فردَّ عليه ريفي بأنّه يملك الأدلّة، مُركّزاً على مرفأ بيروت والتجاوزات الحاصلة فيه، واستحضَر أكثر من ملف اتّهمَ فيه الحزب بشكل مباشَر أو غير مباشر.
خليل
وهنا تدَخّل الوزير علي حسن خليل، وطلبَ بحِدّة من ريفي إبرازَ الأدلّة، قائلاً: «أنا منذ أن فتحتُ ملفّ المرفأ والجمارك بُحَّ صوتي وأنا أطلب تزويدي بالمخالفات وبالأدلّة، فإذا كنتَ تملكها ولا تقدّمها فهذا تواطؤ ولا معنى آخر له، وإلّا فمِن غير المقبول إطلاق الاتّهامات جزافاً».
سلام
وسادَت الجلسة أجواء من التوتّر طلبَ فيها رئيس الحكومة التوقّف فوراً عن السجال، قائلاً: «من أجل المصلحة الوطنية ومن أجل حكومة الوحدة الوطنية ووحدة مجلس الوزراء أطلبُ منكم التوقّف حالاً عن هذا السجال».
المشنوق
وآزرَ وزير الداخلية نهاد المشنوق سلام، فطلبَ مِن فنيش وريفي تجاوزَ الموضوع قائلاً: «إنّ وضعَ البلد لا يسمح بهذا التشنّج ولا يمكن الاستمرار في الحديث بلغةٍ استفزازية، فنحن في حكومة ائتلافية، عندما تشَكّلت كنّا جميعاً متوافقين على أنّ المرحلة صعبة ونحن سنواكبُها بتضامن».
خليل
ثمّ قال خليل: «أنا سأتوجّه بعد قليل إلى مرفأ بيروت وسأقوم بجولة على الأقسام وسأعقد مؤتمراً صحافياً، ونحن عازمون على محاربة الفساد».
فأجاب ريفي: «الحِرص على الوحدة لا يعني أنّنا سنتخطّى الاستراتيجية التي اتّبعناها وسنسكت عن التجاوزات». وقال ريفي لـ«الجمهورية: «سنبقى نناضِل لقيام الدولة وإلغاء الدويلة».
ملفّ المبعَدين
وكان مجلس الوزراء استهلّ نقاشَه بملف اللبنانيين المبعَدين من الإمارات، ولفتَ سلام الى أنّه بحثَ هذا الأمر مع رئيس حكومة الإمارات الذي نوَّه بدور اللبنانيين في الإمارات. وأكّد أنّه سيُتمّ متابعة التدابير المتّخَذة وإجراء الاتصالات اللازمة مع السلطات الإماراتية للوقوف على ظروفها وأسبابها.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ سلام وضَع الوزراء في أجواء ما تبَلّغَه من الإمارات مِن أنّ قرارها يعود لأسباب تراكمية، وليس اللبنانيون فقط هم المبعدون، فهناك خمسة آلاف من جنسيات أخرى، وهي قرارات تتعَلّق بالأمن القومي».
بتِدعي وسُفراء
إلى ذلك، أرجَأ المجلس إحالة جريمة بتدعي على المجلس العدلي إلى الأسبوع المقبل، كذلك أرجَأ البحث في ملف تسوية وضع الأساتذة المتعاقدين لضِيق الوقت، ومدّدَ ثلاثة أشهر للميكانيك تحضيراً لإجراء المناقصات من دون أيّ اعتراض وزاريّ.
وقبلَ المجلس ترشيحَ سفراء كلّ مِن كينيا والسويد والعراق، على أن يقدّموا أوراق اعتمادهم عند انتخاب رئيس جمهورية. كون المجلس لا يملك صلاحية قبول أوراق اعتماد ضمن صلاحياته المنقولة.
مولير
وكان سلام استقبلَ صباح أمس في السراي وزيرَ التعاون والتنمية الاقتصادية الألماني غيرهالد مولير على رأس وفد، في حضور سفير ألمانيا كريستيان كلاجس، وتناوَل البحث تعزيزَ العلاقات الاقتصادية وتوطيدَ آفاق التعاون بين البلدين. وبعد اللقاء أكّد مولير أنّ «بلاده تقف إلى جانب لبنان في تعامله مع المشاكل الكبيرة الناتجة عن مسألة اللاجئين»، مقدّراً «الجهود المبذولة من قبَل لبنان حكومةً وشعباً في هذا المجال».
وأضاف: «أكّدتُ أنّنا سنقدّم مبلغاً يعادل 55 مليون يورو، وسنناقش في الكويت، وبالتعاون مع المنظمات الدولية، الدعم الإقليمي بمبلغ قيمتُه 52 مليون يورو لاستخدامه في مجال البنية التحتية، مثل مياه الشَفة والصَرف الصحي والنفايات، وهذا يخدم اللاجئين، ولكن نريده أيضاً أن يخدمَ الشعب اللبناني
مصدر عسكري رفيع
وفي شأن المساعدات العسكرية للجيش، أوضَح مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ «الهبة السعودية سَلكت طريق التنفيذ، وقد أنهى الجيش والشركات الفرنسيّة وضعَ اللمسات الاخيرة لبَدء تسَلّم الأسلحة، حيث إنّ التسليم سيمتدّ على مدى 3 سنوات».
وأكّد المصدر أنّ «مهمّة وفد الضبّاط الفرنسيين الذي يصل بيروت اليوم، هي تدريب الجيش اللبناني على كلّ أنواع الأسلحة التي سيستلمها، وسيبقى في لبنان وقتاً طويلاً، لأنّ الصفقة كبيرة وتحتاج إلى متابعة فرنسيّة مختصّة»، موضِحاً أنّ «الفرنسيين أبدوا حِرصَهم على تسليم الجيش اللوائحَ التي طلبَها، إنسجاماً مع الدعم الفرنسي الدائم للبنان، ومع القرار الدولي المتّخَذ بتسليح الجيش».
ومن جهة أخرى، لفتَ المصدر إلى أنّ «حادث قتل أهالي عرسال لقياديّ في «داعش» أمس الأوّل يعطي إثباتاً إضافياً على أنّ العرساليين ليسوا بيئةً حاضنة للإرهاب، إنّما يحتضنون الجيش ويتصَدّون للإرهابيين الذين أخذوا قسماً مِن بيوتهم وجرّافاتهم وأملاكهم الخاصة».
ملفّ الموازنة
على صعيد آخر، قفَز ملف موازنة العام 2015 إلى الواجهة، بعدما قرَّرَت الحكومة عقدَ جلسة في 16 نيسان المقبل ستكون مخصّصة لمناقشة مشروع الموازنة المرفوع إليها من وزراة المالية، وإحالته الى المجلس النيابي للمناقشة والإقرار.
تزامُناً، عاد الى التداول والنقاش موضوع قطعِ الحساب، أو ما صار يُعرف بأزمة الـ11 ملياراً التي تمّ إنفاقها بين 2006 و2009. وعاد السؤال مطروحاً إذا ما كان تأمَّنَ الاتفاق حول إنهاء هذا المشكلة. وبالتالي، كيف يمكن إقرار موازنة من دون إنهاء قطع الحساب؟
وزير العدل السابق ابراهيم نجّار أوضَح لـ«الجمهورية» أنّه من واجب مجلس الوزراء مناقشة وإقرار موازنة 2015، وأنّ قطعَ الحساب أو تبرئة ذمّة الحسابات السابقة لا يؤثّر على إقرار الموازنة من قبَل الحكومة، بل يؤثر فقط على إقرارها في المجلس النيابي.
وأشار الى أنّه تمَّ الاتفاق في الماضي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على «فزلكة» الموازنة من أجل تغطية كلّ حسابات السنوات السابقة، أي قطع الحساب.
وفاة رستم غزالي؟!
وفي سياق آخر تردّدَت معلومات مساء أمس، لم تؤكّدها أيّ جهة سوريّة رسمية، عن وفاة اللواء رستم غزالي، رئيس شعبة الأمن السياسي سابقاً، وأحد أهمّ أركان نظام الرئيس بشّار الأسد، وأحد المتورّطين بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، في إحدى المستشفيات في دمشق، والتي أُدخِل إليها في ظروف غامضة.
وقال الناطق السابق باسم الجيش الحر لؤي مقداد إنّ تقريراً طبّياً، أفاد بأنّ غزالي أصابَته جرثومة، أو سُمِّم عمداً، أو انهارَت وظائف جسمِه الحيوية، نتيجة ضربِِ مبرّح.
وكان غزالي قد دخلَ مشفى الشامي، بعد أنباء عن خلاف حادّ بينه وبين اللواء رفيق شحادة رئيس شعبة المخابرات العسكرية، انتهى بتعرّض غزالي لضرب مبرّح، ساءَت حالته الصحّية على إثره، وهو ما تزامنَ مع استغناء الأسد عن خدماته كرئيس لـ»الأمن السياسي»، وكمنسّق مع «حزب الله»، وتعيين اللواء زهير الحمد، الذراع اليمنى لعلي مملوك، خَلفاً له.