الحدَثُ الإقليمي خطفَته الانتخابات التركية التي شكّلَت تحَوّلاً في المشهد السياسي ستكون له انعكاساتٌ داخلية وخارجية كبرى، وأظهرَت أنّ الثقافة الديموقراطية متجَذّرة في الشعب التركي، وأمّا الحدث المحَلّي فهو التعطيل الحكومي الذي يَصعب التكهّن بما سيؤول إليه في ظلّ التصعيد المتواصل لرئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الذي يُلوِّح باستخدام الشارع، ورفض معظمِ القوى السياسية التسليم بمطالبه، وميل رئيس الحكومة تمّام سلام لإعطاء كلّ الوقت اللازم للاتصالات والمشاورات مِن أجل الخروج من الأزمة المستجدّة، ولكن كلّ المؤشّرات تفيد أنّ الخروج من الأزمة الأخيرة مسألةٌ في غاية الصعوبة، وأنّ الرئاسة الثالثة انضَمَّت فعلياً إلى الرئاسة الأولى، وأنّ الحلول الممكِنة لن تتجاوز تصريفَ الأعمال لتَسييرِ شؤون الناس بالحَدّ الأدنى، وأنّ رغبة القوى الخارجية باستمرار الحكومة لن تتحقّق، فيما الاستقرار الذي يُشَكّل مطلباً أساسياً لديها سيَبقى العنوانَ المشترَك بين الجميع، وقد يكون من مهمّة الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» تحصينُه. ولكن في مطلق الأحوال، الحكومة اليوم موضوعةٌ في غرفة الإنعاش، والمساعي المحَلّية معطوفةً على الخارجية مستمرّة لإعادة إنعاشها، واستطراداً تفعيلِها، خصوصاً أنّها الإطار الدستوري المتبَقّي بعد الرئاسة والمجلِس، قبل الانزلاق إلى الشَلل التامّ.
حمادة لـ«الجمهورية»: سلام سيَجمع الحكومة حتماً حتى لو غابَت عنها بعض المكوّنات التي لا حجّة لها فيما ظلّ الملفّ الرئاسي على جموده، مع تذكير «حزب الله» المتجدّد على لسان نائب أمينِه العام الشيخ نعيم قاسم بمعادلة: «إمّا انتخاب عون رئيساً للجمهورية وإمّا الفراغ»، يَبقى الترَقّب سيّد الموقف في انتظار جلاء الغموض الذي يلفّ مستقبلَ العمل الحكومي ومعرفة نتائج المساعي الحميدة التي فُتِحت على مصراعيها في الساعات الأخيرة بعدَ قرار رئيس الحكومة عدمَ الدعوة إلى جلسةٍ لمجلس الوزراء هذا الأسبوع».
وقبلَ يومين على الموعد التقليدي للجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء، قالت مصادر مطّلعة لـ»الجمهورية» إنّ رئيس الحكومة لن يوَجّه الدعوة إلى مجلس الوزراء للانعقاد، لا هذا الخميس ولا الخميس الذي سيَليه، ما لم تطرَأ ظروف استثنائية تشَجّعه على مِثل هذه الخطوة.
وأضافت: طالما إنّ الأجواء على هذه النسبة العالية من التوتّر الذي يمكنه أن يهدّد التضامن الحكومي الهشّ القائم بحَدّه الأدنى، والبلاد لا تَحتمل تفجيرَ الحكومة من الداخل، لذلك سيَترك سلام الوقتَ الكافي للمعالجات الجارية على أكثر من مستوى لترتيب الأمور قبل أن يوَجّه الدعوةَ إلى جلسة عادية لِبَتّ قضايا أساسية مهمّة لا تَحتمل الانتظار أو التأجيل، لِما تتّصفُ به من عجالة، فلدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء كثيرٌ من المشاريع والاقتراحات والمراسيم التي لا يمكن تجاوز مهَل معيّنة مِن دون إصدارها، عدا عن الوضع الإداري والمالي الذي يمكن أن يَتعثّر في بعض المؤسسات ما لم تُبَتّ مطالبُها وحاجاتها في وقتٍ قريب.
شريط الاتصالات
وفي حركة الاتصالات، أمس، تَنقّلَ وفدٌ من كتلة «المستقبل» بين عين التينة ومعراب والأمانة العامة لقوى 14 آذار، طارحاً هواجسَه «العرسالية» مؤكّداً التفاهمَ مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي على ضرورة استعادة تفعيل عمل المؤسسات في أقرب وقت، وتشريع الضرورة وعمل مجلس الوزراء، على أن يزورَ الوفدُ اليوم الصيفي ويلتقي رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل.
حرب
أمّا في السراي الحكومي، فنَقل وزير الاتصالات بطرس حرب إلى رئيس الحكومة نتائجَ اجتماع اللقاء التشاوري الذي عقِد الأسبوع الفائت، مؤكّداً «الحاجة الملِحّة لانعقاد مجلس الوزراء، فلا نستطيع تغييبَ الحكومة وتعطيلَها مهما كان المطلب محِقّاً». وأوضَح أنّه لم يبحث مع سلام في آليّة جديدة، لأنّ الآليّة موجودة في الدستور الذي ينصّ على أنّ رئيس الوزراء هو مَن يضع جدولَ الأعمال.
التكتّل
في غضون ذلك، تشخصُ الأنظار اليوم إلى الاجتماع الأسبوعي لـ»التكتّل» في الرابية، والذي سيُجري تقييماً للوضع ودرس كيفيّة مواجهة الأزمة الحاليّة والتعاون مع المرحلة المقبلة.
وعشيّة الاجتماع قالت مصادر «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» إنّه منذ نشوء الأزمة الحكومية حتى اليوم لا مساعيَ مع الرابية للدخول في حلول. وإذا لم يتواصَلوا معنا فمعناه أنّهم يَعتبرون المشكلة هي في مكان آخر، لأنّنا لسنا نحن الجهة المعطّلة ولم نُخِلّ باتّفاقات ولم نتّخِذ قرارات لتعطيل القرارات الأمنية. يمكن أن تكون المساعي في مكان آخر ونحن بانتظار نتائجها.
واستبعَد وزيرُ التربية الياس بو صعب أن يقرّ رئيس الحكومة أيّ قرار من جدول الأعمال تعترض عليه أربعُ مكوّنات رئيسية في الحكومة. وقال لـ«الجمهورية»: إنّها أمنياتُ البعض، ولكن من باب الوَهم أن يفكّروا بأنّهم يستطيعون السيرَ بالعمل الحكومي في غياب رئيس جمهورية، بلا مكوّنات أساسيّة مثل «التيار الوطني الحر» و«المرَدة» و«الطاشناق» و«حزب الله» وفي ظلّ وجود ملفّات أساسية.
إنّ طموحَ البَعض بأخذ البلدَ إلى حكومة الفريق الواحد، من سابع المستحيلات في هذه الظروف، ونُطَمئن الغيارى إلى أنّنا لن نغيبَ عن أيّ جلسةٍ لمجلس الوزراء فليَحصروا تفكيرَهم في كيفية العمل معنا على هذا الأساس.
وكما نحن لا نسمَح لأحد بأن يتعرّض لصلاحية رئيس مجلس الوزراء وهي معروفة وواضحة لا أحد يفرض علينا قرارات بالقوّة. واستغربَ بوصعب من جهةٍ أخرى كلامَ الوزير بطرس حرب الذي يقول إنّه لا يمكن لهؤلاء الفرَقاء مجتمعة عرقلة عملِ الحكومة بينما هو بمفردِه كان مُصِرّاً على عرقلةِ عمل المجلس في بنودٍ عدّة من خلال رفضِه توقيعَ مراسيم عادية، ويُدرك الجميعُ ذلك، وهنا التناقض في قناعاته».
حكيم لـ«الجمهورية»
وفي المواقف، قال وزير الكتائب آلان حكيم لـ»الجمهورية: «نحن أوّلاً ضد التعطيل، لأنّ ذلك يعني تعطيلاً لمصالح الناس اليومية، وثانياً لقد كنّا اتّفقنا من خلال آليّة العمل الحكومي على تأجيل كلّ ملفّ خلافي والتَداول فيه جانباً لئلّا يُصار إلى وقف جلسات مجلس الوزراء بسببِه. مِن هذا المنطلق نسأل لماذا اليوم نوقِف عملَ المجلس بسبب بندٍ خلافيّ؟
نحن ضدّ التعطيل، وعلينا أن نساعد الرئيس سلام قدرَ الإمكان للوصول إلى حلّ». أضاف: «لا يحقّ تعطيل عمل الحكومة بسبَب بَند خلافيّ، فنحن في حزب الكتائب اختلفنا على ملفّ النفايات وبعدَ جلسات عدّة تنازَلنا مرغَمين عن حقّ منطقيّ وعِلمي وقبلنا بـ 60 في المئة منه، للوصول إلى حلّ، عِلماً أنّ هذا الحلّ كان حَلّاً للناس وليس لي أو للحزب، بل للمجتمع اللبناني ككُلّ، والدليل المشاكل التي نواجِهها اليوم في ملف النفايات.
وهل ستنجحُ هذه الاتّصالات أم أنّ تعليقَ الجلسات سيستمرّ؟ أجاب: «نحن نتّكلُ على وعي العماد عون الذي يمكن أن تكون لديه وجهةُ نظر، لكنّنا متأكّدون أنّه يرفض الوصولَ بالبلاد إلى الخراب، ونحن مِن خلال تعطيل عملِ مجلس الوزراء، خصوصاً أنّه المؤسسة الوحيدة التي تعمل الآن، سنَصل إلى الخراب ونعكسُ للخارج صورةً عاطلةً جدّاً عنّا، خصوصاً أنّنا نتلهّى بتعيينات على مناصب ومراكز ثانوية، فيما المنصب الأوّل، رئاسة الجمهورية، شاغر، أي نبرهن للجميع أن لا منطقَ لدينا في التعاطي السياسي. نحن نُعَوّل على وعيِه للوصول إلى حلّ في أسرع وقت ممكن، وفي رأينا أنّ الاتصالات الجارية اليوم يمكن أن تفضيَ إلى حلّ، خصوصاً أنّها برعاية الرئيس برّي.
حمادة
بدورِه، اعتبَر النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية» أنّ «الطموحَ الرئاسيّ عند البعض كاد يَقضي على لبنان في عامَي 88 و89، وهو يعود كالفيروس القاتل لينخرَ في جسم الجميع ولا يوَفّر أحداً».
وأضاف: «مِن المتوقّع، وهذا ما وُعِدنا به، أن يعطيَ الرئيس سلام مجالاً محدّداً في الوقت من الاتصالات السياسية الآيلة إلى جَمع الحكومة مجدّداً، وسيَجمعها حتماً حتى لو غابَت عنها بعضُ المكوّنات التي لا حجّةَ لها لا في المنطق ولا في الميثاقية لتعطيل الحكومة.
إلى جانب ذلك، سنستمرّ مع الرئيس برّي والنائب جنبلاط في محاولة إيجاد مخرَج لدورةٍ استثنائية للمجلس كي نوَفّرَ على لبنان مخاطرَ اقتصادية محدِقة، منها ما قد يصيب الماليّة العامة نسبةً للقروض، ومنها ما يهدّد القطاعَ المصرفي إنْ لم تُبرَم اتفاقية تَبييض الأموال، الأمر الذي قد يُدرِجنا على اللائحة السوداء ويَقطع التواصل بين بيروت والعواصم الماليّة.
أمام هذه المخاطر، ليَسمحْ لنا الحلفاء والخصوم بأن ينسوا، ولو لبُرهة، فخامةَ الرئيس العتيد وسعادةَ قائد الجيش الموَقّر، وليسمَحوا للبلاد والعِباد أن يَستمرّوا في العيش الكريم، إلى أن يفرجَها الله علينا وعلى طوائفنا وعلى أحزابنا.
هيل يُحذّر ويُنبّه
وفي ظلّ الأجواء الأمنية والسياسية المتوتّرة التي أثارَت موجات من القلق لدى المسؤولين السياسيين والحزبيين، واصَل السفير الأميركي دايفيد هيل جولاته على القيادات السياسية، فزارَ سلام ورئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط.
وعلمَت «الجمهورية» أنّ هيل يَجول على القيادات اللبنانية مستطلِعاً التطوّرات الأمنية والسياسية في ضوء الوضع المترَدّي في سوريا والعمليات العسكرية الجارية قبالةَ الحدود اللبنانية – السورية، ناصحاً بالسعي إلى تجنيب لبنان انتكاسات أمنية يمكن ان تكون أحداث سوريا سبباً فيها.
لافتاً إلى أنّ العالم أجمع يصِرّ على أن ينتهج اللبنانيون سياسة النأي بالنفس تجاه الأوضاع في سوريا، فما يَجري هناك له أسبابُه الدولية والداخلية، وتردّداتُه أكبر ممّا يتحمّله لبنان. وأكّدَ وقوفَ بلاده والعالم إلى جانب تحييد لبنان عن منطقة التوَتّر ولو أنّه على أطرافها، وما على اللبنانيين إلّا ملاقاة الجهد الدولي في هذا الاتّجاه لتعزيز الإستقرار في لبنان.
تسريبات انتقال المسَلّحين
أمنياً، تواصَلت المواجهات العسكرية بين «حزب الله» والمسَلّحين في جرود عرسال، وأكّد الحزب «استمرارَ معركةِ جرود السِلسلة الشرقية والقَلمون».
وفي ظلّ التسريبات التي تتحدّث عن انتقال المسَلّحين ما بين جرود القلمون والقرى اللبنانية المواجهة لها، قالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ كلّ المعلومات المتوافرة بوسائل مراقبة مختلفة ودقيقة لم تثبِت انتقالَ أيّ مِن مسلّحي الجرود إلى أحياء بلدة عرسال الداخلية التي يتوَلّى الجيش اللبناني مداخِلَها لجهة الجرود، أو المخيّمات السورية الواقعة في خارجها، وتحديداً في المنطقة العازلة بين آخر مواقع الجيش في الأراضي اللبنانية وتلال المنطقة إلى الجانب السوري من الحدود.
وأوضحَت المصادر أنّ مثلَ هذه الروايات لا تستنِد إلى أيّ معلومة دقيقة، وهي تَحتوي في توقيتها وشكلِها ومضمونِها، التحريضَ على أبناء عرسال ودَور الجيش اللبناني في البلدة، وهو الذي واصَل في الساعات الماضية دوريّاته المفاجئة في أحياء البلدة وفي المناطق التي تربط مواقعَ الجيش في ما بينَها.
ولفتَت المصادر إلى أنّ هنالك جهاتٍ دولية تراقِب المنطقة بأدقّ وسائل المراقبة، ولم تلحَظ أيّ انتقال لمجموعات مسَلّحة من مناطق القتال إلى المخيّمات القريبة منها إلّا ما ندَر، وأنّ مجموعات قتالية شاركَت في صَد هجَمات «حزب الله» في المنطقة انتقلَت إلى التلال الشرقية لمنطقة عرسال، وليس لجهة الأراضي اللبنانية، في اعتبار أنّ هناك كثيراً من التلال التي يمكنها استيعابُهم، ولن يكون ضرورياً انتقالهم إلى الأراضي اللبنانية.
ولذلك قالت مصادرُ المعلومات إنّ ما يقاربُ الـ 150 مسَلّحاً انتقلوا في الأيام القليلة الماضية ما بين الجرود ومنطقة المخيّمات المتقدّمة في جرود عرسال، وإنّ الحديث خارجَ هذا الإطار يَفتقر إلى الدقّة.
القمة الروحية
الى ذلك، إختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي زيارته الى دمشق بعدما شارك في القمة الروحية التي انعقدت في الكاتدرائية المريميّة. وأكد البيان الختامي للقمة أنّ «لبنان هو البلد الرسالة»، داعياً ابناءه الى «الإخلاص له وحده، والمسؤولين فيه الى خدمته وخدمة مصالح شعبه والعمل على إنتخاب رئيس للجمهورية يُعيد المؤسسات الدستورية ويعمل على بناء وطن يفرح به أبناؤه».
وتوجّه البيان الى المجتمع الدولي، مؤكداً «أننا اصيلون في هذه الارض ومتجذّرون بترابها الذي سقي بعرق جبين ابنائنا واجدادنا، وباقون فيها أكثر من أيّ وقت مضى، لنبنيها مع أهلها».