ما بعد الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية سيكون غير ما قبله لبنانياً وإقليمياً ودولياً، إذ يتوقّع الجميع ان ينعكس إيجاباً على الازمات في لبنان والمنطقة، وربما يكون اليمن، ومن بعده، او الى جانبه، لبنان أول المستفيدين من هذا الاتفاق، ولكنّ الاولوية يرجّح ان تكون تفعيلاً للتحالف الدولي ـ الاقليمي لمكافحة «داعش» وأخواتها كخطوة مطلوبة بإلحاح لإنهاء الازمات الاقليمية، خصوصاً في سوريا والعراق واليمن الذي يرجّح ان تنشط الاتصالات في شأنه لتوفير حلّ يطمئن المملكة العربية السعودية الى خاصرتها اليمنية، ما يؤسّس لتعاون إقليمي لمعالجة بقية الازمات.
إنصَبّت كل الانظار والاهتمامات الدولية والاقليمية والمحلية أمس على فيينا لمواكبة الحدث التاريخي الذي تمثّل بإعلان الإتفاق النووي بين ايران ومجموعة الدول الـ5+1، بعد طول انتظار وجولات تفاوضية شاقة خيضَت على مدى 12 عاماً، وشهدت مداً وجزراً وكثيراً من الكباش. واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني انّ الاتفاق «استجابة لصلوات الأمة، ونقطة انطلاق لبناء الثقة بين طهران والمجتمع الدولي».
ومع اعتراف العالم بإيران دولة نووية، ينتظر ان تشكّل هذه النقطة الكبيرة في التحوّل منعطفاً مهماً ستتأثر فيه الاحداث التي تعصف بالمنطقة بلا ريب، بعدما تمكنت طهران من تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية مهمة ستظهر تباعاً مع رفع العقوبات المفروضة عليها.
وقد سارعَ العالم، ومعه لبنان، الى الترحيب بهذا الاتفاق الذي وَصفته اسرائيل بأنه «خطأ تاريخي». واعتبر الرئيس الاميركي باراك أوباما انه أوقفَ مخاطر انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، وقال إنّ بلاده استطاعت من خلال هذه الصفقة أن تجعل العالم أكثر أمناً، مؤكداً أنّ الصفقة تستوفي الشروط التي وضعتها الإدارة للتأكد من عدم امتلاك إيران للسلاح النووي. وبَيّن أنّ الاتفاق يمكّن المجتمع الدولي من التحقق من برنامج إيران النووي، وأن يكون للمفتّشين الدوليين الفرصة للوصول إلى منشآتها الحسّاسة.
ودعا ايران إلى التزام بنوده للاستفادة من رفع العقوبات عليها، مهدداً بالعودة إلى العقوبات إذا أخَلّت بالتزاماتها، مهدداً باستخدام حق النقض «الفيتو» أمام أيّ رفض مُحتمَل من الكونغرس للاتفاق الموقّع مع إيران. كذلك دعا المشرّعين الأميركيين إلى العمل لإنجاح الاتفاق خدمة لمصالح أميركا العليا.
وذكر مسؤول أميركي انّ أوباما سيتصِل قريباً برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وبالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للبحث معهما في الاتفاق النووي.
في غضون ذلك، اوضح وزير الخارجية الاميركي جون كيري أنّ العقوبات الأميركية بحقّ إيران، التي لا تتعلق مباشرة بالملف النووي، ستبقى سارية المفعول بعد توقيع الاتفاق النهائي بين «السداسية» الدولية وإيران. وقال: «ما نعمله اليوم هو اتفاق وحلّ مسائل البرنامج النووي الإيراني، ونقطة البرنامج النووي فقط، أمّا العقوبات الأميركية فباقية، بما في ذلك العقوبات التي تتعلق بالإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ البالستية».
وأوضح «انّ الاتفاق سيدخل حيّز التنفيذ تدريجاً خلال 90 يوماً من مصادقة مجلس الأمن الدولي عليه»، مشيراً الى انه سينفّذ على مراحل خلال 90 يوماً، ابتداء من تصديق مجلس الأمن الدولي على الصفقة، وسيستمر العمل وفق بعض بنوده لعشرة أعوام، ووفق بنود أخرى لـ 15 عاماً، ووفق بعضها لـ 25 عاماً».
ورحّبت روسيا بالاتفاق، واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «أنّ العالم تنفّس اليوم الصعداء»، فيما قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إنّ الاتفاق يدلّ على انّ «العالم يتقدّم»، داعياً طهران الى مساعدة التحالف الدولي على «إنهاء» النزاع في سوريا. (التفاصيل ص 14-15)
برّي
داخلياً، بَدا رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره، مساء أمس، مرتاحاً الى توقيع الاتفاق النووي، مُستشهداً بردود الافعال الايجابية التي صدرت عن زعماء العالم، ومن بينهم الرئيس الروسي، في اعتبار هذا الاتفاق يشكّل انفراجاً دولياً». وأضاف: «المعلومات الصادرة عن الدول المعنية تشير الى انّ آلية تنفيذ الاتفاق قد تستغرق بعض الوقت، لكنّ قضايا المنطقة المطروحة ستتحرك وقد لا تنتظر هذا التنفيذ».
وقال: «إنّ لبنان واليمن هما أوّل من يجب ان يستفيد من هذا الانفراج الدولي الذي يشكّله الاتفاق، الّا انّ تلك الاستفادة لن تحصل بين يوم وآخر، لكنها لن تتأخر طويلاً».
وأضاف بري: «انّ ايران خرجت من هذا الاتفاق شريكاً كبيراً للمجتمع الدولي إذ حققت مكسباً ديبلوماسياً واضحاً، وأصبحت به شريكاً دولياً فعلياً من خلال التفاوض بينها وبين ست قوى دولية كبرى وانّ التعادل في هذه الحال يعني الفوز».
ورأى «إنّ من مفاعيل توقيع الاتفاق انّ ايران ستكون شريكة في الحرب على الارهاب لأنّ الاتفاق يساهم في تكوين شراكة إقليمية ودولية ضد الارهاب، خصوصاً انّ ايران هي من الدول التي تقاتل الارهاب على الارض، فضلاً عن انّ لبنان وسوريا والعراق كدول يقاتلونه ايضاً».
وعن الوضع الداخلي، كشف بري انّ جلسة الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، أمس الأول، «طُرِح خلالها عدد من الاقتراحات والافكار على قاعدة لا غالب ولا مغلوب». وإذ لم يكشف طبيعة هذه الاقتراحات والافكار، أمِل في «أن تأخذ طريقها الى القبول والتنفيذ». ووصف بري ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة بأنه «كارثة سياسية عسى ان يَتّعِظ منها الجميع».
سلام
من جهته، أمِل رئيس الحكومة تمّام سلام في «أن ينعكس هذا التطور بشكل إيجابي على الاوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بما يساعد على خفض التوترات وإشاعة السلام والاستقرار». امّا رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون فاعتبر أنّ الإتفاق النووي «خطوة واعدة نحو السلام في الشرق الأوسط».
«حزب الله»
بدوره، نظر«حزب الله» الى الاتفاق النووي على انه «انتصار كبير وتحوّل نوعي في السياسة الدولية سيُرخي بظلاله على المنطقة برمّتها». ورأت مصادر مطلعة على موقف الحزب «أنّ إيران، بموجب هذا الاتفاق، ستشكّل قنبلة اقتصادية كبرى في الفترة المقبلة لا قنبلة نووية كما كانوا يصوّرونها، حيث ستتنافس دول العالم على الاستثمار فيها، كذلك ستصبح سوقاً اقتصادية كبرى الى جانب قوتها العسكرية الكبرى وتطورها العلمي والطبي، فهي باختصار ستصبح الدولة الرقم 1 في المنطقة. وبالتالي، ستصبح الدولة المؤهلة للتفاهم معها دولياً حول ملفات المنطقة برمّتها».
واضافت هذه المصادر «انّ الحزب المسرور بتوقيع الاتفاق النووي، في اعتبار انه جزء من محور المقاومة، وايران تشكّل في نظره رأس حربة في مشروع المقاومة، يعتبر انّ هذا الانتصار لإيران هو انتصار لمحور المقاومة في المنطقة، واستفادة الحزب من الاتفاق أمر طبيعي بعدما اصبحت ايران دولة نووية معترف بها وتحوّلت قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، ما سيعطي دفعاً وقوة جديدة وانتعاشاً اقتصادياً لكلّ دول المنطقة، لا لمحور المقاومة فحسب».
وقالت المصادر نفسها «إنّ حزب الله، إذ لا يخفي انّ ايران تشكّل عامل قوة له وللمقاومة، فإنه يؤكد انه لن يتخلى عن ايران ولا ايران ستتخلى عنه. وهو يسخر ممّن سيعتقدون لوهلة انّ ثمن الاتفاق النووي سيكون رأسه، فمثل هذا الكلام سخيف وهزيل لا طعم له ولا مكان له أساساً».
وتشير المصادر الى «انّ علاقة «حزب الله» بالولايات المتحدة الاميركية ستبقى على حالها ولن يكفّ عن معارضة سياستها في المنطقة لدَعمها اسرائيل في مواجهة الشعوب العربية، وهو يطمئن الى انّ المصلحة المحققة لإيران جرّاء هذا الاتفاق لا تعني ابداً تغيير موقف الحزب من واشنطن، لكنه في المقابل لا يخفي أنّ الفترة المقبلة ستنعكس على المنطقة، متوقعاً بعد توقيع الاتفاق أن تفتح ابواب التفاوض حول ملفات المنطقة مع المعنيين الدوليين بمَن فيهم اميركا، وان تحصل تفاهمات ايرانية ـ دولية، لكنّ هذا لا يعني بالنسبة اليه انّ اميركا ستتحوّل حليفاً او صديقاً، فالتفاوض حول ازمات المنطقة سيكون كالتفاوض حول النووي.
وحسب المصادر المطلعة على موقف الحزب أنه «يعتقد انّ الاتفاق النووي سينعكس ايجاباً على الازمة اللبنانية وعلى الاستحقاق الرئاسي تِبعاً لانعكاسه الايجابي المرتقَب على دول المنطقة، خصوصاً ما بين ايران والسعودية.
لكنّ الحزب يرى انّ الايجابيات في لبنان لن تبدأ قبل المرور بهذه المرحلة، فهناك أزمات معقدة في المنطقة، وازمات أقل تعقيداً، ولبنان من الازمات الأقل تعقيداً، من الممكن ان يتمّ الاتفاق على أزمات المنطقة الاقل تعقيداً وصولاً الى الاكثر تعقيداً، وسوريا مثلاً هي الأكثر تعقيداً فلن تحلّ بين ليلة وضحاها. وإذ يقر الحزب انّ الاتفاق سيقوّي موقعه في لبنان والمنطقة، فإنه يحرص على التأكيد انه سيبقى في خط المرونة واتّباع نَهج الانفتاح والحوار والتفاهم مع الآخرين.
وعن إبقاء العقوبات على «الحرس الثوري الايراني» يرى الحزب انّ الولايات المتحدة الاميركية لا تستطيع ان تعطي كل شيء لإيران، فهي تُبقي بعض النقاط عالقة للمستقبل وتعتبرها انجازات تتعلق بها، بعدما أخذت ايران الكثير في هذا الاتفاق. وبالتالي، ما ترك معلقاً لا تأثير سلبياً كبيراً له على إيجابيات الاتفاق لمصلحة ايران».
لقاءات جدة
وبعيداً من الاتفاق النووي، شهدت جدة حراكاً سياسياً لافتاً في الساعات الماضية، حيث استقبل الرئيس سعد الحريري مساء أمس هناك رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، بمناسبة وجوده في السعودية للتعزية بوزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل. وقد رافق جنبلاط نجله تيمور والوزيران أكرم شهيّب ووائل أبو فاعور والنواب: مروان حمادة ونعمة طعمة وغازي العريضي.
جعجع في السراي
وفي الملف الحكومي سجّل دخول «قوّاتي» على خط حل الأزمة الحكومية، فزار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع السراي. وقال بعد لقائه رئيس الحكومة «انّ روح سلام طويلة»، متمنياً «أن تبقى كذلك حيث يجري اتصالاته للوصول إلى جلسات هادئة».
وقالت مصادر واكبت زيارة جعجع لسلام، لـ»الجمهورية»، إنهما أجريا مقاربة شاملة للتطورات الجارية، ولا سيما منها تلك المتّصِلة بملف الحكومة والدورة الإستثنائية للمجلس النيابي.
وطرح جعجع سلّة من الأفكار لمقاربة الملف الحكومي بعدما توقّف سلام عند الآلية الخاصة بالحكومة معتبراً انّ الآلية المعتمدة منذ حصول الشغور الرئاسي ما زالت صالحة وانّ التوافق أوّل الطريق وأيّ اعتراض لمجرد الإعتراض او المشاكسة لا يمكن القبول به، وإنّ بَتّ الملفات يكون بنداً بنداً فيؤجّل الخلافي ويبتّ بما يعتبر إدارة لشؤون الناس والصالح العام.
وفي موضوع الدورة الإستثنائية تحدث جعجع عن «ضمانات» تتصِل بجدول أعمال الدورة. فلفتَ سلام الى انّ هذه الضمانات هي من صلاحية رئيس مجلس النواب، وانّ الحديث معه في شأنها أجدى وأنفع.