مع انسداد الأفق السياسي، طبعَت المراوحة الملفات الساخنة، وفي مقدّمها الملف الرئاسي، بعد ترحيل جلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد إلى موعد آخر حدّده رئيس مجلس النواب نبيه بري في 29 الجاري نتيجة عدم اكتمال نصاب جلسة أمس، ليفتحَ ملف تمديد الولاية النيابية مجدّداً على مصراعيه. كذلك تنسحب المراوحة على ملف العسكريين المخطوفين الذي شهد فصلاً جديداً بتهديد الإرهابيين بقتلِهم بعد ثلاثة أيام، فيما وجّه الوزير وائل ابو فاعور رسالة إلى الخاطفين بعدم تحميل الأهالي وزراً لا يستطيعون تحمّله، مُتحدّثاً «عن حلقة مفقودة في التفاوض يجري علاجها». أمّا الملف الأمني فتنقّل بين عرسال وعكار، في وقتٍ ظلّ الجيش في دائرة الاستهداف، فسَقط له أمس شهيد جديد.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام زوّاره أمس أن «لا شيء جديداً على صعيد استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، فهذا الاستحقاق معقّد لأنّ فيه شقّين، داخلي معروفة العقبات فيه، وخارجي يرتبط بالحوار الاميركي – الايراني، واستطراداً الحوار السعودي – الايراني».
وأضاف: «الشقّان منفصلان، ولكلّ منهما مسارُه، لكن إذا اتّفق الافرقاء في الشق الداخلي فإنّني أتعهّد بأننا نستطيع انتخاب رئيس، وآخذ هذا الامر على عاتقي. ومع ذلك أظلّ أُعلّق آمالاً على انتخاب الرئيس. ولذلك دعوت الى جلسة انتخاب في 29 من الشهر الجاري إفساحاً في المجال لعقد جلسة أُخرى قبل نهاية ولاية مجلس النواب في 20 تشرين الثاني المقبل».
وعلى صعيد مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام الذي أُحيل الى اللجان النيابية مجدّداً، قال بري: «في ما يتعلق بشق الموظفين فهو مبتوت، لكن لن تقرّ السلسلة من دون بتّ سلسلة العسكريين، فكلّ همّي من مجمل السلسلة هو العسكريون وتحسين اوضاعهم ورواتبهم بغية التشجيع على التطوّع في الجيش، وفي إمكان اللجان النيابية بتّ النقاط العالقة، وإنّني أوافق على كلّ ما يقترحه الجيش، لأنّ هذا هو اكثر ما يعنيني في هذه الظروف».
سلام
ومن جهته رأى رئيس الحكومة تمام سلام أنّ لبنان يمرّ في مرحلة صعبة، وهو بحاجة الى كلّ قياداته وتضافر الأيدي وشبكِها في ما نحتاج اليه جميعاً من وحدة وطنية لاستيعاب كلّ الصعاب التي تواجهنا».
جنبلاط
بدوره رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط حذّر من المخاطر التي تهدّد لبنان في هذه المرحلة، داعياً إلى «العمل الحثيث على تقريب المسافات بين اللبنانيين لتجاوز التحدّيات السياسية والأمنية والإقتصادية المتنامية». وشدّد خلال اجتماع المجلس المذهبي لطائفة الموحّدين الدروز على «أهمّية التواصل الإسلامي – الإسلامي والابتعاد عن الانقسام». وغضون ذلك نفى الحزب التقدمي الإشتراكي في بيان له الأنباءَ التي تحدثت عن دعوة رئيسِه الحزبيّين إلى التسلح».
جعجع
من جهته، جدّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع اتهامه «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» بالإصرار على تعطيل الانتخابات الرئاسية، وأكّد «أنّ النصاب وُضع في الدستور اللبناني لتسهيل الانتخابات الرئاسية وليس لتعطيلها». واعتبر «أنّ الحكومة بالطريقة التي تتصرف بها لم تترك أيّ مجال لانتخاب رئيس».
مجلس وزراء
وعلى وقع التطورات الأمنية التي شهدتها البلاد أخيراً، وصرخات أهالي المخطوفين المعتصمين في ساحة رياض الصلح والتي دوّت في أرجاء
السراي الحكومي، انعقدَت جلسة مجلس الوزراء لكن على عكس ما تردّد من أنّ مروحة من الملفات ستُطرح على طاولة المجلس، فلم يتطرّق المجتمعون في الشق السياسي إلّا إلى ملف المخطوفين الذي استحوَذ على ثلاث ساعات من النقاش السياسي الذي شارك فيه معظم الوزراء وبقيَ كلّ طرف على موقفه، لكنّ الإجماع كان على تحرير العسكريين بكلّ الوسائل وتجديد تكليف رئيس الحكومة وخلية الأزمة التفاوض بشتّى الوسائل. كذلك كان إجماع على تسريع التفاوض، وإنّ كل الشروط قابلة للنقاش.
شهيّب
وقال الوزير أكرم شهيب لـ«الجمهورية»: «نحن متفقون على ضرورة الوصول الى إطلاق العسكريين، وإذا كان هذا هو الهدف فلنبحث عن الحلول، ماذا تعني المفاوضات؟ هناك عروض يتمّ البحث فيها، وغير صحيح أن ليس هناك عرضٌ تلقّته الحكومة للمقايضة. هناك عروض تأتي وتذهب لكنّنا لم نصل الى مكان نبدأ به البحث الجدّي في هذه العروض، وسرّية المفاوضات تفيد في هذا الإطار».
حكيم
وقال الوزير آلان حكيم لـ«الجمهورية»: «كلّنا منفتحون على جميع الآراء ونناقش الشروط عندما تصل إلى مجلس الوزراء، نحن فوّضنا خليّة الأزمة التفاوض وليس القبول أو اتّخاذ القرار. وخليّة الأزمة تفاوض بكلّ الوسائل وعندما يصل الأمر الى اتّخاذ القرار عليها العودة الى الحكومة التي تتّخذ القرار النهائي».
أجواء إيجابية
وتزامناً مع انتقال أهالي العسكريين المخطوفين وعناصر قوى الأمن الداخلي من ضهر البيدر الى وسط بيروت، نصبَ الأهالي خيمتين في ساحة رياض الصلح وتوجّهوا إلى القصر الحكومي للقاء رئيس الحكومة بعدما تراجعوا عن قرار قطع الطرق المؤدّية الى السراي قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء عصر أمس.
وفي المعلومات التي عُمّمت مساءً، أنّ أجواء سلبية خيّمت على الأهالي قبيل الظهر إثر تلقّيهم رسائل واتصالات من أبنائهم المخطوفين مفادُها أنّهم سيواجهون مصيراً أسود في الساعات الأربع والعشرين المقبلة.
وقد انتهى لقاؤهم مع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير في السراي الحكومي، بدلاً من لقاءٍ أرادوه مع سلام، إلى إشاعة أجواء إيجابية عكسَها تصريح مقتضب أدلى به خير عقب اللقاء، بعدما نقل اليهم «تعاطف الرئيس سلام ومجلس الوزراء معهم».
وعُلم أنّ تفاهماً تمّ على اجتماع لوفد من الأهالي مع كلّ من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم واللواء خير لاستكمال البحث في ملف المخطوفين وما حقّقته بدايات الوساطة القطرية مع الخاطفين.
وكشفَت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ هناك أجواءً إيجابية عكسَتها الاتصالات في الساعات والأيام الماضية، لكنّ الحديث عنها دونه مصاعب جمّة، ولا يمكن الإشارة إليها تفصيلاً قبل تحصينها بمزيد من الضمانات التي يُعمل على توفيرها.
وقالت إنّ الدخول في التفاصيل الإيجابية «ليس في مصلحة المفاوضات الجارية والتي لم تكن يوماً رهناً بزيارة يقوم بها الوسيط القطري إلى عرسال أو إلى أيّ مكان آخر. ولفتت الى أنّ الاتصالات خارج إطار الحركة اليومية المعلن عنها، أو تلك الجارية في الخفاء، لم تتوقف أبداً، على عكس ما أشيع.
ولذلك، عبّرت مراجع معنية لـ«الجمهورية» عن اقتناعها بأنّ تهديدات الخاطفين التي عكسَتها اتصالات المخطوفين بأهاليهم باتت مشروع توتير للأجواء وحرباً نفسية تشنّها هذه المجموعات المسلحة على الأهالي واللبنانيين المتعاطفين معهم، والتي لم تضع حركة الإتصالات حداً لها بعد، على رغم حجم الوعود المقطوعة والتي في حال استمرارها قد تنعكس سلباً على العملية التفاوضية برُمّتها.
إعتداءات على الجيش
في غضون ذلك، تواصلت اعتداءات الإرهابيين على عناصر الجيش، فاستشهد جنديّ وجُرح زميله في اعتداء مسلح جديد تعرّضا له عند مفترق بلدة
الريحانية ـ عكار بينما كانا متوجّهين الى مركز عملهما.
كذلك تصدّى الجيش لإرهابيين حاولوا التسلل إلى أحد مراكزه العسكرية في عرسال، وتعرّض مركز عسكري آخر في البلدة لإطلاق نار من داخل مخيّم للنازحين السوريين. وأفيد مساءً أنّ الجيش اشتبك مع بعض المسلحين السوريين لدى محاولتهم التسلل الى منطقة المصيدة في عرسال.
وأعلنت قيادة الجيش أنه «قرابة الساعة 18,00 واثناء مرور آلية تابعة للجيش في محلة قشلق – الأوتوستراد الجديد تعرضت لإطلاق نار من داخل الأراضي السورية. وقرابة الساعة 18,50، أطلق مجهولون من داخل مخيم المصيدة – عرسال النار في اتجاه آليتين تابعتين للجيش عند مرورهما في المكان، فردت الدورية بالمثل على مصادر إطلاق النيران، من دون إصابة أحد».
في الموازاة، واصلَ الجيش تدابيره الأمنية وعمليات الدهم لأماكن فيها عدد من الأشخاص المشتبه في أنّهم اعتدوا على عناصره وأخلّوا بالأمن.
وشملت المُداهمات مناطق عدّة، خصوصاً عكّار، وقد أوقِفَ خلالها عدد من السوريّين.
إلى ذلك، ظلت مناطق بقاعية عدة عرضةً لاعتداءات مسلحة، حيث سقط صاروخ بين بلدتي بريتال وحورتعلا، وآخر بين بلدتي حورتعلا وطليا، مصدرهما مواقع المسلحين في سلسلة جبال لبنان الشرقية.