غداً الأربعاء تلتئم الحكومة صباحاً وجلسة الحوار ليلاً. وأهمّية هذا التزامن، هذه المرّة بالذات، أنّ الحوار يمكن أن يحتوي الأزمة الحكومية المحتملة، لأنّه مِن الواضح أنّ ما ينطبق على الحكومة لا ينسحب على الحوار في ظلّ تمسّك «المستقبل» و«حزب الله» في الإطارين معاً، وقد أثبتت التطوّرات مدى متانة الجسم الحواري، على رغم ما تخلّلَ المرحلة من مواجهات سياسية غير مسبوقة قبل الأزمة اليمنية وبعدها. ومِن هنا الرهان اليوم على الحوار لاحتواء عاصفة الحكومة، على رغم أنّ الحزب كان نأى بنفسه عن هذه الأزمة واضعاً الكرة في ملعب «المستقبل» ربطاً بحواره مع «التيار الوطني الحر»، إلّا أنّ «حزب الله» يدرك أنّ الأزمة الحكومية إنْ وقعَت فلن تصيبَ طرفاً واحداً، بل ستنعكس تداعياتها على كلّ الأطراف والبلد بمجمله، وبالتالي من مسؤولية الجميع المساهمة في تطويق هذه الأزمة.
يضجّ البلد بالسيناريوات التي ستشهدها جلسة الحكومة غداً، كما بالخيارات التي يمكن أن يلجأ إليها رئيس الحكومة تمام سلام في حال قرر «التيار الوطني الحر» التصعيد واستخدام الشارع مجدداً، وتمّت ملاقاته من قبل «حزب الله» سياسيا ًلا في الشارع، أي من خلال توفير الغطاء لمواقفه وحراكه.
وفيما قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ كل الخيارات مفتوحة تبعاً لتطور الأمور والأحداث، رفضت في المقابل التقليل من مساحة التوافق أو إمكانية الوصول إلى مخرج في ربع الساعة الأخير، لأنّ الاتصالات لم تتوقف، وكل الأطراف تدرك دقة المرحلة والسقف السياسي الذي يحكم هذه المرحلة.
تحذير من الأسوأ
وفي هذا السياق حذّرت أوساط ديبلوماسية من الدخول في المجهول، لأنّ الأزمة الحكومية تترافق مع أزمة نفايات ورواتب وأوضاع اقتصادية وحياتية حساسة ودقيقة. وبالتالي، فإنّ أيّ تصعيد في أيّ ملف سينسحب تعقيداً على الملفات الأخرى في سياق الضغط والضغط المتبادل، ما يعني تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية وصولاً، ربما، إلى انفجارها، وكأنّ هناك خطة ترمي لجَرّ البلد إلى مرحلة جديدة.
وقالت الأوساط لـ«الجمهورية» انّ كل القوى مدعوّة للحذر والتعامل بانفتاح وليونة مع الأحداث بغية قطع الطريق على أيّ محاولة لإسقاط لبنان سياسياً في ظل وجود خط أحمر من إسقاطه أمنياً.
«الكتلة» و«التكتل»
ومن المتوقع أن تحدد المواقف التي ستصدر عن تكتل «التغيير والإصلاح» وكتلة «المستقبل» اليوم السقف السياسي الذي على أساسه سيقارب كل طرف الملفات الخلافية المطروحة في الساعات والأيام المقبلة، ولن تخرج المواقف المرتقبة عن سياق شدّ الحبال القائم في ظل غياب أيّ أفق للحلول والمعالجات، ولكن التمسّك بالمواقف المبدئية المتوقعة لا يعني إقفال الباب أمام المفاجآت.
جدول الأعمال
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الدعوة الى جلسة مجلس الوزراء التي تناولت عبارة «استكمال البحث في الملفات المُثارة» معناها انّ المجلس مدعوّ الى البحث في ثلاثة عناوين أساسية: ملف النفايات، الوضع الإقتصادي وإصدار اليوروبوند والهبات الدولية والقروض المهددة بالسقوط بمرور الزمن ورواتب موظفي القطاع العام، وثالثها مقاربة آلية العمل الحكومي، مع ترجيح أن يطرح ملف التعيينات العسكرية في هذه الجلسة.
المرّ عند بري
وفي هذه الأجواء، زار النائب ميشال المر أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري وعرض معه للأوضاع الراهنة. واوضح المرّ «انّ اللقاء مع دولته مستمر للتشاور في هذه الاوضاع التي تعود الى الوراء بدلاً من ان تتقدم. من الطبيعي القول انّ الناس تعيش ارباكاً بسبب النفايات ومشكلاتها، لكن هذا الموضوع لم نتطرّق اليه، لأنه من مسؤولية وعمل الحكومة والاختصاصيين. بحثتُ مع دولته في الوضع السياسي والجمود الاقتصادي والشعبي بمعنى انّ الناس ضائعة ولا تعرف اين نحن ذاهبون».
واضاف: «من المؤكد ان نتشاور مع دولة الرئيس بري الذي ليس رئيساً للسلطة التشريعية فحسب، بل هو لولب أساسي في الحركة وطريقة الحل لكي لا نبقى مكتوفين ولكي لا يستمر شغور موقع رئيس الجمهورية، وقد اصبح وضع الحكومة مهزوزاً لأنه من غير المعلوم متى سينتخب الرئيس.
امام كل ذلك من واجبنا ان نتداول مع دولة الرئيس في الطريق السليم لكي نصِل الى انتخاب رئيس الجهمورية، ومن بعدها تشكّل الحكومة الجديدة ثم الانتخابات النيابية، ولكن قبل كل شيء الخطوة الاولى هي ان لا نبقى نؤجّل لأسباب تعني المرشحين، فالناس تريد انتخاب الرئيس لأنهم يعلمون انّ انتخابات الرئاسة هي بداية الحل.
وانطلاقاً من ذلك لا بد من التشاور مع دولة الرئيس بري لكي لا نقدم على ايّ خطوة ناقصة، فهو المطّلع والقادر على تحريك هذا الموضوع الذي أدى الى شلل سياسي واقتصادي وبعض الاحيان الى شلل أمني».
درباس لـ«الجمهورية»
واوضح الوزير رشيد درباس لـ«الجمهورية» ان لا جديد في الملف الحكومي والوضع يسير الى مزيد من التأزم، لافتاً الى إمكانية طرح موضوع تصدير النفايات في جلسة الغد علماً انّ هذا الملف ليس ملفاً خلافياً لكنّ صعوبات عدة تواجه التصدير والى حين حلّها ستبقى النفايات في الشوارع، وبصراحة انا لم أر تعاوناً لمعالجة هذه المشكلة وكأنما المقصود ان تصبح النفايات هي اللغة السياسية السائدة اليوم».
وتوقع درباس «ان تمر جلسة الغد بهدوء انما من دون تحقيق ايّ نتائج»، لافتاً الى «انّ رئيس الحكومة تمام سلام لم يقل انه سيستقيل بل تحدّثَ عن خيارات مفتوحة، والإستقالة من ضمن هذه الخيارات، اضافة الى عدم دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد».
ولفت درباس الى انّ استحقاقات داهمة مقبلة لا احد يستطيع تحمّل تبعاتها، محذّراً من عدم تمكّن دفع اجور موظفي وزارته ووزارات اخرى ورواتب القطاع العام إذا لم ينقل مجلس الوزراء اعتمادات من الاحتياطي العام».
بو صعب لـ«الجمهورية»
وقال الوزير الياس بو صعب لـ«الجمهورية»: «إنّ جلسة الغد هي جلسة كسائر الجلسات، فيجب الاتفاق اولاً على آلية العمل الحكومي ونحن نناقش كل المواضيع، نفايات أم غير نفايات، امّا بالنسبة الى جدول الاعمال، فنبحثه بعد الاتفاق على آلية العمل والتعيينات العسكرية والامنية».
واستغرب بو صعب ان يطرح موضوع ترحيل النفايات في جلسة مجلس الوزراء غداً طالما انّ اللجنة الوزارية المختصة لم تتلقّ بعد ايّ عرض في هذا الشأن، لافتاً الى أنّ اللجنة علّقت اجتماعاتها في انتظار حصول ايّ تطور جدّي.
الجسر
وعشيّة جلسة الحوار، طمأن عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر الى انّ الحوار مستمر وقال لـ»الجمهورية» انّ «كل مُستجد من شأنه ان يؤثر سلباً او ايجاباً في عنوانَي الحوار: تخفيف التشنج والانتخابات الرئاسية، وسيطرح على طاولة الحوار في جلستها السادسة عشرة».
ولدى سؤاله هل انّ ملف النفايات من ضمن المواضيع المطروحة، أجاب: «في رأيي الشخصي انّ جزءاً من أزمة النفايات وُظّف بطريقة سياسية من شأنها إذكاء التشنّج بكل أسف، لجهة الطريقة التي تمّ التعاطي بها ومشهد الموتوسيكلات في الشوارع».
وعن فوائد هذا الحوار، أكّد الجسر أنّه بمجرّد أن ينعقد الحوار فهو بحدّ ذاته يخلق نوعاً من الاسترخاء السياسي في البلد واسترخاء في النفوس، والسؤال الذي يجب ان يطرح هو: لو لم يكن هذا الحوار موجوداً، إلى أين يمكن أن يؤدّي هذا التسعير السياسي والتأزيم؟ طبعاً لكان أدّى الى مرحلة أخطر بكثير. وأعتقد أنّ كلّ عاقل يدرك هذا الامر. فما يَجري هو محاولة استيعابية وتنفيس لكلّ تشنّج على أمل الوصول الى حلّ، عِلماً أنّ مدخل الحلّ هو انتخاب رئيس الجمهورية».
كما أكّد أنّ «الكلام الذي يقال على طاولة الحوار هو أكثر صراحة ممّا يتصوّره أحد، وفي النهاية لدى الجميع النيّة بأن يصبّ الحوار في مصلحة البلد».
وعن اتّهام أصحاب الموتوسيكلات بأنّهم من «سرايا المقاومة»، أجاب الجسر: «إنّ الأجهزة الأمنية تدرك أكثر منّا، لكن ما نستطيع قوله إنّه عندما تخرج هذه الموتوسيكلات من مناطق نفوذ معيّنة لا نستطيع ان ننزع الانطباع من أذهان الناس بأن لا علاقة لـ«حزب الله» بالأمر أو أنّه غضّ الطرف عنها، أمّا إذا كان هؤلاء يتجاوزون الحزب في فعلتِهم فمعنى ذلك انّ الحزب بدأ يصبح في خطر. في كلّ الأحوال سنستفسر عن الموضوع في جلسة الحوار.
وعن عدم محاورة «المستقبل» «التيار الوطني الحر» لتفادي مشكلة في الشارع، قال الجسر: «الأمر لا يتوقف علينا، فنحن جزء من بلد كامل، هناك قوى سياسية مستقلة، نحن لا نختصر باقي القوى السياسية ولا نختصر حتى حلفاءَنا، فهم لهم رأيهم، فهل تيار «المستقبل» في مجلس الوزراء هو مَن يقول نعم أم لا؟ هناك وليد بك جنبلاط والرئيس نبيه بري وهناك مستقلّون».
وأكّد الجسر أنّ «المستقبل» لم يقطع شعرة معاوية مع أحد، لكن أيضاً نحن لا نرضَخ لأيّ تهديد. نحاور الجميع لكن ليس معنى ذلك أنّ الحوار يقتصر على أمر واحد، إمّا أن يحصل كما نريد وإمّا لا يحصل شيء ونصبح نحن مَن ارتكبَ المعاصي».
تعديلات على وفد القاهرة
وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ تغييرات طرأت على تركيبة الوفد اللبناني الى القاهرة بعد غدٍ الخميس للمشاركة في حفل تدشين القناة الجديدة في السويس بعدما انضمّ الى الرئيسين بري وسلام وزيرُ الدفاع سمير مقبل. عِلماً أنّ الزيارة ستستمر لساعات عدّة، يعود بعدها الوفد الى بيروت فور انتهاء الاحتفال الذي سيشارك فيه 50 رئيس دولة من مختلف القارّات.
أزمة النفايات والكهرباء والحَرّ
إلى ذلك، دخلت أزمة النفايات مرحلة جديدة من المراوحة، وبعدما كان خيار التصدير قد أصبح مرجّحاً، تبيّن لاحقاً أنّ هذا الخيار ليس سهلاً، لا من حيث الآلية، أو الكلفة أو الوقت الذي قد يستغرقه لكي يبدأ تنفيذه.
وبعدما عاش البلد على نغمة مطابِق وغير مطابق في حملة سلامة الغذاء، تفاجَأ المواطن أنّ نفاياته أيضاً قد لا تكون مطابقة للتصدير، وبالتالي، قد ترفض الشركات العالمية استيراد هذه النفايات أو تفرض شروطاً قاسية قد تصعب تلبيتها.
وقد أُضيفَت إلى أزمة النفايات أزمة ارتفاع منسوب التقنين في التيار الكهربائي إلى مستويات غير مسبوقة. ويأتي هذا التقنين في عزّ موجة الحرّ التي تضرب البلاد. ووِفق مؤسسة كهرباء لبنان، سيستمرّ التقنين ليومين إضافيين، حيث يتطلب الانتهاء من أعمال الصيانة في معمل الزهراني مزيداً من الوقت.