السؤال الأساسي الذي طُرح في الساعات الـ 48 المنصرمة داخل الأوساط السياسية والإعلامية تمحوَر حول مصير التسوية السياسية التي كان يتمّ العمل على بلوَرتها وإنضاجها، وكانت على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النتائج المرجوّة، وذلك نتيجة ثلاثة مؤشرات: الإعلان عن موافقة فريق «المستقبل» في الحوار مع «حزب الله» على التسوية. مشاركة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون في جلسة الحوار الأخيرة بعدما كان قاطعَ الجلسة التي سبَقتها، وذلك في رسالة إيجابية ردّاً على الرسالة المماثلة. الخلوة السداسية التي عقدها رئيس مجلس النواب نبيه بري لتتويج التسوية، لأنّه لم يكن في وارد عقد تلك الخلوة لولا إدراكه أنّ الأمور وصلت إلى خواتيمها السعيدة. وعلى رغم التباينات التي سادت الخلوة، ظلّت الأمور مضبوطة إلى اللحظة التي نشِرت فيها ورقة النقاط التسعة التي أعادت التسوية إلى غرفة العناية الفائقة. ومن الواضح أنّه لا يمكن الكلام اليوم عن سقوط التسوية، ولكن عن ترنّحها، إلّا أنّ السؤال الذي طرح نفسه بقوة أيضاً: ما حظوظ إنعاش هذه التسوية؟ وما انعكاس سقوطها على الحكومة والحوار؟
نشطت الاتصالات السياسية في محاولة لتطويق الخلاف الذي نشأ في أعقاب تسريب الخطة وتضمينها بنداً لم يكن على جدول أعمال البحث، كما تطويق الخلاف بين عون وبري بعد فتح الأوّل النار على وزارة المالية وردّ وزير المالية علي حسن الخليل على الهجوم.
ولم يتردّد رئيس مجلس النواب في إطلاع نواب «لقاء الأربعاء» على ورقة التسوية التي اقترحها ولا تلحَظ بند تعيين مدير عام لـ«قوى الأمن الداخلي»، في رسالة مزدوجة إلى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» بأنّ هجومه في غير محلّه كونه صوّبَ على المكان الخطأ، وأنه على كامل الاستعداد لاستئناف المساعي من أجل بلوغ التسوية خواتيمَها المنشودة.
خطر على الاستقرار
وقد تقاطعت الاتصالات السياسية على اعتبار أنّ فتح عون مواجهة مع بري لم يكن في توقيته ومحلّه، لأنّ رئيس مجلس النواب من ضمن الرباعي الذي يدفع بقوة لإتمام هذه التسوية، وذلك إلى جانب «حزب الله» و»الاشتراكي» و»المستقبل» الذي يتحدّث بعض أركانه بوضوح عن ضرورة شراء الوقت لتقطيع هذه المرحلة، وأنّه لا مهرب من إعطاء عون مكسباً ما بغية ضمان عمل الحكومة ومجلس النواب، واستطراداً تجنّب استمرار
التعطيل السياسي.
وهذا ما يفسّر كلام وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بما ما معناه أنّ من يرفض التسوية يعرِّض الاستقرار، وجاء تحذيره من وجود «خطر على الاستقرار السياسي» بعد لقائه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ليصبّ في هذا الإطار.
سباق مع الوقت
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أن لا مؤشرات إلى سقوط التسوية، لأنّ سقوطها يعني أنّ الحكومة دخلت في إجازة طويلة، حيث إنّ «التيار الحر» و»حزب الله» أبلغا من يَعنيهما الأمر أنّ الأمور ستتّجه إلى التعقيد والتصعيد، فضلاً عن أنّ الحزب في غير وارد القبول بهزيمة عون سياسياً، خصوصاً أنّ الهدف من التسوية حفظ ماء وجه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في سياق تسجيل النقاط، فيما خلاف ذلك يشكّل رسالة تصعيدية للثنائي المذكور.
وفي المعلومات أيضاً أن لا خلاف لدى «المستقبل» على جوهر التسوية، وإذا ظهرَ من تباينٍ يتصل فقط بالتوافق على الآليات التي تضمن انتظام عمل مجلس الوزراء تجنّباً للتعطيل مستقبلاً. وإذا كانت جلسة الحكومة فور عودة رئيسها تمّام سلام من نيوروك، كما وعد في جلسة الحوار الأخيرة، باتت مستبعَدة، فإنّ الجهد يتركّز على عقد جلسة حكومية قبل السادس من الجاري، موعد انطلاق ثلاثية الحوار، من أجل تمرير التسوية وإنجاح الثلاثية، لأنّ خلاف ذلك سيؤدي حكماً إلى تأجيل الجلسات المتتالية للحوار.
دعم دولي للتسوية
وفي الوقت الذي فُتحت فيه الاتصالات والمشاورات على مصراعيها لتذليل العقبات التي بَرزت أخيراً وتخريج التسوية، حذّرت أوساط سياسية في قوى 14 آذار من أيّ تسوية يكون لها الوقع السيّئ على المؤسسة العسكرية، وقالت لـ«الجمهورية» إنّ الخضوع للابتزاز تحت عنوان الاستقرار سيجرّ إلى خضوع مماثل بعد حين، وهكذا دواليك، فيما المطلوب التمسك بالدستور الذي يُنتهك في الانتخابات الرئاسية من خلال تعطيل النصاب، ويُنتهك في الحكومة عبر ابتكار آليات مخالفة للدستور وتحويلها إلى أعراف، وكلّ ذلك في سياق مخطط معروف يرمي إلى إعطاء الانطباع بأنّ النظام اللبناني لم يعد قابلاً للحياة.
وفي السياق كشفَت أوساط وزارية تَعمل على خط التسوية لـ«الجمهورية» أنّ المساعي التي تقوم بها الأطراف المعلومة من أجل إنجاز هذه التسوية تتمّ بمتابعة دقيقة ولصيقة من قبَل عواصم القرار الغربية والعربية والإقليمية التي سجّلت وتسجّل حرصَها على ترسيخ الاستقرار السياسي، وتبدي خشيتَها على الوضع الأمني في حال انفراط الاستقرار السياسي، وتشجّع على إتمام التسوية اليوم قبل الغد، وقالت الأوساط إنّ التسوية التي يعمل عليها تُرضي كلّ الأطراف، ولا يمكن الكلام فيها عن منتصر ومهزوم.
لا مجلس وزراء
مصادر مواكبة للاتصالات الحاصلة حول صيغة التسوية المقترَحة قالت لـ«الجمهورية» إنّ هذه التسوية قد تأمّنَ لها الغطاء السياسي، لكنّ المشكلة المتبقّية هي كيف ستُقرّ في مجلس الوزراء خصوصاً مع استمرار رفض الكتائب والرئيس السابق ميشال سليمان لها.
ورأت المصادر أنّ الكلام التصعيدي الأخير للعماد عون لن يكون له التأثير الكبير على مسار هذه التسوية، إنّما سيؤخّر الحل ضمن سلّة كاملة، وخصوصاً لجهة التعاطي مع الأزمة الحكومية وتحديداً مع آليّة العمل الحكومي.
وتوقّعَت المصادر أن تنشط حركة الاتصالات في الفترة الفاصلة عن جلسات الحوار لمحاولة تذليل ما تبقّى أمامها من عقبات، مستبعدةً أن يلتئم مجلس الوزراء قبل حلّ هذه المسألة.
لا إيجابيات بعد
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ مجمل الاتصالات لم يؤدّ إلى أيّة نتائج إيجابية حتى اليوم بعدما طوِيت «ورقة النقاط التسع»، وتوقّعت أن تعلّق خطة النفايات ربطاً بإنجاز التسوية السياسية، وتحدّثت عن صيَغ بديلة بدأ الحديث عنها، ومن بينها اللجوء الى الآليات السابقة التي اعتُمدت في المواقع العليا في المؤسسة العسكرية بتمديد تسريح أيّ من العمداء في الجيش فور انتهاء مهامّهم وإحالتهم الى التقاعد.
برّي
ونَقل النواب عن الرئيس بري بعد «لقاء الأربعاء» أمس أنّ «ما يجري من حراك وتطورات متسارعة في المنطقة، لا سيّما في شأن الأزمة السورية، يفرض علينا أكثر مواكبتَها من خلال الانصراف الجدّي لمعالجة الأزمات والاستحقاقات على المستوى اللبناني، وتعزيز آفاق سلوك المعالجات والحلول». وجدّد التأكيد على أهمّية الاستمرار في الحوار، مشيراً إلى أن لا بديل عن هذا المسار الذي يمكن ان يؤمّن المخارج المناسبة لكلّ ما نعاني منه.
سلام
وبانتظار ان يعود رئيس الحكومة والوفد المرافق اليوم من نيويورك الى بيروت بعد انتهاء اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تنتظر الساحة السياسية مستجدات حركة الاتصالات والمشاورات الجارية على أكثر من مستوى محلّي ودبلوماسي وسياسي للتوصّل الى ما يمكن اعتباره تسوية للملفات الأمنية والعسكرية المطروحة وكيفية معالجتها وطيّ ما يمكن التفاهم بشأنه.
وكان سلام ألقى كلمةً في اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، دعا فيها «جميع من ساعدوا الجيش مشكورين، الى مواصلة دعمهم الضروري هذا بالوتيرة ذاتها»، كما دعا «جميع القادرين على التأثير الإيجابي للدفع في اتجاه انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية بطريقة ديموقراطية، وفصلِ الانتخابات الرئاسية عن كلّ القضايا الأخرى العالقة في المنطقة، وإدراك أنّ استخدام لبنان كأداة في تصفية الحسابات الإقليمية سيؤدي الى تدمير واحة الاعتدال والتعايش والحرية هذه، والتي يجب ان تبقى نموذجاً ورسالة في وجه التطرّف والعنف».
وفي سياق متصل كرّر سلام في كلمته في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك النداءَ إلى «الدول المانحة للوفاء بتعهّداتها، لا بل إلى مضاعفة مساهماتها المالية، وتقديم المساعدات المباشرة للمؤسسات الحكومية وللمجتمعات اللبنانية المضيفة»، واعتبَر أنّ «حماية الكيان اللبناني هي حماية لأبرز ما تبَقّى من تجارب التعددية في الشرق، وأنّ تثبيت الاستقرار فيه، بما له من نتائج سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، يستدعي من الأشقّاء والأصدقاء… إبعادَ لبنان عن الاستقطاب الإقليمي، ومساعدة اللبنانيين على إنهاء حالة الفراغ والشلل الحالية، وإعادة الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية، من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية… دون مزيد من التأخير.
وشدّد على أنّ «الشرط الأساس لقيام علاقات طبيعية ناجحة بين بلدان المنطقة ومفيدة لشعوبها، هو التزام سياسة حُسن الجوار، واحترام سيادة الدوَل، وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية أو التلاعب بأمنها واستقرارها»، وأكد «التزام لبنان القرار 1701 بكافة مندرجاته، إيماناً منه بأنّ ذلك سوف يثبّت قواعد الاستقرار والأمن في الجنوب اللبناني ويساهم في بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها».
السنيورة وعدوان
وعَقد رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، بعد تأجيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية إلى 21 الجاري، اجتماعاً مع عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان في المجلس النيابي، حيث «شدّد على أنّ «المستقبل» على تواصل مستمر مع «القوات»، مؤكداً أنّ «اللبنانيين جميعهم يعرفون بعد سَنة ونصف من عدم ملء الشغور الرئاسي، كيف أنّ البلد وصَل الى حال من الشلل وعدم القدرة على التقدّم إزاء كثير من المشاكل التي تعترض سبيلَ اللبنانيين والتي تتفاقم في الخارج وفي الإقليم، ما ينعكس سلباً على لبنان».
وأضاف: «لا شكّ في أنّنا نحرص جداً على استعادة دور وفاعلية المؤسسات الدستورية، ولا سيّما مجلس النواب والحكومة، حتى نستطيع ان نقوم بحلّ هذه المشاكل التي نمرّ بها».
وقال السنيورة «من يتحدّث عن التوصّل الى اتفاقية وأنّ هذا الأمر أصبح مقبولاً من الجيش، فعلى الجيش أن يعبّر عن رأيه. نحن حريصون على مؤسساتنا، على مؤسسة الجيش، وألّا يحصل أيّ عمل يؤدي الى إيقاع أيّ ضرر فيها. هذه المؤسسة تشكّل أكبر حماية لبلدنا وأكبرَ جامع لكلّ مكوّنات البلد».
من جهته، شدّد عدوان على أنّ «الدستور والقانون هما الأساس لنا كطريقة تعاطي كفريق 14 آذار»، وقال: «المقاربة التي نتمنى أن تحصل في كلّ المواضيع، خصوصاً في الموضوع المطروح، هي أن تنطلق من الدستور ومن القانون ومن مصلحة المؤسسة العسكرية».
ورأى أنّ هذا هو القاسم الأساسي الذي تبني 14 آذار كلّ مبادئها عليه». وتساءل: «هل يعتقد أحد أنّه بمخالفة الدستور والقانون نبني المؤسسات؟ برأيي نعتقد بذلك، إنّما سنكتشف في وقت قريب جداً أنّنا ندمّر ما تبَقّى منها. لا يجب تحت طابع معيّن أن ندمّر ما تبَقّى من مؤسسات».
اللقاء التشاوري
على صعيد آخر، يلتقي أعضاء اللقاء التشاوري اليوم في ضيافة الرئيس ميشال سليمان وحضور رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل والوزراء الأعضاء الثمانية والوزير السابق خليل الهراوي للتداول في آخر المستجدّات، وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ اجتماع اليوم سيكون مناسبة لتسجيل مواقف أكثر تشدّداً من ملف الترقيات العسكرية وتلك المتصلة بالتعيينات الأمنية، خصوصاً أنّ ما هو مطروح على مستوى ترقية بعض الضباط من رتبة عميد إلى رتبة لواء يشكّل خروجاً على قانون الدفاع والأعراف القائمة في المؤسسة العسكرية منذ عقود من الزمن.
وقد تعهّدَ أعضاء اللقاء الوقوف الى جانب المؤسسة العسكرية وقيادتها في رفض كلّ ما يمسّ هيكليتَها ويتجاوز قوانينَها المرعيّة الإجراء ويسيء إلى معنويات الضبّاط والحفاظ على تكافؤ الفرَص بين أصحاب الرتب العالية، وخصوصاً المرشحين لقيادة الجيش وعضوية المجلس العسكري.