شكّل الاجتماع الدولي حول سوريا في فيينا إشارة قوية إلى بداية مرحلة جديدة من الأزمة السورية، وذلك بمعزل عن مؤدياتها إن لناحية تتويجها بتسوية سياسية، أو لجهة عدم اختلاف مصيرها عن مصير «جنيف 1» و«جنيف 2». ولكنّ الأكيد أنّ التدخل الروسي في سوريا أطلق دينامية جديدة وغير مسبوقة، حيث انها المرة الأولى التي تلتقي فيها الرياض وطهران حول طاولة واحدة للبحث في إنهاء الحرب السورية. وهذا التطور ما كان ليحصل لولا التدخل الروسي وتحوّل الدور الإيراني في سوريا إلى دور ثانوي، الأمر الذي سيرتّب على موسكو مع الوقت تأدية الدور الراعي للحل السوري. وإذا كان الخلاف الكبير بين المتحاورين حول مستقبل الرئيس السوري هو طبيعي وبديهي، فإنّ مجرد اللقاء وعلى هذا المستوى يشكّل محاولة لتقليص مساحة الخلاف. إلّا أنّ كل المراقبين تقاطعوا عند نقطة أنّ بداية البحث عن حلّ لا تعني أنّ هذا الحل سيتحقق في القريب العاجل، وبالتالي من المتوقع أن تشهد هذه المرحلة المزيد من المواجهات العسكرية التي ستترافق مع المفاوضات السياسية في سياق محاولة كل طرف تحسين شروط مفاوضاته. والمفارقة في اجتماع فيينا أنّ الغائب الأكبر هو سوريا بكل أطيافها وتلاوينها، خلافاً للمؤتمرات الدولية التي كانت تخصّص للأزمة اللبنانية وتجمَع فريقي النزاع، إلّا أنّ اللافت أنّ الدينامية السلمية التي انطلقت في فيينا سبقتها دينامية أخرى في لبنان تَجلّت في الجولة رقم 20 من الحوار الثنائي بين «المستقبل» و«حزب الله»، والتي فتحت الباب أمام انفراجات سياسية تبدأ في ملف النفايات ولا تنتهي بالجلسة التشريعية، وصولاً إلى تعزيز الوضع الأمني، ما يعكس انطباعاً بوجود إشارة إقليمية لإحياء القرار السعودي-الإيراني الذي كان وراء تأليف حكومة «المصلحة الوطنية». وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل الانفراجات المتوقعة تقف عند عتبة قصر بعبدا، لأنه تمّ ربط الرئاسة اللبنانية بالأزمة السورية، أم أنّ التطورات الدولية-السورية ستُنهي حقبة الفراغ وتحمل رئيساً جديداً إلى القصر الجمهوري؟
كشفت وكالة «ستراتفور» الاستخبارية انّ «الاجتماع الموسَّع في فيينا لا يُعدّ انفراجاً في الأزمة السورية، فالتعزيزات العسكرية الروسية والإيرانية لدعم قوات النظام خلقت مزيداً من الحوافز بالنسبة للمملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والأردن لتعزيز دعمها للجماعات المعارضة في محاولة لتحقيق التوازن في الميدان.
وهذا الواقع تسبّب بمعضلة أكبر لواشنطن التي حاولت طويلاً حرمان روسيا من تأدية دور ديبلوماسي يسمح بهندسة مفاوضات حول سوريا ومنع دول الخليج تزويد المتمردين بأنظمة دفاع جوية.
وتعمل الولايات المتحدة أيضاً مع الأتراك لتنسيق هجوم مع المتمردين لمحاربة «الدولة الإسلامية» غرب الفرات، وفي الوقت نفسه لاحتواء الغضب التركي من الدعم الأميركي للمتمردين الأكراد في الشرق».
واضافت الوكالة: هناك سؤال جوهري حول مصير الأسد. كل الأطراف المجتمعة في فيينا، وبدرجات متفاوتة، أذعنت للإصرار الروسي بأنّ المفاوضات حول الانتقال السياسي في سوريا يجب أن تحدث قبل ذهاب الأسد بشكل رسمي. لكنّ الدعم العسكري الروسي والإيراني، إلى جانب المفاوضات، يوفّر له دفعة من الشرعية ممكن أن تشجّعه على البقاء في السلطة.
وعقب الاجتماع بين الرئيس السوري ووزير الخارجية العمانية، هناك دلائل تشير إلى إمكانية أن توفّر سلطنة عمان اللجوء للأسد كجزء من الخطة الانتقالية. ولكن في موازاة ذلك، تشير بعض المصادر الاستخبارية إلى أنّ الأسد طلب من الوزير العماني فتح قنوات خلفية له مع البيت الأبيض.
وبسبب عدم ارتياحه للاعتماد بشكل كلّي على الحليف الروسي، قد يكون الأسد يحاول تَحسّس ما إذا كان في إمكانه التواصل مباشرة مع الولايات المتحدة في هذه المفاوضات، ويكتسب بذلك بعض الشرعية مع الغرب. ومن غير المرجّح أن تُبدي واشنطن مرونة في ما يخصّ إزاحته. ومع ذلك، فإنّ المحاولات السورية لفتح قنوات حوار مع البيت الأبيض تشير إلى تنامي الثقة من جانب الأسد بأنه ما زال لديه الوقت والمساحة للمناورة.
وختمت: حتى إذا سُوّيَت مسألة العفو عن الأسد، إلّا أنّ مسألة إزاحته من منصبه تبقى مبهمة. وإذا كان الحلّ بإجراء انتخابات، كما تطالب روسيا وسوريا، فيجب على احد الاطراف فَرض وقف إطلاق نار وتطبيقه. ويجب على احد أيضاً أن يضمن حصول انتخابات حرة ونزيهة وإجراءها في المناطق الخاضعة للنظام وحتى في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة.
بيان فيينا
وقد شكّل بيان «فيينا» الأرضية المشتركة التي ستنطلق منها القوى المشاركة للوصول إلى مزيد من المساحات المشتركة ودفع التسوية قدماً إلى الأمام، إذ بعد ثماني ساعات من المفاوضات، أقرّ المشاركون في الإجتماع الدولي حول سوريا في فيينا أنّ «خلافات كبيرة لا تزال قائمة»، على رغم اتفاقهم على ضرورة «تسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب».
وجاء في البيان المشترك أنّ «المشاركين في المحادثات يطلبون من الأمم المتحدة أن تجمعَ معاً ممثلي الحكومة السورية والمعارضة لتدشين عملية سياسية تؤدي إلى «تشكيل حكومة جديرة بالثقة وغير طائفية ولا تقصي أحداً، يَعقبها وضع دستور جديد وإجراء الانتخابات»، وقد توصلوا إلى تفاهم مشترك على النقاط التالية:
• وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية.
• مؤسسات الدولة ستظل قائمة.
• حقوق كل السوريين يجب حمايتها بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني.
• ضرورة تسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.
• ضمان وصول المنظمات الإنسانية لكل مناطق سوريا وسيعزّز المشاركون الدعم للنازحين داخلياً وللاجئين وللبلدان المستضيفة.
• الإتفاق على ضرورة هزيمة داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية كما صنّفها مجلس الأمن الدولي واتفق عليه المشاركون.
قزّي
وقال وزير العمل سجعان قزي لـ«الجمهورية»: «انّ حضور لبنان مؤتمر فيينا هو تطوّر نوعي يعيده الى الساحة الدولية بعد تغييب دام عقوداً، والمهم ان تعرف الديبلوماسية اللبنانية ان تستفيد من هذه الفرصة التاريخية المُعطاة للبنان لحضور مؤتمر فيينا. ففي وقت كان يغيب لبنان عن حضور مؤتمرات عربية واقليمية ودولية لتقرير مصيره وتحضر سوريا عنه، اليوم يحضر لبنان مؤتمراً لتقرير مصير سوريا، وسوريا غائبة عنه».
حمادة
وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية: «طبعاً حضور لبنان خطوة اعترافية مهمة به من قبل الدول الكبرى تؤكّد حالياً بقاء الحدود الاقليمية على ما هي عليه. التأكيد على وحدة سوريا من قبلهم والتأكيد على وحدة لبنان، ومن الامور المفيدة ان يكون لبنان موجوداً، خصوصاً إذا «قَلّل الحكي».
وهل يمكن القول انّ معالم الحل للأزمة السورية بدأت ترتسم في الافق؟ أجاب حمادة: «كنتُ صحافياً إبّان حرب فييتنام، وغطّيتُ الحرب ميدانياً، وغطّيت مؤتمر السلام الاميركي ـ الفييتنامي في جنيف، لقد استمرت المحادثات ست سنوات… ولم تحسم الّا على الارض في حينه، لم تعط أي نتيجة الّا بخروج الاميركي من فييتنام».
حلحلة في ملف النفايات
ومع بدء العد العكسي لانتهاء المهلة الاضافية المعطاة لحل ازمة النفايات، شهد هذا الملف حلحلة أفضَت الى حل موضوع المطامر الذي بات محصوراً بمطمرين: سرار في عكار، وخلدة، وسبعة ايام لمطمر الناعمة. ويتوقع بعد هذه الحلحلة ان تسلك خطة النفايات طريقها الى التنفيذ مباشرة بعد جلسة مجلس الوزراء التي ستناقش التعديلات وتقرّها.
وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ اجتماعاً يعقد اليوم في السراي الحكومي بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الزراعة اكرم شهيّب ووزير المال علي حسن خليل ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر وبعض المعنيين بالخطة لوَضع اللمسات الاخيرة على الاجراءات الواجب اتخاذها لتنفيذها، على ان يدعو سلام الى جلسة لمجلس الوزراء مطلع الاسبوع المقبل.
وكان سلام التقى امس وزير الصناعة حسين الحاج حسن ووزير المالية الذي قال: «الاجواء ايجابية بشأن ازمة النفايات، ونحن وضعنا معطياتنا بين يدَي الرئيس سلام الذي سيستكمل البحث والاجراءات».
وحول دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد، قال خليل: «الأمر يعود لدولة الرئيس ونحن مستعدون في اي وقت لحضور الجلسة». وأمل الحاج حسن التوصّل الى خاتمة تريح اللبنانيين من ملف النفايات، ويتأكد اللبنانيون أنّ «حزب الله» و«أمل» قاما بواجباتهما.
مصادر بكركي
في هذا الوقت، وبعدما كَثر الحديث عن تدخّل البطريركية المارونية على خطّ أزمة النفايات، وإعطاء إحدى قطع الأرض التي تعود ملكيتها للرهبنة المارونية في كسروان من أجل تأمين مطمر صحي للنفايات لمنطقتي المتن وكسروان لتسهيل تنفيذ الخطّة، أكدت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الأمر غير وارد حالياً، والبطريركيّة المارونية والرهبانيات تترك هذا الملفّ للأحزاب المسيحية التي تفاوض على خطة النفايات في كل لبنان.
وإذا تعثّرت الأمور، تتدخل بكركي من اجل تسهيل الحلّ مثلما تدخلت في قضية الحوض الرابع، لأنه من غير الجائز ترك النفايات في الشوارع وامام المنازل، أو الذهاب الى محاصصات ومناقصات في ملف النفايات تزيد الهدر والفساد مثلما كان يحصل سابقاً».
جريج لـ«الجمهورية»
وسألت «الجمهورية» وزير الاعلام رمزي جريج: هل يمكن اعتبار اننا دخلنا مرحلة الانفراج حكومياً وتشريعياً؟ فأجاب: «علينا التمييز بين جلسات مجلس الوزراء وجلسات مجلس النواب.
انها بداية جيدة ان ينعقد مجلس الوزراء لبحث موضوع النفايات وتأمين رواتب العسكريين، وهناك قضايا حياتية اخرى مهمة وداهمة ينبغي على المجلس ان ينعقد بصورة دورية من اجل تسهيلها، ونأمل في ان يعود المقاطعون الى طاولة المجلس لكي يتمكّن من معالجة شؤون الناس.
امّا بالنسبة الى التشريع، فالمجلس النيابي تحوّل وفقاً للمادة 75 من الدستور هيئة ناخبة، وينبغي ان ينتخب رئيس جمهورية قبل ايّ نقاش آخر، والاستثناء في هذا الامر هو المواضيع المتعلقة بانبثاق السلطة كقانون الانتخابات النيابية.
صحيح انّ فترة الشغور الرئاسي طالت وهناك امور ضرورية، ولكن على رغم المبدأ القائل إنّ الضرورات تبيح المحظورات، هناك عدد من المشاريع تتعلّق بقروض، والقروض يمكن ان تنتظر.
امّا مشروعا القانونين المتعلقين بتبييض الاموال وتبادل المعلومات فهناك ضرورة لبَتّهما، لكنّ بعض الوزراء خصوصاً وزراء الكتائب موقفهم مبدئي بوجوب عدم التشريع في غياب رئيس الجمهورية، واذا ارتأى المجلس خلاف ذلك تسجّل الكتائب اعتراضها.
عون
ولفتَ رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون الى انّ «الدستور لم يعد دستوراً، والميثاق لم يعد ميثاقاً وكلّ يفسّرهما على ذوقه. واليوم نحن نعطّل في مجلسَي النواب والوزراء لنوقِف القرارات التي تتجاوز التقاليد والعادات الديمقراطية والدستورية».
واكّد عون انّ «كل شيء يُمدّد، فكيف لمجلس نواب غير شرعي ان ينتخب رئيس جمهورية شرعي؟ فهم يعطّلون ونحن لا نعطّل، ونريد رئيساً يمثّل المسيحيين في السلطة»، مشدداً على انني «علماني «على رأس السطح» ولكن هذا دستورنا، ومَطالب الحراك مُحقّة لكنها لم ترتكز على شيء، ولا يجوز التعميم بالفساد مع حملات إعلامية مركزية على الأشخاص غير الفاسدين».
جعجع
وأكّد رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع انّ «القوات» تؤيّد تشريع الضرورة مع العلم أنّ الدستور واضح في هذا السياق، ولا سيما في المادتين 74 و75، ولكننا مع تشريع كل الضرورة وليس جزءاً منها، فعلى جانب هذه الضرورة نعيش وجعاً ميثاقياً منذ عشرات السنين يتمثّل بقانون انتخابات جديد وبقانون استعادة الجنسية. لذا، نحن مستعدون للمشاركة في جلسة تشريع الضرورة حين يكون هذان البندان على رأس جدول أعمالها».
موسى لـ«الجمهورية»
وأعلن رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى لـ«الجمهورية» انّ هيئة مكتب المجلس النيابي، في اجتماعها الثلثاء المقبل، تنتهي من دراسة جدول اعمال الجلسة التشريعية التي تَوقّعَ ان تنعقد قبل نهاية الاسبوع المقبل او مطلع الاسبوع الذي سيليه، مؤكداً انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري مصمّم على الدعوة الى هذه الجلسة للاسباب التي تحدّث عنها.
وعن إمكان ادراج بند قانون الانتخاب في جدول الاعمال أجاب موسى: كما باتَ معلوماً هناك 17 مشروع قانون ويجب حصول حد أدنى من التفاهم عليها. وبالتالي، هذا الموضوع هو في يد الكتل النيابية التي عليها الاتفاق على اي صيغة من الصيَغ المطروحة.
لكنّ الواضح اليوم انّ هناك فارقاً كبيراً لدى الكتل النيابية في مقاربة هذا الموضوع، واذا لم يكن هناك حد أدنى من الاتفاق على احدى الصيَغ فكيف سيُطرح قانون الانتخاب على جدول الاعمال؟
وعن إعلان «القوات» استعدادها للمشاركة في الجلسة حين يكون قانونا الانتخاب والجنسية على رأس جدول أعمالها؟ وهل ستكون ميثاقية اذا قاطعتها مع «التيار الوطني الحر»؟
أجاب موسى: موقف الدكتور جعجع واضح من البداية بعدم المشاركة اذا لم يُدرج هذان البندان في جدول الاعمال. لكن لننتظر من اليوم حتى الثلثاء حيث ستتبلور المواقف بعد المراجعات التي سيجريها ممثّلو الكتل النيابية. لكنّ الرئيس بري مصمّم على الدعوة الى الجلسة التشريعية للأسباب التي ذكرها أكثر من مرة.