لا تنحصر خطورة أزمة النفايات بالبُعدين الصحي والبيئي فقط، إنما تتعداهما إلى ما هو أخطر ربما، ويتصل بإحياء البعد الطائفي الذي أعاد الكلام عن مطامر سنية وشيعية ومسيحية ودرزية في صورة مسيئة للبنان واللبنانيين، وتذكّر بزمن الفرز إبّان الحرب الأهلية. والخطورة أيضاً أنّ الترسيمات الطائفية لم تقف عند حدود النفايات بل تمدّدت إلى الجلسة التشريعية تحت عنوان «شروط مسيحية» لعقدها بعدما وضعت بكركي رئاسة الجمهورية خطاً أحمراً لا يمكن تجاوزه ويسبق كل الملفات، وأكدت أنّ «تشريع الضرورة الوحيد والمستعجل هو انتخاب رئيس الجمهورية فقط لا غير ونقطة على السطر». غير انّ الاتصالات لم تنقطع لإقناع «القوات» و»التيار» بالمشاركة في حال إدراج بند قانون الانتخاب، أو مشاركة أحد الطرفين في حال عدم إدراجه، وذلك حرصاً على الميثاقية. وبالفعل ألغى رئيس حزب «القوات» الدكتور سمير جعجع مؤتمره الصحافي لإفساح المجال امام الاتصالات. في هذا الوقت، جالَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة تمام سلام، أمس، مؤكداً أهمية المضيّ قدماً في الجلسة التشريعية لإقرار القوانين المالية المطلوبة دولياً. وانسحب الأمر ذاته على جمعية المصارف التي حذّرت من أنّ «عدم إقرار القوانين يُلحق ضرراً كبيراً في معيشة اللبنانيين». وفي موازاة ذلك، تكثّفت التحقيقات في كشف أبعاد التفجير الأمني في عرسال وخلفياته.
يعوّل اللبنانيون على ان تكون الجلسة التشريعية المقررة في 12 و13 تشرين الثاني الجاري منطلقاً الى انفراجات سياسية وعامة في البلاد، الى جانب ما توفّره الحوارات من مناخات تهدئة، ولو انها لم تنتج خطوات عملية على مستوى معالجة الملفات الخلافية الكبرى، بدءاً بالاستحقاق الرئاسي.
وقد ذهب بري الى التحذير من انّ عدم انعقاد هذه الجلسة، سيكون «انتحاراً لمَن يريد الحياة»، في وقت أجمعت قوى سياسية ومصرفية وازنة على اعتبار الجلسة بأنها إنقاذية، خصوصاً من الناحيتين المالية والاقتصادية، ولن يحول دون انعقادها على الأرجح، أيّ عقد ميثاقية لأنّ نواباً من كل الطوائف سيحضرونها حتى لَو قاطعتها قوى سياسية معينة.
بري
واكد بري «انّ الجلسة التشريعية قائمة، وضميري مرتاح الى ما قمتُ به إزاء «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». وعلى رغم وجود مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين في اللجان النيابية، تقدّمَ الطرفان باقتراح قانون معجّل، فأدرَجته في جدول اعمال الجلسة، وهذا أمر مغاير للأصول لأنه ما دام هذا المشروع او غيره موجوداً لدى اللجان ولم تقرّه بعد، فينبغي انتظار إنجازه، الّا اذا طلبت الهيئة العامة للمجلس وضع اليد عليه، ولا اريد ان أجعل من ذلك سابقة».
وكرّر القول أمام زواره انه لبّى طلب رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون إدراج مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين ومشروع القانون المتعلّق بصرف اموال البلديات من عائدات الهاتف الخلوي لدى الصندوق البلدي المستقل. لذلك «لا عذر لأحد لكي لا يحضر الجلسة التي يجب أن تعقد، لأنه اذا لم تعقد سيذهب البلد الى المزبلة قبل إيجاد مزبلة للنفايات».
واشار بري الى انّ سلامة وجمعية المصارف «وَضعاني في أجوائهما حول الخطر الذي يتهدّد القروض الدولية المقدمة للبنان والمهدَّدة بالإلغاء اذا لم يقرّها مجلس النواب، وتبيّن لي انه حتى اصدقاؤنا لم يحمونا في هذا المجال. ولذلك أنا لا استطيع ان احمل ذلك». وقال: «كنتُ أدرك خطورة هذا الوضع قبل الاجتماع بحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف».
وعمّا يطرح في شأن مراعاة الميثاقية في عقد الجلسة التشريعية، قال بري: «الميثاقية تعني حماية الوطن وليس تخريبه، وسنحافظ عليها من اجل لبنان الوطن وليس من اجل فلان او علتان.عندما نقول الميثاقية فهذا يعني انّ مكوّناً رئيسياً غير حاضر ابداً في الجلسة، ولكن هناك اليوم نواباً مسيحيين عموماً وموارنة خصوصاً سيحضرون، ما يعني انّ الميثاقية موجودة.
لقد تعاملتُ بتقدير واحترام مع الجميع فليحترموا البلد. كذلك تلقّيت رسائل كثيرة وتوسّلت لعقد الجلسة حتى لا يتسوّل لبنان. وإذا لم تنعقد الجلسة فهذا يعني انتحاراً لمَن يريد الحياة».
قطوع العزلة المالية
وكانت الماكينات السياسية والاقتصادية تحركت، بعدما بلغت الامور حد توجيه المؤسسات الدولية المتابعة لملف قوانين مكافحة التبييض والفساد، إنذاراً أخيراً الى لبنان، بغية قطع الطريق على احتمال وضعه على «لائحة الدول غير المتعاونة».
وفي موازاة مبادرة بري الى تحديد موعد الجلسة التشريعية لإقرار القوانين الثلاثة المطلوبة دولياً في مجال تبادل المعلومات الضريبية، نقل الاموال عبر الحدود، ومكافحة تبييض الاموال وجرائم تمويل الارهاب، تحرّكَ حاكم مصرف لبنان ومعه جمعية المصارف للتحذير من مخاطر إهمال الطلب الدولي وعدم إقرار القوانين المطلوبة.
ومن المعروف انّ هذه القوانين عالقة منذ العام 2012، وقد توقفت إثر اعتراض «حزب الله» على قانون نقل الاموال عبر البرّ. كذلك كانت هناك ملاحظات قانونية متناقضة حول قانون تبادل المعلومات الضريبية. لكنّ هذه الاعتراضات زالت اليوم، تحت وطأة الاستحقاق الحاسم، وبعدما كاد اسم لبنان يُدرج على خانة الدول غير المتعاونة، بما يؤدي الى وقف كل التحويلات المالية من لبنان وإليه.
وفي بلد مثل لبنان، «قائم على تحويلات المغتربين»، كما يقول النائب ياسين جابر لـ»الجمهورية»، فـ»إنّ إدراجه على اللائحة السوداء سيحرمه من تحويل أيّ فلس اليه وسيمنعه أيضاً من تحويل أيّ اموال الى الخارج».
هذه الاجواء كرّرها سلامة أمس على مسامع رئيس مجلس النواب في عين التينة، ورئيس الحكومة تمام سلام في السراي، وحصل على وعد بإنجاز القوانين المطلوبة لحماية البلد من العزلة المالية.
في موازاة تحرّك سلامة، تحرّكت المصارف من خلال جمعيتها برئاسة جوزف طربيه، الذي زار بري أمس، وشرح خطورة تقطيع المهلة الممنوحة للبنان من دون إقرار القوانين المالية.
وعلمت «الجمهورية» انّ وفد المصارف سيستكمل جولته على السياسيين في الايام المقبلة، من خلال زيارات يقوم بها الى القيادات المسيحية ليشرح لها ضرورة إقرار هذه القوانين في المجلس النيابي بصرف النظر عن موقفها من التشريع في غياب رئيس للجمهورية.
حكيم: لا خطر
ولا يبدو موقف وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم مغايراً لهذه القناعة، لجهة ضرورة إقرار القوانين المطلوبة دولياً، ولو انه يقول انّ المطلوب انتخاب رئيس للجمهورية غداً، وبعدها ليجتمع المجلس ويشرّع ويقرّ القوانين.
عن الوضع المالي والاقتصادي في البلد اليوم، واذا ما كانت هناك مخاطر على الليرة، يؤكد حكيم لـ«الجمهورية» انّ «بعض التصريحات أشاعَت الرعب من دون ان تكون مُستندة الى الواقع، لأنّ الوضع المالي والاقتصادي في لبنان لا يزال محصّناً. واستطيع ان أجزم انه، وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، لا خطر على البلد من أيّ انهيار مالي او اقتصادي».
وأضاف: «ليرتنا قوية، ووضعنا المالي جيد. ونحن نستند الى ثلاث حقائق مالية، هي: تحويلات اللبنانيين التي بلغت حوالى 7,5 مليارات دولار هذا العام، الودائع المصرفية التي تبلغ حوالى 145 مليار دولار، والاحتياطي في مصرف لبنان الذي بلغ ارقاماً قياسية. وبالتالي، لا خوف على الوضع إطلاقاً، ووضعنا المالي آمن على المدى المنظور على الأقل».
مصادر بكركي
في هذا الوقت، أكدت مصادر بكركي لـ»الجمهورية» أنّ «البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حازم ولا يساوم، ويعتبر أنّ تشريع الضرورة الوحيد والمستعجل والذي لا يحتمل التأجيل هو انتخاب رئيس الجمهورية فقط لا غير، ونقطة على السطر».
وأبدت المصادر «احترامها وتقديرها لكل الكتل النيابية التي ستشارك في الجلسة التشريعية إذا ما عُقدت، مع التأكيد على أولوية الناس الحياتية والمعيشية، لكنّ هذه الكتل تستطيع الاجتماع وانتخاب رئيس بَدل حَرف الأنظار عن هذا الملف المحوري».
ورأت أنّ «خيار مشاركة الكتل المارونية وعلى رأسها تكتل «التغيير والإصلاح» و»القوات اللبنانية» يعود إليهما لأنّ النواب هم من يقررون، لكنّ البطريركية المارونية تتمنى إذا قرّرا المشاركة، أن يذهبا بموقف موحّد وباتفاق فيما بينهما، وهي تبارك كل تقارُب ماروني لعلّه يصِل الى انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق».
فنيش
وفي المواقف من الجلسة التشريعية قال الوزير محمد فنيش لـ«الجمهورية»: «إنّ موقف «حزب الله» واضح، فالتشريع يجب ألّا يتوقف، وقناعتنا ان لا شيء يجب ان يعطّل مجلس النواب، والمطلوب دائماً ان يكون ممثّل الناس ويقوم بدوره في تشريع القوانين ومحاسبة الحكومة ومراقبة أعمالها. وفي هذه الظروف، على الاقل ما يسمّى بتشريع الضرورة، نعتبره الحد الادنى، مع العلم انّ قناعتنا هي ان لا شيء يجب ان يعطّل المجلس النيابي».
ولدى سؤاله: هل انّ جلسة مجلس الوزراء طارت مع تطيير خطة النفايات؟ أجاب: «الأمل يبقى قائماً، والمساعي يجب الّا تتوقف لإيجاد مخارج وحلول. ومع الأسف الشديد لم يكن من المفروض ان تتوقف جلسات مجلس الوزراء لو لم يَتعاط الفريق الآخر في ملف التعيينات العسكرية والامنية بهذه الطريقة».
ويردّ فنيش على من يحمّل «حزب الله» مسؤولية فشل خطة النفايات بالقول: «هذه الذهنية في التعاطي مع الموضوع على قاعدة توزيع النفايات وفرزها على أساس مناطقي ومذهبي أوصَلت الامور الى ما هي عليه اليوم، وهذا ما لا يجب حصوله، بل ينبغي إيجاد مقاييس ومعايير بيئية وعلمية».
وإذ اعتبر انّ البلاد منحدرة والظروف سيئة، قال: «على الاقل، لنبقَ محافظين على الاستقرار الامني وتحصين البلاد أمام المخاطر الموجودة في المنطقة».
ورأى انّ «تحسين إدارة شؤوننا يكون من خلال الذهاب الى قانون انتخابات، فتشعر الناس مجدداً بأنها شريكة في السلطة وفي إدارة بلدها، ومن خلال الاقلاع عن عقلية مصادرة دور الآخرين وقبول تمثيلهم واحترامهم، ونحن من جهتنا نملك حرية قرارنا وبرنامج تحرّكنا بما تُمليه مصلحة البلاد، لكنه تبيّن انّ الطرف الآخر لا يملك هذه الحرية».
مجدلاني
من جهته، أوضح عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني لـ»الجمهورية» انّ «الكتلة لم تأخذ قرارها بعد في شأن الجلسة التشريعية، والموقف سيتحدد مبدئياً في اجتماعها الاسبوعي الثلثاء المقبل. لكن طبعاً نحن نشعر بضرورة إقرار بعض مشاريع القوانين التي لا تنتظر، ويمكن ان تشكّل خطراً على وضع لبنان الاقتصادي اذا لم يقرّها المجلس النيابي».
وعن ميثاقية الجلسة اعتبر مجدلاني انّ الجلسة «ليست جلسة تشريعية بل جلسة إنقاذية للبنان ولوَضعه الاقتصادي ولليرة اللبنانية من مخاطر جمّة، لا سيما خطر اعتباره دولة غير متعاونة، وما يستتبع ذلك من تردّدات على علاقة القطاع المصرفي مع المجتمع الدولي، وهو القطاع الوحيد الذي يجعل الدولة لا تزال تقف على قدميها».
إنفجار عرسال
أمنياً، عادت عرسال إلى الواجهة عبر عملية استهدفَت اجتماعاً لهيئة علماء القلمون أمس. ورجّح مصدر أمنيّ وقوفَ تنظيم «داعش» وراء العملية، «لأنّها تستهدف خصوصاً الشيخ فواز علي عرابي الذي يقطن قرب حاجز الجيش في وادي حميد، وعلى تواصلٍ دائم معه، ويُسَهّل عمليات دخول السوريين وخروجهم على الحاجز، نظراً لحساسية الموقع هناك، كما أدّى دوراً مهمّاً وكبيراً في ملف العسكريين المخطوفين والمفاوضات القائمة، إضافة إلى دوره في استرجاع جثمان الدركي الشهيد علي البزّال، وملفّات أخرى». (التفاصيل ص 7)
وفد لبنان الى الرياض
وفي هذه الأجواء كشفت مصادر دبلوماسية لـ«الجمهورية» عن تشكيل الوفد اللبناني الى القمة الخليجية – الأميركو لاتينية التي ستعقد في الرياض في 10 و11 الجاري، ويضمّ الى الرئيس سلام وزير الدفاع سمير مقبل، وزير المالية علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل.
وقالت المصادر انّ الترتيبات الإدارية واللوجستية للمشاركة في القمة أنجِزت، وكذلك أوراق لبنان واللقاءات التي ستعقد على هامشها بما فيها تلك التي سيستضيفها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بصفته رئيساً لأعمال المؤتمر، واللقاءات الجانبية التي سيعقدها الوفد اللبناني مع الوفود العربية والمدعوين من مختلف القارّات، بالإضافة الى الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية وامين عام المؤتمر الإسلامي وعدد من الأمناء العامّين، من هيئات إقليمية ودولية تواكِب التطورات الجارية في الأزمة السورية والأوضاع الناجمة عنها، ولا سيما أزمة اللاجئين السوريين الى دوَل الجوار السوري وأوروبا.