يتركز الحديث في الآونة الأخيرة عن تسوية سياسية يصار بموجبها إلى انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وهذه الأجواء كناية عن معلومات في شِقّ منها، وعن مسار سياسي في الشِق الآخر والذي يدلّ إلى وجود حركة استثنائية غير مسبوقة إلّا في المحطات المفصلية والمفترقات الأساسية والتي لا يمكن سوى ان ينتج عنها شيء، وما يدعِّم هذا المناخ السرية التامة التي تطبخ فيها الأمور، ما يؤشر إلى جديتها، خصوصاً انها ترافقت مع لقاءات مكثفة يجريها الرئيس سعد الحريري كان قد بدأها مع أركان فريقه قبل أن يستكملها مع شخصيات أخرى ومن ضمنها النائب وليد جنبلاط، حيث تضمّن السطر الأخير من البيان الصادر عن اللقاء بينهما إشارة قوية إلى وجود تسوية تُطبخ على نار حامية، وذلك بمجرد تأكيدهما على «متابعة الاتصالات مع باقي المكونات الوطنية والقوى السياسية للبحث في سبل إطلاق هذه التسوية وإنجازها بأسرع وقت ممكن»، وهذه السرعة تذكِّر بالسرعة نفسها التي رافقت ولادة حكومة الرئيس تمام سلام. وفي حين تحدثت المعلومات عن انتقال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل إلى باريس للقاء الحريري، طرحت أوساط جملة من التساؤلات السياسية: لماذا لا يصار إلى وضع حركة الحريري في إطار استمزاج الآراء في محاولة لتحقيق خرق سياسي في أعقاب المبادرة التي طرحها الأمين العام السيد حسن نصرالله، وذلك بدلاً من تحميلها أكثر من قدرتها على الاحتمال؟ وهل طرح اسم فرنجية مجرد شائعة ومناورة وجس نبض أم انه ينمّ عن توجّه جدي؟ ولماذا هذا الضباب الكثيف الذي يلف الجو السياسي في البلد؟ وهل ميزان القوى المحلي والإقليمي حسم لمصلحة محور الممانعة من أجل أن توافق 14 آذار على انتخاب فرنجية؟ وماذا عن موقف السعودية المتمسكة برحيل الرئيس السوري ورفضها أي مساومة في هذا الموضوع؟ واستطراداً هل ما ترفضه في سوريا يمكن ان تقبله في لبنان؟ وماذا عن موقف المكونات الحزبية والمستقلة في قوى 14 آذار، كما مصير هذه الحركة؟ وهل سيتخلى «حزب الله» عن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون؟ وماذا عن ردّة فعل الأخير؟
لا يوجد في السياسة ما هو مستحيل، ولكن في الوقت نفسه يصعب تحويل المستحيل إلى أمر ممكن، خصوصاً في ظل المعوقات الكثيرة القائمة. فالولايات المتحدة التي أقرّ مجلس شيوخها بغالبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي قراراً بتشديد الخناق على «حزب الله»، لن تكون في وارد ترييحه إلى حد إيصال الرئيس الذي يمثله ويحقق أهدافه؟
والرياض التي تخوض مواجهة شرسة مع محور الممانعة في كل الدول العربية حفاظاً على القرار العربي المستقل، لن تتهاون مع انتخابات رئاسية في لبنان تجعل الموقف الرسمي اللبناني داعماً لهذا المحور على حسابها؟ وتيار الاعتدال في الطائفة السنية الذي يخوض مواجهة مع التطرف السني، لن يسمح بانتخابات تزكّي حالة التطرف وترفع من منسوبه؟
وقوى 14 آذار التي رفعت عنوان «العبور إلى الدولة» ووضعت باقة من الشهداء والشهداء الأحياء، لن تتهاون مع انتخابات تقطع جسر العبور إلى الدولة وتزكّي خيار الدويلة؟
فلكل هذه الأسباب وغيرها من الصعوبة بمكان جعل هذا المستحيل واقعاً، ولكن لا شك أن لبنان دخل في مرحلة جديدة، وأن الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بتبيان الحركة الكواليسية وتظهيرها بشكل تسوية سياسية.
الحريري وجنبلاط
وكان الحريري قد استقبل، في مقر إقامته في باريس، جنبلاط يرافقه وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور بحضور النائبين السابقين باسم السبع وغطاس خوري ونادر الحريري.
وأشار المكتب الإعلامي للحريري أنه «تم خلال اللقاء التباحث بالاوضاع العامة في لبنان والمنطقة وبالأزمة السياسية المتمادية وما باتت تمثله من مخاطر جمة على ميثاق لبنان واستقراره وأمنه واقتصاده الوطني في ظل الأحداث الدامية في محيطنا العربي.
وتم الاتفاق على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لإيجاد تسوية وطنية جامعة تحفظ ميثاقنا الوطني وتكرّس مرجعية اتفاق الطائف وتعالج بداية أزمة الشغور الرئاسي وتضع حداً لتداعي مؤسساتنا الوطنية وتطلق عمل المؤسسات الدستورية وتفعّل عمل الحكومة والمجلس النيابي وتؤمن المظلة السياسية والأمنية لحماية لبنان والنهوض باقتصاده الوطني من أوضاعه الحالية وتوجِد حلولاً للازمات الاجتماعية المتراكمة.
كذلك تم الاتفاق على متابعة الاتصالات مع باقي المكونات الوطنية والقوى السياسية للبحث في سبل إطلاق هذه التسوية وإنجازها بأسرع وقت ممكن».
عريجي لـ«الجمهورية»
ولم يشأ وزير الثقافة روني عريجي تأكيد حصول اللقاء بين الرئيس الحريري والنائب فرنجية أو نفيه، وقال لـ»الجمهورية»: «الاهمية لا تكمن في ما اذا كان اللقاء انعقد ام لا، فالجميع يلتقي الجميع، لكن المهم هو ان تجري حركة سياسية ايجابية تُخرج البلاد من المأزق السياسي الذي تتخبط فيه، ونأمل في ان تنتج هذه الحركة حلاً لمصلحة لبنان».
وأيّد عريجي كل مبادرة تحرّك الوضع السياسي في اتجاه ايجابي وتدفع كل الاطراف الى التحدث معا. ورأى انّ مبادرة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله وتجاوب الرئيس الحريري معها فتحا كوة في جدار الازمة السياسية السميك.
«التيار الوطني الحر»
وفي معلومات لـ«الجمهورية» ان «التيار الوطني الحر» متريّث في التعليق على كل الحركة السياسية القائمة، في انتظار تبلور الصورة بشكل كامل واكتشاف مدى جدية العروض المطروحة.
كذلك ينظر «التيار» الى اي تسوية سياسية من منظار شامل، أي بما تتضمنه من اجوبة حول المطالب المسيحية لجهة مواصفات الرئيس، وقانون الانتخابات النيابية وتوازنات الحكومة».
وفي هذا السياق برز موقف حمّال أوجه للوزير جبران باسيل عن الأصيل والوكيل، حيث قال: «نحن شعب مفتوح أمامه بلاد العالم، والبرهان من هاجر وعمل ونجح، وحتى في تلك الارض التي هاجروا اليها سعينا منذ الـ 2003 الى إعطائهم حقهم بالجنسية حى تحقق ذلك بعد 12 عاماً، وهم لبنانيون في الأصل، فيما أعطينا اللبنانيين غير الأصيلين الجنسية، وفي كل مرة نستبدل الأصيل بغير الأصيل، الحقيقي بالمزيف».
شمعون
وفضّل رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب دوري شمعون استمرار الشغور الرئاسي على وصول فرنجية الى سدة الحكم، وقال لـ»الجمهورية»: «القضية ليست شخصية لكن ليس مسموحاً لمَن يفاخر وعلى رأس السطح بأنه صديق للاسد بأن يصل الى الحكم، إذ ان صداقته الشخصية هذه ستؤثر حكماً في طريقة تصرفه عندما يكون رئيساً، والاسد صديق فرنجية لكنه ليس صديقاً للبنان ونرفض تكرار ما شهده لبنان عندما كان «الاسدان»، الاب والابن، يفعلان به ما يحلو لهما لأنّ لهما اصدقاء فيه. لا نحبّذ ان يصل اي صديق للاسد الى الرئاسة، خصوصاً في الظرف الراهن وعندما نرى تصرفاته ضد شعبه».
وعن عدم شمول الحزب في المشاورات الجارية في باريس والرياض أجاب شمعون: «اساساً حساباتي غير حساباتهم وموقفي صريح وواضح، وانا لست مرشحاً وأريد رئيساً ترضى عنه غالبية الاطراف».
وألا يعتبر انّ المساعدة في ايصال فرنجية ستضعضع صفوف 14 آذار، اجاب شمعون: «تيار المستقبل حر في ارتكاب الاخطاء التي يريد، لكن لا اعتقد انه سينجح في هذه الغلطة، اي في ايصال فرنجية للرئاسة».
سعيد
ورأى منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد ان «خيار انتخاب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في هذه اللحظة غير مناسب لأنه سيؤدي الى عدم استقرار في البلد ونحن بأمسّ الحاجة لرئيس يجمع لا لرئيس يفرّق».
وقال لـ«الجمهورية»: «اعتقد بأننا نبني على الحركة التي نسمع بها في الخارج اكثر مما هي تستحق، فمن يريد ايصال اي اسم الى الرئاسة أكان فرنجية ام غيره لا يستخدم الاسلوب المتّبع اليوم، لأنّ هذا الاسلوب سيطيح كل الاسماء المطروحة، ولا اعتقد بأن ما يجري يثير القلق بمعنى انه سيؤدي الى انتخاب فرنجية رئيساً».
وعن الوضع داخل 14 آذار، اجاب سعيد: «14 آذار لا تذهب من يوم الى يوم من ردة فعل الى ردة فعل، هي اطار واسع قادر على استيعاب الاحداث السياسية في لبنان والمنطقة.
وما يحدث في باريس لن يخلق اي أذى في صفوفها لأن ما تريده هو انتخاب رئيس للجمهورية وهذا هو الهدف المشترك، اما القول ان هناك من يعمل داخل 14 آذار من اجل ايصال فرنجية فغير صحيح، واؤكد بكل ثقة بأنّ ايصاله للرئاسة في هذه اللحظة يسهّل في انزلاق لبنان باتجاه عدم الاستقرار الداخلي. فهناك طائفة بكاملها ستعتبر بأنّ بشار الاسد جلس في بعبدا، وهذا لن يطمئن اللبنانيين».
واضاف: «القول إن هناك تسوية في سوريا ويجب مواكبتها من خلال انتخاب فرنجية تحليل تبسيطي للامور، فالتسوية في سوريا ليست غداً كما يتبين من خلال متابعة الوضع، والقول انّ فرنجية يواكب المرحلة الانتقالية فيها كلام تبسيطي ايضاً.
لبنان يحتاج اليوم لرئيس يجمع اللبنانيين حول الدستور والعيش المشترك، واي اسم يؤدي الى نفور طائفة من بابها الى محرابها لا يؤمن هذا الاستقرار، وانتخاب فرنجية اذا حصل سيؤدي الى نفور الطائفة السنية وخلق جو من التشنج السني في مواجهة التشنج الشيعي، ولا اعتقد ان احدا في لبنان او في العالم يريد عدم استقرار لبنان».
فرنجية
وكان فرنجية اكد، وفق ما صرّح رئيس الرابطة المارونية النقيب سمير ابي اللمع بعد زيارة وفد الرابطة الى بنشعي امس، ايمانه بـ»أن لبنان يجب ان يبقى منطلقاً للفكر والمعقل الحصين للحرية وللتضامن بين الفئات جميعاً المسيحية والاسلامية، وانّ اي رئيس سيكون له الحظ بأن يتبوّأ هذا المركز الموقع يجب أن يكون ضامناً لجميع الفئات الحزبية والسياسية والدينية والمجتمع المدني الذي يتمتع اليوم بدور مهم في هذا الإطار».
ريفي
ودعا وزير العدل اشرف ريفي الى عدم تحميل لقاء الحريري ـ فرنجية اكثر ممّا يحمل، وقال انه لا يرى ان فرنجية «مع احترامنا له، يمكن ان يكون رئيساً لجمهورية لبنان، وطبعاً هذا رأيي الشخصي لأنّ رئاسة الجمهورية يجب ان تكون فوق الانقسامات السياسية لكي يستطيع الرئيس المقبل جمع الافرقاء على طاولة واحدة من دون ان ينحاز لفريق»، ولفت الى ان «من يقرأ التطورات العالمية والاقليمية يدرك تماماً ان كل من هو محسوب على المحور الايراني ـ السوري لا يمكن ان يصل الى رئاسة الجمهورية اللبنانية».
رعد
واعتبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «أزمة رئاسة الجمهورية لا تحلّ إلّا بالتفاهم على خدمة نهج وطني لا يجامل إزاء حفظ السيادة والإستقلال، ويتجاوز مسألة التدخل والتصرف والخضوع.
والمطلوب للرئاسة شخص معروف بعقله وحسه السيادي، وقد يكون مطلوباً أن يشكل حيثية شعبية في طائفته، لكن المطلوب أن تكون هذه الحيثية مضافة إلى الإحساس السيادي الذي يعتمر في قلوب شعبنا، وخصوصاً في مناطق أهلنا المقاومين الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن الوطن ضد الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، ولا يجوز أن ننتظر رئيساً ليدير أزمة فيبقى من يتصدى للمخاطر الإسرائيلية، فيما بقية أطراف لبنانيين تنتظر النتيجة لتصفّق للفائز ولتتعاطى معه».