إستمرّ منسوب التوتّر عالياً بين السعودية وإيران، ولم تنجح المحاولات الدولية والأوروبية في احتوائه، فيما أبدت موسكو استعدادها للعِب دور الوساطة لتسوية الخلافات بينهما. وأعلنَت الرياض أمس وقفَ الملاحة الجوّية وكلّ العلاقات التجارية مع إيران، وانضمّت السودان والبحرين إلى المملكة في قطعِ العلاقات الديبلوماسية، فيما خفّضَت دولة الإمارات مستوى التمثيل مع طهران.
وبينما يترقّب لبنان ما يجري حوله بقلق شديد، قفَز الوضع الأمني في الجنوب إلى الواجهة مجدّداً مع تنفيذ «حزب الله» تهديدَه بالردّ على اغتيال سمير القنطار بتفجير عبوة ناسفة في دورية إسرائيلية مؤللة على طريق زبدين ـ القفوة « في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، ما أدّى إلى تدمير آليّة «هامر» وإصابة مَن في داخلها»، وفق ما جاء في بيان الحزب.
وقد سارعَت إسرائيل إلى إطلاق قذائف مدفعية مستهدفةً بلدات جنوبية عدة. وقالت مصادر قريبة من الحزب لـ«الجمهورية» إنّ الحزب «عندما يقول إنّ الرد آتٍ فهو آتٍ».
وأضافت أنّ «انشغال الحزب بالتطورات في سوريا، والمواجهة السياسية المفتوحة مع السعودية، والمواجهة العسكرية المستمرة مع التكفيريين على الحدود، لا يلغي اهتمامَه بالجبهة المفتوحة بشكل دائم مع العدوّ الصهيوني».
وأشارت الى أنّ «المقاومة الإسلامية» ما كانت لتستهدفَ إسرائيل من» دون معرفة أبعاد ما سيَلي العملية من تطوّرات»، ومِن دون «التأكّد من قدرتها على التعامل مع هذه الأبعاد بالشكل الملائم». ولفتَت الى أنّ تقليل إسرائيل من حجم العملية، وتكتُّمَها على خسائرها والمعلومات عنها «يعود أساساً إلى حصول العملية نفسِها وإلى فشَل الإجراءات الأمنية قبلَ حصولها وبَعده، وفشل تهويل العدوّ في منعِ العملية».
متابعة ديبلوماسية
واستدعت هذه العملية حركةً ديبلوماسية غربية باتّجاه المسؤولين اللبنانيين، وتلقّت مراجع أمنية وسياسية مراجعات من ديبلوماسيين مكلّفين بالتواصل مع الأجهزة الأمنية اللبنانية للاستفسار عن حصيلة العملية وما يمكن أن تؤدّي إليه وموقف لبنان منها.
وذكرَت مصادر أمنية أنّ بعض الملحقين العسكريين أكّدوا على «أنّ الأجواء الدولية لن تسمحَ بأيّ خرق أمنيّ كبير، وما حصَل لا يعدو كونَه ردَّ فِعل سريع ومحدود في الزمان والمكان، ولا أحد يريد إعطاءَ عملية شبعا أكثرَ ممّا تستحقّ، وبالتالي فإنّ الوضع ممسوك، ورقعة التوتّر لن تتوسّع، وهذا ما ترجَمه الهدوء الذي سادَ المنطقة بعد أقلّ من ساعة ونصف الساعة على العملية».
وتزامُناً مع الاتّصالات، أكّدت قيادة الجيش اللبناني في بيان لمديرية التوجيه أنّ القوى العسكرية المنتشرة في المنطقة الجنوبية الحدودية اتّخذَت الإجراءات الدفاعية المناسبة، فيما تجري متابعة الموضوع بالتنسيق مع قوّات الأمم المتحدة الموَقّتة في لبنان.
تدابير حول السفارات
في هذه الأجواء المحمومة، كشفَ مرجع أمني لـ»الجمهورية» أنّ المعلومات التي في حوزة الأجهزة الأمنية تؤكّد أن ليس هناك أيّ مخاوف من عمليات تستهدف أيّ سفارة عربية أو الإيرانية في بيروت، وأنّ التدابير التي اتّخذَتها القوى الأمنية مستمرّة منعاً لأيّ محاولة اعتداء غادرة.
وقال المرجَع إنّ وحدات من قوى الأمن الداخلي تدعَمها وحدات من الجيش اللبناني منَعت مجموعة من المواطنين من الوصول الى مقرّ السفارة السعودية عصر أمس بعدما قصَدوا الاعتصام أمامها، قادمِين من جهة ملعب النادي الرياضي، وأنذرَتهم بعواقب أيّ تقدّم، أو استخدام أيّ سلاح أو مواد حارقة.
وأضاف المرجع أنّه وبَعد إبعاد المجموعة التي ضَمّت ما يقارب 25 شخصاً، هدَّد بعضُهم بالعودة غداً (اليوم) للاعتصام أمام مبنى السفارة، فنصحوهم بعدمِ تكرار المحاولة لا اليوم ولا غداً، لأنّه لن يُسمَح لهم بالوصول إلى محيط السفارة أيّاً كانت الظروف التي دفعَتهم إلى هذه الخطوة.
لبنانيّو الخليج
وفي الإطار عينه، حذّرَت مراجع أمنية وسياسية لبنانية من مخاطر إقدام أيّ جهة على الاعتداء على المراكز والسفارات العربية والخليجية تحديداً في بيروت لأنّ انعكاساتها لن تبقى على المستوى الديبلوماسي والسياسي، وهو ما توَلّت بعض المرجعيات الأمنية نَقله إلى المسؤولين السياسيين والحزبيين.
ونفَت المراجع علمَها بأيّ تدابير خليجية قد اتُّخِذت بحقّ بعض العائلات اللبنانية العاملة في دوَل الخليج حتى الساعة، لكنّها حذّرت من أيّ اعتداء يمكن أن يؤدّي إلى مِثل هذه الخطوات، علماً أنّ الاتّصالات السابقة التي شكّلت ضماناً لبعض العائلات اللبنانية لن تبقى ساريةَ المفعول في حال حصول أيّ اعتداء على أيّ سفارة خليجية.
تكريس دفنِ التسوية
ومع توَسّع ارتدادات الأزمة الإقليمية، والخوف من أن تصيبَ شظاياها لبنان، يبقى مصير الاستحقاق الرئاسي في عالم الغيب، في حين ذكّرَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية والتي تُعقَد في الثانية عشرة من ظهر بعد غدٍ الخميس.
رعد
في هذا الوقت، حَمل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد بعنف على الرئيس سعد الحريري، ونعى التسوية بشكل غير مباشر، وقال إنّ «الأميركيين وأعوانَهم وحرّاسَهم والأنظمة التابعة لهم وأدواتهم الإسرائيلية والتكفيرية، يريدون في لبنان أن يصادروا الدولة بمؤسساتها الدستورية وغير الدستورية، لمصلحة وكيل عائلة خليجية أو لمصلحة سياسة أميركية أو غربية».
وأضاف: «إزاء ذلك نقول: كفانا عهراً وإفساداً وفساداً وسرقة، فمَن يعِش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن، لا يجب أن يجدَ مكاناً له في لبنان من أجل نهبِ البلاد مرّةً جديدة، وبالتالي فإنّ كلّ ما يجري من محاولات لإجراء صفقات وتسويات تحت عنوان إعادة الاستقرار لهذا البلد، إنّما هدفُه رسمُ مسار إخضاع هذا البلد لسياسات هذه المملكة أو تلك الدولة الكبرى، وعليه فإنّه يجب أن نكون عارفين بما يجري من حولنا، فالمسألة ليست مسألة شخص نسَلّمه موقعاً في رئاسة الجمهورية، ثمّ لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكمَ بها البلاد، لأنّ كلّ الصلاحيات مصادَرة مِن قبَل الشخص الموكل بحفظِ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة».
جعجع
في هذا الوقت، سأل رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع: «ما الذي يَدفع البعض الى تعريض الأمن القومي اللبناني للخطر من خلال مهاجمة دوَل عربية صديقة وشقيقة بهذه الحدّة من دون مبرّر له علاقة بالمصلحة اللبنانية لا مِن قريب ولا من بعيد؟». ودعا الجميع إلى التحلّي بالهدوء والرَويّة في هذه المرحلة العصيبة».
الحوار الوطني ضرورة
وعلى رغم هذه الأجواء، وارتفاع منسوب الخوف من أن يطيح تفَجّر الصراع الإقليمي بكلّ الأجواء الإيجابية التي ظلّلَت أجواءَ لبنان في الآونة الأخيرة، يبقى الحوار الوطني العام بين أقطاب الكتل النيابية قائماً، وهو على موعد مع جلسة جديدة له الاثنين المقبل، وسط حِرص الجميع على التمسّك به كضرورة في هذه المرحلة.
… والثنائي ينتظر
إلّا أنّ الحوار الثنائي بين «حزب الله» وتيار»المستقبل» تُرسَم حوله علامات استفهام كبيرة، خصوصاً بعد كلام الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله وردّ الحريري عليه.
وفي هذا السياق، وعلى رغم تأكيد أكثر من مصدر مشارك في الحوار أنّ الجلسة المقبلة ستُعقَد الاثنين في 11 الجاري، إلّا أنّ معلومات ذكرَت لـ«الجمهورية» أنّ مصيرَه سيتقرّر في خلال الساعات الأربع والعشرين المقبلة، بعدما شكّكَ مراقبون في انعقاده في موعده ولمَّحوا إلى تأجيله أو تعليقِه لجلسة أو جلستين في انتظار تهدئة الأجواء بين الطرفين اللذين يَحرصان بشدّة على عدم الانجرار إلى فتنة سنّية ـ شيعية.
«8 آذار»
وقال مصدر قياديّ بارز في فريق 8 آذار لـ»الجمهورية» إنّ التجاذب السياسي في المنطقة سيشتد أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم».
وإذ توقّع أن تكون انعكاسات ما يَحدث «سياسية» على الساحة اللبنانية تُترجَم بمزيد من التأخير في الحلول»، أكّد «وجود تقاطع وتفاهم ضمني وغير معلَن بين الجميع على عدم المسّ بالأمن والاستقرار الداخلي»، وقال: «الأمن لمصلحة الجميع الذين يَجب أن يحرصوا عليه ويتمسّكوا به، فهذا موضوع المزاح فيه ممنوع. صحيح أنّ المنطقة تشهَد موجات إرهاب واستفزاز كبيرة، لكن رغم ذلك لن نصل إلى مرحلة تعريض البلد للاهتزاز. فالكلّ حريص على الاستقرار».
وطمأنَ المصدر إلى أنّ الحوار الوطني العام سيستمر على رغم كلّ شيء، وقال: «نحن أحوج إليه اليوم أكثر من ذي قبل».
مجدلاني
وفي هذا السياق، اعتبَر عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني أنّ لبنان سيبقى في منأى عن تداعيات ما يجري من حولنا نتيجة وعي اللبنانيين والدعوات إلى تجَنّب الفتنة واستمرار الحوار».
وقال لـ«الجمهورية»: لا بديل من الحوار، فهو يخفّف الاحتقانَ في الشارع. والبديل منه اليوم هو التصادم فيه، وهذا ما لا نريده، وما نسعى إلى تجَنُّبه لأنّه يؤدّي إلى الفتنة».
وإذ رأى مجدلاني «أنّ المظلة الدولية لاستقرار لبنان لا تزال قائمة، اعتبَر أنّ ما يَحدث سيجعل الذهابَ بالمبادرة الرئاسية إلى التنفيذ أصعب، لكنّنا لن نفقد الأمل».
فتفت لـ«الجمهورية»
وسألت «الجمهورية» عضو كتلة المستقبل» النائب أحمد فتفت: هل سينسحب قطع العلاقات الديبلوماسية بين إيران والسعودية على العلاقات بين «المستقبل» والحزب؟ فأجاب: «بالنسبة إلينا، نحن نحاول جاهدين كتيّار «مستقبل» أن نجعل الوضعَ في لبنان منفصلاً عن الوضع الإقليمي، وهنا خلافُنا الكبير مع»حزب الله» الذي يسعى جاهداً إلى زجّ لبنان في الوضع الإقليمي، إضافةً إلى أنّ كلام السيّد نصر الله هو كلام تحريضي وفتنويّ، ونحن نحَمّله مسؤولية أيّ شيء يمكن أن يحدث في الداخل».
وأكّد فتفت أنّ الكلام الذي قاله الرئيس سعد الحريري هو كلام تيار «المستقبل» وكتلة «المستقبل». وشدّد على أنّ الحوار مع الحزب مستمر، على رغم أنّ قسماً منه شكليّ، لأنّ الحزب غير قادر على القيام بأيّ خطوة فعلية، فالتصعيد الذي أقدمَ عليه أظهرَ أنه غير معنيّ بالمصالح الوطنية اللبنانية».
المطارنة الموارنة
وفي سياق المواقف المنتظرة، علمت «الجمهوريّة» أنّ «اجتماع مجلس المطارنة الموارنة الذي يَنعقد أوّل أربعاء من بداية كلّ شهر، سيُعقد الخميس، لأنّ الأربعاء يصادف عيد الغطاس وعيد الميلاد لدى الأرمن الأرثوذكس، وسيكون ملفّ رئاسة الجمهوريّة على رأس جدول الأعمال، إضافةً إلى التوتّر الإقليمي المستجدّ ووضعِ لبنان وسط أحداث المنطقة، وتأثيرها على انتخاب الرئيس العتيد ».
الحكومة
وفي الجديد السياسي، نَقل زوّار رئيس الحكومة تمّام سلام عنه أنّ هناك نيّةً في الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع المقبل على أساس جدول أعمال واسع يتضمّن عشرات البنود التي لا يشَكّل النقاش فيها أيَّ خلاف، لأنّها قضايا إدارية وماليّة تَعني اللبنانيين ومصالحَهم اليومية والحياتية، وقد طال انتظارُها بفِعل تكديسها في الأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ حزيران العام الماضي وما قبله.
وقالت المصادر لـ«الجمهورية» إنّ سلام ينتظر على ما يبدو إشارةً من رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال اليومين المقبلين، وهو الذي تعهَّد ببذلِ الجهد الكافي لتأمين تفعيل العمل الحكومي على قاعدة البتّ بالقضايا الحيوية التي تَعني اللبنانيين جميعاً دون استثناء، وتأجيل البحث بالقضايا الخلافية.
إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ العمل الحكومي سيعاود الانطلاق قريباً بعد الوصول إلى تسوية تقضي باستكمال تعيينات المجلس العسكري من دون المسّ بالمُمَدّد لهم، فيما الاتّفاق على آليّة العمل الحكومي سيُراعي ضمنياً مطلبَ الرابية دون الإعلان عن ذلك رسمياً.
وفي المعلومات أنّ برّي طلبَ من قيادة «حزب الله»، التي سَلّفَها موقفاً بيِّناً من الاستحقاق الرئاسي إلى جانب «حليف الحليف»، تفعيلَ عمل الحكومة مطلعَ الأسبوع المقبل. فنَقل مسؤول رفيع في الحزب إلى رئيس» التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل طلباً خلاصتُه: «ملتزمون معكم في الرئاسة إلى آخِر الحدود، إلّا أنّ تفعيل عمل الحكومة أمرٌ عليكم مساندتُنا فيه».
فجدّدَ باسيل المطالبة بالتعيبنات العسكرية، وتحديداً قائد الجيش والمجلس العسكري.
إلّا أنّ بري والحزب اللذين يدركان أنّ تحقيق هذا المطلب مستحيل، فالظروف التي منَعت إجراءَ التعيينات العسكرية سابقاً لا تزال سارية المفعول، والحاجة إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي باتت أكثرَ من ذي قبل، اقترَحا حلّاً قد يُرضي رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون عبر استكمال تعيين المجلس العسكري بأعضائه الشيعي والأرثوذكسي والكاثوليكي، من دون المساس بالعضوَين الدرزي والسنّي المُمَدّد لهما.