على رغم مروحة الاتصالات النشِطة لتسويق ترشيح العماد ميشال عون في مقابل النائب سليمان فرنجية، لا يبدو حتى الآن أنّ طريقَ انتخابات رئاسة الجمهورية سالكة، نظراً لغياب المعطيات الإقليمية والمحلّية المطلوبة. وفيما ترَيّثت معظم القوى السياسية في كشفِ مواقفها النهائية من المرشّحين حاولَ كلٌّ مِن «حزب الله» و«تيار المستقبل» إلقاءَ اللوم على الطرَف الآخر في تعطيل الاستحقاق الرئاسي.
لا تزال العقَد تتحكّم في الاستحقاق الرئاسي، وتتّجه الأنظار إلى الفاتيكان حيث سيلتقي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس وكبار المسؤولين فيها.
وفيما فضّلت أطراف عدة التريّث في كشف مواقفها الحقيقية، أوضحَت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» أنّ «حزب الله لم يُفاجَأ بخطوة جعجع، بل كان يتوقع ان يُقدِم عليها بناءً على معطيات عدة، أبرزُها الظروف التي أحاطت بها والتطوّرات الاخيرة التي شهدها الملف الرئاسي، لا سيّما مبادرة الرئيس سعد الحريري الباريسية، كما كان يتوقع خطوة جعجع نتيجة قراءة سياسية أجراها لعقلِ الأخير وتفكيره ومنطقِه».
وفي المعلومات أنّ الحزب المستمر في تريُّثِه في انتظار تبلوُر موقف الآخرين، خصوصاً موقف الحريري، يرَكّز جهوده الآن على استمرار التهدئة لكي تؤدّي الى التوافق بين اطراف الفريق الواحد، وحتى تجاه الفريق الآخر.
وفي الوقت نفسه يترقّب الحزب ان يقوم عون بخطوة إيجابية باتّجاه فرنجية، معَوّلاً كذلك على خطوات إيجابية يقوم بها «التيار الوطني الحر» باتّجاه الآخرين، تشمل ايضاً فريق 14 آذار وتيار»المستقبل» ، وإذ يَعتبر الحزب أنّ المواقف الإقليمية في النهاية تؤثّر على مواقف أصدقاء محليين فهو يراهن على إنجاز لبناني ـ لبناني.
ويرفض الحزب اتّهامَه بأنّه لا يريد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ويكرّر دعمَه ترشيحَ عون ووقوفَه الى جانبه حتى النهاية، «علماً أنّ فرنجية يُعَدّ بالنسبة اليه حليفاً استراتيجياً وأساسياُ لكنّه يلتزم بوعده لعون، ويَعتبر أنّ فرنجية مرشّح استراتيجي ودائم لرئاسة الجمهورية في المستقبل.
ويصف الحزب بيان كتلة «المستقبل» الأخير بأنّه موقف المتريّث والذي يفتح الامور على كلّ الاتجاهات، إلّا أنّه ينتظر الموقف النهائي للحريري متمنّياً أن يأخذ الحريري الموقف الذي يَخدم الوطن.
في هذا الوقت تترقّب الأوساط السياسية الموقفَ الذي ستُصدره كتلة «الوفاء للمقاومة» إثر اجتماعها الأسبوعي بعد ظهر اليوم.
الحريري يتصل بجعجع
وعلى خط العلاقة بين «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل»، علمَت «الجمهورية» أنّ الحريري كان قد أجرى أمس اتّصالين هاتفيَين بجعجع للتشاور في آخر مستجدّات الملف الرئاسي. كما أوفد جعجع رئيسَ جهاز الإعلام في «القوات» ملحم رياشي الى «بيت الوسط» حيث التقى مدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري. وعلمت «الجمهورية» أنّ الزيارة أظهرَت أنّ الأمور تتّجه نحو البرودة والتعقيد بين تيار «المستقبل» و«القوات» في ضوء التطوّرات الأخيرة.
وليلاً، أعلنَ جعجع في حديث لبرنامج بـ«موضوعية» مع الزميل وليد عبود عبر محطة «أم تي في»، أنّه حاولَ أن يكون إعلان ترشيح العماد عون للرئاسة في 15 كانون الثاني 2016، «لأنّ تاريخ 15 كانون الثاني عام 1986 عزيز جداً على قلبي»، مؤكّداً أنّ ما حصَل «ليس انتفاضة ولكنّ الوضع الذي وصَل إليه البلد دفعَنا الى هذا الاتجاه».
وأوضح انّ ترشيح النائب سليمان فرنجية «لم يكن طيّباً على قلبي»، وأنّ ترشيح عون «لم يكن ردّة فعل صبيانية أو ردّاً على الرئيس سعد الحريري لترشيحه فرنجية». وقال: بين عون وفرنجية نختار عون، ومع احترامي الكامل لفرنجية أقول إنّ عون الأحقّ، وذلك بسبب الصفة التمثيلية وهو يُشبهنا نوعاً ما بغَضّ النظر عن الاختلافات»، مضيفاً: «إخترنا عون للرئاسة لأنّ فرنجية «8 آذار» أصلي بينما الجنرال «8 آذار» تايواني «أي تقليد».
واعتبَر أنّ «التعطيل الاستراتيجي للرئاسة آتٍ مِن «حزب الله» الذي يضَع شروطه، والحريري كان رأيُه أنّه علينا الوصول الى أيّ رئيس لأنّ الفراغ لا يجوز وخطر جداً، أمّا رأيي فكان مختلفاً، وهو أنه علينا الصمود لكي نصلَ بالرئيس الذي يمثّل وجهة نظرنا ومشروعَنا».
وشدّد على «أنّنا أصدقاء مع القيادة القطرية، وهناك علاقة شخصية مع الخارجية القطرية، والموقف القطري موقف طبيعي»، معتبراً أنّ «السعودية لن تأخذ موقفاً من ترشيح عون قريباً لأنها تريد أن تبقى جانباً لبعض الوقت وتترك الأمور تأخذ مجراها».
واعتبَر جعجع أنّ«رئاسة الجمهورية في مكان واحد لا غير، وهي عند «حزب الله»، وإذا كان الحزب جدّياً بانتخاب رئيس للجمهورية فسيتمّ غداً انتخابُ عون»، مضيفاً: «أمّا إذا لم يكن «حزب الله» جدّياً بدعمِ عون فعندَها سنَقع بمشكلة كبيرة، وهذا يَعني أنّ حزب الله لا يريد رئيساً، وحينَها علينا أن نجلسَ على الطاولة مجدّداً لإيجاد الحلول».
برّي
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري كرر قوله إنّ موقفَه من ترشيح جعجع لعون للرئاسة أو ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، بصفتِه رئيساً للمجلس، يكون الموقفَ الأخير وليس الأوّل، وأنّه سيتّخذ الموقف المناسب بعد درس كلّ المواقف والمعطيات. ونَقل النواب بعد لقاء الأربعاء عن برّي قوله إنّ لقاء عون – جعجع هو خطوة متقدّمة تريحُ الساحة الوطنية والمسيحية، وتؤكّد بأنْ لا عداوات بين اللبنانيين بل هناك خصومات سياسية.
جنبلاط
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ جنبلاط الذي استقبَل أمس في كليمنصو القائمَ بالأعمال الأميركي في لبنان ريتشارد جونز، عبّرَ عن نيتِه بتأجيلَ موقفه النهائي الذي كان متوقّعاً اليوم، فألغى اجتماعاً لمجلس قيادة الحزب وأبقى على اللقاء المشترَك لنواب «اللقاء الديموقراطي» والحزب التقدمي لجَوجلة المواقف من دون الحاجة إلى اتّخاذ موقف نهائي.
وكان جنبلاط أوفَد وزير الصحة وائل ابو فاعور الى الرياض يوم الإثنين الماضي حيث أجرى سلسلة اتصالات مع القيادة السعودية وعاد إلى بيروت مساء الثلاثاء في محاولةٍ لقراءة الموقف السعودي من التطورات الأخيرة.
وأوضَحت المصادر أنّ لقاء جنبلاط وجونز كان مبرمجاً منذ أيام عدة سبَقت المواقف التي تلاحَقت من معراب ومواقع أخرى.
«الكتائب»
وتريّثَ حزب الكتائب في إطلاق موقف نهائي ممّا يجري. وتحوّلَ البيت المركزي في الصيفي خليّة نحلٍ منذ ساعات الصباح الأولى، فشهدَ لقاءات بترونية، حيث استقبل رئيسُ الحزب النائب سامي الجميّل رئيسَ «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، ثمّ وزيرَ الاتّصالات بطرس حرب بحضور النائب سامر سعادة ومستشار الجميّل ميشال الخوري، قبل أن يتفرّغ بعد الظهر للاجتماع القيادي الموسّع الذي ضمَّ كتلتَي الحزب الوزارية والنيابية وأعضاء المكتب السياسي المصَغّر.
وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ التريّث سِمة الموقف الكتائبي، فلا شيء مستعجل، ومسلسلُ المشاورات طويل ومعقّد، وما يتمنّى الحزب الحصولَ عليه من التزامات قبل بناء أيّ موقف من المرشحين غيرُ متوافر إلى اليوم، وهو ما عبّرَ عنه أحد المشاركين في اللقاءات، والذي قال لـ«الجمهورية» إنّ البرامج التي يطالب بها الحزب والتي تَوسّعَ في شرحِها الجميّل في موقفه من مشروع ترشيح فرنجية قبل ترشيح عون ما زالت هي هي. وقد باتت من الثوابت السياسية التي تَحكم موقفَ الحزب من الاستحقاق الرئاسي، ولن يخرج عنها، وهي لا تتبدّل إذا تبدّلَ المرشحون، زادوا أو نقصوا.
وقالت مصادر كتائبية إنّ الحزب سيعلِن في الساعات المقبلة موقفَه من التطورات الأخيرة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي.
حرب
وقال حرب بعد زيارته الجميّل إنّه «متمسّك بالعملية الديموقراطية السِليمة والخضوع لنتائجها»، وأضاف: «لا نَقبل أن تتمّ رئاسة الجمهورية كعملية ابتزاز سياسي، يَهمّنا مصلحة لبنان ومستقبل أبنائنا، ولا نتعاطى بالأمور من زاوية شخصية». وأملَ حرب ان يكون الجو الإقليمي يَسمح بإجراء انتخابات رئاسية، مشيراً إلى أنّه بين العماد عون والوزير فرنجية، يختار فرنجية.
باسيل في الصيفي وخلدة
في هذه الأجواء، غادرَ وزير الخارجية جبران باسيل والوزير الياس بوصعب مساء أمس إلى سويسرا للمشاركة في أعمال ملتقى دافوس الاقتصادي العالمي، إلى جانب رئيس الحكومة تمّام سلام.
وكان باسيل الذي أجرى اتصالاً هاتفياً أمس بفرنجية، واصَل جولتَه على المسؤولين لتسويق الاتفاق القوّاتي ـ العوني، فتَنقّلَ بين الصيفي وخلدة، وأملَ بعد لقائه الجميّل «أن يُستكمَلَ مشهد الوحدة عند كلّ اللبنانيين لإعادة الشراكة الحقيقية بين كلّ أطراف الوطن».
وقال باسيل: «نحن معنيّون جداً بأن نصنع اتفاقاً قائماً على أسُس سياسية واضحة تَسمح لنا بأن نؤدّي دورَنا الكامل وأن نرسيَ الشراكة الوطنية الحقيقية بشكل لا يُستثنى منه أحد، ويَشعر الجميع بأنه شريك في هذا الوطن وممثّل ويقوم بدوره كما يجب، لنتجاوز بقوّتنا ووحدتنا كلَّ الظلم والقهر الذي وقعَ علينا، فرادى أو جماعات، في كلّ المراحل الماضية. وهذا الموضوع مطلوب أن يتمّ بمعزل عن الرئاسة، لأنه أساسٌ لبناء الوطن من جديد».
وأكّد أن «لا أحد مستعجل لحرقِ أيّ مرحلة وصولاً الى تكوين الاقتناعات اللازمة على المستوى المسيحي والوطني لنصل إلى هذا الهدف.»
وأكّد باسيل بعد زيارته وبوصعب رئيسَ «الحزب الديموقراطي» النائب طلال أرسلان «أنّ الرهان على أيّ اختلاف مع حلفائنا سيَسقط».
بدوره، اعتبَر أرسلان أنّ عون «رقم أساسي في المعادلة السياسية، وكذلك النائب سليمان فرنجية»، وقال إنّ «الوقت الآن هو لإبقاء التشاور مع بعضنا البعض للوصول الى حلّ نهائي للرئاسة».
«المستقبل»
وفي انتظار تبَلوُر موقف الحريري، أكّد عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت أنّ الحريري مستمر بدعم فرنجية حتى النهاية، مشيراً إلى أنّ «هناك تواصلاً دائماً معه، وطالما إنّ فرنجية مستمرّ فإنّ الرئيس الحريري لن يغيّرَ موقفَه بأيّ شكل من الأشكال، وهذا ما تمَّ إبلاغه الى فرنجية وإلى كلّ القيادات».
وقال: «لسنا مع قطعِ الاتصال مع أيّ طرَف سياسي، كلّ يتّخذ خياراته السياسية في مراحل سياسية معيّنة، إلّا أنّنا لسنا في حال عَداء وقطيعة مع «القوات» اللبنانية بأيّ شكلٍ من الأشكال».
من جهته، أكّد النائب جمال الجرّاح أنّ «موضوع الرئاسة لا يزال قيد التشاور مع الحلفاء وبقيّة القوى السياسية، وفي الأيام القليلة المقبلة ستتبلوَر مواقف الأطراف، وبناءً عليها سيكون الرئيس سعد الحريري جاهزاً لاتّخاذ موقف من هذا الأمر، لكن الآن الكتلة خلفَ الرئيس الحريري في ما يراه مناسباً في هذا الاستحقاق، ويخوض جملة مشاورات واتّصالات ولقاءات مع الأطراف لتوضيح الصورة بشكل نهائي».