لم تسجَّل أمس أيّ مؤشرات إيجابية حول مصير جلسة الانتخابات الرئاسية المقررة في الثاني من آذار المقبل، باستثناء استمرار بعض المواقف الداعية للنزول إلى المجلس وخوض العملية الانتخابية ديموقراطياً، فيما الجميع مقتنعون ضمناً بأنّ «كلمة السر» ما تزال في الخارج ولا يتوقّع صدورها ووصولها قريباً. في هذه الأثناء عادت البلاد إلى الغرق أكثر فأكثر في ملف النفايات، وعاد «كلّ ديك على مزبلته صيّاح»، في وقتٍ بدأ البعض يتحدّث عن وجود مؤامرة تقوم على إلهاء البلاد وقواها السياسية في متاهات الرئاسة والنفايات، بعيداً من ثروته النفطية والغازية الكامنة في مياهه الإقليمية والمهدّدة بالأطماع الإسرائيلية، وآخر ما عُلم في هذا المجال أنّ إسرائيل اتّفقَت مع اليونان وقبرص على مدّ أنبوب نفطي من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أوروبا يُخشى أن يتمّ إمراره في مساحة 871 ميلاً التي قرصَنتها إسرائيل من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة.
عبَرت حكومة الرئيس تمّام سلام أمس في سلام، بعدما علّق مجلس الوزراء جدول أعماله أمام استفحال النفايات التي باتت تشكّل تهديداً مباشراً من كل النواحي، واستُحضِر خيار طمرها مجدداً في حال سقوط خطة الترحيل.
فقد توافقَ المجلس بعد مناقشات مستفيضة على انّه في حال سقوط قرار ترحيل النفايات بسبب عدم تقديم شركة «شينوك» المستندات المطلوبة خلال المهلة المعطاة لها والتي تنتهي العاشرة صباح اليوم، لا بدّ من العودة الى الخيار الذي كان قد سبقَ لمجلس الوزراء أن أقرّه في 9/9/ 2015 وهو اعتماد المطامر الصحية حلّاً بديلاً، فيما دعيَت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة هذا الملف الى الاجتماع قبل ظهر غد السبت لاتخاذ القرارات المناسبة.
مصادر وزارية
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الجلسة التي دامت خمس ساعات ونصف ساعة كان يمكن اختصارها بنصف ساعة، والسبب أنّ 28 وزيراً استفاضوا في مداخلات لم تحمل جديداً من حيث الاسلوب نفسه والاتهامات نفسها، وعادت لعبة رمي الكرة من فريق الى فريق».
وأضافت: «إنّ الجديد فقط هو تقاطع كلّ الآراء في نهاية النقاش عند ضرورة العودة الى المطامر لأنّه لم يعُد هناك من خيارات اخرى، واعتراف الوزراء جميعاً بأنّ المصيبة ستقع على رأس الحكومة مجتمعةً.
ولذلك وافقَ الجميع على المؤازرة الأمنية ولم يتذرّع أحد لا بالحراك ولا بالرفض الشعبي».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الوزير اكرم شهيب طلب من مجلس الوزراء التنحّي عن المهمة لأنّ كلّ الحلول وصلت الى حائط مسدود. وعاد البحث الى نقطة الصفر، ولكن لم يُتّخذ قرار صريح في هذا الصدد لأنّ المداخلات تشابكت بعضها ببعض، وانسحبَت الى خارج الجلسة حيث استمرّ الوزراء في التراشق بالاتهامات حول المسؤولية عن هذا الفشل.
وكان سلام شكا في بداية الجلسة من الالتباس الكبير الذي حصل حول الوثائق المزوّرة. وقال: «شركة «شينوك» عملت بجدّية لكنها «ما قلّعت». وتحدّث عن معطيات وخلافات عرقلت عملية الترحيل، مضيفاً أنّ لبنان طلب إقراراً رسمياً من السلطات الروسية بالموافقة على الترحيل وتبيان ما حصَل في الساعات الماضية، وأنّه سينتظر حتى العاشرة من صباح اليوم.
درباس
وأعلن الوزير رشيد درباس الذي خرج من الجلسة لأنه لم يفهم شيئاً، على حد قوله، وأكّد لـ«الجمهورية أنّه متشائم حيال إيجاد حل لأزمة النفايات، ورأى «أنّنا سنعود الى خطة المطامر وإنما بالكلام فقط»، مبدياً اعتقاده «أنّنا سنصبح جمهورية زبالة».
وقال: «لم أفهم المناقشات الوزارية حول موضوع يفهمه الشعب كلّه». وأضاف: «لقد أسَرّ لي زميلي الوزير آلان حكيم عبارةً أعجبتني جداً فاستعملتها خلال الجلسة، لقد قال لي: هؤلاء لا يستهينون بذكائنا بل بغبائنا، فعلاً لقد حصل استخفاف بغبائنا وبغباء الشعب».
ولفتَ درباس الى انّه استعان ببيت شعر لأبي الطيّب المتنبي يقول: واحتمال الأذى ورؤية جانيه غذاء تضوى به الأجسام
وقال: «نحن نرى مَن يؤذينا وكأنه يغذّينا بالضعف والظلم، هناك مجموعات سياسية فشلت مشاريعها السياسية فوجَدت في النفايات بيئة حاضنة لإعادة إحيائها، وهناك أثرياء لا يأكلون ولا يطعمون أولادهم إلّا مِن مستوعبات القمامة، وهناك إعلام لا يتألّق بريقه إلا على منبر من القمامة، وهؤلاء يشكّلون منظومة واحدة يَربطها خيط واحد هو المصالح المشتركة لإغراق لبنان في النفايات».
قزّي
وطالبَ وزير العمل سجعان قزي الحكومة بوضع حدّ لموضوع ترحيل النفايات «الذي أصبح أضحوكة»، مُقترحاً بأن يتّخذ مجلس الوزراء اليوم (أمس) قراراً بالعودة الى الخطة الاساسية، أي المطامر، وإعطاء التوجيهات للأجهزة المعنية للعمل على حماية عملية تنفيذ هذا القرار. وأكّد «أنّ الرأي العام لم يعُد يستطيع ان يتحمّل رؤية النفايات في الشوارع التي تتسبّب بضرر كبير للصحة العامة».
زعيتر
ودار خلال الجلسة سجال بين وزيرَي الأشغال العامة غازي زعيتر والخارجية جبران باسيل عند مناقشة البند المتعلق بتجزئة مشاريع تأهيل الطرق وتحديثها.
فبَعد العرض الذي قدّمه زعيتر حول توزيع الزفت أصرّ باسيل على القول إنّ منطقة البترون لم تأخذ حصّتها العام الماضي، فذكّره زعيتر بأنّ عدداً كبيراً من الطرق تمّ تزفيته، مؤكّداً أنّ لديه مستندات بذلك.
واحتدّ النقاش ودخلت فيه منظومة الإنماء المتوازن والحسابات المناطقية. فطلب سلام من زعيتر الهدوء، فخاطبَه زعيتر: «دولة الرئيس كرامتك على رأسي، لكن لا يحق لأحد أن يتّهمني هذه الاتهامات، فأنا أملك كذلك وثائق عن صفقات هدر وسأبرزها في الوقت المناسب. وطلبَ زعيتر من سلام سحبَ البند ووقفَ عملية التجزئة مستردّاً المشاريع الى وزارة الأشغال.
وقال زعيتر لـ«الجمهورية: «شرحتُ لمجلس الوزراء كلّ الأمور المتعلقة بتوزيع الأشغال والزفت، وقدّمت كلّ التفاصيل وبالأرقام، وقلت إنّ مبدأ التجزئة يوفّر الوقت، وهو معتمد منذ 2005، لكنّ بعض الوزراء أصرّوا على المناكفة وتقديم حجَج ليست صحيحة، ولديّ المستندات التي تثبت أنّ مشاريع الإنماء وُزِّعت بالتوازي، وأصلاً عودةُ المشاريع إلى وزارة الأشغال وإدارة المناقصات أمرٌ يُريحني أكثر لأنّه يحرّرني من طلبات هذا الوزير أو ذاك».
وأضاف: «الآن بات الأمر يعود للوزارة بتحديد الاحتياجات والأولويات وستذهب كلّ المشاريع الى إدارة المناقصات، وهذا يتطلب وقتاً للتنفيذ وربّما يحتاج بعضُها 8 أشهر فليكُن، ولن أعيدَ هذا البند إلى مجلس الوزراء».
ملفّ سماحة
وفي سياق قضيّة الوزير السابق ميشال سماحة، علمت «الجمهوريّة» أنّه «بعد النقاش المستفيض خلال جلسة مجلس الوزراء في ملفّ النفايات، تمَّ تخطّي ملف سماحة الذي وضِع على جدول الأعمال ليتمّ البحث في قضية جسر جلّ الديب، عندها طلبَ ريفي الكلام وتوجّه إلى سلام قائلاً: «لقد تمّ تخطّي بند سماحة، وبما أنّ هذا الموضوع حيوي لأهالي جلّ الديب والمواطنين الذين يسلكون أوتوستراد الشمال – بيروت، فلا مانعَ من مناقشته وإقراره، ولكن في النظام يجب مناقشة ملفّ سماحة».
وبعد الانتهاء من ملفّ جلّ الديب وإقراره والوصول إلى ملفّ سماحة رفعَ سلام الجلسة على أن يبحث فيه خلال جلسة لاحقة، ما فسّر بأنّه استمرار لتأجيل البتّ به ريثما يصدر حكم محكمة التمييز العسكريّة الذي إنْ صدر سيقطع الطريق على إحالة قضية سماحة على المجلس العدلي.
وبعد الجلسة أعلن ريفي انّ هناك خطوات سيتّخذها «في القريب العاجل»، وسيعلن عن التفاصيل في مؤتمر صحافي يعقده اليوم.
الاستحقاق الرئاسي
سياسياً، استمرّ الحراك علناً وبعيداً من الاضواء في شأن الاستحقاق الرئاسي، وتواصلت دعوات البعض للنزول الى المجلس وخوض العملية الانتخابية ديموقراطياً من دون توافق عام على مرشح بعينه.
وفي هذا الإطار قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زوّاره أمس «أنا أوّل مَن قال بالنزول الى المجلس وانتخاب الرئيس، حتى قبل ترشيح النائب سليمان فرنجية، وكذلك قبل ان يتحدث احد بهذا الامر في هذه المرحلة. وحتى الآن لا مؤشرات إيجابية متوقّعة لجلسة 2 آذار على رغم كلّ المساعي الجارية». واعتبَر بري أنّ عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان «أحدثت حراكاً سياسياً وأكّدت ضرورة الحاجة الى التوافق».
وسُئل بري هل إنّ الحركة الداخلية تعيد الاستحقاق الرئاسي إلى «اللبنَنة»، أم سيظلّ أسير وضع المنطقة؟ فأجاب: «لا تُحسِنَنّ الظنّ كثيراً باستقلالنا».
وعن موضوع «الحلف الرباعي» الذي بدأ البعض يتحدث عنه في شأن انتخابات رئاسة الجمهورية، قال بري: «لا حلف رباعياً ولا غير رباعي ولا اصطفافات في موضوع الاستحقاق الرئاسي».
وأبدى بري استياءَه من أزمة النفايات التي لم ترسُ على حلّ بعد، مشيراً إلى الوقت الطويل الذي استغرقه البحث فيها، في جلسة الحوار الوطني امس الاوّل وفي مجلس الوزراء امس، وكرّر القول: «عدنا إلى مقولة «كِل ديك على مزبلته صيّاح».
ومن جهة أخرى كشفَ بري انّ الاوروبيين قدّروا إيجاباً الإجراءات والقوانين المالية الاخيرة التي أقرّها مجلس النواب اللبناني، وأقرّوا ببراءة لبنان من موضوع تبييض الاموال، وأنّ قراراً بهذا المعنى قد يَصدر اليوم على الأرجح.
وردّاً على سؤال قال بري إنه سيجعل ملف النفط شغلَه الشاغل بعد إنهاء ملف النفايات وموضوع العقوبات المالية الاوروبية والاميركية في شأن لبنان.
الحريري
مِن جهته، أعلنَ الحريري أنّ نواب «المستقبل» سيحضرون كلّ جلسات مجلس النواب، و«ليربح من يربح، ولن نعطّل». ووصَف حصيلة لقاءاته مع المرجعيات السياسية بأنّها «ممتازة»، مشيراً إلى ضرورة الدفع في اتجاه النزول إلى
مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية، وقال: «من جهتنا، نعتبر رئاسة الجمهورية أولوية، وسنواصل الضغط لإنهاء الفراغ وعدم السماح لأحد بتحوير الأنظار عن هذا الموضوع الجوهري في حياتنا السياسية».
تحرك ابراهيم
وفي هذه الأجواء، برز تحرّك لافت للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين الرابية و»بيت الوسط»، حيث زار النائب ميشال عون ثمّ انتقل الى زيارة الحريري. ولم يعرف ما إذا كان ابراهيم يعمل لجمع الرَجلين، علماً أنه سبق له وحضَر الغداء الذي أقامه النائب إميل رحمة الاسبوع الفائت جامعاً فيه العميد شامل روكز وطوني سليمان فرنجية
الرابطة المارونية
على صعيد آخر، عرضَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي مع رؤساء الرابطة المارونية السابقين والحالي الأوضاع العامة واهتمامات الرابطة، وتحديداً ما يتصل بملفّي بَيع الاراضي والحضور المسيحي في الإدارات العامة. وتطرّقَ البحث الى الانتخابات المقبلة للرابطة وموضوع الاستحقاق الرئاسي.
وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية» إنّ البحث تناول حصيلة اللقاءات التي أجراها الراعي مع الوزراء المسيحيين حول الوضع المسيحي في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلة في الدولة، وما انتهت إليه من اقتراحات لمواجهة تجاهل نداءات البطريرك وما آلت إليه مهمّات الموفدين الى المراجع الرسمية لتسوية الأخطاء التي ارتكِبت، والتراجع عن بعض القرارات الجائرة التي تعزّز منطق المحسوبية الذي قاد الى حجمٍ كبير من الفساد المنظّم برعاية حكومية وسياسية وحزبية من دون مراعاة أبسط قواعد الشراكة بين اللبنانيين».
وحذّرَ المجتمعون من التمادي في تجاهل المطالب المحِقّة قبل أن تتحوّل الإجراءات التي اتّخِذت أمراً واقعاً مرفوضاً بكلّ المعايير الوطنية بحقّ المواطنين والكفاءات، وطالبوا بوقف هدر المال العام قبل أن يتحوّل جرائمَ تُرتكب بحقّ الشراكة الوطنية في إدارة شؤون اللبنانيين عامةً، ووقف كلّ الإجراءات الهادفة الى تفريغ المؤسسات من الحضور المسيحي، خصوصاً في بعض المواقع الماليّة الحسّاسة، ووقف الإجراءات التي اتّخذها البعض على خلفيات غير بريئة يمكن أن تقود إلى الفتنة.
وتكتّمَ المجتمعون على آلية العمل التي سيَعتمدها الراعي بغية تسوية هذه الأوضاع قبل أن تتفاقم ومنعِ تنامي أجواء القلق التي أدّت اليها، خصوصاً في ظلّ ما هو متوافر من معلومات تشير الى احتمال تكرار الأخطاء المرتكبة في وزارة المال وبعض المؤسسات لتطويعها لمصلحة المحسوبيات وقوى الأمر الواقع.
وشرحَ الراعي حصيلة المشاورات الجارية لتأمين النصاب الدستوري بغية عقدِ جلسةٍ لانتخاب الرئيس في أقرب وقت ممكن، في ظلّ الحراك السياسي القائم، بعدما باتت الترشيحات واضحة اكثر من أيّ وقت مضى، مع الإشارة الى النيّة المتوافرة لدى أكثرية الأطراف للخروج من المأزق ولحماية ما تبقّى من مظاهر الدولة والمؤسسات والسلطات الدستورية لمواجهة الاستحقاقات الكبرى المحيطة بالبلد وتلك المقبلة عليها.
وتناولَ المجتمعون نتائج الاتصالات الجارية في شأن انتخابات الرابطة المارونية ونتائج الحراك الجاري لتشكيل مجلس تنفيذي متجانس ومتماسك يتفرّغ لمواجهة الكمّ الهائل من الملفات المطروحة.