يستأثر التمديد لمجلس النواب بكلّ الحراك السياسي، في محاولة لتخريجه من دون أيّ عيب أو نَقص ميثاقي، الأمر الذي حتّمَ ترحيلَ كلّ الملفات السياسية إلى ما بعد الجلسة النيابية المخصّصة لإقراره يوم الأربعاء المقبل مبدئياً، فيما مِن المتوقع أن يسبق هذا الإجراء مواقف سياسية لمعظم الكتل النيابية التي ستعيد تظهيرَ وجهة نظرها من التمديد، وأبرزُها لتكتل «الإصلاح والتغيير» و»حزب الله» الذي سيطلّ أمينه العام السيّد حسن نصرالله الثلثاء المقبل ليحدّد جملة مواقف من الملفات الساخنة. وفي موازاة الانكباب على ملف التمديد يواصل الجيش اللبناني إجراءاته وتعقّباته لكلّ الخلايا النائمة قطعاً للطريق على أيّ محاولات لهَز الاستقرار الداخلي مجدداً. وأمّا رئاسياً فالبارز ما أعلنه رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون أنّ «الرئاسة ستحصل عندما يقرّ جميع شركائنا في الوطن بأنّ للمسيحيين الحق في صحة التمثيل في مجلس النواب كما في موقع الرئاسة»، الأمر الذي فسّرته شخصية بارزة في قوى 14 آذار لـ»الجمهورية» بأنّ عون ما زال متمسّكاً بترشيحه، ما يحول دون الاتفاق على رئيس توافقي، وبالتالي في هذه الحال يتحمّل مسؤولية استمرار الشغور في الرئاسة الأولى إلى أجل غير معلوم.
تواصلت المشاورات بين الكتل النيابية على رغم أنّ أيّ تطور بارز ليس متوقّعاً الى اليوم، خصوصاً على مستوى الكتل النيابية المسيحية التي اكّدت على مواقفها رغم احتمال حصول بعض الرتوش في الشكل وليس في المضمون.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري بحث جلسة التمديد امس مع عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان وصاحب اقتراح التمديد النائب نقولا فتوش.
«الكتائب»
وعلى هذه الخلفيات، قالت مصادر كتائبية لـ»الجمهورية» انّ الموقف الكتائب النهائي من كيفية التعاطي مع جلسة الأربعاء المقبل، سيتقرّر في إجتماع المكتب السياسي الإثنين المقبل، علماً أنّ القرار سيكون محصوراً بحضور الجلسة او بعدمه، ذلك انّ القرار بعدم التصويت الى جانب قانون التمديد نهائيّ ولا رجوع عنه.
وفيما يُنتظر ان يحدّد عون موقفه النهائي من حضور جلسة التمديد أو عدم حضورها في اجتماعه عشية الجلسة النيابية، قال وزير التربية الياس بو صعب مساء أمس: «سنذهب إلى المجلس النيابي الاربعاء وسنصوّت ضدّ التمديد»، وأكّد في الوقت نفسه أنّ إمكان الطعن فيه يُدرَس في التكتل».
وفي هذا الوقت كشفت مصادر أنّ ستّةً من نواب التكتل اتّخذوا قراراً نهائياً بالمشاركة في الجلسة والتصويت الى جانب التمديد، وهم النواب الأربعة من كتلة النائب سليمان فرنجية ونائبا الطاشناق الذين أبلغوا عون موقفَهم النهائي بأنّهم سيشاركون في الجلسة وسيصوّتون الى جانب القانون، على رغم موقف نواب التيار المغاير لهذه الصيغة.
حرب وشمعون
الى ذلك، أكّد وزير الاتصالات بطرس حرب رفض تمديد ولاية مجلس النواب من دون قيد يفرض على رئيس الجمهورية، الذي يجب أن يُنتخب قريباً، والحكومة التي سيشكّلها، الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية تُنهي فور إجرائها الولاية الممدّدة لهذا المجلس».
وقال حرب في مؤتمر صحافي مشترك مع النائب دوري شمعون: «إنّنا مضطرّون للقبول بتمديد استثنائي لمجلس النواب حتى انتخاب رئيس يقوم بالاستشارات لتأليف حكومة تدعو لانتخابات نيابية. وأشار الى انّه يتفق على أنّ التمديد أمر غير ديمقراطي ولكن هو الخيار الأنسب لإنقاذ لبنان من السقوط».
بدوره، تمنّى شمعون «أن يعيَ الجميع خطورة الوضع القائم في البلاد، ويقوموا بما عليهم»، مشدّداً على ضرورة التفكير أكثر بمصلحة الوطن لإخراجه من هذا المأزق القائم».
وفد «المستقبل» إلى باريس
وقبل ايام على الجلسة، انتقل وفد من تيار «المستقبل» الى العاصمة الفرنسية أمس، قوامُه مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري وعدد من مستشاريه يتقدّمهم النائب السابق غطاس خوري، لاستكمال المشاورات الجارية على أكثر من مستوى.
ونفت المصادر ان يكون وزير الصحة وائل ابو فاعور في عداد الوفد كما تردّد في بعض الأوساط، وأوضحت انّه غادر بيروت امس الأول الخميس في زيارة خاصة هو وتيمور جنبلاط، ولا رابط بين الزيارتين.
جنبلاط ووفد إلى موسكو
وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ بري بتحديده يوم الأربعاء موعداً للجلسة كان محكوماً بسلسلة اعتبارات ارتبطت بمناسبات دينية وسَفر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في اليوم التالي للجلسة الى الخارج. وهو سيتوجّه الى موسكو في زيارة حزبية ورسمية تستمر من الخامس من الشهر الجاري الى الثامن منه، ويرافقه فيها وفد حزبي رفيع المستوى، وسينضم اليه لاحقاً نجله تيمور وأبو فاعور.
الجيش يواصل إجراءاته
وعلى المستوى الأمني واصلَ الجيش اللبناني ملاحقاته وتعقّباته وإجراءاته في معظم المناطق اللبنانية من أجل القضاء على كلّ الخلايا النائمة وقطعِ الطريق أمام جولة جديدة في طرابلس أو غيرها، ويحظى الجيش بغطاء وطني شامل.
وفي هذا السياق أكّد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أنّ مداهمة الجيش منزلَ رئيس جمعية «إقرأ» الشيخ بلال دقماق في طرابلس أتت بعد سلسلة رصدٍ وتقصٍّ ومراقبة، أثبتت أنّه يؤلّف مجموعة إرهابية كانت تُخطّط لأعمال إرهابية من ضمنها ما يسمّى إنشاء إمارة إسلامية في طرابلس والشمال، وألّف عصابة لهذا الغرض، وذلك عبر تجنيده عدداً من الشبّان ذات الميول الإسلامية وتأمين كمّيات كبيرة من الأسلحة الذخائر، هي نفسها التي دهمها الجيش اليوم (أمس)».
وكشف المصدر أنّ «مجموعتي أحمد ميقاتي ودقماق تنتميان إلى مجموعات إرهابية يديرها رأس واحد، يعمل الجيش على رصده وملاحقته، للانقضاض عليه في الوقت المناسب».
وأوضح المصدر أنّ «مداهمة منزل دقماق في هذا التوقيت وعدم انتظار عودته من تركيا، أتت نتيجة إصرار الجيش على تنفيذ عملية خاطفة بهدف الانتهاء سريعاً من هذه القضية للتفرّغ لمجموعات أخرى تتبع للرأس نفسه، علماً أنّ ما يُميّز هذه المجموعات أنّها غير مترابطة لكن يديرها الرأس نفسه»، مشيراً إلى أنّ الجيش سيعتقل دقماق فور عودته من تركيا الى لبنان.
أمّا بالنسبة إلى الصاروخ والعبوات الناسفة التي عثر عليها الجيش، فلفت المصدر إلى أن لا علاقة لدقماق بها، إنّما هي تتبع لمجموعات قبض عليها، وأقرَّت في التحقيق بمكان إخفاء الأسلحة.
وجدّد المصدر التأكيد أنّ عمليات الجيش مستمرة في الشمال، ولا تراجع قبل القبض على جميع المطلوبين. وعلمت «الجمهورية» أنّ الجيش يُنسّق يومياً مع دار الفتوى للقضاء على هذه البؤَر، بهدف عدم استغلال المقامات الدينية لتسهيل الأعمال الإرهابية، وأنّه يُنسّق أيضاً مع الفاعليات السنّية التي تواكب الجيش في معركته وتقف في الصفوف الأمامية لدعمه، والحفاظ على هيبة الدولة ومؤسساتها.
عون
وفي المواقف، أعلن عون «أنّ الطوائف المسيحية حُرمت من التمثيل في موقع الرئاسة الأولى منذ العام 1989 ولغاية 25 أيار 2013، ولتصحيح هذا الوضع اقترحنا قانون الانتخاب المباشر للرئيس من قِبل الشعب، لأنّ الشعب هو مصدر السلطات، ولا يخضع للتجاذبات ولا للمصالح الخارجية.
فلا يكون الرئيس مرهوناً إلّا لشعبه الذي انتخبَه. كما أنّ قانون الانتخابات النيابية ليس عادلاً ولا منصِفاً، ولا يؤمّن صحة التمثيل وفعاليته لشتّى فئات الشعب اللبناني، كما ورد في وثيقة الوفاق الوطني التي ترجمت اتفاق الطائف قرارات وتعديلات دستورية وقانونية، لذلك اقترحنا قانون اللقاء الأرثوذكسي الذي ينصف جميع الطوائف، ولكنّه ما زال عالقاً في مجلس النواب».
وأضاف: «للأسف، هناك بعض الشركاء في الوطن لا يزالون ينكرون حقوق الآخر، وينزعون لوضع اليد عليها. إنّ الانتخابات الرئاسية ستحصل عندما يقرّ جميع شركائنا في الوطن بأنّ للمسيحيين الحق في صحة التمثيل في مجلس النواب كما في موقع الرئاسة».
المشنوق
واعتبرَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي التقى سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا ديفيد هيل وطوم فليتشر، أنّ مبادرة الرئيس سعد الحريري للتفاهم والحوار مسؤولة واستراتيجية وتلحظ كلّ الناس حتى حزب الله».
وأشار الى «انّ الدعوة مبينة على قاعدة واحدة هي ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية واكتمال النصاب الدستوري»، مؤكّداً «أنّ اساس هذا المبادرة هو الايمان بلبنان والانتماء الى تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري»، موضحاً «انّ انتخابات الرئاسة تتطلب حواراً مع كل القوى السياسية ومع حزب الله أيضاً». ورأى «أنّ ما حصل في طرابلس شاهد على انّ اهل السنّة هم اهل الدولة في كلّ مؤسساتها وأهل الجيش لولا بعض الهنات الهينات».
وأشار إلى «أنّ هذه الهنات الهينات لن ترغمَنا على ترك الدولة والجيش، ولن نتخلى عن أيّة قوّة امنية»، كاشفاً أنّ «بعض الغرف السوداء تفبرك الشائعات عن التطرّف وعن البيئة الحاضنة»، لافتاً إلى «أنّ هذه الغرف تحتاج الى فحص إن بقي فيها وطنية»، وانتقد مهاجمي المملكة العربية السعودية، مؤكداً أنّ «القرار السعودي الاوّل والدائم هو حماية خيارات الاعتدال في لبنان والمنطقة، ومكافحة التطرف»، معتبراً أنّ «المرجعية السعودية لا تقوم في الدولة السعودية إلّا على الاعتدال والتسامح والانفتاح وقبل ذلك مد يدهم الى لبنان في كلّ ايامه الصعبة».
ريفي
وبدوره، رأى وزير العدل أشرف ريفي وجوب العودة الى مفهوم بناء الدولة الحقيقية. وقال: «نعم لاستعادة سيادة الدولة اللبنانية على أرضها، وليسقط كلّ سلاح غير شرعي، ولتسقط دعوات الامن الذاتي، ولتكن بندقية الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الشرعية، وحدها على الحدود وفي الداخل، ونعم لإجراء الانتخابات الرئاسية اليوم قبل الغد. وذكّر ريفي أنّه كان اوّل «مَن هاجمَ داعش في كلمته خلال عيد الجيش في العام المنصرم.
مشيراً إلى أنّ هناك شبهةً حول تركيبة هذا التنظيم وتكوينه ومهمّاته. وإذ أكّد أنّ مَن حاكم «فتح الإسلام» له الجرأة لمحاكمة «داعش»، تعهّد أمام الجميع «أنّنا نملك الجرأة لبَتّ أيّ ملف يحال أمام القضاء اللبناني. وطمأنَ الى ان لا خوف على لبنان من أيّ تنظيم طالما نقف جنباً إلى جنب موحّدين للدفاع عن لبنان. وقال: «داعش لن يكون لا في جونيه ولا في طرابلس ولا في صيدا ولا في أيّ منطقة أخرى من لبنان».
عسيري
في غضون ذلك، اعتبر السفير السعودي علي عوض عسيري «أنّ لبنان يمرّ في أوضاع صعبة، وبالتالي هو بين خيارين كلاهما مُر: التمديد أو الفراغ»، مشيراً الى انّ «معظم القوى السياسية تعتبر أنّ التمديد اصبح ضرورة». وقال إنّ لبنان يستأهل ويستحقّ أن يعطى حقّه ليكتمل النصاب ولينتخب رئيساً، ونحن نشجع اللبنانيين على الاستعجال في انتخاب رئيس حرصاً على لبنان».
وردّ عسيري على اتهامات الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الأخيرة للمملكة، فأكّد انّه «ليس من أدبياتنا في المملكة أن نردّ، وأكتفي بالردود التي لمستُها من أبناء هذا البلد، لكن أسأل: هل ما قاله السيّد حسن ينفع مصلحة لبنان ويخدم الوضع الذي نحاول معالجته؟
إنّ الملك عبدالله بذل كلّ جهد من أجل حوار المذاهب، وعلينا التركيز على ما ينفع الأمّة ويوحّد صفّها وليس على ما يفرّقها، ويجب أن يكون هناك حوار بين كلّ الطوائف والمذاهب» وذكّر عسيري نصر الله «بما فعلته المملكة بعد حرب تمّوز 2006، وكم مبنى للطائفة نفسها أعادت المملكة بناءَه وهي التي لا تفرّق بين سنّي وشيعي ومسيحي، مشدّداً على انّنا في هذا الظرف نحن في غنى عمّا يسيء الى مصلحة لبنان أوّلا».
وإذ تساءل عسيري : «هل إنّ تدخّل «حزب الله» في سوريا خدم لبنان وأفاده؟ تركَ الجواب للّبنانيين»، وقال إنّه سبّب انقساماً كبيراً في لبنان» وشدّد على وجوب ان تكون ثقة اللبنانيين بجيشهم والشرعية، وأن يكون اعتمادهم على الله والجيش».
الراعي
من جهته، جدّد البطريرك الماروني مار بشارة الراعي رفضَه المثالثة والمؤتمر التأسيسي، معلناً انّه لم يكن يصدّق انّ ثمّة من يعمل لهما، لكنّه الآن مقتنع «انّهم يريدون ضرب الميثاق». وشدّد من سيدني على ان لا احد في لبنان اكبر من وطنه، وحتى اليوم يوجد في لبنان من لا يريد ان يكون الوطن لكلّ ابنائه.
واعتبر انّه حان الوقت «لبَقّ البحصة ومصارحة الناس بالحقيقة»، مؤكّداً انّ عدم انتخاب رئيس اكبر جريمة في حق الوطن. وأسفَ «كيف انّ البعض يلغي البعض الآخر ويقول «أنا أو أنت» مع انّ هذا لا يبني وطناً. ورفض ان تكون الدولة بـ24 رأساً، فهذا يؤدي لموتها. وشدّد على عدم القبول بأن يستمرّ المجلس النيابي بعدم انتخاب رئيس.
قزّي
في هذا الوقت، وجّه وزير العمل سجعان قزي نداءً الى «حزب الله» «الشريك معنا في بناء الدولة والوطن والكيان»، دعاه فيه الى ان يبادر لانتخاب رئيس للجمهورية وان نتّفق نحن وإياه على مبادرة مشتركة لإنقاذ الجمهورية، معتبراً انّه إذا لم يقُم بالمبادرة، فمعنى ذلك انّه مرتاح لهذه الحالة.
وأكّد قزي انّ المبادرة ليست بسحب عون من المعركة إنّما بالتفاهم معه، وقال: «نحن لا نطلب من الحزب ان يقول للجنرال ميشال عون ان ينسحب، ونرفض ان يأتمر الجنرال عون من أحد، لأنّ ما لا نقبله على أنفسنا لا يمكن ان نقبله على غيرنا، ولكن يمكن للحزب ان يتشاور مع الجنرال حول حظوظه في المعركة».
«الحزب»
في المقابل، دعا رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الى «انتهاز الفرصة لتحقيق تفاهم وطني وتحقيق انتخاب رئيس جمهورية، وهذا ما لن يحصل إلّا إذا تفاهمنا»، لافتاً إلى أنّ «عدم التفاهم أدّى إلى إفشال 14 جلسة لانتخاب رئيس بسبب عدم اكتمال النصاب».
مجلس وزراء
إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسةً الأسبوع المقبل، وقد عمّمت الأمانة العامة للمجلس امس جدول اعمالها المؤلف من 44 بنداً، استُبعد منها عدد من الملفات الخلافية، إذ إنّ ما طُرح في جلسة أمس الأوّل الخميس بُتَّ به وحُدّدت مهَل للعودة الى بحثه، مثلما حصل في ملف النفايات الصلبة ودفتر الشروط الخاص بها بتحديد مهلتين وصولاً الى ملف التمديد الخاص بشركتَي الخلوي ضمن المهَل المحدّدة سابقاً.