القوى السياسية على اختلافها في لبنان في حال استنفار سياسي على خطّين متوازيين، بين من يريد إنجاح التسوية الرئاسية واضعاً كلّ ثقله واتصالاته وعلاقاته من أجل تتويجها بانتخاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية رئيساً، وبين من يريد إسقاطها لاعتبارات مختلفة واضعاً خيارات عدة أمامه تصبّ في خدمة هذا الهدف. واللافت أنّ المعركة الدائرة بين الطرفين قد تكون الأولى من نوعها في البلد والتي لم تتحوّل إلى مواجهة سياسية مباشرة بعد، كونها ما زالت صامتة مبدئياً ووراء الكواليس، فـ«القوات» و«التيار الحر» يلتزمان الصمت، فيما «الكتائب» يتحدّث عن شروط سياسية وضمانات، أي عن برنامج سياسي يُصار على أساسه إلى تأييد ترشيح فرنجية أو معارضته، وكشفَت معلومات لـ»الجمهورية» أنّ التقاطع بين الأحزاب المسيحية الثلاثة على رفض التسوية سيتحوّل إلى حلف ثلاثي جديد، حيث ستَشهد الساعات والأيام المقبلة لقاءات بين رؤساء تلك الأحزاب في ترجمة عملية للتحالف المستجدّ الذي يستند أيضاً إلى دعم الكنيسة المارونية التي ستطالب بدورها بضمانات سياسية تشكّل مصدر حماية للبلد، وترتكز على مجموعة الثوابت التي كانت أصدرَتها الكنيسة. وفي هذا السياق شَهد اجتماع مجلس المطارنة الموارنة نقاشات معمَّقة اشترَطت التوفيق بين ضرورة عدم تفويت فرصة ملء الشغور الرئاسي، وبين أن لا تشكّل هذه الفرصة محطّة لتوسيع الشرخ بين المسيحيين، فيما المطلوب أن تكون مناسبة لتعزيز وحدة الصفّ والموقف، وتساهم في إعادة الاعتبار للدور المسيحي التاريخي في لبنان ضمن مشروع الدولة.
على رغم أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد في أكثر من مناسبة استعداده إلى الدعوة لجلسة استثنائية لانتخاب رئيس في حال توافر الظروف المواتية، إلّا أنّ الأنظار بدأت تتركّز على جلسة 16 الجاري في ظلّ معلومات تشير إلى تحويلها محطة مفصلية تشهد انتخاب فرنجية، حيث من المتوقع أن تعلن الكتل النيابية المؤيّدة له عن ترشيحها له، فيما لم يُعرف بعد ما إذا كانت الكتل الأخرى ستحوّلها إلى معركة نصاب.
ويبدو أن مصير الحلف الثلاثي سيتقرر في ضوء شعور رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشل عون أن النصاب في جلسة الانتخاب سيكون متوافرا، وبالتالي سيلجأ إلى المربع المسيحي لسحب الغطاء المسيحي عن جلسة الانتخاب، والدخول في تحالف جديد سيحكم المعادلة الوطنية مستقبلا.
في موازاة ذلك، علم أن الرئيس أمين الجميل سيقطع زيارته إلى الهند والعودة فورا إلى بيروت لمتابعة التطورات، وتحديدا على خط التسوية الرئاسية.
معارضة جدّية
في موازاة الحراك الديبلوماسي وتسارُع وتيرة الخطى في لبنان والعواصم الإقليمية والدولية لتعبيد الطريق أمام وصول النائب فرنجية إلى الرئاسة، والذي تلقّى أمس اتّصالاً هاتفياً من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، تُلاقي الهجمة الدولية والعربية الحاصلة لانتخابه معارضة جدّية من القوى المسيحية الأساسية في البلاد: «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»، ومن «حزب الله» الذي لا يزال على موقفه المتضامن مع عون والمؤيّد ترشيحَه مادام هو مرشّحاً.
ولفتَت مصادر مسيحية إلى أنّ التململ بدأ يسود الرأي العام المسيحي، ليس رفضاً لترشيح فرنجية، إنّما رفضاً لمعادلة: «إمّا الضاهر وإمّا الفوضى»، التي لم تعُد مقبولة بعد اليوم.
كيف تبدّلت لهجة البيان؟!
وخرجَ مجلس المطارنة الموارنة أمس بموقف من التسوية بعد اجتماعه برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، حيث أكّد المجلس أنّه «بعد مرور ثمانية عشر شهراً على شغور منصب رئاسة الجمهورية، تَبرز فرصة جدّية لملء هذا الشغور، ما يقتضي التشاور والتعاون بين جميع الفرقاء اللبنانيين لإخراج البلاد من أزمة الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسات الدستورية».
وأوضَح أنّ «الرئيس، بما أنّه رأسُ الدولة، كما ينصّ الدستور، هو حجَر الزاوية في العمارة الوطنية بأبعادها التاريخية والمؤسساتية. ولذلك ينبغي أن يأتي انتخابه عن تبَصّر عميق في أهمّية هذا الموقع ودوره الأساسي».
محضَر الاجتماع
وعلمت «الجمهوريّة» أنّ اجتماع المطارنة سادته نقاشات كثيرة وحادّة حول التسوية الرئاسيّة، حيث طالبَ عدد كبير من المطارنة خلال الاجتماع بالتروّي والتريّث في قبول التسوية القاضية بترشيح فرنجيّة أو رفضها، على رغم أهمّية هذه الفرصة لملء الشغور الرئاسي.
وعلى رغم حماسة بعض المطارنة للمبادرة الرئاسيّة واعتبار أنّ التسوية أصبحت نهائية ولا يمكننا فعلُ شيء، سجّلَ عدد كبير منهم اعتراضَه معلناً أنّه مع حلّ المأزق الرئاسي، لكن يجب أن يكون ترشيح النائب فرنجيّة وانتخابه فرصة لتسوية شاملة ونقطة جمعِِ للمسيحيين وللّبنانيين، ولن نقبل أن يُفرض انتخابُه فرضاً على الموارنة والمسيحيين، من هنا يجب أن يُنتخب سواءٌ النائب فرنجية أو أيّ ماروني آخر بتوافق وإجماع مسيحي، لا أن يأتي فَرضاً على الموارنة، لأنّ هذا الأمر سيُضعِفه ولن يستطيع أن يحكم إذا كان المسيحيون غيرَ راضين على انتخابه».
ومع استمرار المناقشات، أظهرَ بعض المطارنة رأياً حازماً في مداخلاتهم وقالوا: «إنّ ما يحصل أمرٌ لا يمكن القبول به، فأنتَ يا سيّدنا تطالب منذ أكثر من سنة ونصف السنة بأن يمارسَ النواب دورَهم وينزلوا إلى المجلس لانتخاب رئيس، وهم لا يلبّون نداءاتك، فهل هناك ثقة بالسياسيين الذين يتحدّثون عن تسويات؟» وشدّدت المداخلات على أنّ «فرضَ التسوية هو ضربٌ للديموقراطيّة» وتساءلت: «هل يجوز أن نقبل أن يتّفقوا على رئيس ويقولوا لنا وَقِّعوا وامشوا؟
الموضوع يتعلّق بكرامة البطريركية المارونية والمسيحيين الذين كانوا سبّاقين في نشر الديموقراطية والانتخاب، وما يجب حصوله هو أن يمارس النواب دورَهم وينتخبوا الرئيس، لا أن يتمّ تعيينه من هنا او هناك، فلا شيء انتهى، والذي يقول إن التسوية «مشِت» وعلينا أن نصفّق ونهلّل لها هو مخطئ، فللبطريركية دورُها، وهذا الكلام ليس موجّهاً ضدّ النائب فرنجية الذي هو ابنُ بيت سياسي عريق، بل هو ضدّ فرضِ التسوية على المسيحيين واللبنانيين وضرب أسُس الديموقراطية».
وعلمت «الجمهورية» أنّ البطريرك أظهرَ ليونةً خلال استماعه إلى مداخلات المطارنة، وكان مستمعاً لكلّ وجهات النظر، محاولاً تدوير الزوايا. ونتيجة ما جرى، تبدّلَت صيغة البيان وصدرَ بموقف معدّل، بعدما تمكّنَ المطارنة المعترضون من قلبِه رأساً على عقب.
وتمّ الاتفاق على أن يَستكمل الراعي سلسلة الاتصالات مع القيادات المسيحية لتأمين ظروف صحّية للانتخاب، لا أن يأتي انتخاب الرئيس العتيد كسراً أو فرضاً على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً.
بكركي محور الحركة
وكانت بكركي استقطبَت لليوم الثاني على التوالي الحركة الرئاسيّة. فبعدما زارها فرنجية مساء أمس الاوّل، شهد الصرح البطريركي خلوةً بين الراعي ورئيس الكتائب النائب سامي الجميّل الذي زار بكركي عصراً برفقة الوزير السابق سليم الصايغ، قبل أن ينضمّ إلى الاجتماع رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل.
وشدّد الجميّل بعد اللقاء على أنّ المرشّح الذي يريد أن يحصل على تأييد الكتائب عليه أن يلاقيَنا في منتصف الطريق وأن يكون برنامجه متوافقاً مع مبادئنا. وأكّد أنْ لا فيتو على فرنجية إذا كان مستعدّاً للتخلّي عن صداقاته الشخصية وخَطه السياسي، وملاقاتنا في منتصف الطريق. وقال: «لا يطلبَنَّ أحدٌ منّا دعمَ أيّ شخص يترشّح انطلاقاً من ثوابت لا تلتقي مع ثوابتنا».
من جهته، أوضَح باسيل أنّه «علينا أن نعزّز قوّتنا الذاتية لديمومة المقعد الرئاسي الأوّل الذي يمثّل المسيحيين، والمطلوب أن نثقَ بذاتنا وببعضنا»، لافتاً إلى «أنّنا نتعاطى في هذه المرحلة بتبَصّر عميق، لأننا في مرحلةٍ الإنسانُ فيها بين الوهم والشكّ».
وأضاف: «نحتاج إلى تأمين ديمومة ملء المقعد الأول بمن يمثّل المسيحيين واللبنانيين ولنُزاوِج بين المسيحية والحرّية، ونحن متمسكون بالاثنتين»، مشدّداً على «أنّنا متمسكون بحرّيتنا في اختيار رئيس وقانون انتخابي».
كما تلقّى الراعي اتصالاً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، تشاوَرا خلاله في آخر المستجدات، وتحديداً التسوية الرئاسية.
المشنوق
إلى ذلك، تعليقاً على القول بأنّه سيكون للبنان رئيس قبل عيد رأس السنة، هو النائب فرنجية، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق «إنّ مسألةً كهذه في مسؤوليتها وأهمّيتها لا تُطرح من حيث التوقيت، بالقول غداً أو بعد أسبوع أو بعد شهر، بل تتمّ في الوقت الذي يجب أن تتمّ فيه، أي عندما تكون قد حقّقت أكبر قدر ممكن من تفاهم اللبنانيين على الموضوع.
هذا الموضوع أساسي، ولا يجوز التسرّع فيه ولا إعطاء مواعيد مسبَقة. والأفضل أن تسير الامور بهدوء بين كلّ الاطراف، وكلّ الأحزاب السياسية بكلامها العلني تتصرّف بمسؤولية وهدوء تجاه هذا الملف، حتى المعارضون.
الأصحّ أن نسير على هذه السرعة، أي الهدوء والتروّي والتشاور بين كلّ الاطراف اللبنانيين، فهذا يساعد على إنهاء واحدة من أصعب الأزمات في لبنان، الفراغ الرئاسي. وقد ثبتَ أنّ هذا النظام لا يمكن أن يعمل بلا رئيس، وكلّ الكلام عن مسؤوليات الرئيس أظهَر في النتيجة أنّ صلاحياته ليست ناقصة».
وعمّا إذا كان تيار «المستقبل» تلقّى جواباً رسمياً من «حزب الله» يتعلّق بموضوع ترشيح فرنجية، اعتبَر المشنوق أنّ موقف الحزب من هذا الترشيح يُسأل عنه الحزب «لكن عملياً من الواضح أن لا أحد من فريق 8 آذار يمكن أن يتصرّف خارج قبول ترشيح النائب فرنجية، والواضح من كلّ الحوارات أنّ هناك قبولاً لهذا الموضوع».
مصدر عسكري رفيع
أمنياً، ودّعت بلدة طاريا البقاعية الجندي الشهيد محمد حمية، بعدما استُعيد جثمانه من «جبهة النصرة» في صفقة التبادل الأخيرة.
وأكد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أن «لا صحّة لكلّ المعلومات والأقاويل التي تحدّثت عن بندِِ سرّي في صفقة تبادل العسكريين مع جبهة «النصرة» يقضي بوقفِ استهداف المسلّحين في الجرود»، لافتاً إلى أن «لا مهادنة مع الإرهاب، والجيشُ يستهدف يومياً تحرّكات المسلّحين في جرود عرسال ورأس بعلبك، ومدفعيتُه لن تتوقّف عن دكّ تحصيناتهم بعد إتمام الصفقة».
ولفتَ المصدر العسكري إلى أنّ «العسكريين المحرّرين سيخضَعون للفحوص الطبّية وللإجراءات الروتينية قبل عودتهم إلى الخدمة».