IMLebanon

عن فصول من العلاقات بين «حزب الله» والسعودية

المملكة من لاعب في الظل إلى لاعب على المسرح

عن فصول من العلاقات بين «حزب الله» والسعودية

للعلاقة بين «حزب الله» والسعودية، فصول معلنة وأخرى خفية، لكن «عصرها الذهبي»، هو المتصل بحقبة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، حتى عندما كان وليا للعهد في زمن الملك فهد.

لماذا وصلت الأمور بين «حزب الله» والسعودية إلى حد القطيعة لا بل العداء؟

في عالم الديبلوماسية، ثمة مقاربة للعمل الاستباقي الذي يمكن أن يؤدي إلى تفادي الأزمات، وهذا الأمر ينطبق على العلاقة بين الحزب والمملكة، بحيث أن الطرفَين لم يحاولا استباق مسار متدحرج أدى إلى ما أدى إليه اليوم، خصوصا أن ثمة مواجهة إقليمية طاحنة، لا تستثني منها معظم ساحات الإقليم، ولم يعد يفيد تدوير الزوايا من وجهة نظر الطرفين بعد حرب اليمن.

قال الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت الشهيرة: «لا أريد دخول الأمة في حرب سنية – شيعية»، وعندما زار لبنان برفقة الرئيس السوري بشار الأسد في نهاية تموز 2010، وعقدت قمة سعودية سورية لبنانية في قصر بعبدا، قال عبدالله للرئيس سعد الحريري: «يا شيخ سعد.. لا نريد فتنة سنية – شيعية، وعلينا طي صفحة الماضي». تلك الجملة كانت كافية لفتح أبواب دمشق أمام الحريري، فذهب إثرها مرتين إلى سوريا والتقى الرئيس الأسد ونام في إحدى الزيارتين في منامة قصر الضيافة في عاصمة الأمويين. في السياق، نفسه، طلب الحريري زيارة إيران والتقى كبار المسؤولين بالإضافة إلى السيد علي الخامنئي..

هل كان يمكن اللجوء إلى خيارات أخرى لتفادي الواقع الحالي؟ يجيب أحد المتابعين لملف العلاقة بين الحزب والسعودية مستشهدا بكلام للكاتب العربي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل في احد لقاءاته مع الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله. قال هيكل لنصرالله إنه سأل في احد لقاءاته الطويلة مع الرئيس الراحل حافظ الأسد: «لماذا سلمت سوريا زعيم «حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان للأتراك»؟ فأجابه الأسد: «لأنه لم يعد عندي خيار آخر»، فكان أن علق هيكل: «ليس من سياسي يبرر بالقول لم يعد لدي من خيار آخر».

يروي المتابع لمسار العلاقة بين «حزب الله» والسعودية الآتي: «في أيام الملك عبدالله اتصلت شخصية سعودية قريبة جدا من الديوان الملكي كانت موجودة في بيروت، بشخصية لبنانية مقربة جدا من «حزب الله»، وعقدت لقاء معها طلبت خلاله فتح علاقة مباشرة مع «حزب الله»، وقال الزائر السعودي: «الملك عبد الله عندما زار لبنان (بصفته وليا للعهد) وأقام في دارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في قريطم في العام 1997، طلب لقاء «كتلة الوفاء للمقاومة» وقال أمام الوفد كلاما طيبا عن المقاومة، ونحن نريد فتح علاقة مباشرة معكم».

حصل ذلك في العام 2006، وسرعان ما تجاوب الحزب مع الرغبة السعودية، فقام وفد ضم نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم والوزير محمد فنيش بزيارة الرياض واجتمع بالملك عبدالله بحضور الوزير سعود الفيصل والسفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة. قدم وفد الحزب شرحا تفصيليا لمسار العلاقة بين الحزب والسعودية. يومها، توجه الملك عبدالله إلى خوجة وسأله: «ترى ما يقولونه صحيح؟» فأجابه «يا طويل العمر صحيح»، ثم وجّه الكلام الى الوزير الفيصل وأعطاه تعليمات تتصل بمستقبل العلاقة، وبالفعل، تم تنظيم قنوات للتواصل بين الجانبين.

في ذلك اللقاء، استعاد الشيخ نعيم قاسم تجربة اتفاق الرياض، عندما استضاف سعد الحريري في دارته في العاصمة السعودية، كلا من المعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين خليل والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري الوزير علي حسن خليل على مدى ثلاثة أيام، وخاض الثلاثة في المخارج المطلوبة للأزمة في خريف العام 2005، وتوصلوا وقتها بمباركة الملك عبدالله الى اتفاق سياسي أُسمِيَ اتفاق الرياض، وما أن وصل الثلاثة الى بيروت وسلموه الى الرئيس فؤاد السنيورة، في السرايا، حتى قال لهم انه لا يمشي به لأنه عبارة عن اتفاق قاهرة جديد.

وقتها استشعر الحزب وجود قطبة مخفية، تبين لاحقا أنها متصلة باعتراض أميركي على الاتفاق وكل محاولات الانفتاح بين القيادة السعودية وقيادة «حزب الله».

يعطي المتابع مثالا حيا آخر: كان وفد «أنصار الله» اليمني في آخر أيام الملك عبد الله قد اجرى محادثات مطولة مع رئيس الاستخبارات السعودية انتهت الى اتفاق خلاصته أن يتمثل الحوثيون في الحكم بحسب حجمهم، وبينما كانوا في الرياض، جاءهم خبر رحيل الملك عبد الله، فسأل الوفد اليمني رئيس الاستخبارات السعودية عما يمكن القيام به، فطلب منهم البقاء لايام عدة، وحصل لقاء بعد مراسم الدفن وأبلغهم أن كل ما اتفقنا عليه «لم يعد موجودا وبامكانكم المغادرة».

ما يسري على الحوثيين يسري على «حزب الله» والايرانيين، وبحسب المتابع: «هناك فريق سعودي اتخذ قرارا بالمواجهة، وهذه هي المرة الأولى التي تنتقل فيه السعودية من لاعب في الظل الى لاعب على المسرح. هذا الفريق لم يترك لـ «حزب الله» خيارا للتفاهم معه، برغم إلحاح الحزب على ولوج خيار الحوار والتسويات، من ضمن قواعد محددة هي الآتية:

ـ عدم المس بالمقاومة وسلاحها.

ـ التصدي لكل محاولات إذكاء نار الفتنة السنية ـ الشيعية.

ـ الحرص على إبقاء الأبواب مفتوحة.