ما الذي قاله الرئيس فلاديمير بوتين للرئيس حسن روحاني، في مكالمة ربما كانت الحدث الأهم، بعيد الاتفاق على تمديد مفاوضات النووي الإيراني في فيينا؟
البيان الرئاسي الروسي حول المكالمة كان مقلاً: بحث الرئيسان ما تم انجازه من «تقدم ملموس» في مفاوضات فيينا، و»شددا على ضرورة توصلها إلى اتفاق نهائي»، وتطرقا إلى التعاون الثنائي وتنفيذ المشاريع المشتركة». لكن قناة «الميادين»، نقلت عن «مصادر»، الأرجح أنها إيرانية، أن بوتين أبلغ روحاني أن روسيا لن تسمح بإطالة المفاوضات إلى ما لا نهاية، أو بالمماطلة في رفع العقوبات عن إيران، وأنها مستعدة لتفاهم ثنائي استراتيجي، بما في ذلك التنسيق مع الصين لكسر العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
السؤال الثاني يتعلق بمبادرة الرئيس روحاني للاتصال بنظيره الروسي. هل تعبر تلك المبادرة، في توقيتها الحساس، عن توجه استراتيجي للرئاسة الإيرانية أم هي مجرد خطوة دبلوماسية لتقديم الشكر لموسكو على جهودها الحثيثة لإنقاذ مفاوضات فيينا؟
لعل الإجابة على السؤالين أعلاه، تشكل بعض ملامح صورة المرحلة المقبلة، إقليمياً ودولياً. فروسيا الآن تتعرض هي نفسها للعقوبات الغربية التي كلّفت الروس، في بضعة أشهر، ما يزيد على مئة مليار دولار. ومن الحتمي أنهم لن يقبلوا باستمرار هذا الاستنزاف الاقتصادي والمالي. هكذا ستكون موسكو في مواجهة خيارين، فإما الخضوع السياسي للغرب، وخسارة المنجزات الاستراتيجية التي حققتها رئاسة بوتين، وإما المضي، بسرعة أكبر، نحو بناء منظومة اقتصادية ومالية عالمية مستقلة عن المنظومة الغربية. في سياق هذا الخيار المرجّح بالطبع، ستلعب إيران دوراً أساسياً في بناء تجمع ثلاثي صلب مع روسيا والصين في إطار مجموعة البريكس للاقتصادات غير الغربية الكبرى التي تشمل، أيضاً، الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
لماذا إيران في هذا الموقع الخاص؟ لأنها لا تشكّل فقط إضافة اقتصادية، بل استراتيجية، عسكرية ودفاعية، أيضا؛ خصوصا مع احتساب حلفاء إيران العرب في سوريا ولبنان ـ حزب الله والعراق. وسوريا هي حليف قديم للروس الذين اعترفوا بحزب الله، قوةً إقليمية وحليفاً، ويسعون إلى استعادة مواقعهم في العراق.
أرجّح أن الاتجاه نحو التحالف الاستراتيجي مع إيران، محسوم في روسيا، بما هو، في الأساس، تعبير عن ضرورة استراتيجية من مكونات الحفاظ على الصعود الروسي؛ لكن هل هو كذلك في إيران؟
من المعروف أن السياسة الإيرانية الحالية هي محصلة جدل بين اتجاهين: تيار الثورة بقيادة الإمام علي الخامنئي، والتيار الليبرالي بقيادة روحاني. ومن أبرز ملفات الخلاف بين التيارين، الموقف من سوريا والمساعدات الإيرانية للسوريين. تيار الثورة يسعى نحو المزيد من الدعم، المتعدد الأشكال، لدمشق، بينما يميل التيار الليبرالي إلى العكس، وربما يضمر، من وراء ذلك، ليس فقط توفير كلفة دعم سوريا، لتحسين الانفاق الداخلي، وإنما، أيضاً، مغازلة الغرب للتوصل إلى اتفاق حول الملف النووي، يسمح برفع العقوبات عن إيران، وتجاوز مصاعبها الاقتصادية والمالية. وعلى هذا، فربما تكون علاقاته مع موسكو تكتيكية، أي الإفادة منها لتحسين شروط المصالحة مع الغرب.
مشكلة روسيا مع التيارين معقدة؛ فبينما يشكل تيار الثورة حليفاً استراتيجياً من دون التباس ولا تردد في مواجهة الغرب، فإنه يختلف مع موسكو في عدة ملفات، منها، على سبيل المثال، الموقف من الإسلام السياسي، ومن نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومن سلطة رام الله التي تعتبرها موسكو حليفها الفلسطيني، وتؤيّد خطها السياسي. والخلاف حول هذه الملفات ليس نظرياً أو قابلاً للطيّ دائماً، بل من شأنه أن يُترجَم إلى خلاف سياسي.
في المقابل، ربما يكون تيار روحاني أقرب إلى الفهم الروسي للعالم والعصر، لكنه غير موثوق من حيث تطلعه إلى التفاهم مع الغرب من جهة، ومن حيث دعمه لسوريا ـ التي تشكل جوهرة التاج الروسي، من جهة أخرى.
اللحظة الدولية الراهنة تمثّل فرصة ذهبية لإيران للتموضع في حلف روسي ــ صيني، من شأنه رتق التناقض الإيراني الداخلي؛ فهذا التموضع يسمح لإيران، في الآن نفسه، الحفاظ على استقلالها وسياساتها إزاء الغرب، وكذلك حل مشاكلها الاقتصادية والمالية؛ فهل نتوقع تفاهماً داخلياً في السياسة الإيرانية يأخذ هذا المنحى، أم نتوقع صراعاً يشل امكانية الإفادة من الفرصة المتاحة؟
باعتقادي أن الطرفين، الروسي والإيراني، يمكنهما التبصّر بالعلاقة الاستراتيجية التي قامت بين السوفيات ومصر عبد الناصر. وقد كانت، كذلك، استراتيجية، رغم الخلافات الأيديولوجية، بل، وأحيانا، السياسية بين الجانبين.
لا ينوي الغرب إقامة علاقات سلام وتعاون مع روسيا وإيران، وإنما ينوي تقويضهما من الداخل؛ مَن لا يدرك ذلك واهمٌ، ومَن لا يمنح الأولوية للتحالف الثنائي مفرّطٌ بمصالح بلده العليا ومستقبله.