تمّ التحدث والكتابة عن سلسلة الرتب والرواتب مطولاً منذ أكثر من خمس سنوات. وكان هذا المشروع في طليعة الأخبار وموضوع برامج حوارية حامية على الشاشات المحلية. وكانت ايضاً سلسلة الرتب والرواتب المحرك الرئيس للعديد من الاحتجاجات والإضرابات النقابية.
نحن اليوم في نهاية هذه الرحلة الطويلة الصعبة، ولكن لا يسعنا إلا أن نتساءل ما إذا كانت هذه نهاية مسلسل السلسلة الطويل، أو بداية حلقة جديدة أكثر تعقيدا واكثر صعوبة مع عواقب لا تبشّر بالخير. نحن نتساءل إذا كان بالإمكان التكلم عن نصر وهزيمة ،عن فائز وخاسر، أو بالأحرى عن أن «الجميع خاسرين» أو سيخسرون على المدى المتوسط .
لطالما كان موقفنا واضحاً جداً في شأن هذا الملف الدقيق، ولطالما قلنا بصوت عال أن سلسلة الرتب والرواتب هي حق لموظفي الدولة ومعلمي القطاعين العام والخاص… ولكن قبل التفكير في تطبيقه، كان لا بد من القيام بإعادة هيكلة كاملة لموارد الدولة البشرية، وإجراء تدقيق متأنٍ ودقيق لجميع موظفي الدولة للتأكد من أن هذه الزيادة ستُمنح على أساس الجدارة والخبرة والكفاءة والإنتاجية، وليس لأولئك الذين لا يعرفون حتى أين يقع مكان عملهم والذين يحصلون بشكل منتظم على معاشات ومداخيل تقاعدية لا يستحقونها.
ما من شك أن لدينا بعض الموظفين الممتازين في الدولة، الذين يتفانون من أجل إنجاز مسؤولياتهم وواجباتهم، هؤلاء يجب أن نحافظ عليهم وأن نشجعهم ونساعدهم للتقدم إلى الأمام، ولكننا في الوقت نفسه نعاني من عدة توظيفات وهمية مبنية على المحسوبيات السياسية، والمذهبية، والطائفية، والميليشياوية، والتي تشكل عبئاً على الدولة وتمنعنا من التقدم لأنها تؤثر بشكل كبير على خزينة الدولة المتهالكة وتخليها من الأموال.
من ناحية أخرى، إن رفع الضرائب على أمل الحصول على تمويل عام إضافي هو دائما أسهل حل يمكن تطبيقه، ولكن في كثير من الأحيان يكون أسوأ علاج خصوصا خلال أوقات الأزمات والركود الإقتصادي.
من المهم أن نلاحظ أنه ليس هناك اي بلد في العالم قد زاد الضرائب في أوقات الأزمات وتمكّن لاحقاً من إعادة بناء نمو سليم أو تحسين مستوى معيشة سكانه.
من المؤسف أن نظنّ أن تطبيق سلسلة الرتب والرواتب ستشجّع الاستهلاك. صحيح أن البعض سيستفيدون من مدخول إضافي على المدى القصير، ولكنهم سيدفعون ثمنه هم أنفسهم بشكل مضاعف من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة والتضخم الذي سيلي.
إضافة إلى ذلك، إن زيادة الضرائب لا تعني زيادة في واردات الدولة، لأن من شأن هذه الزيادة تشجيع التهريب والاقتصاد الموازي، ومن ناحية اخرى ستتسبّب في إنخفاض في الأرباح والعائد على الاستثمار، وبالتالي إنخفاض في الضرائب على الأرباح والاستهلاك.
إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، ربما لو كانت هذه الضرائب ستستخدم لتمويل المشاريع الحيوية لبلدنا مثل إعادة بناء البنية التحتية المتهالكة، أو الاستثمارات التي تخلق فرص العمل والنمو، لكنا قد إقتصدنا اكثر من أجل هذه التضحية المثمرة، ولكن رفع الضرائب لتمويل القطاع الأقل إنتاجية في بلدنا هو خطأ إضافي غير مقبول وغير وارد ولا يمكن تفسيره!
صحيح أن هذا المشروع نوقش لمدة خمس سنوات طويلة، ولكن للأسف كانت هذه المناقشات في الغالب سياسية وسطحية، وكان هذا المشروع يسمّى «كرة النار»، حيث أن المسؤولين كانوا يتسلون برميها لمهاجمة بعضهم البعض، ولرد الهجمات او حتى للإنتقام من بعضهم البعض.
من المحزن أنه لم يتم إجراء أي «دراسة تأثير» (Impact study) على الإطلاق لكل من هذه الضرائب المقترحة، من أجل تقييم آثارها الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط والطويل بشكل أفضل.
نحن اليوم أمام لغز من الصعب والمعقّد حلّه، إذ يمكن أن ينتج تطبيق كل القوانين (سلسلة الرتب والرواتب / الضرائب الجديدة) آثاراً اقتصادية كارثية، ولكن رفضها كان سيزيد أيضا من حجم الأزمة والإستياء الاجتماعي، كما قد كان سيؤدي إلى تجميد مؤسساتنا وجعل الشارع يتحرك مرة أخرى بشكل كبير.
لذلك، نظرا لهذه الوقائع والحقائق، قمنا باقتراح الحلول أدناه محاولة منا للحدّ من الأضرار قدر الإمكان. بعد التصويت على هذه القوانين بأغلبية كبيرة في البرلمان، كانت الدولة أمام أمر واقع ولم يكن لديها خيار آخر سوى التوقيع على سلسلة الرتب والرواتب الجديدة وتنفيذها. ولكن كان يجب إرجاء التوقيع على قانون الضرائب الجديد لبعد سنة تقريباً على الأقل.
خلال فترة السماح والتأجيل، كان ينبغي على الحكومة أن تضع لنفسها هدفا رئيسيا لتمويل هذه «السلسلة» من خلال إدارة رشيدة وحوكمة أفضل، وخاصة من خلال التركيز على النقاط والأهداف الأربعة المقترحة أدناه:
• تحسين عملية جباية وتحصيل الضرائب من 50٪ إلى 60 أو 65٪
• تحسين الرقابة على حدودنا؛ براً وبحراً وجوّاً ورفع مدخول الجمارك.
• الحد من عمليات التحويل إلى مؤسسة كهرباء لبنان.
• إعادة هيكلة وإجراء مراجعة وتدقيق لجميع الوظائف ضمن الدولة.
نحن واثقون من أن النقاط الأربع المشار إليها كانت قادرة على تمويل هذه التكلفة الجديدة بسهولة، شرط وجود إرادة حقيقية للعمل والأداء والنجاح لإنقاذ اقتصادنا وبلدنا. إن أفضل استراتيجية هي المحاولة المستمرة وإطلاق المشاريع الإختبارية والمثابرة، وبعد ذلك كان من الممكن أن نجتمع معا مجدداً حول طاولة حوار اقتصادية واجتماعية، لدراسة نتائج خطة الطوارئ والإغاثة هذه. عندئذ كان بإمكاننا مناقشة التمويل الإضافي إذا لزم الأمر.
من المهم أن تضع حكومة الوحدة الوطنية في لبنان أهدافا لها، واستراتيجيات للإغاثة، وسبل معالجة حقيقية وفعالة، إذ لا جدوى من إختيار الورشات الأسهل ولكن الأكثر خطورة وضرراً لبلدنا وإقتصادنا.
لم يفت الأوان بعد للتصرّف وتصحيح التصويب، قبل أن يُصاب مطلق النار وان نُصاب جميعاً!