Site icon IMLebanon

سلام وُضع في صورة حجم الاستهداف: كل لبنان في دائرة الخطر!

«عضّ أصابع» لبناني على وقع المشهد السوداوي لن يبلغ مرحلة انهيار الاستقرار

سلام وُضع في صورة حجم الاستهداف: كل لبنان في دائرة الخطر!

خبراء أمنيون: أداء انتحاريي القاع ينمّ عن يأس تحت الضغط الذي يُعانيه «داعش» في سوريا والعراق وليبيا

قراءة العمليات الانتحارية التي شهدتها بلدة القاع الحدودية في مراميها الأمنية والسياسية، كما تداعياتها، تحتاج إلى مزيد من التمحيص والتدقيق للوصول إلى استنتاجات يمكن أن تشكّل منطلقاً صلباً يتم البناء عليه في رسم صورة ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة.

فتقييم العمليات الانتحارية الثماني التي نُفذت خلال أقل من 24 ساعة، ترك وراءه الكثير من التساؤلات لدى خبراء أمنيين، أدرجوا الانتحاريين الثمانية في خانة المبتدئين والهواة، مقارنة مع العمليات الانتحارية التي ينفذها تنظيم «داعش» في غير مكان، والتي تأتي أكثر تخطيطاً ودقة وأكثر دموية في نتائجها، رغم أن التنظيم لم يتبنَ التفجيرات على غرار ما يفعل في كثير من الأحيان.

وإذا كان بعض الأمنيين يوافقون على أن ثمة صورة غير مكتملة حيال أهداف تفجيرات القاع وما إذا كانت البلدة نفسها مستهدفة أم أن انكشاف الانتحاريين دفعهم إلى تفجير أنفسهم، فإنهم لا يُسقطون احتمال أن أداء الانتحاريين يتسمّ بحال من اليأس تحت حال الضغط التي يعانيها التنظيم في معاقله الرئيسية، سواء في سوريا أو العراق وحتى ليبيا، وحاجته إلى توسيع رقعة استهدافاته لتخفيف الضغط عنه.

على أن المعطيات الاستخبارية والأمنية التي توافرت لدى مراجع أمنية، من خلال الأعمال الاستباقية والتوقيفات، كانت تؤشّر إلى أن الساحة اللبنانية أضحت، أكثر من أي وقت مضى، عُرضة لهجمات انتحارية، وهي معطيات قد تم نقلها إلى المراجع السياسية وفي مقدمها رئيس الحكومة تمام سلام، الذي وُضع في صورة أن ما تكشّف لدى الأجهزة الأمنية يدل على أن الهجمات قد لا تنحصر ببيئة معينة، ألا وهي البيئة الشيعية، كردة فعل على تورّط «حزب الله» في سوريا، بل قد تستهدف مناطق عدّة ومنشآت حيوية ومراكز أمنية في غير مكان، الأمر الذي يضع كل لبنان في دائرة الخطر، ويرفع من منسوب هذا الخطر، ويُشكّل تحدٍ أمام قدرة القوى الأمنية في مهامها الاستخبارية وعملياتها الاستباقية لكشف الشبكات والخلايا النائمة، والتي يظهر مع الأيام أن التنظيم، على مرّ السنوات الماضية، نجح في توفير بنية تحتية له، ليس فقط في لبنان، بل وفي دول الجوار السوري، ذلك أنه يتمتع بقدرات عالية على القيام بسلسلة تفجيرات انتحارية في دول عدّة لا تفصل بينها سوى أيام، من الأردن إلى لبنان إلى تركيا، فضلاً عن العمليات التي تنفذها الشبكات المرتبطة به من ليبيا إلى الصومال واليمن وتونس ومصر وغيرها من البلدان العربية والأفريقية، وصولاً إلى الدول الأوروبية.

البارز في قراءة الخبراء الأمنيين، وحتى المراقبين السياسيين، اعتبارهم أن تفجيرات القاع ليست سوى مدخل أو عنوان لمرحلة مقبلة من انكشاف الساحة اللبنانية، والتوقعات أن محطات أكبر وأخطر وأقسى تنتظر الداخل، ولا سيما إذا ازداد الضغط أكثر على «داعش» في الحرب عليه في معاقله الرئيسية، فما أعلنته قيادة الجيش عن إحباطها عمليتين إرهابيتين كبيرتين كانتا ستطالان منشأة سياحية وأخرى سكنية، ليس في رأي مطلعين، سوى القليل مما هو مُعلن، فيما المخفي قد يكون أعظم.

هذا المشهد السوداوي يعكس في جانب منه لعبة «عضّ الأصابع» الإقليمية الدائرة على أكثر من صعيد، مما يجعل المتابعين للوضع على اقتناع بعدم الرهان على يقظة للقوى السياسية اللبنانية تدفعها قدماً نحو تقديم تنازلات متقابلة بما يؤدي إلى إعادة الانتظام إلى المؤسسات وإلى الحياة السياسية، بما يشكل مظلة أمان لمواجهة التحديات الأمنية والضربات التي قد تصيب لبنان وتحمي البلاد من انهيارات اقتصادية، ولا سيما أن طغيان الهاجس الأمني على البلاد سيترك آثاره السلبية وانعكاساته على واقع السياحة المهتز أساساً، والتي كانت ثمة رهانات على إمكان انتعاشها بعد شهر  رمضان، ليُضاف إلى واقع الركود والضائقة المالية وغياب الفرص الاستثمارية في البلاد والهبوط الحاد في أسعار العقارات والانكماش في المؤسسات الاقتصادية والتجارية والصناعية.

عجز القوى السياسية الداخلية هو في واقع الحال انعكاس لتأزم الواقع الإقليمي والصراع بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية في قيادتها للتحالف العربي، فما سمعه الفرنسيون من وزير خارجية إيران محمّد جواد ظريف حيال لبنان يؤشّر، في رأي أوساط مقربة من 8 آذار، إلى أن لا جديد في المدى المنظور، والرهانات المحلية على إمكان إحداث اختراق في منتصف الطريق ستبوء بالفشل، وما يُعزّز ذلك إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الأزمة السورية طويلة، في وقت كانت التوقعات تشي بأن يحمل شهر آب تقدماً ملموساً في وضع الحل السياسي في سوريا على سكة التنفيذ مع بدء المرحلة الانتقالية.

هذا الواقع المغلق الأفق سيبقي «الستاتيكو» السياسي الراهن، الذي يتمثل بحال الشلل في حكومة سلام، بما يدفع القوى والمؤسسات الأمنية إلى تحمّل العبء والتحدّي الأمني الداهم كمخرج متاح وكأفضل علاج يمكن اعتماده راهناً.

على أن المخاوف التي تعتري المتابعين، من أن لعبة عضّ الأصابع التي تدفع كل طرف إلى مزيد من التصلب بانتظار من سيُسلّم أولاً، تعني في الترجمة السياسية مزيداً من انكشاف لبنان وانغماسه في مخاطر الأعمال الإرهابية، وتداعي الوضع الأمني، وإن كان ثمّـة اقتناع بأن هذا التداعي لن يصل إلى مرحلة الانهيارات الدراماتيكية التي قد تطيح بكامل الاستقرار الداخلي، لكنها قد تكون كفيلة لتسليم الأطراف بضرورة الدخول جدياً في البحث عن التسوية – الحل، انطلاقاً من اقتراح السلة، والتي ستحدد موازين القوى في لحظة «مَن يصرخ أولاً»، شكل التنازلات وحجمها، وما إذا كانت ستبقى تحت سقف «اتفاق الطائف» أو تتجاوزه كحل يتناول الرئاسة والحكومة ومنظومة الحكم والتعيينات وأفق المرحلة المقبلة!