يتردد حالًيا الكثير حول الفلوجة العراقية٬ حيث توشك حرب كبيرة أن تقع. يقال: إن المدينة هي مركز «داعش» الإرهابية. وميليشيات شيعية عراقية طائفية تحاصر المدينة السنية. وجود قيادات وقوات إيرانية مع القوات العراقية في محيط الفلوجة. في مقدمة القوات العراقية التي تحاصر الفلوجة فرق سنية وقيادات سياسية سنية. مقاتلون من عشائر الأنبار السنية أيًضا يشاركون في الاستعداد لدخول المدينة. وقوع جرائم ارتكبتها ميليشيات شيعية ضد النازحين من أهالي الفلوجة السنة. أهالي الفلوجة يشتكون من بطش وجرائم تنظيم داعش السني. على الرغم من التناقضات الصارخة في الروايات السابقة فإنها صحيحة جميًعا. هذه حكاية الفلوجة اليوم٬ التي تلتقي عندها متناقضات العراق.
يقف على أبوابها قائد ميليشيات إيران قاسم سليماني٬ مع وزير الدفاع السني خالد العبيدي٬ مع رئيس البرلمان السني سليم الجبوري٬ مع رئيس الوزراء الشيعي حيدر العبادي٬ مع قيادات من ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية٬ وكذلك توجد في المقدمة قوات عشائرية من سنة الأنبار تشارك في محاصرة «داعش».
وجود هذه التشكيلة من القوى العراقية المتناقضة على أسوار الفلوجة وفي معسكر واحد٬ لا يعني أنها على وفاق٬ بل على العكس٬ تأكيد على الاختلافات ونقص الثقة٬ حيث توجد في معركة دعي إليها الجميع٬ وكل من شارك له رأي يخالف الفريق الآخر في إدارة المعركة٬ وإدارة المدينة٬ والتعامل مع الوضع الآن٬ ولاحًقا بعد تحريرها الموعود. الذي يجمعها كراهيتها للتنظيم الإرهابي الأول «داعش»٬ الذي يشتكي من جرائمه وبطشه أهالي الفلوجة٬ ومحافظة الأنبار التي تعيش حرًبا منذ سنوات بسببه٬ والعراقيون عموًما. وهناك المتطرفون من الشيعة جاءوا للمشاركة ضمن عمليات التحريض الطائفية٬ ومعهم الجنرال الإيراني سليماني الذي جعل من حصار الفلوجة شعاًرا لبطولات الحرس الثوري يوزعها داخل إيران٬ لتعويض فشله في سوريا وترميم صورته. أما العبادي٬ رئيس الوزراء٬ وبقية قيادات البرلمان والحكومة٬ شيعة وسنة٬ يريدون الفلوجة خشبة الخلاص من أزمة المظاهرات والتهديدات بإسقاطهم. أما قيادات عشائر المحافظة السنية فإنها تريد حماية مناطقها من دخول الميليشيات الشيعية٬ ورسم دور لها٬ وتريد الخلاص من عدوها المحلي «داعش»٬ وبالاتفاق مع الحكومة تقرر أن تكون هي من تتولى دخول المدينة عند تحريرها منًعا للاشتباكات الطائفية.
داخل الفلوجة المحاصرة نفسها٬ أيًضا يتعايش مقاتلو «داعش»٬ مع أعدائهم من مقاتلين بعثيين٬ مع الناقمين من شباب المدينة.
أما لماذا تعود الجماعات المتطرفة للفلوجة رغم خسائرها المتكررة منذ عشر سنوات٬ فلأنها بوابة محافظة الأنبار السنية التي يريدون السيطرة عليها٬ وهي محافظة تحاذي ثلاث دول؛ سوريا والأردن والسعودية٬ والفلوجة نفسها لا تبعد سوى مسافة نصف ساعة بالسيارة عن العاصمة بغداد.
لقد نجح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في تصوير الأنبار كمحافظة عدوة للنظام السياسي٬ واستخدم ذريعة ملاحقة «داعش» والبعثيين لتصفية خصومه والهيمنة على الحكومة٬ بصلاحياتها الأمنية والعسكرية والمالية. وقد حققت «داعش»٬ ومن معها السذج٬ نفس الحجة التي تستخدمها الآن إيران للاستيلاء على العراق. الإيرانيون دخلوا العراق العام الماضي بحجة تحرير الموصل٬ بعد احتلال «داعش» لها. لم يحرروا شبًرا واحًدا ولم يخرجوا من العراق٬ وهم الآن يفاخرون بأنهم يحمون العاصمة من هجمات «داعش» الُمحتملة من الفلوجة. الإيرانيون يكررون ما فعله السوريون في لبنان بالدخول تحت غطاء «شرعي» لمساعدة الحكومة المركزية ضد «داعش» والمتمردين عليها.