IMLebanon

كلهم رغبوا بموته

 

بعد تخبط دام ثلاثة أيام، قررت قيادة حزب الله اللجوء الى الاختيار الأسهل والكذب. وتقرر بالتشاور مع قادة الحرس الثوري الإيراني إغلاق قضية اغتيال مصطفى بدر الدين بأنين خافت. وتم اختيار صيغة تغطية مشكوك فيها لتقديم جواب معقول لرجال حزب الله في الميدان، لا تلزم التنظيم بالرد وفتح جبهات جديدة أمام جهات في الداخل والخارج، قد تحرف التنظيم عن جهوده الأساسية في سوريا.

في الأيام الاعتيادية كان قادة حزب الله يحمّلون المسؤولية بشكل مباشر لإسرائيل. لكنهم حذروا هذه المرة في بياناتهم الرسمية من ذكر اسمها، وهذا دليل على أنهم لا يملكون، حالياً على الأقل، مصلحة أو قدرة على خلق مواجهة على الحدود الشمالية.

بدر الدين الذي كان نائباً للأمين العام لحزب الله، ورئيس الجهاز العسكري، تم اغتياله بشكل مهني، ولم يقتل صدفة بنيران المتمردين في سوريا، كما تم الادّعاء في استنتاجات لجنة التحقيق التي عينها حزب الله لفحص ظروف موته.

وقالت مصادر مطلعة في بيروت، إنه تواجد أثناء اغتياله في منشأة سرية لحزب الله في منطقة مطار دمشق، وقع انفجار في الغرفة أدى الى موته. لكنه لم يصب أحد باستثنائه. والاستنتاج: كان هناك من تعقبه وعرف تماماً متى يصل ومتى تواجد في الغرفة.

لقد وقع حادث مشابه في 2012، عندما أرادت الاستخبارات السعودية تصفية نسيب الأسد ووريثه المحتمل الجنرال آصف شوكت، ونجحت بذلك أكثر من المتوقع: فقد قاموا بمساعدة ثلاثة من حراسه بإدخال قنبلة إلى الغرفة لم تقتل شوكت فحسب، وإنما كل إعضاء مجلس الطوارئ لدى الأسد.

المخابرات السعودية متورطة حتى العنق ليس فقط في دعم فصائل المتمردين الإسلاميين ـ الذين يتهمهم حزب الله باغتيال بدر الدين ـ وإنما هي تتآمر بشكل دائم على حزب الله الذي اعتبرته الجامعة العربية قبل عدة أشهر فقط، تنظيماً إرهابياً. لقد كان بدر الدين مطلوباً للسعوديين بصفته المسؤول عن قتل حليفهم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وبرغم ذلك، لم يتجرأ حزب الله في بيانه الرسمي بإثارة الشبهات ضد السعوديين، وهذا دليل آخر على محدودية قوته.

كما تملك الولايات المتحدة رغبة وقدرة على تنفيذ الاغتيال، فبدر الدين كان هدفاً واضحاً لـ «سي أي إيه»، بسبب تورطه في تفعيل العبوات ضد الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان (…).

المنشأة التي اغتيل فيها بدر الدين، تتبع لما يسمى «جيش الظلال» التابع لحزب الله وسوريا (ذلك الجهاز السري الذي يعمل في بناء القوة وتهريب أسلحة من إيران إلى لبنان). «جيش الظلال» الذي يشكل الذراع الاستراتيجية الرئيسية لنصرالله، يخضع منذ سنوات للتعقب من قبل جهاز تجسس يحترم نفسه. وقد نشر في أكثر من مرة عن شن هجمات جوية على منشآت «جيش الظلال» قرب مطار دمشق، ولا شك أن هؤلاء الأشخاص يتعرضون للملاحقة.

اغتيال بدر الدين الذي قاد «جيش الظلال»، لا يُعتبر ضربة معنوية فقط، وإنما ضربة ضد من شكل مساراً رئيسياً في المثلث الاستراتيجي لإيران، سوريا وحزب الله.

في البيان الأول الذي نشره حزب الله بعد اغتيال بدر الدين، تمت الإشارة إلى ثلاث إمكانيات سببت موته: إطلاق نيران جوية، إطلاق صاروخ بري، ونيران مدفعية دقيقة. لكن هذه القدرات الثلاث تملكها دول ولا تملكها تنظيمات إرهابية.

صباح يوم السبت نُشر في جريدة «الأخبار» المتماثلة مع حزب الله أنه تمت تصفية بدر بواسطة صاروخ أرضي موجّه. والمقصود عملياً طريقة عمل تذكر بعملية «نبات العوسج» المعروفة في إسرائيل باسم «تسئليم ب» في 1992، عندما أعدت وحدة القيادة العامة «سييرت متكال» خطة لاغتيال صدام حسين بواسطة صاروخ أرضي متطور. من المهم أن نذكر أن قدرات من هذا النوع متوفرة فقط في أيدي الجيوش، ولذلك سارعت قيادة حزب الله إلى إصدار تصحيح لما نشرته «الأخبار» وأصرّت: المقصود عملية قصف نفذتها «تنظيمات إرهابية». لو كان المقصود فعلاً تنظيم إرهابي لكان قد سارع بالتأكيد إلى تحمل المسؤولية من أجل المفاخرة.

هناك احتمال آخر وهو الحديث عن تصفية حسابات داخل التنظيم: طوال فترة طويلة سادت خلافات شخصية بين بدر الدين وجهات في قيادة حزب الله. لقد تحول إلى نوع من الإزعاج، الأمر الذي ولّد توتراً مع الإيرانيين. الفشل العسكري الأخير لحزب الله لم يسهم في تحسين شعبيته، الأمر الذي يعني أن إمكانية تصفيته من قبل رفاقه معقولة.

في الماضي حين تم تنفيذ عمليات اغتيال داخلية في التنظيم، انتظر حزب الله ـ أحيانا لعدة اسابيع ـ التوقيت المناسب، وفي نهاية الأمر كان يصدر بياناً مقتضباً حول «سقوط قائد في ساحة المعركة». هذه المرة لم يكن بإمكانه التستر على اغتيال المسؤول الكبير، لكنه اضطر للانتظار ثلاثة أيام لبناء عذر.